المرأة في التنمية والسلام ـ علياء محمد
شهِد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في عدد النساء العاملات في السلك الدبلوماسي، ممّا يؤكد أهمية مشاركة المرأة في صنع القرار الدولي؛ إذ تشير الدراسات والمؤشرات العالمية أنّ عمل المرأة في الوزارات والبرلمانات يعزز دورها، ويسمح لها باتّخاذ قرارات وسياسات تصنع تغييرًا إيجابيًّا في المجتمع.
إنّ وجود المرأة اليمينة في العمل الدبلوماسي، ومشاركتها من الأمور التي صنعت تحوّلًا جذريًّا في الجانب السياسي والاقتصادي، عزّز من قدرتها الدبلوماسية ودورها الفعّال في التنمية الحقيقية للبلد، رغم قلة عددهنّ؛ إذ في العقود الماضية كان السلك الدبلوماسي محتكرًا على الرجل، والنسب النسائية المشاركة في العمل الدبلوماسي قد تكون معدومة، ولكن مع تطوُّر دور المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال الأزمنة الماضية، أثبتت جدارتها في أن تخوض المعترك السياسي والدبلوماسي، الذي يعدُّ أحد العناصر الأساسية في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الفرص الاقتصادية في المجتمع.
ويكمن أهمية دور المرأة الدبلوماسية في الاقتصاد الوطني في تعزيز العلاقات الدولية عبر خلق فرص جديدة للتعاون الاقتصادي في مختلف المجالات؛ إذ يُمكن للمرأة الدبلوماسية أن تقدّم منظورًا فريدًا للعلاقات الدولية، عبر إيجاد حلول تفتح قنوات جديدة للتعاون الاقتصادي وبناء الثقة والتفاهم بين الدول، كما يمكن للمرأة الدبلوماسية أن تقدم صورة إيجابية عن بلدها في المحافل الدولية؛ ممّا يشجع المستثمرين على ضخ أموالهم، بالإضافة الى دعم صادرات بلادهنّ؛ من خلال فتح أسواق جديدة للمنتجات المحلية، والعمل على تكوين علاقات مع شركات أجنبية؛ ممّا يساعد في زيادة الصادرات.
يساعد عمل المرأة اليمنية في المجال الدبلوماسي على فتح أبواب لفرص اقتصادية جديدة مع دول العالم، ويحقق التنوع في القرارات الاقتصادية الإستراتيجية المستدامة، التي تعزّز الاقتصاد الوطني في مختلف المجالات والقطاعات؛ إذ أظهرت كثير من التجارب الأثر الإيجابي الذي تتركه المرأة العاملة في السلك الدبلوماسي في مجال الاقتصاد.
آفاق جديدة لدعم التنمية الاقتصادية
يعتمد العمل الدبلوماسي على مفهوم تقاسم المصالح، وحجر الأساس في بناء العلاقات الدولية والثقة بين الدول، وهذه المفاهيم تجيد النساء التعامل معها بشكل فريد، وتساعدهنّ في تحقيق نقلة نوعية في دعم التنمية الاقتصادية للبلد؛ نظرًا لما يمتلكنَه من مهارات تفاوضية قوية تساعدهنّ على الوصول إلى اتفاقيات تلبي احتياجات جميع الأطراف، والرؤية الشمولية، والحس الاجتماعي في دعم التنمية الاقتصادية، وتقييم جميع الجوانب، الأمر الذي يحقق استقرارًا وازدهارًا اقتصاديًّا دائمًا للبلد.
وقد أوضح سامي محمد قاسم (أستاذ اقتصاد في جامعة عدن)، أنّ طبيعة المرأة في تركيزها على جوانب الاتفاق والالتقاء أكثر من التركيز على جوانب الفرقة والاختلاف، وسعيها للابتعاد عن الصراعات والنزاعات يجعلها الطرف الأقرب لقيادة المفاوضات المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، في حين يكون الجانب العسكري والسياسية أقرب للرجال؛ لذلك نجد أغلب فرق المفاوضات التنموية والاقتصادية في الدول المتقدمة تقودها نساء، بل إنّ أغلب المنظمات الدولية الإنسانية والاقتصادية الدولية تقودها نساء.
كما أضاف، أنّ عمل المرأة في السلك الدبلوماسي يعدُّ حقًّا قانونيًّا يكفله القانون للمرأة متى ما كانت مؤهلة علميًّا، وتمتلك الخبرات اللازمة في تحقيق التنمية الاقتصادية؛ إذ تترك عملية إدماج المرأة في السلك الدبلوماسي تأثيرًا قويًّا وذات أهمية مجتمعية، نتيجة الاستفادة من قدراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية؛ بعدِّها جزءاً مهمًّا ومؤثرًا في المجتمع.
وأكد قاسم، أهمية دور المرأة الدبلوماسية في عملية التمكين الاقتصادي مع الدول التي تمثل فيها اليمن؛ وذلك عبر تقديمها صورة إيجابية للمستثمرين حول ما تتمتع بها اليمن من مقومات اقتصادية كبيرة ومتميزة عن العالم، وأن تعطي الثقة للمجتمع الخارجي بأنّ الاقتصاد في اليمن منفتح لجميع المستثمرين في مختلف المجالات.
وأشار إلى أنّ العلاقة بين مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي، وتحقيق الفرص الاقتصادية المستدامة، تكمن في بناء الجسور والعلاقات مع الدول والمؤسسات الأخرى، لتعزيز فرص التنمية، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات المحلية.
تحقيق فرص اقتصادية مستدامة
تسهم مشاركة النساء في العمل الدبلوماسي في إتاحة فرص المشاركة الفعالة للمرأة في المجال الدبلوماسي والسياسي، كما تشجع مشاركة النساء الأخريات على المشاركة في مختلف المجالات، خاصة في ظل الظروف الراهنة، ممّا يؤدي إلى تعزيز المساواة بين الجنسين.
كما تلعب المرأة اليمنية دورًا كبيرًا في تسليط الضوء على فرص تحسين بيئة الأعمال الاقتصادية؛ نتيجة ما تمتلكه من خبرات عديدة في مختلف المجالات، مثل القانون والاقتصاد والتاريخ؛ الأمر الذي ينعكس على الوضع الاقتصادي بشكل إيجابي، ويسهم في التشجع على الاستثمار، وخلق فرص جديدة للعمل.
ولا يمكن إغفال دور المرأة وما تمتلكه من مهارات مختلفة وفاعلة في مجال العمل الدبلوماسي؛ إذ تتمتع كثير من النساء اليمنيات بخبرات ومعارف في مجال الاقتصاد والسياسة، يجعلها أكثر أهلية في تحمُّل المسؤولية، واتّخاذ القرارات الاقتصادية الحسّاسة، والحلول المبتكرة التي تحقّق التنمية الاقتصادية للبلد، التي تترك أثرًا فعّالًا في العمل الدبلوماسي في اليمن، ولها القدرة في اتخاذ قرارات وتوجهات اقتصادية تعود بالفائدة على البلد. هذا ما أكد عليه الخبير الاقتصادي محمد قحطان.
ويقول “: يترك عمل النساء في السلك الدبلوماسي في الخارج آثارًا على تنمية الاقتصاد وتمكين المرأة من المشاركة بصورة أكثر فعالية وتأثير من مشاركتها في وظائف الدولة بالداخل، وذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي على المرأة اولًا والمجتمع بدرجة رئيسية.”
وأضاف، أن العمل الدبلوماسي في اليمن يصرف مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية للخارج، الامر الذي يثقل من ميزانية الدولة، ولكن في حال تم تخفيض عدد العاملين في المجال الدبلوماسي، وإحلال كادر نسائي مؤهل، يمكن أن توفر الدولة تلك المبالغ من الإنفاق الخارجي ، اضافة الى ذلك فوجود النساء اليمنيات المؤهلات في السفارات والقنصليات والوحدات الدبلوماسية بنسبة معينة سيوفر في عدد الموظفين، بالتالي من الإنفاق الخارجي الذي يعتمد على العملات الأجنبية ، وسينعكس ميزانية المدفوعات اليمنية إيجابًا.
يعد عمل المرأة في السلك الدبلوماسي ضروريًا ، للمساهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول ودعم التجارة الدولية، ووجود النساء العاملين في المجال الدبلوماسي سيساعد وبصورة ايجابية في فتح فرص اقتصادية مهمة في مجال الاستثمار والبرامج الاقتصادية التطويرية .. وذلك حسب التقارير الاقتصادية العالمية .
فكما ستساعد في صنع القرارات الاقتصادية ضمن رؤية استراتيجية تطويرية في مختلف المجالات ، والذي بدوره سينعكس على واقع المجتمع الذي سيسبح أكثر عدلًا واستدامة، كما سيسهم في إيجاد بيئة عمل متساوية ومتنوعة عبر توفير فرص عمل للنساء، وتشجيعهن على المشاركة الاقتصادية وتأمين المساواة، ومواجهة التحديات الاقتصادية ، بالإضافة الى تعزيز المشاركة النسائية في عمليات بناء السلام والمفاوضات.
خطوات مهمة لتعزيز الفرص الاقتصادية
“يعدّ إطلاق الإصلاحات السياسية، وتثبيت الأمن والاستقرار، وترسيخ النظام والقانون شروطًا مهمّة مسبقة لتحقيق أيّ تحسن مستدام في المخرجات فيما يخص المرأة”. هذا ما أكدته الدراسة الصادرة في العام 2014م، التي حملت عنوان: (وضع المرأة اليمنية من الطموح إلى تحقيق الفرص).
كما أشارت الدراسة إلى أنّ التحول السياسي ومشاركة المرأة بحُرّية في الإصلاحات الدستورية والانتخابات يعدُّ خطوة مهمة لتعزيز فرص تنموية شاملة، وضرورة بذل جهود متواصلة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة المدنية والسياسية، عبر تفعيل الكوتا (الحصص النسبية) بشكل متساوٍ، والعمل على التوجيه والإرشاد وبناء القدرات وحشد التأييد.
وحول وضع المرأة اليمنية في المجال الدبلوماسي؛ يرى محمد قحطان أنّ العمل في المجال الدبلوماسي يعدُّ عملًا متضخمًّا جدًّا، خاصة في الوقت الراهن؛ إذ إنّ معظم كادره غير مؤهل للعمل الدبلوماسي، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة عمل إصلاحات شاملة لموظفي المجال الدبلوماسي كافة، وإنّ المرأة لا تعدُّ مؤثرة بالصورة المطلوبة في هذا المجال في ظل هذا التضخم.
كما أكّد أنّ عملية الإصلاح يجب أن تتزامن مع عملية تمكين المرأة في المشاركة الدبلوماسية، وذلك على مستوى السفارات والوحدات القنصلية والدبلوماسية المنتشرة في مختلف دول العالم، وبنسبة لا تقل عن 30%، تجسيدًا لما نصت عليه وثيقة مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها من القوى السياسية والاجتماعية كافة. مضيفًا إلى أنّ الوثيقة نصّت على أن تُعطى المرأةُ حقَّ المشاركة في الوظائف القيادية للدولة بنسبة 30 %، مع العلم أنّ السلك الدبلوماسي اليمني بحاجة لوجود الكادر النسائي المؤهل لشغل مواقع قياديّة لأهمية دورها في مختلف السفارات والقنصليات اليمنية في الخارج، ولتحقيق الأثر الإيجابي في المجال الاقتصادي اليمني.
يؤكد عدد من المهتمين في المجال الاقتصادي ضرورة دعم مشاركة المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي، وتوفير فرص متساوية للرّجال والنساء للوصول إلى المناصب العليا، والإيمان بقدرات النساء وإمكانياتهنّ، وذلك عبر تكاثف الجهود المشتركة من الجهات المعنية كافة؛ لتعزيز الفرص الاقتصادية للمرأة في المجال الدبلوماسي، وإزالة العوائق التي تقف عائقًا أمام مشاركتها، والعمل على تشجيعها في تطوير مهاراتها الاقتصادية والدبلوماسية ضمن المعايير الحديثة، والعمل ضمن خطط وبرامج لتعزيز دور المرأة في مجالات متنوعة متعلقة بالعمل الدبلوماسي؛ وذلك لتحقيق العدالة الجندرية في المجال الدبلوماسي، وتعزيز الفرص الاقتصادية للنساء.