الأستاذة نادية محمد هزاع

مخرجة يمنية، ومديرة عام البرامج بقناة عدن الفضائية

(مستشارة عدد المرأة في مجال الإعلام)

 

 

احتلت المرأة منذ وقت مبكر مكانتها في كل وسائل الإعلام بمختلف وسائطها المقروءة والمسموعة والمرئية. وعلى الرغم من تواضع حضورها في البدايات، نظرًا للظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد المقيدة لانطلاقتها، فإنها صبرت وناضلت؛ بل وعملت على تجاوز كل العراقيل والموانع والإحباطات والسخرية في معظم الأحيان ولم تستسلم. إضافة إلى ذلك، سعت إلى تحقيق أهدافها وكل ما تريد، وصارت رقمًا يصعب تجاوزه أو القفز على حضورها الفاعل والمؤثر في كل الوسائل الإعلامية. ووصلت إلى صدارة المشهد، كوزيرة ونائبة وزير ووكيلة ومدير عام، في عدد من مواقع صنع القرار، وهي ذات تأثير إيجابي مباشر على كل شرائح المجتمع.

لقد وصلت كثير من النساء اليمنيات إلى مستوى عالٍ من الكفاءة والتأهيل؛ مما منحهن الفرصة للمنافسة والتقدم بخطوات واثقة ومؤثرة في محطات كثيرة مع زميلها، وفي العديد من الوسائط الإعلامية المؤثرة.

وما يزال قطاع الإعلام، خاصة الوسائل الإعلامية الرسمية والخاصة، ذا دور قاصِر وتأثير مقيّدٍ وغير فاعل في اليمن بشكل واضح؛ فهو محكوم بهيمنة من يتحكمون بها، مرتهنًا لسياستهم ومسكونًا بعقلية فوقية تحدد اتجاهاته وسياساته على ضوء رغبات من بيده القرار خدمةً لمصالحه واتجاهاته، وبعيدًا كل البعد عن حاجة المجتمع والوطن. والواجب أن يتمثل الإعلام الحقيقي في مهام التغيير الإيجابي والمراقبة على مختلف القضايا المجتمعية، وأيضًا محاسبة لكل مسؤول يخدم المجتمع -إن استدعى الأمر- بكل شفافية وموضوعية وذات دلائل، والعمل على تكثيف الضوء على أي اختلالات في عملية التنفيذ الخلاق لسياسة الدولة والحكومة ومراقبتهما بشفافية خالصة تسمح بمتابعة كل ما يصدر منهما من خطط وبرامج ومدى تنفيذهما على أرض الواقع، بعيدًا عن المحسوبية والفساد والبيروقراطية المقيتة المعطِّلة لمجمل المشاريع والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية المرتبطة بمصالح الناس والمجتمع.

وعليه نتمنى أن يتحرر الإعلام اليمني من هيمنة من يتحكمون به، وإرخاء قبضتهم عنه؛ ليستأثر بدوره الحقيقي كسلطة رابعة منوط بها المراقبة، بعيدًا عن كل القيود والمحاذير المعرقلة لمساره الحقيقي في خدمة المجتمع والانتصار لقضاياه.

فرصٌ مَنَحَت المرأة آفاقًا جديدة

سيبقى الإعلام واحةً تتقاطر تحت ظلالها الأقلام التواقة إلى الحقيقة الممكنة. كما سيبقى وجود المرأة، برِّقة حرفها وهيجان اندفاعها إلى التغيير وحجز مكانتها في عالمه، غايةً لن تهدأ ولن يخفت بريقها، متكئةً -وبقوة- على إرث الرعيل الأول من النساء اللواتي تحدين الواقع وتجاوزن الظروف المقيدة لطموحاتهن في كل المراحل الصعبة، حين كان فيها صوت المرأة عورة وظهورها عيبًا ونشاطها قاصرًا على أعمالٍ بعينها. وبعيدًا عن كل غاية وهدف سعت وعملت على تحقيقهما في هذا المجتمع، وتماشيًا مع العادات والتقاليد التي كان صوتها فيها عاليًا ومؤثرًا على كل فئات المجتمع، لكن تأثير تلك العادات أقوى من قدرة النساء على مقاومتها بفعل هيمنة ذكورية، واعتماد المجتمع على حقيقة المثل القائل ”مع المدى يقطع الحبل الحجر!“

انطلقت المرأة اليمنية نحو آفاق جديدة، ورسمت ملامح طريقها بإيمان مطلق، وعزيمة لا تلين، وإرادة تحدت بها كل الظروف الصعبة التي كادت أن تحد من وثبتها، لولا إيمانها بحتمية الانتصار، مستغلةً بذلك الظروف الموضوعية والتحولات العالمية السريعة المتمثلة في تطور تقنية المعلومات وتوفر الوسائل التي ساعدتها على إيصال صوتها وبروز صورتها وطرح قضاياها على أكثر من صعيد، معتمدةً بذلك على الفرص التعليمية التي أهّلتها لتوسيع مداركها العلمية والثقافية، واحتكاكها المباشر بواقع جديد بدأ يتشكل على أكثر من صعيد.

 ومع الفرص التي مُنحت لشقيقتها المرأة في أكثر من دولة عربية، فقد عانت كثيرًا حتى تمكنت من الوصول إلى هدفها، وقهرت المستحيل لتحقيق غاياتها في أن يكون لها دور بارز في مجال الإعلام، وإن تأخر إلى حين.

مصاعب وتحديات تعوّق انطلاقة المرأة اليمنية

كثيرة تلك المصاعب والمتاعب التي تعوّق انطلاقة المرأة اليمنية في كل المجالات التي تستهويها، وخاصة مجال الإعلام، الذي يأتي ليمثل النقطة الأهم في خياراتها؛ كونه يؤثر ويتأثر بكل ما يعتمل من أحداث وقضايا على كل الصُعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بفعل الصراعات التي أخذت الجميع إلى محطات تتجافى مع كل الأماني المرسومة في بداية كل رحلة، وفرضت ارتداداتها على كل مناحي الحياة، وحدَّت كثيرًا من تحقيق كل الرؤى، بل وأثرت تأثيرًا مباشرًا في رفع مكانة المرأة وطموحها، وتعدد خياراتها، وعملت على التوعية بأهمية دورها الذي بدأ يتشكل وبقوة على أكثر من صعيد في المجتمع. مع ذلك، ستظل الصراعات الداخلية حجر عثرة أمام كل تغيير أفضل للمرأة؛ إذ سنظل نراوح مكاننا طالما والخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات والوقائع، والرؤية المشتركة للحل غير محققة لأي إجماع حقيقي؛ نظرًا لتشعب المصالح والتدخلات الداخلية والخارجية، واتكاء الجميع على فرضية الوقت التي تأخذنا بعيدًا عن الغايات الجمعية للوطن وكل المنتمين له بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية.

هناك نماذج كثيرة من دول العالم المتحضرة والمتحررة من قيود هيمنة وزارة الإعلام المقيدة للعمل الإعلامي في الدولة؛ إذ عملت على إلغاء سيطرة الوزارة، بل وألغت شيئًا اسمه “وزارة الإعلام” من قاموس الحكومة، وبعض الدول استبدلته بــهيئة مشرفة -فقط- على مسار عمل كل الوسائط الإعلامية العاملة في البلد.

 ويتجلى الدور الحقيقي للإعلام ولرسالته التنويرية ومهمته الخالصة في كشف كل بؤر الفساد في المجتمع؛ إذ نالت بشفافية مطلقة أسماءً تتوارى وراء مناصبها الرسمية، وعرَّت بصدق الكثير من المشاكل التي تعوّق مسيرة التنمية والتطور، وعملت على النهوض المنشود لكل أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتنموية الهادفة في مختلف المجالات، والخروج من ربقة الروتين والبيروقراطية المقيتة.

ستبقى الكلمة ركيكةً والمعنى مفقودًا للكلمة الحرة طالما ظلت الدولة فارضة هيمنتها من خلال إطلاق أدواتها وأجهزة رقابتها على أجهزة الإعلام بتنوع رسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، وخاصة في ظل انفتاح الفضاء وتنوع مصادر المعرفة وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت أداةً فاعلة في توصيل الكثير من الحقائق التي كانت مغيبة، وكذا انتشار الفضائيات التي غطت سماء كوكبنا وصارت ناقلة للخبر والصورة، بل والتحليل في لحظة حدوثه قبل أن نقرأه أو نشاهده في وسائلنا الإعلامية الرسمية البعيدة عن مواكبة الحدث بفعل سيطرة من يتحكم بها ممثلة بأدواتها المختلفة.

توصيات لتطوير دور المرأة اليمنية في مجال الإعلام

تُعد حرية الكلمة ضرورية لبناء مجتمعات ديمقراطية وصحية، خاصة في المجالات المؤثرة في المجتمع. وللمرأة الإعلامية أهمية بالغة في تسليط الضوء على مختلف القضايا المجتمعية التي تهم المرأة اليمنية بشكل عام، مثل التعليم والصحة والمشاركة السياسية والعنف ضد المرأة وغير ذلك. ولذا من الضروري أن تتضافر جهود الجميع، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية والمنظمات النسائية والحكومة والمجتمع المدني، لضمان مشاركة المرأة الفاعلة في مجال الإعلام، وذلك عبر الآتي:

اولًا: يجب على كل الجهات المعنية أن تعيد النظر في سيطرتها على ما يتم طرحه في وسائل الإعلام عبر إتاحة المجال لحرية التعبير بشكل أكبر بما يخدم المجتمع بدرجة رئيسية.

ثانيًا: يجب على وسائل الإعلام الرسمية مواكبة التطورات الرقمية وتقديم محتوى مقنع يلبي احتياجات الجمهور، لا سيما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل أداةً فاعلة في نشر المعلومات، إنما يجب استخدامها بمسؤولية أخلاقية وقانونية.

ثالثًا: عن أهمية دور المرأة في مجال الإعلام، يجب العمل على مواجهة التقاليد والأعراف التي تُعوِّق مشاركة المرأة في العمل الإعلامي، ودعمها وتشجيعها.

رابعًا: دعم المؤسسات الإعلامية التي تشجع مشاركة المرأة عبر توفير فرص التدريب والتوظيف في مختلف مجالات العمل الإعلامي.

خامسًا: العمل المشترك على تغيير الصورة النمطية عنها في الإعلام عبر نشر الوعي المجتمع بإبراز دورها الإيجابي في العمل الإعلامي، وهذا سيسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة.

سادسًا: إشراك المرأة الإعلامية في عمليات صنع القرار؛ مما يعزز من مسار الديمقراطية في البلد، وبناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة، يضمن مستقبل أفضل لليمن.

سابعًا: يجب على جميع الجهات المعنية العمل معًا لتمكين المرأة الإعلامية اليمنية من أداء دورها على أكمل وجه، عبر توليها مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية، وعبر توفير برامج تدريبية تكتسب فيها المهارات اللازمة تؤهلها لهذه المناصب، والعمل على توفير بيئة عمل آمنة وداعمة للمرأة.