المرأة في التنمية والسلام ـ أفراح بورجي

 

في ظل الظروف الراهنة التي تمرّ بها البلاد من صراعات وتحولات جذرية في مختلف المجالات السياسية والأمنية، تواجه المرأة تحديات جمّة في جميع القطاعات، لا سيّما السلك الدبلوماسي والقطاع السياسي، يتجلى ذلك بوضوح في تهميشها من صنع القرار، والتهميش في المناصب القيادية في الحكومات، والمنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع المدني، والعمل الدبلوماسي؛ ممّا يعوق إمكانياتهنّ في التأثير على مسار الأحداث.

وإنّ عدم مشاركة المرأة في صنع القرار يفقد المجتمع نصف طاقاته وإمكانياته، ويعوق التنمية والتقدم، كما يؤثر سلبًا على جودة القرارات، وتأثيرها على المجتمع، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وعلى ذات السياق تشير علياء عمر الحامدي (مدير عام الإدارة العامة لتنمية المرأة في محافظة حضرموت) إلى أنّ الأصل في تولي المناصب القيادية هي المعايير الموضوعية والكفاءة، بغض النظر عن النوع الاجتماعي؛ لأنّ النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات، بما في ذلك الحقّ في الترشح للمناصب القيادية، لكن واقعنا في ظل النزاع الذي تشهده بلادنا منذ تسع سنوات قد أدّى إلى ظهور معايير أخرى غير قانونية، أو موضوعية لتولي المناصب القيادية.

وأشارت الحامدي إلى أنّ المعايير المتبعة في الوقت الراهن تتضمن الفوارق الجندرية في عملية اختيار الشخص المناسب للعملية السياسية أو في المجال الدبلوماسي، بالإضافة إلى الولاءات السياسية، والانتماءات القبلية أو العرقية أو الحزبية، بالإضافة إلى العلاقات الشخصية والمحسوبية التي تلعب دورًا كبيرًا في اختيار القادة، وتهميش فئات أخرى من المجتمع، وهذه المعايير وغيرها يدفع ثمنها المواطن الذي يملك الكفاءة العالية، والنساء على وجه الخصوص.

وبحسب دراسات تبيّن أنّ مثل هذه المعايير غير القانونية وغير الموضوعية لها العديد من العواقب السلبية، التي تتمثل في إضعاف أداء المؤسسات عبر تعيين أشخاص غير أَكْفَاء في مناصب قيادية، وتفاقم الفساد الذي يصبح أكثر انتشارًا في المؤسسات؛ إذ يسهل عليهم استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، بالإضافة إلى إقصاء فئات من المجتمع من المشاركة الحقيقة في صنع القرار، والتركيز على الرجل في عملية الاختيار، وتهميش المرأة.

وفي ذات السياق يقول الصحفي عاصم غالب: “يعد تهميش المرأة في اليمن ظاهرة عميقة الجذور، تشمل مختلف جوانب الحياة، بدءًا من المجال السياسي، وصولًا إلى الوظائف الحكومية والمجتمع، وذلك لأسباب متعددة؛ تشمل العادات والتقاليد التي تلعب دورًا كبيرًا في تهميش المرأة؛ إذ تلزمها البقاء في المنزل، وتحرمها من المشاركة في الحياة العامة، بما في ذلك العمل في المجالات السياسية والدبلوماسية”.

وأضاف: “أنّ استمرار الصراع أدّى إلى تفاقم معاناة المرأة اليمنية، وجعلها أكثر عرضة للتهميش، فقد ازدادت معدلات العنف ضدها، وقلّت فرصها في التعليم والعمل، كما أدّت الثقافة الذكورية في المجتمع اليمني إلى تهميش المرأة وحرمانها من حقوقها، بعدِّها في نظر المجتمع غير قادرة على اتّخاذ القرارات. وضعف تطبيق القوانين، إذ لا توجد قوانين كافية لحماية حقوق المرأة في اليمن، ممّا يعرضها للتهميش”.

يؤدي تهميش المرأة في اليمن في الفرص الوظيفية خاصة إلى العديد من التأثيرات السلبية، التي تتضمن إضعاف المجتمع ككل، وتراجع التنمية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تفاقم مشكلة الفقر.

مشاركة المرأة قديمًا

بحسب المركز الوطني للمعلومات، في تقرير حول (المرأة اليمنية؛ مشاركة فاعلة في الانتخابات، ودور كبير في التغيير) في 2006م، يشير إلى أنّ وجود المرأة اليمنية في الانتخابات للمشاركة في صنع القرار يدل على فاعليتها الكاملة في المجال السياسي والدبلوماسي؛ إذ شكّل عدد الناخبات في السجل التابع للجنة العليا للانتخابات 3 ملايين و900 ألف و565 ناخبة، من إجمالي 9 ملايين و247 ألف و370 ناخبًا، ليصل نسبة المسجلات 40%، وبحسب إحصائية أخرى للجنة العليا للانتخابات تقدمت 185 مرشحة قبل أن تنسحب منهنّ 11 مرشحة.

وأكّد المركز الوطني للمعلومات أنّ المرأة اليمنية تمكّنت قديمًا من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، من خلال مشاركتها بالأحزاب السياسية، ودمجها في التنمية الوطنية، الذي ساعد في تعزيز واقعها عبر مشاركتها في الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولو بصورة خجولة.

مشاركة المرأة حديثًا

وفقًا لوكالة الأنباء الأردنية 2024م، رصد تقرير حول (المرأة اليمنية تحقّق مزيدًا من المكاسب رغم تداعيات الحرب) سلسلة من الإجراءات القانونية والحقوقية ضد النساء، شملت حرمانهنّ من حرية التنقل والسفر نتيجة فرض سياسة المحرم، أو اشتراط موافقة مسبقة من ولى الأمر، إذ تطلب بعض الجهات الحكومية والخاصة موافقة مسبقة من ولى الأمر (الأب أو الزوج أو الأخ) للمرأة للتمكن من السفر أو الحصول على بعض الخدمات، وهذا الإجراء تسبب في حرمان آلاف اليمنيّات من المشاركة في فعاليات أو مؤتمرات لتحقيق فرص تعليمية أو تطويرية، كما قيّد مشاركة المرأة في العمل السياسي والدبلوماسي.

إنّ مثل هذه الإجراءات تُسهم في ارتفاع معدلات البطالة بين النساء، وظهور فجوة الأجور بين الجنسين في العمل؛ إذ إنّ المرأة تتقاضى أجورًا أقل من الرجل مقابل نفس العمل.

كما أشار التقرير إلى أنّ الحكومة اليمنية حاليًا تقوم بتنفيذ خطة وطنية تعني بـ (المرأة والسلام والأمن) وفقًا للقرار الأممي 1325 الخاص بتعزيز مشاركة المرأة في صناعة القرار، وضمان حمايتها في النزاعات ومن أشكال العنف كافة، ولكن في المقابل، تضاعفت معاناة المرأة اليمنية في مناطق الصراع، وأدّت إلى حرمان النساء من حقوقهنّ الأساسية في التعليم والصحة والحقوق الاقتصادية.

 بوادر إيجابية لدعم مشاركة المرأة اليمنية

في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها المرأة اليمنية، ظهرت بعض بوادر الأمل والتغيير، التي تشير إلى وجود اهتمام بدعم مشاركة المرأة في مختلف المجالات.

إذ تجسد هذا الاهتمام في كثير من القرارات والتعيينات التي أُسندت للمرأة اليمنية، وأبرزها قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رقم 155 لسنة 2023م، الذي قضى بتعيين 8 نساء قاضيات في عضوية مجلس القضاء، لأول مرة في تاريخ القضاء اليمني؛ إذ تعدُّ هذه الخطوة من البوادر الإيجابية والمهمة في طريق تحقيق المساواة بين الجنسين في اليمن.

وقد حظيت تعيينات المرأة اليمنية في مناصب قيادية بإشادات وترحيب واسع من المجتمع المحلي والدولي على حد سواء، والأهم أنّها تأتي بالتزامن مع اتّساع دور المرأة اليمنية ونشاطها في مختلف القطاعات على الصعيد الوطني، وفي مختلف المنظمات الإقليمية والدولية، من خلال شبكة من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية والسياسية، لا سيّما ما تقوم به المجموعة النسوية الاستشارية المختصة، ومجموعة التوافق النسوي عبر مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.

وكما عززت الحكومة مؤخرًا من مشاركة المرأة في قطاع الأمن والشرطة، عبر افتتاح مكاتب للشرطة النسائية في مراكز الشرطة، في خطوة مثّلت تقدمًا كبيرًا في طريق تمكين إسهام المرأة في تقديم سبل الرعاية القانونية والحقوقية للنساء.

الصعوبات والتحديات

يشير الصحفي عاصم إلى أنّ المرأة اليمنية على الرغم من اتّساع دورها ونشاطها في مختلف المجالات والقطاعات في الوقت الراهن، فإنّها تواجه صعوبات جمّة في العمل الدبلوماسي والسياسي، أهم تلك التحديات عدم إعطائها الصلاحيات الكاملة في تمثيل اليمن بالشكل المطلوب في المجال الدبلوماسي، وسيطرة الثقافة الذكورية في العمل الدبلوماسي، بالإضافة إلى تعرض المرأة إلى التمييز ضدّها من قبل زملائها في العمل الدبلوماسي أو أي مجال آخر.

من جانبها أوضحت علياء الحامدي أنّ من ضمن التحديات التي تواجه المرأة في العمل الدبلوماسي، عدم إعطائها الفرصة الكاملة في تولي مناصب تتعلق بالجانب الاجتماعي في المؤسسات الحكومية، مثال على ذلك مديرات تنمية المرأة والشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها.

الحلول والمعالجات

يمكن معالجة ظاهرة تهميش المرأة في اليمن عبر تغيير العادات والتقاليد المجتمعية التي تؤدي إلى تهميش المرأة، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة، والعمل المشترك على إحلال السلام في اليمن، الذي أصبح ضروريًا لتحسين أوضاع المرأة بشكل عام، بالإضافة إلى مكافحة الثقافة الذكورية، وتعزيز المساواة بين الجنسين في العمل، ونشر الوعي بحقوق المرأة وأهمية مشاركتها في مختلف مجالات الحياة، وسَنّ قوانين تتعلق بحماية حقوق المرأة، وضمان مشاركتها في الحياة العامة.

وتضيف علياء الحامد: “أنّ من ضمن المعالجات المطروحة، توحيد جهود المنظمات النسوية، التي تعد خطوة ضرورية لتحقيق التغيير المنشود في قضايا المرأة، وذلك عبر إقامة حملات مناصرة وتوعية تستهدف المجتمع، والتركيز على نشر الوعي حول حقوق المرأة، وأهمية مشاركتها في مختلف المجالات، والعمل على المستوى الدولي لمساندة المنظمات والتكتلات النسوية في تنظيم برامج تدريبية وتأهيلية للنساء في مختلف المجالات، ودعم المنظمات النسوية في بناء قدراتها”.