المرأة في التنمية والسلام – هبة محمد

يحتفل العالم في الـ24 من يونيو من كل عام باليوم الدولي للمرأة الدبلوماسية، الأمر الذي يعد فرصة لتسليط الضوء على دور المرأة في المجال الدبلوماسي وتكريمًا لإسهاماتها وإنجازاتها في هذا المجال الحيوي، ويهدف اليوم الدولي للمرأة الدبلوماسية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتعزيز دور المرأة في صنع القرار والعمل الدبلوماسي.

ورغم أهمية المرأة دبلوماسيًا- فهي تمثل بلدها في المحافل الدولية وتعمل على تعزيز العلاقات الثنائية وحل النزاعات وتعزيز السلام والأمن العالمي- فإنها تواجه تحديات كبيرة وتهميشًا في هذا المجال.

اليوم العالمي للمرأة الدبلوماسية

يعود تاريخ الاحتفال باليوم الدولي للمرأة الدبلوماسية إلى قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت سابق، الذي ينص على أن يكون الرابع والعشرين من يونيو يومًا عالميًا للاحتفال بالمرأة الدبلوماسية، واعتُمد هذا القرار بفضل جهود العديد من الدول والمنظمات الدولية التي تسعى إلى تعزيز دور المرأة في المجال الدبلوماسي وتحقيق المساواة بين الجنسين.

كما تشير البحوث والتقارير إلى أن نسبة مشاركة المرأة في المستويات الدبلوماسية حول العالم ما تزال منخفضة على الرغم من التقدم الذي تحقق في بعض البلدان. ووفقًا لتقرير لجنة الأمم المتحدة، في سبتمبر 2022، بعنوان: “لمحة عن المساواة بين الجنسين”، فإنه يوجد 34 امرأة فقط تشغل مناصب رئيس دولة أو رئيس حكومة من بين 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة. وأن النسبة العالمية للنساء في المستويات الأخرى من المناصب السياسية في جميع أنحاء العالم لم تزل بعيدة المنال: 21% من وزراء العالم، و26% من البرلمانيين، و34% من المقاعد المنتخبة في الحكومات المحلية. مع ذلك، يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أنه في ظل الوتيرة الحالية للتقدم، لن يتحقق التمثيل المتكافئ للنساء في البرلمانات حتى عام 2062.

ووفقُا لتقرير للأمم المتحدة، نشر على موقعها الرسمي في 2023، أنه في المدة ما بين عامي 1992 و2019 كانت نسبة مشاركة النساء في عمليات السلام متدنية للغاية، فقد وصلت نسبة النساء من المفاوضين إلى 13% فقط، ومن الوسطاء كانت 6%، أيضًا في اتفاقيات السلام في جميع أنحاء العالم تشير هذه الأرقام بوضوح إلى الحاجة الماسة إلى التنوع بين الجنسين وتمكين المرأة والفتاة.

تقول الأكاديمية والناشطة الحقوقية منى المحاقري: “على الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تسعى إلى تحقيق النجاح الأكبر في المحافل الدولية لقادة العالم وتحقق وجهات النظر للمساواة بين الجنسين، فإنه ما يزال هناك الكثير من السعي لتحقيق النجاح فيما يتعلق بتمثيل المرأة ومشاركتها في العمل الدبلوماسي عالميًا؛ إذ إنه تم انتخاب أربع نساء فقط لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنواتها الـ77، وهذا الرقم يعد قليلًا مقارنة بعدد الذكور”.

المرأة اليمنية الدبلوماسية.. مرارة ومعاناة

تقول المحاقري: “تعيش المرأة اليمنية ظروفًا صعبة نتيجة النزاع المستمر في البلاد منذ سنوات عدة. ورغم تضحياتها ومشاركتها الفعّالة في جهود بناء السلام وتعزيز الحوار والمصالحة الوطنية، فإنها لا تحظى بالتمثيل المناسب في المفاوضات الرسمية وعمليات بناء السلام، وهذا يتناقض مع التزامات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحث على إشراك المرأة في عمليات بناء السلام واتخاذ القرار”.

وأضافت: “تواجه المرأة اليمنية الدبلوماسية تحديات كبيرة في يومها العالمي؛ إذ تقابل بالنسيان والتهميش في عملها. وعلى الرغم من أن هناك توجهًا عالميًا نحو زيادة مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي، وتحقيق تقدم بسيط في مشاركة المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي، فإنها ما تزال تواجه تحديات كبيرة تعوِّق تقدمها في السلك الدبلوماسي”.

وعن أهم التحديات التي تواجه المرأة اليمنية الدبلوماسية تقول المحاقري: “تحتاج المرأة اليمنية للدعم والتشجيع من المجتمع والحكومة؛ لتتمكن من تحقيق تطلعاتها وإسهاماتها الفعالة في العمل الدبلوماسي. ومن بين التحديات التي تواجهها المرأة اليمنية في يومها العالمي، قلة الفرص المتاحة في المجال الدبلوماسي بسبب التمييز الجنسي. أيضًا، تواجه المرأة اليمنية تحديات أمنية في ظل الصراع المستمر في اليمن، وقد يؤثر ذلك على القدرة على العمل للمشاركة في العمل الدبلوماسي”.

وأوضحت المحاقري، في سياق حديثها لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام”، أنه أصبح من الصعب اليوم الحديث عن المرأة الدبلوماسية؛ لأن المرأة اليمنية مهمشة ومقصيَّةٌ ومبعدة بشكل كلي عن مفاوضات السلام، وأنه تُعيَّن شخصيات نسائية سبق تعيينها من قبل، وتُغيَّبُ الوجوه الجديدة عن العمل الدبلوماسي؛ الأمر الذي يؤثر فعليًا على كل محاولات بناء السلام في اليمن.

من جهتها تقول مها عوض -رئيسة مؤسسة “وجود” الإنسانية ومنسقة الائتلاف المدني الحقوقي النسوي-: “بعد مباحثات السلام في أستوكهولم 2018، تم الاتفاق على تشكيل ثلاث لجان تتضمن: لجنة تبادل الأسرى، ولجنة تعز، ولجنة إعادة الانتشار في الحديدة، وكذلك لجان تنفيذ اتفاق الرياض. كل هذه اللجان كانت مشكَّلة من أفراد ينتمون للأطراف المتصارعة في اليمن، ومع ذلك لا يوجد أي تمثيل للنساء اليمنيات فيها”.

وتأسف مها عن عدم تمثيل النساء اليمنيات في عضوية أي من اللجان الإشرافية والأمنية والعسكرية التي شُكِّلتْ منذ مفاوضات جنيف 2016 واتفاق أستوكهولم2019 ، وكذلك لجان اتفاق الرياض؛ إذ ترى أنه بالرغم من التحديات الكبيرة والمشاركة الضعيفة للمرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي ووجودها بنسب ضئيلة وهشة، فإن هناك بعض النجاحات التي تحققها المرأة اليمنية الدبلوماسية على أرض الواقع، وهناك بعض النساء اليمنيات اللاتي تمكنّ من الوصول إلى مناصب رفيعة في المؤسسات الدولية والمنظمات الدبلوماسية، واُعترفُ بمهاراتهن وخبراتهن في المجال الدبلوماسي، وعملهن على تعزيز المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى تعزيز حقوق المرأة في اليمن داخل الوطن وخارجه.

إحصائيات وأرقام

أكدت السيدة عوض أن مستوى تمثيل النساء في السلك الدبلوماسي متدنٍ، فعدد السفيرات لا يتجاوز الثلاث فقط، مقارنة بـ50 سفيرًا هم من الذكور، في حين توجد النساء في المستويات الإدارية الأدنى بصورة أكبر. وتشير بيانات عام 2018 إلى أن نسبة مشاركة النساء في وزارة الخارجية 13.3% إجمالاً مقارنة بـ11.9% لعام 2012، ويكاد ينعدم تمثيل النساء في منصب (قنصل) أو (ملحق عسكري) أو طبي أو عسكري أو تجاري، مع بعض الاستثناءات.

فيما بينت جميلة علي رجاء -نائبة رئيس هيئة التشاور والمصالحة خلال القمة النسوية الخامسة المنعقدة في عدن، 2022- أن عدد النساء في هيئة المصالحة والتشاور وصل إلى 5 نساء فقط، فيما كان عدد الرجال 45 شخصًا. ومن ضمنهم قيادات حزبية وشخصيات مؤثرة، وهم يعدُّون مسارًا ثانيًا في مسارات السلام الثلاثة.

ووضحت رجاء مسارات عملية السلام في اليمن الثلاث؛ إذ تتضمن عمليات المسار الأول من مسؤولين حكوميين ومبعوثي الأمم المتحدة وفرقهم وقادة الأطراف المتصارعة في اليمن للمشاركة في عملية التفاوض على اتفاقية سلام رسمية، فيما تتألف عمليات المسار الثاني من منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي الوطني ومنظمات غير حكومية دولية ودبلوماسيين سابقين ورموز السلطة في المجتمع، الذين يسعون إلى دعم المفاوضات الرسمية عبر الانخراط في أنشطة بناء السلام. وشمل المسار الثالث جهاتٍ فاعلة على مستوى القاعدة الشعبية وناشطون للتأثير على جهود مفاوضات السلام.

توصيات لتحسين وضع المرأة

ترى مها عوض أنه “ما يزال هناك كثيرٌ من الأعمال يجب القيام بها لتحسين وضع المرأة اليمنية الدبلوماسية؛ إذ يجب على الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي تكثيف جهودهم؛ لتعزيز دور المرأة في الدبلوماسية وتذليل العقبات التي تواجهها، وعليهم وضع سياسات وبرامج تعزز مشاركة المرأة في صنع القرار، وتوفير الدعم اللازم لتطوير قدراتها ومهاراتها الدبلوماسية”.

كما توصي مها بزيادة تمثيل النساء في مواقع صنع القرار والسلك الدبلوماسي، من خلال تخصيص نسبة 30% كحد أدنى للنساء في مجالات الوظيفة العامة والسياسة ومفاوضات السلام ووفود التفاوض، ومشاركتهن في عمل جميع اللجان المتعلقة بعملية السلام والعمليات السياسية، وإلزام الحكومات اليمنية ببناء قدرات النساء العاملات في السلك الدبلوماسي وتأهيلها.

وأشارت إلى أهمية اتخاذ تدابير؛ لضمان أن أجندة السلام تستجيب للنوع الاجتماعي، والتشاور الرسمي مع النساء في عملية المفاوضات بمن فيهن النساء الريفيات والناجيات من النزاع؛ لضمان إدراج أولوياتهن في أي تسوية سياسية.

وتتفق منى المحاقري مع ما أشارت إليه عوض، إذ ترى “أنه يجب على المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب المرأة اليمنية الدبلوماسية، وتقديم الدعم المالي والفني والتقني؛ لتعزيز دورها وتمكينها من العمل بشكل فعّال وآمن. أيضًا، توفير فرص التدريب والتعليم المستمر للمرأة اليمنية الدبلوماسية لتعزيز مهاراتها وتحسين أدائها في الساحة الدبلوماسية”.

تظل المرأة اليمنية الدبلوماسية ضحية النسيان والتهميش في يومها العالمي وفي حياتها المهنية بشكل عام، لكنها تبقى قوية ومصممة على تحقيق التغيير وتمثيل بلادها بكرامة وفخر. ومن ثمَّ يجب على الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي العمل جنبًا إلى جنب لتذليل الصعاب وتمكين المرأة اليمنية الدبلوماسية من تحقيق إمكانياتها الكاملة والإسهام في بناء مستقبل مزدهر لليمن.