المرأة في التنمية والسلام – حنان حسين

 

لطالما لعبت المرأة اليمنية أدوارًا مهمة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما في ذلك المجال الدبلوماسي؛ إذ كان للنساء اليمنيات دور مهم في صنع القرار السياسي والدبلوماسي، وبرزت العديد منهن كقائدات بارزات ومؤثرات على المستوى المحلي والدولي.

وللمرأة في اليمن دور محوري في عملية تحقيق السلام الاجتماعي والتنمية المستدامة، عبر نشرها المعرفة وتوعية المجتمع في جميع قضاياه؛ لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني والغذائي والبيئي، وإيجاد حلول شاملة للمشكلات التي تواجه المجتمع.

دورها البارز

شهدت مشاركة المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة؛ ففي عام 1980، تم تعيين أول امرأة يمنية في السلك الدبلوماسي، وهي السيدة (رمزية عباس محمد الإرياني). ومنذ ذلك الحين، ازدادت أعداد النساء اليمنيات في مختلف المناصب الدبلوماسية، سواء داخل اليمن أو في الخارج.

الدكتورة روزا الخامري -مدير عام الشؤون القانونية في اللجنة الوطنية للمرأة- توضح لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” أن اليمن شهدت تحولات سياسية عديدة عكست ضعف مستوى مشاركة المرأة في المجال السياسي والدبلوماسي وفي أغلب المجالات الحياتية رغم وجود شواهد توضح إسهامات المرأة وتأثيرها في عملية التنمية المجتمعية وحفظ الأمن والأمان المجتمعي في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية.

وأشارت الخامري إلى أن تمثيل المرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي يعد غير كافٍ مقارنة بنسبة التمييز الإيجابي المنصوص عليه في مخرجات الحوار الوطني لتمكين النساء من المشاركة الفاعلة في الهيئات وسلطات الدولة والمجالس المنتخبة، التي حُددت بما لا يقل عن 30%، بالإضافة إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (20) لعام 2014 بشأن تمثيل المرأة بنسبة (30%) وتمثيل الشباب بنسبة (20%) في الوظائف القيادية.

وتضيف روزا: “هناك عدد النساء اليمنيات في السلك الدبلوماسي يشملهن هذا التراجع وهذه الفجوة الكبيرة، وإن وجدت المرأة فيه فهو تمكين ضئيل جدًا مقارنة بأعداد التعيينات من الذكور، وهذا لا يؤدي إلى زيادة التمييز بين الجنسين فحسب بل يمتد إلى إرساء ثوابت عدم المساواة التي لا تخدم التمكين الحقيقي أو إستراتيجيات وجود المرأة في صنع السياسات والقانون والتنمية المجتمعية”.

فالنتينا مهدي -عضو اتحاد نساء اليمن، عدن- تبين الدور الضعيف للنساء اليمنيات في المشاركة بعملية التنمية المجتمعية؛ إذ تشير إلى أنه لا يوجد للنساء دور فعلي وكبير في علمية التنمية الاجتماعية لا في مكان عملها ولا في بلدها، وذلك نتيجة التحديات المجتمعية التي تمر بها، خاصة العادات والتقاليد، وعدم تقبل المجتمع للمرأة في مراكز صنع القرار حتى وإن كان على المستوى المحلي.

وتضيف فالنتينا: “هناك العديد من الصعوبات التي تواجه النساء في اليمن، فوجود المرأة في السلك الدبلوماسي لا يذكر، خاصة في هذه المرحلة الحالية التي تمر بها اليمن، ولا يوجد تعيينات للنساء في هذا الجانب إلا نادرًا، وإن حدثت تعيينات للنساء فإنه لا يُعطى لهن الصلاحيات”.

وتتابع: “إن كان هناك جدية في إشراك المرأة في العمل الدبلوماسي فإن من المفترض أن يعين 30% كحد أدنى من النساء اليمنيات في السلك الدبلوماسي، وأن يتم الاعتماد على كفاءاتهن وليس عن طريق المحاباة أو المجاملة، وإعطائهن الصلاحيات بالعمل الجاد؛ لأن الأمر سينعكس على الواقع العملي، سواء إيجابيًا أو سلبيًا”.

عدد من الخبراء يرون أن النساء في السلك الدبلوماسي في اليمن يمثلن دورًا مهمًا في التنمية المجتمعية، وذلك من خلال دعمهن لقضايا النساء في مختلف المجالات -كالتعليم والصحة والمشاركة المجتمعية وصناعة القرار-، ويعملن على تمثيل بلادهن في مختلف المحافل الدولية، وتعزيز صورة اليمن على الساحة الدولية، كما يعملن على الإسهام في تعزيز التعاون الدولي خاصة في المجال الاجتماعي.

تحديات تعرقل دور المرأة

على الرغم من التطور الذي شهدته مشاركة المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي، فإنها ما تزال تواجه بعض التحديات والصعوبات التي تعرقلها عن المضي قدمًا في السلك الدبلوماسي، فضلاً عن بقية المجالات.

فالنتينا مهدي تؤكد أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه المرأة الدبلوماسية في اليمن، أبرزها عدم توفر الإمكانيات التي تتيح لهن العمل بشكل مناسب -سواء في المرافق الحكومية داخل اليمن أو في الخارج- وإن عُينت امرأة في هذا المجال فإنه لا يُعطى لها صلاحيات كاملة لتبدع في عملها بالكفاءة المتوقعة؛ وهذا ما يعرقل إسهاماتها المجتمعية.

كما تشير روزا الخامري إلى أن الفرص أمام المرأة تظل محدودة دومًا، في مجال الصراع السياسي (المنافسة السياسية) أو الإرادة السياسية. حتى وإن كانت الكفاءات غير متساوية؛ فالمرأة لديها من الكفاءة والمقدرة والمعرفة والخدمة أكثر من الرجل في معظم المجالات، لكنها تعد ضحية صراع سياسي وموروث ثقافي وغياب تطبيق العدالة والمساواة وتحقيق الفرص المتكافئة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا التي نص عليها الدستور اليمني والقوانين والقرارات الدولية.

وأضافت: “على مدار السنوات الماضية تعرضت المرأة للإقصاء وتهميش دورها في مختلف المجالات، كما تم استبعادها من التشكيلات الحكومية. وهنا نتساءل: كيف سينعكس هذا التهميش على دور المرأة في المجال الدبلوماسي فيما يتعلق بالتنمية المجتمعية؟”

يعد تمكين المرأة اليمنية من المفاهيم المحورية في مجال التنمية الاجتماعية؛ لأنها تشير إلى العملية التي تمكن المرأة من الانتقال من موقع قوة اقتصادية أدنى إلى موقع قوة اقتصادية أعلى، كما يعد هذا التمكين عنصرًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة، إذ تسهم مشاركة المرأة بشكل فعال في مختلف المجالات في بناء مجتمعات متطورة.

وتكمن أهمية العمل على تمكين المرأة الدبلوماسية في مجال التنمية المجتمعية الشاملة عبر تمكينها اقتصاديًا وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، والمشاركة في صنع القرار والتأثير على السياسات التي تؤثر على حياة المجتمع، بالإضافة إلى تمكين المرأة اجتماعيًا في كسر الحواجز التي تعوِّق مشاركتها في مختلف المجالات وتعزيز المساواة بين الجنسين في العمل والحياة العامة.

وتؤكد روزا ضرورة وجود العنصر النسائي بقولها: “تُعد مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار والتمثيل الدبلوماسي والمجال العام من المواضيع المهمة التي يجب العمل على تعزيزها خاصة خلال هذه المرحلة التي تشير فيها التقارير إلى تراجع في مؤشرات المساواة بين الجنسين”.

وتضيف: “التمثيل النسائي في السلك الدبلوماسي في الوقت الحالي يعد ضعيفًا، وإن وجد فإنه لا يرقى إلى التمثيل الحقيقي والمطلوب الذي يخدم التنمية المجتمعية في مختلف القضايا، ولا يحقق الطموح بالنسبة المرجوة، خاصة للمجتمع”.

وترى روزا الخامري أنه يجب أن يكون هناك منظور شامل يأخذ بعين الاعتبار الأولوية المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز الهيكلي والوظيفي والسياسي؛ إذ لم يتبع في التعيينات المعايير المطلوبة والشفافية، وعدم تكافؤ الفرص وتعزيز المساواة، وضعف الإرادة السياسية لدعم النساء في المجال الدبلوماسي، وغياب التأهيل للكادر في هذا المجال، بالإضافة إلى عدم إتاحة الفرصة أمام النساء لتوصيل ملفاتهن إلى صانعي القرار، والبعد عن المحاصصة الحزبية.

سابقًا ولاحقًا

ألحان الشيباني -ناشطة اجتماعية- توضح الفرق بين دور النساء، سابقًا وحاليًا في تمثيل السلك الدبلوماسي لليمن، أنه في الوقت الذي كانت فيه القطاعات الدبلوماسية حكرًا على الرجال، اضطلعت النساء بدور حاسم وفعال في مجال العمل الدبلوماسي وبصعوبة، وكان التغاضي نصيب إنجازاتهن على أرض الواقع وتأثيرهن الملحوظ.

وتردف بالقول: “في الوقت الحالي هناك الكثير من الدبلوماسيات في اليمن برز دورهن منذُ اندلع الصراع؛ كون المرأة تخوض أكبر معارك الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وذلك بسبب أهمية دورها في المجتمع اليمني. وقد آن الوقت للتعرف على السبل التي تتجاوز بها النساء الحواجز، وأن يصل تأثيرهن في المجال الدبلوماسي والاحتفال بذلك”.

وعن كيفية تطوير النساء حاليًا والسعي إلى معالجة وضعهن في السلك الدبلوماسي، تشير ألحان إلى أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة في مجالات عديدة لنساء ناجحات عملن جاهدات على إحلال السلام وتعزيز الأمان ومناصرة المرأة، ورفع نسب الوعي المجتمعي لدى النساء في اليمن.

وتضيف ألحان أنه “يجب على المجتمع السياسي اليمني في الصفوف الأولى من إعطاء المرأة حقها في ممارسة عملها كدبلوماسية في مجال بناء السلام والتنمية المستدامة، والأخذ بأيدي جميع نساء الوطن ذوات الكفاءة والقدرة؛ للوصول إلى الوعي المجتمعي حول الحقوق، ومناصرتهن والتشجيع للوصول إلى أماكن صنع القرار والسلك الدبلوماسي”.

معالجات لتحسين وضع النساء

أبرز المعالجات لتدعيم وجود المرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي، من وجهة نظر الدكتورة روزا الخامري، القيام بعدة نقاط تتمثل في الآتي:

  1. اعتماد إجراءات واضحة في تطبيق نظام الحصص (الكوتا) بنسبة لا تقل عن 30%، في مشاركة المرأة في مختلف المواقع القيادية ومؤسسات الدولة والأحزاب والتنظيمات السياسية.
  2. تبني الدولة رؤية تكافؤ الفرص في كل المجالات، وضمان وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار.
  3. العمل بالخطة الوطنية للمرأة والأمن والسلام والتفعيل الحقيقي للقرار (1325)؛ لضمان مشاركة فاعلة للمرأة في جميع المجالات.
  4. مواصلة تغيير الصورة النمطية عن النساء، والمواقف المتشددة في المجتمع لدعم وجودها في مواقع صنع القرار.
  5. إيجاد البرامج التدريبية والتأهيلية لبناء قدرات النساء.

 

ويرى عدد من الباحثين أن هناك عددًا من التوصيات والمعالجات التي يجب عملها لتحقيق دور المرأة الدبلوماسية في التنمية المجتمعية والمجالات الأخرى، وإتاحة الفرص أمام النساء للعمل في السلك الدبلوماسي داخل اليمن وخارجها، والمساهمة في تقديم رؤية تحسينية لبناء المجتمع وحل مشاكله. إضافة إلى أنه يجب على الجهات المعنية، بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، دعم مشاركة المرأة في العمل السياسي والدبلوماسي، وذلك من خلال توفير المزيد من الفرص للنساء في هذا المجال.

وتؤكد الدراسات ضرورة مكافحة العنصرية والتمييز النوعي ضد النساء، من خلال نشر الوعي حول حقوق المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، وأهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال تمكين المرأة اليمنية، من خلال تبادل الخبرات والتجارب عن طريق الندوات وورش العمل المشتركة والتبادل الثقافي الذي يضمن الفائدة لجميع الأطراف في المجتمع.

تلعب المرأة الدبلوماسية في اليمن دورًا مهمًا في التنمية المجتمعية بشكل عام. وهي ما تزال تواجه جملة من التحديات التي تعترضها رغم أنها حققت العديد من الإنجازات في هذا المجال، وهناك الكثير لتحققه. فهل سنرى دعمًا لمشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي يؤثر في التنمية المجتمعية في اليمن بشكل أكبر مستقبلًا؟