مجلة المرأة للتنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ
عملت منى أحمد (اسم مستعار) في مجال تصوير الأعراس منذ تخرجها في العام2016 م، لم تجد المؤسسات الإعلامية التي كانت تطمح بالعمل بها، تمنت لو تعمل في إعداد البرامج الوثائقية والتصوير التلفزيوني، إلا أنّ الصراع وآثاره أجبر كثيرًا من الذين ينتمون لهذا المجال بأن يعملوا في مجالات غير التي كانوا يرغبون فيها.
منى أخت لثلاثة أشقاء ذكور، والدها معاق وأمُّها كبيرة في السن، استطاعت أن توافق بين عملها ودورها داخل المنزل، خاصة أنّ عليها القيام بكثير من المهام المنزلية؛ من طبخ وغسيل وتنظيف المنزل، وشراء احتياجات الأسرة؛ من مواد غذائية وما يطلبه والدها، خاصة أنّ أشقاءها يعملون في محافظة أخرى.
تقول منى: “أُمّي لم تعد تستطيع العمل؛ لقد تقدّمت بالسن، وهذا ضاعف معاناتي كثيرًا، لقد كانت تساعدني بأعمال متعددة، وأصبحتُ أتحمل كثيرًا من المهام المنزلية، إلى جانب عملي بالتصوير، وطباعة الصور، وتجهيزها للزبائن في وقت محدد”.
وتضيف: “تعاني أُمّي من ألمٍ بالمفاصل، وهذا المرض يرافقها منذ سنوات، وكبر سنِّها ضاعف في تدهور صحتها أكثر، إلى جانب إعاقة أبي، فأنا أعمل على خدمتهما ومساعدتهما، وأحرص ألَّا يشعرا بحرج أو ثقل أو أيّ احتياج”.
وتتابع: “لقد قمتُ بتجهيز جدول عملي لسير مهامي في المنزل والعمل، وحددت وقتًا لكل ما أقوم به من أعمال، ونجحتُ في تجاوز كلِّ العقبات والتحديات التي تواجهني في إنجاز المهام الوظيفية والأسرية. ولكي تستطيع المرأة العاملة أن تنجح في أيِّ مجال، كان لا بُدّ من أن توازي بين وظيفتها ودورها داخل المنزل؛ لكيلا يحدث أي تقصير منها تجاه أي جانب”.
كثير من الأسر في اليمن تعتمد على المرأة في القيام بالعديد من الأعمال المنزلية، وإن كان لديها عاملات في المنازل تقوم ببعض المهام، مثل تنظيف الأواني وسلالم البيوت، وغسل الملابس. أمّا مهمة الطبخ، فلا تستغني الأسرة عن ربة البيت في تجهيز الطعام، وإن كانت موظفة، ولا تملك الوقت الكافي.
لذلك تحرص المرأة اليمنية العاملة في أن توازن بين وظيفتها وبين مهامها في المنزل، فهي بالفطرة قد تعوّدت على أن تفرق بعملها في الجانبين الأسري والوظيفي، ودون الاعتماد على وجود شغّالة تساعدها في التخفيف من دورها الأسري. بما فيها المرأة العاملة في المجال الإعلامي.
تقول عبير علي (صحفية): “إنّ دور وسائل الإعلام يكمن في عدم تكليفها بأشياء فوق المتاح لديها، وكذا تقديرها في الوقت الذي تحتاج فيه إلى راحة؛ كالأوقات التي تتعرض فيها لضغوط أسرية خارجة عن إرادتها”.
وتضيف: “يساعد الرجل المرأة بالترتيب لحياتهما وتنظيمها أولًا، واقتسام المسؤوليات والمهام بينهما؛ لأنّ كليهما عاملان، ولا بُدّ من المشاركة بينهما؛ لتخفيف الضغوط عليها، ومشاركتها في مسؤوليات الأطفال، التي غالبًا ما تُركن على المرأة وحدها، كذا تقديرها في حال تعرضها لضغط عمل”.
إنّ ثقافة المجتمع تتفق على أنّ المرأة لا بُدّ أن تعمل في منزلها، وإن كانت موظفة في منصب كبير ولساعات طويلة، خاصة في المجتمعات التي لا يمكن أن تعذر المرأة في أن تتجاوز بعض المهام الأسرية.
هناك العديد من الظروف الأسرية التي لو لم تستطع المرأة حلها، فإنها ستكون سببًا في مغادرة كثير من النساء من مواصلة عملهنّ، لا سيّما المرأة العاملة في المجال الإعلامي، التي تلعب دورًا مهمًّا في الوسائل الإعلامية المختلفة؛ فهي المذيعة والمخرجة والمصورة والمحررة والمراسلة والصحفية ومعدة البرامج والمقررة.
خاصة أنّ المجال الإعلامي من المجالات التي يرى كثير من أبناء المجتمع أنه يسرق وقت المرأة؛ إذ لم تجد وقتًا كافيًا لأسرتها وزوجها وأطفالها، ولن تستطيع التفريق بين شغلها ودورها الأسري، إلا أنّ المرأة أثبتت أنّها قادرة على إدارة وقتها دون الإضرار بأي جانب؛ سواء الوظيفي أو الأسري.
مدى توافق الحياة الوظيفية للمرأة مع الحياة الأسرية
تحكي رنا الحبيشي (إعلامية) لصحيفة المرأة في التنمية والسلام؛ كيف توافق بين عملها في مجال التصوير، وبين دورها الأسري؛ إذ تقول: “كان بداية عملي عبارة عن تصوير الأعراس؛ فعادة هذه المناسبات في الحديدة أن تكون بعد المغرب. وطبيعة حياتنا في اليمن تكون أغلب أعمالنا المنزلية قد انتهت مع مغرب اليوم”.
وتتابع رنا حديثها: “أحرص أن أنجز عملي المنزلي إلى العصرية من كل يوم، بعدها أبدأ بالتجهيز للعمل الذي يبدأ بعد صلاة العشاء مباشرة، بعدها أنطلق للعمل. أمّا إذا كان لديَّ عمل تصوير في الصباح، مثل حفلات التخرج، وتصوير المؤتمرات، وغيرها من الفعاليات، فأحرص أن يكون فطورنا عبارة عن وجبة جاهزة، وبالنسبة لترتيب البيت فيكون شبه نظيف؛ خاصة أنه بداية اليوم، ثم أنطلق إلى العمل”.
وتضيف: “أحيانًا يتطلب عملي البقاء في العمل إلى بعد الظهيرة، حينها أتّصل بوالدتي وأخبرها أني سأتأخر، فتقوم أمي بتجهيز وجبة الغذاء، وعندما أعود أكمل بقية المهام. فأغلب الأعمال المنزلية عادة تكون وقت الظهيرة وبكثرة، أهمها تجهيز وجبة الغذاء، وغسل الأواني، وتنظيف البيت”.
تقول رنا في حديثها: “إنّها تواجه كثيرًا من المتاعب حين يكون لديها أكثر من مهمة تصوير، لا سيّما إذا كان صباحًا ومساءً، فتحاول تحمّل ضغط العمل بحكم أنّها الفتاة الوحيدة في المنزل، وأنّ عليها القيام بجميع الأعمال المنزلية، إلى جانب عملها في مجال التصوير”.
من جهتها تقول إعلامية (طلبت عدم ذكر اسمها): “إنّ المرأة العاملة في المجال الإعلامي تنجح في عملها إذا ارتبطت برجل يعمل في مجالها، فهو سيدرك طبيعة عملها، وسيتفهم انشغالها، وبالطبع سيعمل على مساعدتها في أن توافق بين عملها كإعلامية، وبين واجباتها الأسرية”.
مؤكدة: “التوافق والانسجام بين الزوجين يساعدهما على تحقيق النجاح معًا، ومساعدة بعضهم الآخر، هذا أيضًا مهمٌّ في نجاح عمل المرأة، ومواصلة دورها في مجالها، بما فيها المجال الإعلامي”.
وترى أنّ الأسرة تلعب دورًا كبيرًا في مساعدة المرأة الموظفة في تلك الأسرة، خاصة إذا كانت في مجال لا يرتبط بدوام معين، مثل بعض المجالات الإعلامية.
موضحة: “لولا أخواتي وأمي ومساعدتهنّ لي في القيام بمهامي المنزلية، لم أستطع أن أنجز كثيرًا من المهام والأعمال، وحتى رعاية أطفالي والاهتمام بهم في وقت سفري أو قيامي ببعض الأعمال”.
نماذج لنساء في المجال الإعلامي
هناك العديد من الإعلاميات اليمنيات اللاتي تميزن بالإبداع والتميز في أدائهنّ، بل وأثبتنَ قدرتهنّ في الخوض بالعمل الإعلامي، في ظل مجتمع محافظ يرى أنّ مكان المرأة هو بيتها، وعملها خدمة أسرتها.
وهناك العديد من النماذج الإعلامية من النساء في اليمن، اللواتي مثلنَ اليمن في أبهى صورة، بل كان لهنّ حضور مشرف في الإعلام اليمني بمختلف الوسائل الإعلامية اليمنية؛ سواء مقروءة أو مرئية أو مسموعة.
تعدّ مها البريهي من أشهر الإعلاميات اليمنيات، وهي أم لثلاثة أولاد؛ ابنينِ وبنت، تخرجت من جامعة صنعاء، كلية الآداب، قسم الإعلام، عملت في العديد من المهام بالمجال الإعلامي، منها مدير إدارة برامج المرأة والطفل، في قناة اليمن سابقًا، ومدير عام الإدارة العامة للمرأة، بالمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون.
ولدت مها البريهي في محافظة إب، في العام1975 م، تلقت تعليمها في مدينة الحديدة، وقدّمت برامج الأطفال في إذاعة الحديدة، ثم انتقلت إلى العاصمة صنعاء؛ لتلتحق بالعمل الإذاعي عام 1990 م، وبدأت العمل في التلفزيون 1991م.
قدّمت العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، منها المحميات الطبيعية، وبرنامج الوجه الآخر، ودنيا حواء، وبرنامج على طريق الديمقراطية، وأصداء الكلمات، وبرنامج كلمات في حب الوطن، وبرنامج جلسة عربية، وبرنامج الجزر اليمنية، وبرنامج سهرة عربية مشتركة؛ اليمن وسوريا، وكثير من الأعمال.
كما شاركت في العديد من المهرجانات والفعاليات العربية، أبرزها مهرجان الرواد والمبدعين العرب في عمَّان/ الأردن في العام2009 م، ومهرجان القاهرة التاسع للإذاعة والتلفزيون2007 م، ومهرجان خريف صلالة 2000م، والمؤتمر الثاني للمرأة العربية 2002 م عمَّان/ الأردن.
هديل اليماني (صحفية يمنية) استطاعت أن تصنع لها اسمًا بارزًا في مجال المراسلة الميدانية، رغم الصعوبات التي تواجهها العاملة في هذا المجال، في مجتمع يرى أنّ وجود المرأة كمراسلة في الميدان يشكل خطراً عليها، ويُفضل أن يكون رجلًا.
ولدت هديل اليماني في مديرية القبيطة بمحافظة تعز عام 1991 م، درست بكلية الإعلام في جامعة صنعاء، من أسرة مثقفة، أمُّها معلمة، ووالدها باحث تربوي، تميزت بالبساطة وعدم التصنع، إلى جانب امتلاكها الشجاعة للخوض في العمل الميداني.
عملت في قناة يمن شباب، وقدّمت برنامج (من وسط الزحام) وهو برنامج ثقافي اجتماعي، تناول العديد من قصص المبدعين اليمنيين، كما نقل عادات البلاد وتقاليدها؛ من خلال فقراته المختلفة والمتنوعة. ثمَّ انتقلت للعمل في قناة الجزيرة كمراسلة ميدانية.
قالت هديل في مقابلة صحفية لها: “إنّ قرار الالتحاق بقناة الجزيرة جاء بشكل مفاجئ؛ إذ رُشِّحتُ مع العديد من الفتيات، واختاروني حسب المعاير والشروط، وكان أول تقرير لي عن مرضى السرطان في اليمن”.
نادية هزاع (إعلامية يمنية مشهورة) عملت في مجال الإخراج التلفزيوني، أم لخمسة أولاد؛ ثلاث بنات وابنينِ، من مواليد مدينة عدن جنوب البلاد1959 م، وهي أول امرأة يمنية تتولى منصب مدير عام البرامج في قناة عدن الفضائية.
أبرز أعمالها البرنامج الميداني فرسان الميدان، للمقدم يحيى علاو، الذي كان يُبثّ خلال شهر رمضان المبارك، وبرنامج صدى القوافي، وبرنامج سباق الأوائل، والبرنامج المنوعاتي طوف وشوف، وبرنامج كوكتيل، وغيرها من البرامج المتميزة.
قالت نادية هزاع في مقابلة لها مع إحدى الوسائل الإعلامية اليمنية: “إنّ ارتباطها برجل يعمل في مجالها سهّل لها العديد من الصعوبات، واستطاعت بمساعدته أن توافق بين عملها وحياتها الأسرية، وحققت النجاح الذي تتمناه”.