المرأة في التنمية والسلام ـ أحمد باجعيم

حققت المرأة اليمنية إنجازات كبيرة وعالية المستوى في العمل بالمجال الدبلوماسي،  خلال سنوات عدة؛ إذ استطاعت العديد من النساء أن تبلغ مناصب قيادية وذات قرار سيادي، كما شاركت في محافل دولية مثلت فيها اليمن بجدارة؛ من خلال مناقشتها العديد من القضايا اليمنية الشائكة، وتأثيرها على المستوى العربي والعالمي، الأمر الذي يعدُّ إنجازًا كبيرًا في حق المرأة الدبلوماسية، إذ إنها تمثل الوجه الحقيقي لعملية بناء السلام، ووجودها في العمل الدبلوماسي يعطي مؤشرات إيجابية أمام أنظار العالم أجمع، بأنّ المرأة اليمنية استطاعت أن تصنع نفسها على الرغم من المعوّقات.

ومن خلال هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز الإنجازات التي حققتها المرأة في المجال الدبلوماسي سواء أكان داخليًا أو خارجيًا، مع استعراض بعض قصص النساء في هذا الشأن، إذ إنّ تمكين المرأة اليمنية بالعمل في المجال الدبلوماسي في الوقت الحالي يعدُّ إنجازًا كبيرًا للمرأة نفسها، إذ تعدُّ من الفئات الأكثر تضرُّرًا من الصراع الدائر في البلاد منذ بداية عام 2015م، كما أنّها ستسهم في استعراض قضية اليمن من خلال جهودها الدولية، ومجالس الأمم المتحدة لتحقيق السلام الدائم.

إنجازات المرأة الدبلوماسية

وحول إنجازات المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي، ذكرت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) من خلال تقرير مفصل للإنجازات التي حققتها المرأة، صادر في أكتوبر 2023م، بعنوان “المرأة اليمنية تحقق مزيدًا من المكاسب رغم تداعيات الصراع”، أنّ المرأة اليمنية حظيت باهتمام منذ عقود؛ إذ انخرطت في الحياة السياسية والعمل الدبلوماسي، بالإضافة إلى المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وأشار التقرير، أنّ حضور المرأة في البرلمان اليمني كنائبة برلمانية، وحصولها على العديد من الحقائب الوزارية، ومشاركتها في السلك الدبلوماسي منذ ما يزيد عن (20) عامًا، يعدُّ إنجازًا كبيرًا على المستوى السياسي والدبلوماسي في المجتمع اليمني.

إنَّ المرأة اليمنية قد تمكّنت منذ ما يزيد على عقدين من اقتحام العديد من المجالات والقطاعات، وساعدت في توسيع نطاق قاعدة مشاركتها حتى في المناصب الحساسة، التي كانت حكرًا على الرجل، مثل العمل العسكري والمحاماة حتى وصلت إلى القضاء؛ إذ تمكّنت من الوصول إلى مناصب قيادية في السلطة القضائية، عبر تعيين (8) نساء قاضيات في مجلس القضاء الأعلى لأول مرة في تاريخ اليمن، وكان ذلك عام 2023م.

يشكّل حضور المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي ظاهرة لافتة للنظر، تثير الإعجاب والتقدير على المستويين العربي والدولي؛  ففي خضم الأزمات والتحديات التي تواجِهها اليمن، تُثبت المرأة اليمنية قدرتها على صنع التغيير وتحقيق الإنجازات المشرّفة في مختلف المجالات، إذ تلقت المرأة اليمنية إشادات واسعة من قبل المجتمع العربي والدولي؛ لتوسُّع نشاطها في مختلف المجالات والقطاعات، سواء محليًا أو دوليًا، فتمثيلها للمؤسسات الحكومية والمنظمات الحقوقية والإنسانية والعمل الدبلوماسي والسياسي يؤكّد على دورِها الريادي في بناء مستقبل أفضل.

وتمثل “المجموعة النسوية الاستشارية المختصة ومجموعة التوافق النسوي” نموذجًا مشرّفًا لحضور المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي؛ فمشاركة العديد من النساء اليمنيات عبر مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن تؤكد على قدرتهنّ على لعب دور فعّال في صنع السلام، وتحقيق الاستقرار في البلاد.

وقد أوضح الباحث في العلاقات الدولية منير الوبر،  أنّ انخراط المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي قد ازداد خلال أل (12) عامًا الماضية؛ الأمر الذي يعدُّ نتيجة مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى أن الصراع عامل للتراجع وليس للتمكّين، وأنّ هذه تتعلق بالدبلوماسية في مفهومها الواسع، وبشقيها الرسمي وغير الرسمي؛ فالدبلوماسية الرسمية تعدُّ إدارة العلاقات بين الدول أو المنظمات الدولية، من خلال ممثليها المعتمدين، مثل السفراء، أما غير الرسمية، فتعدُّ جانبًا أقل وضوحًا عند الناس، بعدِّها إدارة العلاقات بين الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل المجتمع المدني أو الأوساط الأكاديمية أو وسائل الإعلام.

وأضاف، أنّ العديد من الدول والمنظمات الدولية المهتمة بالشأن اليمني قد تبنت إستراتيجيات دبلوماسية، بمشاركة نساء يمنيات؛ بعدِّهنّ إحدى وسائل حل الصراع في اليمن؛ لذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نرى النساء مؤخّرًا منخرطات كثيرًا في المنظمات غير الحكومية والمؤتمرات والمشاورات والمفاوضات وجهود بناء السلام في اليمن.

وفي سياق متصل عبرت المدير التنفيذي لمؤسسة عدالة للتنمية القانونية نهى بن سهيلان، عن أنّ المؤسسة عملت على تدريب الفتيات وتأهيلهنَّ في المجال الدبلوماسي، من خلال تنفيذ البرامج الدبلوماسية، وورش العمل التي تسلط الضوء على النماذج النسوية العاملة في هذه المجال، ومن أبرز البرامج التدريبية التي نفذتها المؤسسة في السلك الدبلوماسي، نموذج “محاكاة الأمم المتحدة في مدينة المكلا” الذي أقيم في أواخر فبراير 2021م، بمشاركة (100) متدرب ومتدربة من جميع محافظات الجمهورية، منها (50%) من الفتيات، ويعدُّ تطبيقًا عمليًّا يحاكي عمل منظمة الأمم المتحدة، وأول نموذج يقام في اليمن.

كما أشارت، إلى أنّ المشاركين يمثلون أدوار ممثلي دول أعضاء الأمم المتحدة ومندوبيهم، ويتدربون خلاله على مناقشة القضايا العالمية، وكيفية إجراء المفاوضات والعمل الدبلوماسي، وترشيح قضاة محكمة العدل الدولية والأعضاء غير الدائمين؛ إذ يعد البرنامج نموذجًا يحاكي الوضع القائم في أروقة الأمم المتحدة، ويهدف إلى فهم المشاركين آليات عمل منظمة الأمم المتحدة، وتعزيز دور الشباب اليمني بعمليات صنع القرار الدولي والعمل الدبلوماسي.

وبيّنت نُهى بن سهيلان، أنّ المؤسسة نفّذت عام 2022م مؤتمر “نموذج اليمن لمحاكاة جامعة الدول العربية” بمشاركة (50 %) من النساء في مدينة سيئون بحضرموت.

وأضافت المدير التنفيذي لمؤسسة عدالة بن سهيلان، أنّ النموذج الذي تشرف عليه وزارة الخارجية اليمنية – عدن، والمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، يتولى فيه المشاركون من جميع محافظات البلاد أدوار الدبلوماسيين العرب؛ من خلال تقمص أدوار مندوبي دول أعضاء الوفود؛ إذ يناقش المشاركون القضايا المطروحة في جدول أعمال المؤتمر. كما يعدّ أبرز أهداف المؤتمر لمحاكات الجامعة العربية، تعزيز روح الشباب والشابات في المجال السياسي والدبلوماسي. كما نفذت المؤسسة جلسة نقاشية حول “المرأة في الدبلوماسية اليمنية” استُضيف فيها عددٌ من سفيرات اليمن لدى دول العالم.

حققت العديد من النساء في اليمن إنجازات كبيرة بالعمل الدبلوماسي رغم وضع البلد، مثال على ذلك سعادة السفيرة “ميرفت فضل مجلي” سفيرة اليمن لدى بولندا وأوكرانيا، والسفيرة “سحر محمد غانم” سفيرة بلادنا لدى مملكة هولندا والسويد والنرويج، بالإضافة إلى السفيرة “أسمهان عبد الحميد الطوقي” سفيرة الجمهورية لدى إيطاليا، ومندوبة اليمن في المنظمات الدولية الموجودة في العاصمة الإيطالية (روما)، وعلاوة على هذا الأسماء، هناك كمٌّ كبير من نساء اليمن حقّقنَ إنجازات ملهمة وكبيرة في المجال الدبلوماسي؛ على الصعيد المحلي والإقليمية والعالمي.

نماذج دبلوماسية في الوقت الراهن

إنّ من بين نساء اليمن اللاتي حققنَ نجاحات كبيرة وجلية في العمل الدبلوماسي في الوقت الراهن الذي تعيشه اليمن، “سحر محمد غانم”، سفيرة بلادنا لدى هولندا، وسفيرة غير مقيمة لدى النرويج والسويد، كما أنّها ممثل دائم لليمن لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماويّة (OPCW)، إضافة إلى ذلك تعمل محافظ اليمن لدى الصندوق المشترك للسلع الأساسية، وفقًا لموقع شبكة التضامن النسوية المهتمة بالشأن النسوي في اليمن.

وشغلت الدبلوماسية “سحر غانم” عدة مناصب قبل اعتمادها سفيرة؛ إذ بدأت مسيرتها المهنية مع البرنامج الإنمائي (UNDP) التابع للأمم المتحدة، وعملت منسقة لمشروع صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يهدف إلى تمكين المرأة اليمنية، وإيصال صوتها لصناع القرار، كما شغلت منصب مستشارة لشؤون المرأة والشباب في مكتب رئاسة الوزراء اليمنية، وعضو  في العديد من الشبكات المحلية والدولية، كالبرنامج الهولندي لتمكين القيادات النسوية في كلٍّ من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هذا وقد شاركت “سحر” كمتحدثة بمنتدى “أُوسلو” المعني بالسلام، ويضمُّ رفيعي المستوى من صانعي السلام، والخبراء من جميع أنحاء العالم.

وكما أوضح موقع وزارة الخارجية اليمنية – عدن، في يناير 2017م أنّ الرئيس البولندي تسلّم أوراق اعتماد سفيرة اليمن “الدكتورة ميرفت مجلي”، كسفير ومفوض فوق العادة، ويعني هذا المصطلح في اليمن: “مرتبة دبلوماسية أعلى في مراتب السفراء، إذ يكون دائمًا”،  كما يمكن أن يشير لفظ “فوق العادة” إلى شخص له إمكانيات ومهام استثنائية موكلة له من قبل بلاده، ويُعدُّ منح الدكتورة ميرفت سفيرة فوق العادة تكريمًا كبيرًا لها؛ نظرًا لجهودها وخبرتها ونشاطها السياسي والدبلوماسي المؤثر، الذي خوّلها لنيل هذه المرتبة في ظل الأوضاع التي تشهدها البلاد، والتي أثرت بشكل كبير على نشاطات المرأة اليمنية.

التحديات الراهنة

أوضح الباحث في العلاقات الدولية منير الوبر، أنّ المرأة الدبلوماسية في اليمن ما زالت تُقدّم نموذجًا في المثابرة والاجتهاد والتأثير؛ لامتلاكها مهارات متنوعة ساعدتها على الوصول في تحقيق حلمها، ومع ذلك، لا تزال تعاني من تمثيل ناقص في العملية الدبلوماسية والسياسة الخارجية، كما أنها تتعرّض إلى بعض التمييز بين الجنسين، والقوالب النمطية المجتمعية، وقضايا التوازن بين العمل والحياة. بالإضافة إلى تأثير الوضع الذي تمر به البلاد في الوقت الراهن، الذي يصعّب من تأدية مهامها الدبلوماسية في مختلف الجوانب بالصورة المطلوبة، جميعها مسائل معترف بها كعوائق؛ تعوقها من الانخراط الوسع والشامل في العمل الدبلوماسي.

من جانبها عددت المدير التنفيذي لمؤسسة عدالة للتنمية القانونية نهى بن سهيلان، بعض المعوِّقات التي تقف أمام تمكين المرأة في المجال الدبلوماسي، وتشمل: تهميش بعض الأطراف المعنية لدور المرأة الدبلوماسية في بعض المهام السياسية والاقتصادية في دول العالم، واستبعادها في تمثيل البلاد في المحافل الدولية والأممية، وضيق الفكر الثقافي الاجتماعي اليمني الذي يحدُّ من عمل المرأة في القطاعات كافة، ومنها الدبلوماسية، بالإضافة إلى تأثير الوضع الاقتصادي المتدهور، الذي شكّل عائقًا آخر أمام انخراط النساء بالعمل الدبلوماسي، بالإضافة إلى توقف بعض المعاهد والأكاديميات في تأهيل المرأة بالعمل السياسي والدبلوماسي.

رؤية مستقبليّة

تطرق الوبر، إلى عدة مقترحات لتعزيز مكانة المرأة اليمنية بالمجال الدبلوماسي، أهمها رفع مستوى الوعي والاعتراف بإسهامات المرأة وإنجازاتها في المجال الدبلوماسي، وتوفير فرص متساوية لدعم النساء في مواصلة التعليم والتدريب والتطوير الوظيفي في المجال الدبلوماسي والسياسة الخارجية، وتعزيز شبكات النساء وتحالفاتهنّ في الدبلوماسية، وتعزيز التعاون والتضامن فيما بينهنّ، وكذلك مع الجهات الفاعلة الأخرى، مثل المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية، ووسائل الإعلام.

وأضاف، يوجد اعتقاد سائد بأنّ المرأة لديها قدرة ممتازة على التفاوض، وحل المنازعات داخل المجتمع، الأمر الذي يعدُّ مطلوبًا في المجتمعات التي تشهد منازعات بشكل خاص كاليمن؛ إذ إنّ هناك العديدَ من المنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع المدني تعمل في اليمن على توظيف النساء وتدريبهنّ على مثل هذا النوع من الدبلوماسية، لإيمانهم بقدرات النساء في حل النزاع؛ الأمر الذي يُسهم في تأهيل القدرات النسوية في مختلف المجالات.

كما أشارت بن سهيلان، إلى أهمية تفعيل المعهد الدبلوماسي واستئنافه، الذي توقّف بسبب الصراع، وفتح فروع له في جميع المحافظات، وتخصيص نسبة لحضور المرأة في المجال الدبلوماسي، وتطبيقه على أرض الواقع، وفتح مجال التدريب للنساء في القنصليات والمنظمات الدولية؛ لتمكين خريجات الجامعات من التأهيل، وتعزيز قدراتهنّ وخبراتهنّ في السلك الدبلوماسي؛ لسدِّ الفجوة الحاصلة اليوم، وتسليط الضوء على مشاركة المرأة بالسياسة الخارجية.

على الرغم من أنّ هناك كثيرًا من المعوّقات التي خلفتها النزاعات المسلحة بين الأطراف المتناحرة منذ مطلع عام 2015م، فإنّ هناك نجاحاتٍ ونماذجَ نسويةً حققتها العديد من نساء اليمن في السلك الدبلوماسي؛ من خلال مناصبهنّ القيادية بالسفارات اليمنية لدى العديد من الدول حول العالم، أو تمثيلهنّ لمناصب مرموقة في الوزارات والمحاكم وغيرها من الدوائر التي تمثل واجهة لليمن.