المرأة في التنمية والسلام – هبة محمد

في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها اليمن منذ سنوات، وتركت تداعيات وتحديات إنسانية جسيمة على جميع فئات المجتمع، تبرز إرادة المرأة اليمنية الدبلوماسية كعامل مهم في حل النزاع وتحقيق السلام وإعادة بناء الوطن؛ إذ تمتلك قدرًا لا يمكن تجاهله من الإلهام والتأثير الفعال في مختلف المجالات المرتبطة بالعمل السياسي، وتعد صوتًا فريدًا في الساحة الدولية، وهي تعمل كجسر للحوار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة، وتسعى جاهدة إلى تحقيق المصالحة الوطنية.

لقد حققت المرأة اليمنية خلال السنوات الماضية العديد من الإنجازات في العمل الدبلوماسي، فقد أسهمت بشكل فعال في العديد من المفاوضات والاتفاقيات التي هدفت إلى تحقيق السلام في اليمن، كما ساعدت بشكل حقيقي في تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين في مختلف المحافظات اليمنية.

المرأة الدبلوماسية وتحقيق السلام

تؤكد التقارير الصحفية أن المرأة اليمنية الدبلوماسية تعد قيمة مؤثرة في عملية تحقيق السلام في اليمن، وذلك بفضل قدراتها الفريدة ورؤيتها الواسعة في مختلف المجالات الحياتية التي تهم المجتمع بدرجة رئيسية، كما أن لها القدرة على تعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة، وتسعى إلى التوصل إلى تسويات دائمة. وتعد المرأة اليمنية الدبلوماسية رائدة في إشراك المجتمع المحلي والمرأة في عملية صناعة السلام، وتعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

تقول عضو مؤتمر الحوار الوطني وعضو التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام، إيمان شايف: “المرأة اليمنية بعيدة كل البعد عن العمل الدبلوماسي الحقيقي خاصة في هذه المرحلة؛ إذ لا بد أن نعلم المفهوم العام للعمل الدبلوماسي، الذي يكون عادة تكليف شخص من دولةٍ ما للتفاوض مع ممثلي دول أخرى حول مختلف القضايا، وتنفيذ بعض المهام نيابة عن الشخص المفوض، إذ الدبلوماسية ترتبط بعملية التفاوض بدرجة مباشرة. وحاليًا، وضع البلاد يعد صعبًا جدًا وبحاجة إلى تحقيق سلام شامل، وعملية تعزيز العملية التفاوضية في اليمن تفتقر لوجود المرأة رسمياً”.

وتواصل: “في الواقع، نلاحظ أن المرأة تلعب دورًا كبيرًا في هذا الجانب على الرغم من أنه يسير بشكل غير رسمي؛ فعلى سبيل المثال يصل صوت العديد من منظمات المجتمع المدني النسائية إلى الدبلوماسية الدولية؛ إذ يتم استدعاؤهن للمشاركة في عملية السلام وتقديم مقترحات لتحقيقه واستخدام أدواته”.

وأشارت شايف إلى أنه عندما يكون للمرأة اليمنية نشاط في العمل الدبلوماسي، فإنها تتحدث دائمًا عن السلام؛ لأن طبيعة المرأة تجعلها غير مشاركة في الصراعات وليست صاحبة القرار في خلق النزاعات، فالصراع يكون قرارًا يتخذه طرف واحد، بينما عملية السلام تحتاج إلى مشاركة جميع الأطراف، تسكت على ضوئه أصوات الرصاص وتبدأ عملية التفاوض الدبلوماسي بمشاركة جميع الأطراف، ومن بينهم المرأة.

وتؤكد أن كثيرًا من لجان التفاوض الرسمية في اليمن لم تشارك فيها المرأة سوى عضوة واحدة، وكانت مشاركتها ضعيفة على الرغم من أهمية دورها، خاصة في هذه المرحلة، وفي عملية حل النزاعات بالذات؛ إذ تعد المرأة واقعية ومتأثرة من استمرار الصراع.

دور المرأة في عملية السلام

“يعدُّ دور المرأة في عملية السلام حاسمًا ومهمًا؛ إذ إنها تهتم بالقضايا التي تخص جميع فئات المجتمع، وبإمكانها أن توصل أجندة المرأة إلى طاولة المفاوضات بكل جدارة، فالرجل غالبًا يغفل عن كثيرٍ من القضايا التي تخص النساء والفئات الضعيفة في المجتمع، وقد تتجاهلها السلطة الذكورية المهيمنة على عملية المفاوضات. كما نعي أن الرجال همهم الأكبر الجانب السياسي وتقاسم السلطة والمناصب، لكن وجود المرأة يبرز قضايا المجتمع بشكل عام، وقضايا النساء على وجه الخصوص، بوصفها أهم القضايا التي يجب أن تكون مطروحة على طاولة المفاوضات”، هذا ما صرحت به إيمان شايف.

وعن الأنشطة والبرامج التي تقوم بها المرأة اليمنية من أجل تعزيز حركة السلام، تقول شايف: “برزت كثير من الأعمال والأنشطة الخاصة بالمرأة الدبلوماسية، تدعو إلى السلام منذ بداية النزاع في اليمن؛ فقد كانت المرأة اليمنية السباقة دائمًا إلى تعزيز أنشطة السلام، ولم يسبقها الرجل أبدًا، فأنشأت المنظمات والتكتلات النسوية في اليمن بعد النزاع، تلك التكتلات النسوية تدعو ضمن أهدافها إلى المصالحة الوطنية”.

وتوضح شايف أن من أهم أهداف المرأة وقف النزاعات والدعوة للسلام وخلق حلول سلمية، وقدمت كثيرًا من المقترحات؛ فمثلاً هناك مكوِّنا التضامن النسوي والتوافق النسوي اللذان قدَّما خارطة طريق برؤية نسوية خالصة للوصول إلى سلام دائم في اليمن.

من جانبها تشارك الناشطة الحقوقية وداد البدوي، وتشير إلى أن هناك دبلوماسية غير رسمية اشتغلت عليها النساء خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بعملية السلام، منها الدبلوماسية النسوية التي تبنتها عدد من النساء العاملات في الخارج لإيصال أصوات السلام خلال سنوات الصراع إلى صناع القرار وأروقة الأمم المتحدة والمنظمات المختلفة.

وأوضحت أن النساء اليمنيات، اللائي يُصنفنّ لاجئات في دول مختلفة، قد صنعن دبلوماسية نسوية خاصة تحمل هموم المجتمع اليمني، وخاصة هموم المرأة وقضاياها بعيدًا عن الدولة، وأثّرن بشكل كبير على الملف اليمني للسلام، وأوصلن أصوات المجتمع إلى الفاعليين الدوليين، وجعلن من المرأة اليمنية حاضنة للسلام في مختلف المنصات الدولية.

وترى البدوي أن الدبلوماسية النسوية غير الرسمية حاضرة ومؤثرة دون دعم الجهات الرسمية أو اهتمامها. وأكدت أنه على الرغم من تجاهل صناع القرار لدور المرأة اليمنية، فإن النساء أدِّين واجبهن الإنساني لأجل السلام، وصنعنَ جسر تواصل بين النساء في الداخل والخارج، وأثبتن حضورهن بعيدًا عن الدبلوماسية الرسمية. كما أنهن ساعدن في وصول قضايا النساء اليمنيات إلى المجتمع الدولي في الوقت الذي لم يسمعهن صانع القرار اليمني.

 نماذج الأعمال المؤثرة في عملية السلام الدبلوماسي

عن أبرز نماذج الأعمال المؤثرة لأنشطة السلام الدبلوماسي للمرأة اليمنية، ترى شايف أن النشاط الدبلوماسي للمرأة اليمنية ضعيفٌ جدًا لكنه موجود؛ إذ شاركت (فائقة السيد) و(رنا غانم) في أول عملية مفاوضات في الكويت، ومثلتا طرفي النزاع في اليمن. لكنَّ هذه النماذج لم تصل إلى اتفاق حقيقي، وبسبب فشل هذه المفاوضات لم يبرز دور المرأة بشكل كبير.

وتواصل شايف: “من النماذج النسائية الرائعة في رحلة الدبلوماسية والسلام، سفيرة النوايا الحسنة ورئيسة اتحاد نساء اليمن لفرع أبين، الأستاذة (آمنة محسن). ومثل هكذا تعيينات تعد شرفية وليست رسمية، تحاول فيها المرأة اليمنية من خلال مشاركتها في المحافل الدولية واللقاءات العربية إبراز ثقافة السلام والدعوة إلى إنهاء الصراعات ومخاطرها على الشعوب والنساء والأطفال”.

فيما أشارت البدوي إلى أن المرأة اليمنية اشتغلت بشكل مستقل، وبحضور نسوي فاعل في عملية السلام؛ إذ كانت النساء أول من دعا إلى السلام في اليمن، في أول شهر من اندلاع الصراع. ورسميًا، تم تشكيل مكونات نسوية في شهر أكتوبر 2015 تدعو إلى تحقيق السلام.

وأضافت البدوي أن كل تلك المشاركات والأعمال والمؤتمرات واللقاءات والمنتديات التي شاركت بها المرأة اليمنية وتدعو إلى تحقيق السلام قد رفضتها أطراف الصراع اليمنية، ووصل الأمر إلى محاربتها وعدِّها طرفًا من أطراف الصراع. وعلى الرغم من ذلك التحدي فإن المرأة ما زالت مستمرة في الدعوة للسلام، عبر طاولة الحوار والمفاوضات السلمية، كونها أول من حافظت على السلام المجتمعي بفئاته الضعيفة من النساء والأطفال.

فيما أوضحت مها عوض -رئيس ومؤسس القمة النسوية في عدن- أن النساء والمنظمات النسوية لعبن دورًا كبيرًا في تعزيز السلام المحلي، وساعدتْ رابطة أمهات المختطفين في إطلاق سراح 566 مختطفًا ومعتقلًا ومخفيًا قسرًا. كما شاركت النساء في جهود الإغاثة الإنسانية للنازحين داخلياً والأسر المتضررة، وتقديم الإسعافات الأولية والدعم النفسي والاجتماعي.

صعوبات واجهت المرأة اليمنية

عن الصعوبات التي تواجه المرأة اليمنية في إحلال السلام تؤكد شايف أن الرجال يحتكرون العمل الدبلوماسي؛ لاعتقادهم وتصريحهم المعلن أن المرأة ليس لها دور في هذه المرحلة الصعبة، وأن من يحق لهم التفاوض هم من يحملون السلاح، أما المرأة فيأتي دورها بعد الوصول إلى اتفاق السلام، من خلال عملية التنمية والإعمار.

كما ترى أن هذه النظرة السلبية لدى القيادات وصانعي القرار من الذكور وصلت إلى قناعة تامة أنَّ العمل الدبلوماسي التفاوضي للسلام يعد من اختصاص أطراف الصراع ومن يحملون السلاح فقط؛ الأمر الذي شكل عائقًا كبيرًا أمام مشاركة المرأة اليمنية في العملية التفاوضية، ووضع عليها قيودًا مجتمعية تمنعها عن المشاركة في تحقيق السلام، إضافة إلى الجوانب الأمنية والهيمنة الذكورية السائدة في المجتمع اليمني.

الحلول المقترحة

عن الحلول المناسبة التي قد تدفع الجهات المختصة إلى التركيز على مشاركة المرأة في عمليات الشراكة والاتفاقيات الدولية الداعية للسلام، تقول شايف: “على المرأة أن تكثف من أنشطتها المجتمعية في مجال السلام المجتمعي والوساطة، وإقناع المجتمع بأنها قادرة على تحقيق السلام، وأهمية إشراكها في عملية التشبيك والمناصرة مع صانعي القرارات خاصة في العملية الدبلوماسية؛ إذ لا بد أن يكون هناك جسور ممدودة بين النساء وأصحاب القرار وغيرهم، بالإضافة إلى استغلال النماذج النسائية الحقيقيَّة في المجتمع، ممن يستطعن إيصال أصوات النساء إلى المجتمع الدولي”.