المرأة في التنمية والسلام ـ أحمد باجعيم

في ظل الظروف المعقّدة التي تعيشها البلاد، هناك صعوبات جمّة في مختلف المجالات تواجهها المرأة في اليمن، ولا يُستثنى من ذلك مجال العمل الدبلوماسي، سواء داخل اليمن أو خارجه، فمع تزايد الصراعات وغياب الاستقرار، تصبح مهمة دخول المرأة هذا المجال صعبة المنال؛ ومع ذلك، هناك نساء يمنيات اتّصفْنَ بالقوة والشجاعة، واستطعنَ تحقيق غايتهنّ المنشودة في مجال العمل الدبلوماسي بالإصرار والعزيمة، عبر اجتيازهنّ العديد من الصعوبات التي خلَّفها الصراع الدائر في البلاد منذ مطلع العام 2015م.

فقد تمكنت المرأة من اقتحام مجال السلك الدبلوماسي من أوسع أبوابه، وتقلدنَ مناصب مهمة في الوزارات والسفارات والقنصليات، وغيرها من القطاعات المتعلقة بالعمل الدبلوماسي؛ إذ إنَّ نجاحات النساء اليمنيات في العمل الدبلوماسي ألهمَ العديد من الفتيات، وخلق شغفًا لديهنّ لدخول هذا المجال، فمع ازدياد عدد النماذج النسائية الناجحة، أصبح لدى الفتيات الدافع والتشجيع للانطلاق في هذا المسار المهني.

إنّ موضوع مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي يُعدُّ من أهمِّ القضايا التي ما زالت تُناقش على السّاحة الدولية، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو تمكين المرأة في مختلف المجالات، وكيفية مواجهة أبرز التحديات التي تواجهها، والمتمثلة في النظر إلى العمل الدبلوماسي كمهنة ذكورية، وغياب الدعم، والتحيز ضد المرأة في بعض المؤسسات الدبلوماسية.

في هذا التقرير سنسلّط الضوء على الأوضاع التي تعاني منها المرأة اليمنية المنخرطة في العمل الدبلوماسي، وأهمّ التحديات التي تواجهها في مرافق العمل الدبلوماسي، كما سنركّز على أوضاع النساء المستجدات بالعمل الدبلوماسي اللاتي يعانينَ من صعوبة في التأقلم مع بيئة العمل الدبلوماسي، خاصة في ظل وجود ثقافة ذكورية سائدة في بعض المؤسسات، والبحث عن حلول ممكنة تسهم في تحسين أوضاعهنّ المهنية.

أوضاعهنّ في المرافق الدبلوماسية

تسابيح الحريمي (موظفة لدى منظمة تتعلق بحقوق الإنسان في صنعاء) تبيّن أهمية إشراك المرأة في العمل الدبلوماسي، سواء في السفارات أو المرافق الدبلوماسية الأخرى، ومع ذلك ما يزال المجتمع ينظر إلى العمل الدبلوماسي كمهنة حصرية للرجال، مما يُعوّق فرص دخول المرأة هذا المجال بسهولة، وفي حال وجود نساء في الوظائف الدبلوماسية سيكون عددهنّ قليلًا، ورغم ذلك يحققنَ نقلة نوعية وتغييرًا كبيرًا في العمل الدبلوماسي.

وأوضحت أنّ المرأة في العمل الدبلوماسي لها القدرة في تسليط الضوء على أهم القضايا المحورية والنوعية في المجتمع؛ كونها تمتلك القدرة على مناقشة القضايا التي تفيد المجتمع بشكل أعمق ومنصف، كما أنّ مشاركة المرأة في المرافق الدبلوماسية تعطي بوادر إيجابية لعمليات إحلال السلام؛ لمقدرتهن على صنع السلام.

وأشارت الحريمي التي تعدُّ أحد المشاركات في مؤتمر “محاكاة جامعة الدول العربية” المقام في محافظة حضرموت، الذي يعدًّ تدريبًا واقعيًّا في مجال السلك الدبلوماسي – إلى أنّ المرأة اليمنية في المرافق الدبلوماسية تواجه كثيرًا من الصعوبات والتحديات التي تعوّق الدور الذي تتبناه أو تكافح للوصول إليه، ومنها: المطالبة بحلول جذرية للقضايا النسوية؛ كالتمييز الوظيفي، والتحيز للجنس الآخر، وقلة الفرص الوظيفية، كما أنّ صوت المرأة في المرفق الدبلوماسي قد يخضع للتدخلات والمعارضة؛ ممّا يؤثّر على كثير من المفاهيم والقضايا المتعلقة بالمرأة، إضافة الى وجود استثناءات يتميز بها الرجل عن المرأة في ذلك المرفق، نتيجة الوضع اليمني غير المستقر أمنيًّا وسياسيًّا.

من جانبها أوضحت الدكتورة سارة بامهدي، المشاركة في مؤتمر محاكاة الأمم المتحدة كعضو في منظمة اليونيسكو، الذي نفّذ عام 2021م بحضرموت، أنّ من الصعب أن تعطي توصيفًا دقيقًا وواضحًا لأوضاع المرأة في المرافق الدبلوماسية؛ إذ لا توجد إنجازات واضحة المعالم بما يخص المرأة ودورها في إبراز قضايا النساء بهذا المجال؛ فقد حصلت المرأة على تدريبات ومناصب بالسلطات المحلية، لكن فيما يتعلق بمجال السلك الدبلوماسي يعدُّ الأمر صعبًا؛ لأنّ الجهات الرسمية -إذا صح التعبير- لا تودُّ ترقية المرأة في هذا المجال بصورة مستمرة. وعلى الرغم من وجود العديد من النساء في السفارات والوزارات فإنّه يظل ضعيفًا مقارنة بالرجل.

وأضافت سارة بامهدي، أنّ من الصعب وحتى الآن أن توجد امرأة دبلوماسية ذات شأن كبير، على الرغم من قدرتها في أن تكون قدوة ملهمة لكثير من النساء، في خوض العمل بالمرافق الدبلوماسية على المستوى الداخلي أو الخارجي، الذي يُعزّز من سماع صوت المرأة اليمنية والالتفات لمعاناتها، ومع هذا، فإنّ الأزمة اليمنية التي فاقت مدتها تسع سنوات ألحقت معاناة كبيرة على مختلف القطاعات، ولعلَّ دور المرأة بالمجال الدبلوماسي إحدى هذه المعاناة، التي أثّرت بدورها على وجود النساء في المرافق الدبلوماسية المهمة، وقلّصت من فرصهنّ في المشاركة الفاعلة في هذا المجال.

كما أشارت إلى أنّ حضور المرأة اليمنية في المنظمات الدولية يمثل استثناء من قاعدة غيابها عن المرافق الدبلوماسية المهمة، فقد حقّقت المرأة نقلة نوعية على مستوى تطوير الخبرات والقدرات في هذه المنظمات، وأثبتت قدرتها على إحداث تغيير إيجابي في مختلف المجالات.

وفي سياق متصل بيّنت الحقوقية بشرى السعدي، متدربة في المجال الدبلوماسي، أنّ أوضاع المرأة في المرافق الدبلوماسية يتطلب جهودًا كبيرة لتحقيق التمثيل العادل بين الجنسين في المؤسسات الرسمية؛ فإنّ ضمان تمثيل النساء في القرارات الدبلوماسية يعكس تنوع المجتمع وقدرته على معالجة قضايا المجتمع كافة؛ لكون صوت المرأة له تأثير مجتمعي كبير، بالإضافة إلى أنّ أهمية وجود المرأة في المرافق الدبلوماسية يسهم في تعزيز قضايا النساء وحقوقهنّ في المجتمعات المحلية والعالمية؛ إذ يعمل وجود المرأة على تمكينها، ومكافحة التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وتابعت السعدي، أنّ وجود المرأة الدبلوماسية بالمرافق؛ كالوزارات والسفارات والملحقيات، يسهم في تشجيع المرأة الشابة على اتّخاذ خطوات متطورة في حياتها المهنية، ويعزّز من ثقافتها السياسية والحقوقية والمجتمعية، إضافة إلى ذلك، تعدُّ النساء الدبلوماسيات جزءًا مهمًّا في تعزيز الجهود الدولية لتحقيق عملية بناء السلام؛ إذ إنّ وجود وجهات نظر متنوعة ومتعددة سيسهم بشكل كبير في إيجاد حلول أفضل وأكثر شمولًا للتحديات العالمية واليمنية على وجه الخصوص.

الدبلوماسية والمجتمع

تقول تسابيح الحريمي: “أنّ نموذج مؤتمر محاكاة جامعة الدول العربية المنعقد في محافظة حضرموت عام 2022م، كان بداية انخراطي بالتدريب والعمل الدبلوماسي، وبداية تعريفي للمجتمع باهتمامي القوي في مجال العمل الدبلوماسي مستقبلًا، والقدرة على مواجهة التحديات والصعوبات المجتمعية والأمنية والسياسية كافة، وتحويل تلك التحديات إلى نقاط قوة؛ تمكّننا من الانطلاق نحو تحقيق الهدف؛ إذ إنّ المرأة في المجتمع اليمني تواجه نظرة مغايرة عن العالم، لكون المجتمع المحلي في معظم المحافظات اليمنية ما يزال  تسيطر عليه العادات والتقاليد والفكر العقائدي غير المؤمن بأهمية دورها في السلك الدبلوماسي.

كما أكدت، على أنّ نظرة المجتمع لم تكن معيارًا حقيقيًّا لنجاح المرأة أو فشلها بأي مجال تخوض فيه؛ إذ لدى المرأة اليمنية القدرة على تغيير تلك النظرة الضيقة تجاهها؛ سواء داخل المرافق العاملة في المجال الدبلوماسي أو خارجها؛ من خلال الاستمرار في تحقيق الإنجازات في العمل الحقوقي والإنساني والسياسي المرتبط بالعمل الدبلوماسي، الذي يعدُّ المسار الصحيح في رسم الطريق نحو النجاح والتمييز في المجال الدبلوماسي.

من جانبها أوضحت بشرى السعدي، أنّ المرأة اليمنية المنخرطة بالعمل الدبلوماسي تواجه تحديات ثقافية واجتماعية؛ إذ إنّ النظرة المجتمعية غالبًا ما تكون حادّة تجاه المرأة العاملة، خصوصًا في المرافق التي يكثر بها الرجال، وهذا الشيء في المجتمعات الخارجية تجاوزته بمراحل عديدة، ولكن ما زال في مجتمعنا المحلي يحتاج إلى توعية وتثقيف تجاه النظرة الموجهة للمرأة، بالإضافة إلى ذلك، تعاني المرأة من قلة الفرص التعليمية والمهنية.

وبيّنت، أنّه يمكن معالجة هذه التحديات عبر تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية انخراط المرأة في العمل الحقوقي والدبلوماسي، وتوفير فرص التعليم والتدريب، وتشجيع التمثيل النسائي، وبناء شبكات داعمة.

ونوّهت، بأنّها تعدُّ واحدة من النساء المنخرطات في العمل الدبلوماسي؛ إذ تدرك تمامًا تأثير تلك التحديات والصعوبات التي تواجهها المرأة في العمل الدبلوماسي، ومع ذلك، تؤكّد أنّه بالإمكان تغيير الواقع وتحقيق تقدم كبير، عبر إعطائها الحق في تولّي مناصب رفيعة في الدبلوماسية اليمنية، وتمثيل اليمن في المؤتمرات والمحافل الدولية، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمرُّ بها اليمن، والعمل في صياغة السياسات واتخاذ القرارات المهمة.

وأضافت، أنّ النساء يؤمنَّ بقدراتهنّ على مواصلة التعلم، وتطوير مهاراتهنّ الشخصية والدبلوماسية، إن توفرت الفرص لذلك؛ الأمر الذي سيساعد في تحقيق التطور في المجال الدبلوماسي، بالإضافة إلى التعاون المشترك مع الجهات المعنية كافة لبناء شبكات داعمة توفّر فرصًا للتطوير المهني للمرأة اليمنية؛ لتمكينها من أن تصبح قائدة في مختلف المجالات، وخاصة المجال الدبلوماسي.

المعالجات

تطرقت تسابيح الحريمي إلى ذكر عدة معالجات لتعزيز وجود المرأة بالعمل الدبلوماسي، أهمها التوعية المجتمعية بدور المرأة وأهميتها في مختلف المجالات والقطاعات التنموية والحقوقية والخدمية؛ لتحقيق التنمية الشاملة التي تحسّن من مكانة البلاد على المستوى العالمي، والاهتمام من قبل القطاعين العام والخاص بالنساء المنخرطات بالسلك الدبلوماسي؛ من خلال تقديم منح تدريبية وتأهيلية؛ سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، والعمل على تقوية الترابط بين النساء والمنظمات الدولية التي تختص في مجال تطوير العمل الدبلوماسي؛ للرّفع من خبراتهنّ في هذا المجال، بالإضافة إلى حصولهنّ على فرص عمل تدريبي في السفارات والوزارات والملحقيات؛ لرفع القدرات المهاراتية على أرض الواقع، والمشاركة الفعّالة بعمليات التفاوض وبناء السلام.

كما تشير الحريمي،  إلى أهمية إشراك النساء العاملات في السلك الدبلوماسي، في فعاليات تدريبية للاستفادة من خبراتهنّ العملية، ومعرفة التحديات التي يمررنَ بها، ومثال على ذلك فعالية “مؤتمر محاكاة الأمم المتحدة والجامعة العربية”، الذي يُنفَّذ لأول مرة في اليمن؛ إذ إنّ المشارِكات استفدنَ من هذا المؤتمر بشكل كبير من ناحية الممارسة التطبيقية وفهم سياسيات الدول التي يمثلونها في المؤتمر، وطريقة تعاملهنّ مع القضايا الشائكة، وكيفية طرحها ومناقشتها، وأيضًا معالجتها، وعملية التصويت على المشاريع التطويرية، والعمل على توسعة شبكات العلاقات؛ سواء مع المشاركاتِ والمدربين أو مع الجهات المانحة والمعنية.

وقد ذكرت الدكتورة سارة بامهدي، أنّ المعالجات تكمن في الرفع من رغبات الجهات الرسمية بترقية النساء للمناصب الدبلوماسية، التي تعدُّ حقًّا مشروعًا للمرأة في أن تعمل بهذا المجال؛ نظرًا لقدراتهنّ المؤهّلة وخبراتهنّ الطويلة في العمل المؤسسي والتفاوضي، والعمل على توفير عوامل التدريب والتأهيل للمرأة؛ لتعزيز قدراتهنّ في العمل الدبلوماسي، كما يتطلب من المنظمات والقطاعات التي تمثل النساء؛ كاللجنة الوطنية للمرأة، واتّحاد نساء اليمن، توقيع اتفاقيات وشراكات مع المنظمات الدولية والوزارات والسفارات؛ للعمل على تأهيل النساء وتدريبهنّ في  مجال العمل الدبلوماسي، وإبراز دورهنّ الحقيقي.

وتناولت بشرى السعدي، بعض النقاط لتعزيز دور المرأة في المرافق الدبلوماسية، أهمها: زيادة التمثيل النسوي في الوزارات والسفارات والقنصليات والملحقيات، وتشجيع حصول النساء على المناصب القيادية داخل المرافق الدبلوماسية، ودعم الشبكات المهنية، وتوسيع نطاق عملها، لتشمل المحافظات اليمنية، والعمل على التوعية المجتمعية بحقوق المرأة، وأهمية دورها في المجتمع، وتغيير النمطية الثقافية للمجتمع.

وأضافت، أنّ مشاركة المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي أحدُ أهمِّ المؤشرات على تمكينها في مختلف المجالات؛ وذلك من خلال مشاركتها في المناقشات والمبادرات المحلية والدولية، التي ساعدت بشكل كبير في تعزيز دورها الدبلوماسي، ودعم المساواة بين الجنسين في هذا المجال.

إذ مثلت مشاركة بشرى السعدي، في مؤتمر محاكاة جامعة الدول العربية نموذجًا مُشرفًا للمرأة اليمنية؛ إذ ساعدت مشاركتها في المؤتمر في تطويرها وبناء قدراتها في عمليات التفاوض، وتعزيز خبراتها، وبناء الثقة بالنفس، التي تعدُّ من أبرز النقاط الإيجابية التي خرج بها المشاركون في المؤتمر، وخلق رؤية واضحة للعمل مستقبلًا في المجال الدبلوماسي؛ سواء كسفيرة أو وزيرة للخارجية، كما ساعدها في توسيع شبكات علاقاتها الاجتماعية في مجال العمل الدبلوماسي، من خلال التواصل مع الدبلوماسيين والخبراء في هذا المجال، لاكتساب خبرات جديدة.

وفي ختام التقرير، يتطلب العمل المشترك لتحسين أوضاع النساء اليمنيات العاملات في السلك الدبلوماسي داخل المرافق أولًا، وتعزيز تمكينهنّ وتشجيعهنّ على الانخراط بشكل أكبر في الشؤون الدولية، لما لهنّ من شأن كبير في مواقع صنع القرار؛ للنهوض بوضع اليمن إلى الأفضل.