أفراح بورجي وهبة محمد – المرأة في التنمية والسلام
المرأة اليمنية لها حضور متميز في السلك الدبلوماسي على مرِّ السنين، ومساعٍ حثيثة تحققها في سبيل تعزيز دورها في صنع القرار الدولي، وعلى الرغم من التحديات والعقبات، ما زالت المرأة اليمنية تثبت حضورها القوي في مختلف المجالات المحلية والدولية، بما في ذلك السلك الدبلوماسي.
ففي ظلّ الظروف الراهنة، تُشاركُ النساء اليمنيات بنسب متفاوتة في مختلف القطاعات، تاركات بصمة واضحة في بناء الوطن وتقدّمه. وفي المجال الدبلوماسي، تمثل النساء اليمنيات نسبة قليلة نسبيًّا، إلا أنّهن يقدمنَ نموذجًا مشرفًا لما تتمتع به المرأة اليمنية من كفاءة ومهارات دبلوماسية استطاعت أن تثبت فيه نفسها.
وتسعى النساء اليمنيات جاهدات لتعزيز مشاركتهنَّ في صنع القرار، إيمانًا منهنّ بدورهنّ الفاعل في إحداث تغيير إيجابي على مختلف الأصعدة، وإنّ من أهمِّ الإنجازات التي حقّقتها النساء اليمنيات في المجال الدبلوماسي، تعيينَ عدد من النساء في مناصب دبلوماسية رفيعة، مثل سفيرة ومندوبة دائمة لدى المنظمات الدولية، ومشاركتهنّ الفاعلة في مختلف المؤتمرات والفعاليات الدولية، بما في ذلك قمم الأمم المتحدة، وإسهامهنّ في حلّ النزاعات وبناء السلام في اليمن.
تؤكد الدكتورة ميرفت مجلي، سفيرة اليمن لدى جمهورية بولندا، لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” أهميةَ دور المرأة اليمنية في المجال الدبلوماسي، وضرورة مشاركتها بشكل متساوٍ مع الرجل في صنع القرار.
تقول سفيرة اليمن: “حقيقةً هناك أدوار مهمة في مشاركة المرأة في المجال الدبلوماسي، فعلى سبيل المثال، لدينا الآن ثلاث سفيرات رؤساء لبعثات دبلوماسية”.
وتتابع مجلي: “إذ إنّه مقارنة بمُددٍ سابقة لم يتعدَّ التمثيل إلا سفيرة واحدة، إضافة إلى وجود عدد كبير من الدبلوماسيات العاملات في البعثات الدبلوماسية في مختلف الدرجات الدبلوماسية، ويرجع سبب ذلك إلى تزايد الوعي المجتمعي والسياسي بأهمية دور المرأة في العمل الإداري والدبلوماسي، وإثباتها لمقدرتها على الإدارة”.
كما تكمل مجلي: “أنّ أهمية المرأة اليمنية لا تكمن فقط في العمل الدبلوماسي، بل في جميع قطاعات الدولة ومؤسساتها، ولا ننسى أنّ لصناع القرار دورًا رئيسيًّا في إعطاء الفرصة التي تستحقها المرأة في المشاركة السياسية والدبلوماسية والإدارية، إيمانًا بما توافق عليه الأطراف في مخرجات الحوار الوطني الشامل، الذي يؤكد على أن يكون تمثيل المرأة ما نسبته 30% في كل مرافق الدولة، وهو ما تعمل على إثباته النساء كافة، وتحقيقه في قطاعات الدولة كافة”.
نسب مشاركة المرأة
أشارت مجلي إلى أهمية دور الأسرة التي تشجع بناتها على مواصلة التحصيل الدراسي والعملي في كل المجالات، بالإضافة إلى العمل على التوعية المجتمعية بأهمية دور المرأة الفاعل في الإسهام في تحقيق عملية السلام والبناء والتنمية، وضرورة إشراكها في جميع مؤسسات الدولة وهياكلها المختلفة.
وعلى الرغم من كل هذه الإشارات الإيجابية، تقول الدكتورة ميرفت مجلي: “ما زالت المرأة في بلادنا وفي كثير من المجتمعات العربية والعالمية، تكافح للحصول على فرص عادلة بموجب إمكاناتها وقدراتها العلمية والعملية؛ إذ إنّ المرأة اليمنية يواجهها كثيرٌ من التحديات، ولكن بعزيمتها وإصرارها تخطت كثيرًا من تلك التحديات، وحققت كثيرًا من الفرص”.
ووفقًا لمدونات البنك الدولي عام 2013م، حول مستويات مشاركة المرأة على مستوى المجالس التمثيلية بالنسبة لمجلس النواب، يؤكد أنّه لا يوجد أيُّ تمثيل للنساء في البرلمان اليمني (مجلس النواب) في آخر انتخابات برلمانية؛ إذ إنّ نسبة النساء بلغ من أصل (301) عضو من الرجال، فقط عضوية امرأة واحدة، وعندما توفيت في عام 2015م أصبح مجلس النواب خاليًا من النساء.
وبحسب دراسة صادرة عام 2019م تحمل عنوان (المرأة العربية والعضوية؛ من التمثيل إلى التفعيل)، أكدت أنّه آخر إحصائيات الاتّحاد البرلماني الدولي أظهرت أنّ اليمن حصل على أدنى نسبة تمثيل النساء في المجالس التمثيلية في العالم، وذلك بنسبة لا تتعدى 3%، وتدلُّ النسبة على مدى تهميش المجتمع اليمني لدور النساء في السلك الدبلوماسي وصنع القرار.
واقع غير مُرْضٍ
تشير الدراسات والتقارير إلى أنّ اليمن يشهد خطوات إيجابية، ولكنها ضعيفة، نحو تعزيز دور المرأة في العمل الدبلوماسي؛ إذ تسجل أعداد الدبلوماسيات اليمنيات ارتفاعًا ملحوظًا.
” لقد وصل عدد السفيرات اليمنيات إلى 16 سيدة، حاصلات على درجة سفير، منهنّ ثلاث يشغلنَ مناصب رئاسة بعثات دبلوماسية. كما تضم وزارة الخارجية اليمنية 133 امرأة دبلوماسية من أصل 947 موظفًا، ما يمثل نسبة تُقدّر بـ 14%. وعلى الرغم من أنّ هذه النسبة لا تزال دون المستوى المأمول، فإنّها تشير إلى اتجاه إيجابي نحو تعزيز مشاركة المرأة في هذا المجال، كما تؤكد هذه الإحصائيات أنّ المرأة اليمنية باتت تشارك بفعالية في مختلف المجالات، خاصة في المجال الدبلوماسي”. ذلك وفق ما ذكرته السفيرة مجلي.
كما تشير مجلي إلى أنّ نضال المرأة لنيل حقوقها ما زال مستمرًا. وبالنظر إلى وضع المرأة اليمنية على مستوى العالم نجد أنّ هناك أهدافًا قد استطاعت تحقيقها، فمثلًا كانت هناك أربع نساء فقط، من أصل 850 مندوبًا، وقّعنَ على ميثاق الأمم المتحدة في سنة 1945م، وحاليًا يوجد على هرم العمل الدبلوماسي في العالم ما يقارب 16 امرأة فقط يشغلنَ منصب رئيسة دولة من أصل 193 دولة، كما أن المرأة تشغل منصب وزيرة خارجية بنسبة 25% على مستوى العالم.
تأثير الواقع على مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي
وبحسب تقرير صادر عن صحيفة الشرق الأوسط عام 2024م بعنوان (تمكين النساء اليمنيات؛ طموحات واسعة تصطدم بكارثية الواقع) أنّ النساء اليمنيات بعضهنّ حصلنَ على فرص لتمكينهنّ سياسيًّا واقتصاديًّا، في حينِ بعضهنَّ وهنّ الأغلبية منهنّ تسبب الصراع بمضاعفة معاناتهم وحرمانهنّ من مكتسباتهنّ، التي كانت قد بدأت قبل حدوث النزاع المسلح، الذي زاد من تهميش المرأة سياسيًّا واقتصاديًّا، ورفع ظاهرة العنف ضدَّها.
ووفقًا لدراسة عربية أوضحت أنّه لا توجد مشكلات من الناحية القانونية والشرعية في تمكين النساء اليمنيات من الحصول على الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر فقط يحتاج إلى وعيٍ سياسيٍّ ومجتمعيٍّ حول أهمية دور المرأة؛ بعدِّها عنصرًا فاعلًا يخدم الوطن على المستوى الدولي في عملية تحقيق السلام والأمن والاستقرار في اليمن.
اليوم الدولي للمرأة الدبلوماسية
حول أهمية اليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي، أشارت الدكتورة ميرفت مجلي إلى أنّ هذا اليوم يعد تكريمًا للمرأة ولدورها في الحياة السياسية والدبلوماسية؛ فمن خلال العمل الدبلوماسي تُطرح كل القضايا الداخلية المتعلقة بالشأن اليمني في أروقة صانعي القرار في المحافل الدولية.
مؤكدةً أن أهمية هذا اليوم تأتي ليس فقط من كونه احتفالية بالمرأة، بل لأنّه خلاله يُسلَّط الضوء على نجاحات المرأة في عدد من المجالات، وإعطاء مساحة لمناقشة أسباب الإخفاق في عدد من المجالات الأخرى الخاصة بتمكين المرأة.
وقالت الدكتورة مجلي: “المرأة في العمل الدبلوماسي ليست فقط مرآة للسياسة الخارجية لبلدها، بل إنها تحمل قضايا مجتمعها وهمومه؛ إذ تقوم من خلال عملها على حشد جميع المهارات الدبلوماسية للحصول على أكبر استفادة لبلدها، وخصوصًا قضايا المرأة، رغم ما تواجهه من مصاعب في مجتمعاتنا التي وضعتها في قالب ضيق لا يعبر عن الدور الحقيقي الذي يمكن لها القيام به في بناء المجتمع والوطن”.
وقد نوهت ميرفت مجلي إلى أنّ المرأة اليمنية شاركت بشكل فاعل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل؛ إذ مثلت 30% من أعضاء المؤتمر، ولعبت دورًا مهمًّا في صياغة مخرجات المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة والسلام. كما شاركت في العديد من جولات مفاوضات السلام، ومثلت الحكومة والمجتمع المدني، وطرحت قضايا المرأة والسلام على طاولة المفاوضات.
تحديات تواجه المرأة اليمنية الدبلوماسية
فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المرأة اليمنية، قالت مجلي: “دور المرأة في العمل الدبلوماسي مساوٍ تمامًا لنظرائها من الرجال، والكلُّ يعمل جنبًا إلى جنب؛ لتعزيز قيم المساواة بين الجنسين، وممّا لا شك فيه أنّ هناك خللًا في التمثيل من حيث عدد الكادر الدبلوماسي النسائي؛ وحقيقة القول إنّ هذا ليس في بلادنا فقط، بل على مستوى العالم”.
وتُعقِّب: “هذا الأمر يعد انعكاسًا لقضايا كثيرة تختلف من دولة لأخرى، لكن في اليمن هناك كثير من التحديات التي ساعدت على تقليل نسبة مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي، أهمها تسرب الفتيات من التعليم في مراحل مبكرة، وقضايا تتعلق ببعض الوظائف التي كان يعتقد أنّها فقط حكرٌ على الرجل”.
وأكدت مجلي أنّ المرأة اليمنية، وبدعم من قيادات الدولة، تعمل على تعزيز مكانتها في المساواة من ناحية عدد الملتحقات بالعمل الدبلوماسي، أمّا من الناحية القانونية فقد تمَّ تجاوز هذه المرحلة في جميع القوانين المعمول بها منذ مدة طويلة.
دور المرأة اليمنية في تعزيز حركة السلام
تقول الدكتورة ميرفت مجلي: “لا ننسى دور كثير من المنظمات غير الحكومية والمراكز البحثية التي تعمل على تعزيز السلام. كما تقوم الدبلوماسية اليمنية من خلال عملها اليومي بالمشاركة في الندوات والاجتماعات واللقاءات التي تعقدها المنظمات، وإلقاء المحاضرات على طلاب الجامعات؛ للتعريف بالأوضاع التي تمر بها بلادنا، وأهمية العمل المشترك على عودة السلام الشامل إلى أبناء الشعب اليمني”.
وحول الأنشطة والبرامج التي تقوم بها المرأة اليمنية في تعزيز حركة السلام، تؤكد ميرفت مجلي أنّ المرأة اليمنية كان لها دور فاعل في عملية تعزيز السلام، بدءًا من مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومقرراته، ومرورًا بجولات مفاوضات السلام، إضافة إلى مشاركتها مع المنظمات غير الحكومية في حملات جمع التبرعات الإنسانية، وعقد المعارض الفنية للتعريف بالمخزون الحضاري الذي تتمتع به اليمن.