آثار علي

المديرة التنفيذية لمؤسسة PASS

عضو الفريق المحلي لتنفيذ الخطة الوطنية لأجندة WPS

استشارية نوع اجتماعي وبناء السلام

(مستشارة عدد المرأة في العمل الدبلوماسي)

 

هل تخيلت يومًا امرأة يمنية سفيرة تمثل بلادنا؟ كم مرة تابعت إنجازات دبلوماسية للنساء اليمنيات وهن يحطمن قيودًا، ويتحدين أعرافًا راسخة في مجتمعنا اليمني؟!

كل الصعوبات والمعوقات التي تواجهها نساء اليمن تبرز إرادة نسائها كأشعة نور تخترق الظلام، حاملات راية المشاركة المتساوية في مختلف المجالات، ومن بينها السلك الدبلوماسي. ولطالما لعبت المرأة اليمنية دورًا مهمًا في مختلف مجالات الحياة، ولم يكن السلك الدبلوماسي استثناءً. فمنذ فجر التاريخ، سطرت المرأة اليمنية قصصًا مشرقة في مجال الدبلوماسية وواجهت العديد من التحديات لكنها واصلت السعي لتحقيق أهدافها وخدمة بلدها.

تُعدّ اليمن من الدول العربية الجيدة في مجال مشاركة المرأة في السلك الدبلوماسي، فمنذ عام 2000، زادت نسبة تمثيل المرأة في السلك الدبلوماسي اليمني بحسب تقرير وزارة الخارجية اليمنية للعام 2022. ومع أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني نصت على ألَّا تقل مشاركة النساء عن 30%، فإننا نرى أن التعيينات منذ 2014 تخالف ذلك.

الجدير بالذكر أن المرأة اليمنية تاريخيًا تمكنت من كسر حواجز التهميش والإقصاء، فخلال القرن العشرين  وحتى الآن، تقلدت النساء اليمنيات العديد من المناصب المختلفة في السلك الدبلوماسي، نذكر منها -على سبيل المثال- أمة العليم السوسوة، رمزية الإرياني، إلهام مبجر، جميلة علي رجاء، الدكتورة ميرفت مجلي وسحر غانم وغيرهن. ومرورًا عبر سنوات من الكفاح والنضال والمناصرة لقضايا تمكين النساء، تقلدت العديد من اليمنيات مناصب في السلك الدبلوماسي، وتلاهن العديد من النساء اللواتي شغلن مناصب دبلوماسية مختلفة، إذ تشير الإحصائيات أدناه إلى النسب المتفاوتة في تمثيل المرأة دبلوماسيًا، وهي تبين الحاجة الملحة لتمكين النساء في السلك الدبلوماسي.

عن تقرير للائتلاف المدني الحقوقي والنسوي (كارف) بشأن تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، تُشير البيانات إلى التمثيل الضئيل للمرأة في المناصب الدبلوماسية العليا؛ إذ توجد حاليًا 3 سفيرات فقط، أما بالنسبة للبيانات التي وفرتها وزارة الخارجية فتشمل السفيرات المتقاعدات أيضًا:

الدرجة الوظيفية الحالية ذكور إناث الإجمالي نسبة النساء
وزير 4 4
سفير 168 11 179 6.1%
وزير مفوض 70 6 76 7.9%
مستشار 53 3 56 5.4%
سكرتير أول 123 25 148 16.9%
سكرتير ثاني 74 17 91 18.7%
سكرتير ثالث 104 27 131 20.6%
ملحق دبلوماسي 53 12 65 18.5%
إداري 170 25 195 12.8%
الإجمالي 819 126 945 13.3%

المصدر وزارة الخارجية 2018م

لقد حققت العديد من الدبلوماسيات اليمنيات إنجازات دبلوماسية مميزة؛ فقد أسهمن في تعزيز العلاقات اليمنية مع الدول الأخرى، ودعم القضايا العربية والإسلامية. كما حصلت العديد منهن على جوائز وتقدير دولي على إنجازاتهن المؤثرة، بالإضافة إلى قدرتهن على تمثيل بلادهن بكفاءة عالية في مختلف المحافل الدولية، مثل المؤتمرات والاجتماعات والمنتديات الدولية، وتعزيز التعاون الدولي لبلادنا جنبًا إلى جنب مع الرجال الدبلوماسيين اليمنيين.

وها نحن ذا على مشارف اليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي، الذي يتم الاحتفال به سنويًا في 24 يونيو، الذي أُصدر قرارِ إنشائه في الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في 14 يونيو 2022، نظرًا للدور المتميز الذي تلعبه النساء الدبلوماسيات حول العالم، وتقديرًا للدور المحوري للمرأة في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلام، وترسيخ مبادئ الأمن والاستقرار والسلم في العالم، وتحقيق التنمية المستدامة. مع التأكيد على استمرار أحقية تمكين النساء اليمنيات في كل مفاصل الدولة، ومنها السلك الدبلوماسي، وأن تصبح النساء الدبلوماسيات ملهمات للاقتداء بهن في رحلة كفاحهن وتطورهن لباقي النساء في مختلف قطاعات الدولة، التي ربما لم تحظَ بعْدُ بفرصة ملائمة لمشاركة حقيقية وفاعلة.

كسر القيود وتحدي الأعراف

واجهت المرأة اليمنية العديد من التحديات في المجال الدبلوماسي، لكنها تمكنت من كسر هذه القيود وإثبات قدرتها على النجاح في هذا المجال. وتُعد المرأة اليمنية نموذجًا ملهمًا للنساء في جميع أنحاء العالم، إذ تُظهر قدرتها على تحقيق إنجازات عظيمة على الرغم من الظروف الصعبة، فقد استطاعت مواجهة العديد من التحديات التي تتمثل في الآتي:

  1. التحيز على أساس النوع الاجتماعي؛ إذ ما تزال بعض المجتمعات تنظر إلى العمل الدبلوماسي كمهنة للرجال؛ نظرًا للأعراف والعادات والتقاليد، فتواجه المرأة اليمنية معارضة من قبل عائلتها أو مجتمعها للعمل في المجال الدبلوماسي، خاصة إذا كان ذلك يتطلب السفر إلى الخارج. كما أدى الصراع الجاري في بلادنا -منذ العام 2015 وحتى الآن- إلى صعوبة عمل المرأة اليمنية في الخارج، مما اضطر العديد من الدبلوماسيات اليمنيات إلى مغادرة مناصبهن والعودة إلى اليمن. ويُصعب على النساء أيضًا الحصول على الفرص والترقيات المستحقة.
  2. التوازن بين العمل والحياة الشخصية: وهنا قد تواجه النساء تحديًا في الموازنة بين مسؤوليات العمل والعائلة، خاصة في ظل قلة الدعم من قبل أرباب العمل أو أفراد الأسرة.
  3. نقص الفرص التدريبية والتطويرية؛ إذ لا تحصل النساء اليمنيات على نفس فرص التدريب والتطوير المهني التي يحصل عليها الرجال، خاصة في المجال الدبلوماسي؛ الأمر الذي يعوِّق من تقدمهن في مسيرتهن المهنية والدبلوماسية.

تأثير الصراع على المرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي

للصراع في اليمن تأثير مدمر على جميع جوانب الحياة، ولم يكن السلك الدبلوماسي استثناءً من هذه التأثيرات التي جرفت كل القطاعات والمؤسسات التابعة للدولة. وقد واجهت المرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي العديد من الصعوبات بسبب استمرار الصراع في اليمن، مثل تقليصات في الإنفاق الحكومي على جميع القطاعات بما في ذلك وزارة الخارجية؛ الأمر الذي أثر على فرص عمل المرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي.

كما أدت زيادة نسبة العنف ضد المرأة في اليمن خلال فترة الصراع إلى صعوبة حصول المرأة اليمنية على فرص عمل مناسبة في بيئة آمنة وداعمة في مختلف المجالات، خاصة في المجال الدبلوماسي، أو المشاركة الفاعلة في مفاوضات السلام؛ إذ أدى اغلاق العديد من السفارات اليمنية في الخارج نتيجة الصراع إلى فقدان العديد من النساء اليمنيات لوظائفهن وبقائهن في اليمن.

وقد كانت مشاركة النساء في عملية المفاوضات التي تمت عبر مراحل مختلفة خلال السنوات الماضية ضئيلة جدًا، وكان قرار مجلس الأمن 2216 غير مستجيب للنوع الاجتماعي من جميع أطراف النزاع في اليمن، لدرجة أن هناك مباحثات للسلام عقدت من دون أي وجود أو تمثيل للنساء اليمنيات.

إصرار ضد التحديات

لقد أظهرت المرأة اليمنية العاملة في السلك الدبلوماسي قدرتها الهائلة على الصمود والمثابرة والإصرار في مواصلة العمل، فقد واصلت العديد من النساء اليمنيات العمل في السلك الدبلوماسي وذلك على الرغم من المخاطر والصعوبات التي واجهتها، خاصة خلال سنوات الصراع الدائر حاليًا. كما لعبت المرأة اليمنية دورًا مهمًا في جهود السلام في اليمن، وذلك من خلال تمثيلها لبلادها في المحافل الدولية والعمل على حل النزاع بشكل سلمي.

ومع كل ما سبق أصبح جليًا لنا أن هناك العديد من الفرص لنسائنا اليمنيات لمزيد من كسر قيود التمييز وتحدي الأعراف الجائرة والمضي قدمًا نحو المزيد من العطاء والإلهام. كما كان للمجتمع المدني دورًا مميزًا في تنفيذ مبادرات تسهم في دعم المرأة الدبلوماسية اليمنية، وفي غيرها من القطاعات؛ إذ أسهمت منظمات المجتمع المدني النسوية في نشر القرار 1325 والقرارات المكملة له، وهذا من شأنه تمكين النساء سياسيًا ودبلوماسيًا، وإجراء مشاورات وجلسات حوارية، وخلصت النتائج إلى مقترحات إضافية تم تحديدها في عدة قضايا مهمة وذات أولوية. كما تم تنفيذ العديد من ورش العمل حول دليل الإجراءات لعمل المنظمات الدولية والمحلية في مجال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان 2020، والعديد من حملات المناصرة، والتكتل في ائتلافات وشبكات نسوية لمزيد من تعزيز دور المرأة في عملية السلام والعمل الدبلوماسي.

التوصيات

إن التوصيات أو المقترحات اللازمة لتحسين مستوى مشاركة النساء في السلك الدبلوماسي تحتاج أن نقسمها إلى محاور متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

على المستوى الحكومي:

  • زيادة تمثيل المرأة في المناصب الدبلوماسية العليا، مثل مناصب السفراء والممثلين الدائمين في المنظمات الدولية.
  • تخصيص برامج تدريبية متخصصة للنساء في مجال الدبلوماسية، وتوفير فرص تبادل الخبرات مع الدبلوماسيين من مختلف الدول.
  • دعم مشاركة المرأة في المؤتمرات والفعاليات الدبلوماسية الدولية.
  • تخصيص ميزانية كافية لتعزيز مشاركة المرأة في السلك الدبلوماسي.
  • تخصيص نسبة 30٪ كحد أدنى للنساء في مجالي الوظيفة العامة والسياسي ومفاوضات السلام، ووفود التفاوض، وجميع لجان السلام والعمليات السياسية للمدة الانتقالية.
  • اتخاذ تدابير لضمان أن أجندة السلام تستجيب للنوع الاجتماعي، والتشاور الرسمي مع النساء في عملية المفاوضات، بما فيهن النساء الريفيات والناجيات من النزاع، لضمان إدراج أولوياتهن في أي تسوية سياسية.
  • إلزام الحكومة بتأهيل النساء العاملات في السلك الدبلوماسي وبناء قدراتهن.

 على مستوى المجتمع المدني:

  • نشر الوعي بأهمية مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي، وتغيير الأفكار التقليدية التي ما تزال تُعوق مشاركة المرأة في هذا المجال.
  • تقديم الدعم للنساء الراغبات في العمل الدبلوماسي، من خلال توفير التدريب والتوجيه والإرشاد.
  • تنظيم حملات لتعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات الدبلوماسية.

على مستوى المرأة:

  • زيادة اهتمام النساء بالعمل الدبلوماسي والسعي للحصول على التعليم والتدريب اللازمين وتطبيقهم وتطوير مهارتهن بجدية.
  • المشاركة الفاعلة والحقيقية في المؤتمرات والفعاليات الدبلوماسية.
  • بناء شبكات علاقات مع الدبلوماسيين من مختلف الدول.
  • استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي الفاعل.

ومن رحم التحديات، يزهر الأمل؛ فقد أثبتت المرأة اليمنية، بكل عزيمة وإصرار، قدرتها على كسر قيود الماضي وتحدي الأعراف الراسخة، لتُصبح عنصرًا فاعلاً في بناء الدولة المدنية المؤسسية. وفي رحلة كفاحها ونضالها، سطرت قصصًا ملهمة في مجال السلك الدبلوماسي، تُجسد قدرتها على المساهمة في تحقيق السلام والعدالة والتنمية المستدامة.

ومعًا، جميعًا، نستطيع بناء مستقبل أفضل للمرأة اليمنية في مختلف القطاعات والمجالات، بما في ذلك السلك الدبلوماسي، الذي كان يومًا ما حكرًا على الرجل، وقد حان الوقت لفتح الباب أمام المزيد من الفرص أمامها؛ لتصبح صوتًا للسلام والتهدئة لا صوتًا للنزاع والتفرقة، خاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن. وكما يقول نيلسون مانديلا “لا تضع حدودًا لإمكانياتك، فما تراه مستحيلًا اليوم قد تصنعه يديك غدًا”.