المرأة في التنمية والسلام ـ ياسمين عبدالحفيظ

اجتهدت المرأة اليمنية كثيرًا لعقود طويلة من أجل أن تصل إلى مناصب قيادية مرموقة ومؤثرة في أماكن صنع القرار، مواجهة كل التحديات المجتمعية والسياسية، فقد تعينتِ المديرة والوكيلة والنائبة والوزيرة وأيضًا السفيرة، التي بدورها حققت نجاحات وإنجازات ملموسة على أرض الواقع في مختلف المجالات، أثبتت على إثر ذلك أهمية تعزيز دور المرأة القيادية في اليمن، والعمل على تشجيع النساء في خوض هذا المعترك الذي يعد حكرًا على الرجل.

وعلى الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجهها المرأة اليمنية نتيجة الصراعات المتعددة في اليمن، فإنّها أثبتت جدارتها في العمل الدبلوماسي، ولعبت دورًا مهمًّا في خدمة وطنها، ولعلّ من أبرز الشخصيات النسائية اليمنية الدبلوماسية العاملة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في السلك الدبلوماسي، أمة العليم السوسوة، ورمزية عباس محمد الأرياني، وجميلة علي رجاء، وميرفت مجلي، وسحر غانم، وخديجة السلامي، ومها البريهي، وغيرهنّ من النساء اللاتي لعبنَ دورًا متميزًا في المجال الدبلوماسي.

إنّ كلَّ الإنجازات التي حققتها المرأة اليمنية العاملة في مجال العمل الدبلوماسي في تحقيق التنمية المستدامة، وكسرِها لقيود التهميش والتمييزِ ضدها – كان بعد مواجهاتٍ لتحدياتٍ كثيرة، أهمها: استمرار الصراع الذي حال دون استكمال طموحها في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع سواء داخل اليمن أو خارجه.

كما أنّ من أبرز تأثيرات الصراع على عمل المرأة في المجال الدبلوماسي، انعدام الأمن الذي قلّل من فرص سفر النساء للمشاركة في المؤتمرات والفعاليات الدولية، والحد من فرصهنّ في تطوير مهاراتهنّ، واكتساب الخبرات في المجال الدبلوماسي، كما أدّى النزوح الداخلي إلى تشتت العائلات، وصعوبة التفرغ للعمل الدبلوماسي، بالإضافة إلى افتقار الدعم اللازم من قبل الحكومة والمجتمع المدني لدخول المرأة السلك الدبلوماسي.

الصراع وتأثيره المجتمعي  

بعد رحلة كفاح، نجحت كثير من النساء اليمنيات في انتزاع حقوقهنّ، وحصلنَ على مشاركة في مناصب مهمة في الدولة، إلّا أنّ تداعيات الصراع الدائر منذ 2015م الذي دمّر أغلب مؤسسات الدولة، وانعدام الأمن والأمان، أدّى إلى تراجع مشاركة دور المرأة في مجالات عدة، منها المجال الدبلوماسي.

إنّ كثيرًا من النساء فقدنَ مناصبهنّ بفعل الصراع، وأخريات اضطررنَ لترك العمل، بعدما انقطعت رواتبهنّ، وهناك من أجبرت على النزوح داخليًّا أو الهجرة إلى خارج البلاد بحثًا عن الأمان، بالإضافة إلى نساء فضّلنَ البقاء في المنزل وعدم مواصلة العمل لأسباب أمنية وغيرها.

عمل الصراع على تهميش دور النساء العاملات في مختلف المجالات والقطاعات في اليمن، إذ أصبحت التعينات في الوظائف الإدارية تركز على عدد الرجال مقارنة بالنساء اللاتي يخترْن في الأغلب حسب توجهات معينة، وبأقل كفاءة وقدرة في تحمل المسئولية، كما هُمِّشت العديد من النساء في مختلف المجالات التي سيطر عليها الرجال خصوصًا المناصب القيادية منها.

لم يؤثر الصراع في اليمن على النساء العاملات في السلك الدبلوماسي فقط، بل تضررت المرأة العاملة في شتّى المجالات بشكل عام، هذا ما أكدته دراسة صادرة عن مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية بعنوان: (تداعيات الحرب على القوى العاملة من النساء) يوليو 2019م، إذ أكدت على أنّ النساء العاملات قد تضررنَ بفعل الصراع بشكل كبير مقارنة بالرجال، وأنّ كثيرًا من المشاريع النسائية والشركات أغلقت بفعل الصراع؛ ممّا أجبرت كثير منهنّ للعمل في مجالات أخرى غير مجالاتهنّ لمساعدة أسرهنّ، بعدما فقد العديد من الرجال رواتبهم، وتضرر مصادر الدخل لديهم.

تقول لميس حسن الحامدي (محامية وناشطة حقوقية): “إنّ المرأة اليمنية تعاني من الحصول على مناصب في السلك الدبلوماسي منذ زمن طويل؛ إذ كافحت الأستاذة رمزية الإرياني للوصول إلى منصب في المجال، واستطاعت بعد مشقة كبيرة أن تحقق نجاحًا كبيرًا، وأصبحت دبلوماسية بارزة في البلاد”.

وأضافت أنّ معاناة المرأة من عدم المشاركة في العمل الدبلوماسي ليست وليدة اليوم، وإنّما هي موجودة منذ زمن طويل، لكن إصرار كثير من النساء اليمنيات للوصول لهذا المجال جعلهنّ يدخلنَ المجال الدبلوماسي، ويلعبنَ دورًا مهمًّا في هذا المجال. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المرأة اليمنية لانتزاع حقها في الحصول على مناصب في السلك الدبلوماسي فإنّها ما زالت تعاني من التهميش.

المرأة بعيدة عن صنع القرار

يعدُّ غياب المرأة اليمنية عن المناصب الدبلوماسية أحد أبرزِ التناقضات في المجتمع اليمنيِ؛ ففي الوقت الذي تشارك فيه المرأة بشكل فاعل في مختلف المجالات، فإنها ما تزال بعيدة عن صنع القرارِ في المجال الدبلوماسي.

هنا تشير لميس حسن الحامدي إلى أنّه في الوقت الحالي أصبح وجود المرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي يقتصر على منصب واحد في إحدى الدول الأوروبية، في حين يسيطر الرجال على المناصب الدبلوماسية الأخرى، ويعاد تدويرهم بشكل مستمر، في المقابل هناك كثير من الأدوار التي تلعبها المرأة على جميع المستويات في صنع السلام وحل النزاع ودعم التنمية، تتيح لها فرصة المشاركة السياسية.

من جانبه يرى جمال محمد الجعبي (رئيس مركز حماية حقوق المرأة) أنّ المرأة اليمنية استطاعت أن تفرض وجودها دبلوماسيًّا خلال الأعوام الماضية بشكل ملحوظ، وتبوَّأت منصب السفير في أكثر من دولة، وكذا مواقع دبلوماسية مختلفة، وقدّمت خلالها أداءً دبلوماسيًّا متميزًا، واستطاعت تمثيل الوطن بشكل لائق، وعلى الرغم من أنّ العدد ليس كبيرًا في مشاركة المرأة في السلك الدبلوماسي فإنّ التأثير كان واضحًا، ويعدّ إنجازًا في ظل هذه الظروف.

ويقول الجعبي: “أمّا عن الصعوبات التي تواجه المرأة، فهي لا تختلف عن التحديات التي يواجهها الرجل، من صعوبة التأقلم مع المكان المعينة فيه، وترتيبات الأسرة والأبناء في الدراسة، والابتعاد عن المحيط الاجتماعي المحلي، بحسب مقتضيات السفر والتنقل”.

وأكد أنّ الصراع في اليمن قد انعكس على انخفاض مستوى المشاركة النسائية؛ إذ سادت ثقافة التقليل من قيمة مشاركة المرأة ليس في السلك الدبلوماسي فقط، وإنما في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية، واحتُكرت كثير من المناصب للرجال، وهُمّشت النساء في كثير منها.

استثمار الكفاءات النسائية

يرى الجعبي أنّ أبرز التحديات التي تواجه النساء العاملات في السلك الدبلوماسي هي: حكر الوظائف المتعلقة بالسلك الدبلوماسي على الرجل؛ إذ إنّ جانبًا من القوى السياسية يرفضون وجود النساء في المعترك السياسي وخاصة الدبلوماسي، وعدم منح النساء حقهنّ من الكوتا في المشاركة بالمناصب القيادية في مؤسسات الدولة، البالغ 30%، الذي اتُّفِق عليه ضمن مخرجات الحوار الوطني، كما أنّ إعادة تدوير الشخصيات السياسية في كل حركة تغيير للحكومة يعدُّ من أهمّ التحديات التي لا تستثمر الكفاءات والخبرات المتنوعة، خاصة النسائية في المجال الدبلوماسي.

ويشير الجعبي إلى مجموعة من الحلول، منها رفع قدرات الإرادة السياسية في تمكين المرأة في السلك الدبلوماسي، والتزام القوى السياسية بما تعهدوا به ووقعوا عليه بمنح النساء حصة (كوتا) بحد أدنى 30٪، وعدم تدوير الشخصيات في المناصب الدبلوماسية، بالإضافة إلى فتح مجال للنساء لتولى المناصب في السلك الدبلوماسي.

من جهتها تقول عبير محمد الخضاف (رئيسة تحرير موقع عبير برس): “إنّ دور المرأة اليمنية أصبح يشكل جزءًا فاعلًا في ساحة العمل الوطني، وقد أنجزت كثيرًا، وناضلت في تحقيق طموحها في السلك الدبلوماسي، وحولت الأهداف إلى خطوات هادفة لزيادة مشاركتها الفاعلة في العمل السياسي، والحياة العامة، والبناء التنموي، الذي أفسح المجال أمامها في شغل المناصب القيادية في الدولة؛ بما في ذلك عضويتها في مجلس النواب والوزراء والشورى وغيرها”.

وتتابع بالقول: “نحن كنساء لدينا إيمان عميق بدور المرأة الذي لا يقل أهمية عن دور الرجل في إحداث التنمية الشاملة؛ إذ أصبحت المرأة تحتل مكانة رائدة في صدر الاهتمامات الوطنية والدولية، بحكم ما لديها من إمكانيات وقدرات تؤهلها لأن تتبوأ أعلى مراتب المسئولية في جميع القطاعات والمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”.

وأضافت: “أنّ اليمن تعاني من حالة غير مستقرة على مختلف المستويات منذ العام 2011م، التي انتهت بصراعات مستمرة، بدأت في عام 2015م وما زالت حتى الآن، كما تعاني المرأة اليمنية من عدة قضايا تتعلق بالصحة والتعليم وسبل العيش والاضطرابات السياسية”.

وترى أنّ مشاركة المرأة في الحياة العامة ما تزال محدودة؛ لأنّها لا تحصل على حقِّها في المشاركة في صنع القرار، ولا يزال عمل المرأة في الحياة العامة قضية جدلية داخل المجتمع اليمني. مؤكدة حصر المجتمع مشاركة المرأة في أدوار محددة، وجعل أدوارها ثانوية، ليست أساسية؛ بسبب العادات والتقاليد التي تمنح الهيمنة للرجل.

ورغم التحديات الكثيرة التي تسبب بها الصراع، الذي ساعد في إعاقة وصول المرأة اليمنية إلى مناصب قيادية، فإنّها تجاهد للحصول على حقّها في أن تكون حاضرة في جميع المجالات، خاصة السلك الدبلوماسي، للمشاركة في إنهاء الصراع، والعمل على بناء المستقبل الأفضل لليمن.