المرأة في التنمية والسلام – حنين الوحش
يظل حضور المرأة في السلك الدبلوماسي في اليمن شحيحًا، رغم أهميته لقيادة الانتقال السلمي للسلطة في الأوضاع الراهنة التي تعيشها البلد من نزاع مسلح منذ 2015م؛ إذ كانت المرأة في معزل عنه، وهو ما يجعلها محط قبول وإجماع بحسب ما أدلى به ناشطون سياسيون.
وعلى الرغم من أنّ المرأة تبوّأت مقاعد دبلوماسية في وقت مبكر غير أنّه ظل نسبيًّا، وأصبح أكثر انحسارًا وتراجعًا في سنوات الصراع، وحالة الفوضى السياسية التي تَغْرَق البلاد في مستنقعها منذ ما يقارب عشر سنوات.
نظرة تاريخية
كان أول منصب دبلوماسي تقلّدته امرأة يمنية هو منصب سفير في الخارجية اليمنية، حصلت عليه الكاتبة والمفكرة اليمنية رمزية الإرياني، ورغم التحديات التي واجهتها، فإنّها استطاعت أن تشغل مناصب عدة في وزارة الخارجية، بدءًا من عملها في قسم الأرشيف إلى علمها وزيرًا مفوضًا في السفارة اليمنية في تونس، ومِن ثَمّ في واشنطن.
وتحكي رمزية الإرياني مسيرتها النضالية في مواجهة التحديات للوصول إلى تحقيق شغفها، إذ قالت: إنّها تعرضت للنقد والرفض لكونها امرأة، ومُنعت من دخول مسابقة الالتحاق بالسلك الدبلوماسي لحملة المؤهلات الجامعية في العام 1982م، عدا أنّها وبصعوبة بالغة تمكنت من خوض الامتحان وحققت نجاحًا باهرًا، ومع ذلك لم يُفسح لها المجال سوى في قسم الأرشيف، ومدفوعة بالشغف والمثابرة غادرت جدران الأرشيف بعد سنوات قليلة لتحصل على رتبة سكرتير ثالث في الوزارة، وصنعت هذه الخطوة إحدى أهم منعطفات مسيرتها العملية لتُرقّى تباعًا حتى حصولها على رتبة سفير.
ومع إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990م، أوضحت رمزية الإرياني أنّ تعديلات مهمة طرأت على قانون العمل في السلك الدبلوماسي، ومُنحت المرأة خلاله صلاحيات مهمة، حتى وإن ظلت شكليًّا؛ إذ ظل العمل الدبلوماسي في أغلبه حكرًا على الرجل، لكنه ـ بحسب تصريحات عدد من النساء ـ كان حدثًا فارقًا، على إثره تنامى حضور المرأة في الدبلوماسية اليمنية؛ إذ وصل تمثيلها في العام 2008م إلى 40 امرأة؛ أي عدد مماثل من المقاعد الدبلوماسية (1 في منصب سفير، 2 وزير مفوض، 10 مستشار، 6 سكرتير أول، 1 سكرتير ثاني، 11 سكرتير ثالث، 9 ملحق دبلوماسي).
وتأتي أمة العليم السوسوة كثاني أبرز امرأة يمنية اقتحمت السلك الدبلوماسي؛ إذ عُيّنت عام 2000م سفيرة مقيمة لدى هولندا، وسفيرة غير مقيمة لدى مملكتي السويد والدنمارك.
وفي العام 2006م وصل عدد العاملات من النساء اليمنيات في السلك الدبلوماسي 23 امرأة؛ 3 منهن بدرجة سفير، و3 بدرجة سفير مفوض، و4 بدرجة مستشار، و13 يتوزعنَ ما بين سكرتير أول وملحق دبلوماسي، بحسب تقرير رسمي نشره مركز الإحصاء والمعلومات بتاريخ 26 سبتمبر من العام 2006م.
دبلوماسية النساء وصناعة السلام
وتقول داليا أحمد، التي تقيم في لندن ضمن الجاليات اليمنية: “إنّ اليمن بحاجة ماسة في وضعها الطارئ إلى أن تتبوأ النساء زمام الدبلوماسية اليمنية في الخارج؛ بِعدِّهنّ الأقل انخراطًا في الصراع، والبعيدات عن التأطير والتشطير الحزبي الذي تعوق برجماتيته الانتقال السلمي للسلطة في البلاد”.
وتشير داليا إلى أنّ المرأة تملك فرصًا كثيرة لصناعة تحول سياسي؛ كونها الأكثر تطلعًا للسلام، وبعدِّها الفئة الأكثر تضررًا من النزاع المسلح وتداعياته الوخيمة على الأجيال القادمة، وخاصة النساء في اليمن.
ومع حلول العام 2022م بلغ عدد النساء الدبلوماسيات في اليمن ما يقارب 144 امرأة، وهو عدد قليل مقارنة بالذكور، إذ وصل عدد الرجال إلى 742 دبلوماسيًّا، الأمر الذي عدّته سحر غانم سفيرة اليمن في هولندا إلى جانب عملها كسفيرة غير مقيمة لدى النرويج والسويد – تحدّيًا كبيرًا يواجه النساء الدبلوماسيات، ودليلًا على استمرار إقصاء النساء خصوصًا عن مراكز القرار.
وأشارت سحر، في جلسة حوارية نظمتها مؤسسة عدالة، إلى أنّ هناك تحديات جمة تواجه النساء الدبلوماسيات اليمنيات، أبرزها صعوبة التنقل مع العائلة بسبب العادات والتقاليد. مؤكدة أنّ حضور النساء في السلك الدبلوماسي غيّر الصورة النمطية عن اليمن لدى دول العالم، الأمر الذي يعني أهمية رفد القطاع الدبلوماسي بعدد أكبر من النساء، الذي يعكس تنوع البلد بالمهارات المطلوبة.
أسمهان التوقي، سفيرة بلادنا في روما، أكّدت في ذات الجلسة الحوارية أنّ الدبلوماسية المتزوجة يواجهها تحدٍّ أكبر؛ إذ لا يمكن لأزواجهنّ من خارج السلك الدبلوماسي الالتحاق بهنّ، وهو ما يضع المرأة بين خيارين؛ إمّا الاستمرار في عملها كدبلوماسية أو العودة لبناء أسرة، والخيار الثاني بحسب تأكيدها أدّى إلى تسريح عدد من النساء ليتوقفنَ عن عملهنّ الدبلوماسي.
وأشارت إلى أنّ مهنة العمل الدبلوماسي ليست حاضرة بقوة في المجتمع اليمني، إذ إنّ أعداد النساء الملتحقات بمِهنٍ؛ كالطب والتدريس، أكثر منهنّ في العلوم السياسية والتخصصات الأخرى ذات العلاقة بالعمل الدبلوماسي.
ورأت أنّ هناك مدارس دينية لا تزال تشترط حضور محرم للمرأة عند السفر، الأمر المعمول والمتبع لدى غالبية الأسر اليمنية، رغم وجود مدارس دينية ترى خلاف ذلك في حال توفر شرط الأمان في السفر.
ويظل حضور المرأة في السلك الدبلوماسي شحيحًا، ومع ذلك فإنّ تنامي حضور المرأة يعكس نجاحها النسبي في انتزاع بعض استحقاقاتها في المشاركة بالعمل الدبلوماسي، الأمر الذي يشير إلى أنّ هناك انفراجًا مجتمعيًّا قريبًا سيحقق للنساء ما يطمحنَ إليه من مساواة مع الرجل رغم الصعوبات المحيطة.
وتؤكد داليا أنّه خلال عمل النساء اليمنيات في السلك الدبلوماسي حققنَ نجاحات جمة، حسّنت من الحضور اليمني في دول العالم. وتستشهد داليا بالسيدة رمزية الإرياني وأمة العليم السوسوة.