المرأة في التنمية والسلام – أحمد باجعيم

يعد التمكين الاقتصادي للنساء من أهم العوامل التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع، لا سيما في اليمن؛ إذ يمثل وجود سيدات الأعمال ركيزة أساسية ومهمة لتحسين الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة، وخلق توازن في الفرص بين الجنسين.

ونظرًا لما تواجهه النساء في اليمن من تحديات تعوِّق تطوير مشاريعهن الاقتصادية وتحقيق النجاح في مجال عملهن التجاري، نتيجة الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات؛ فإن من الواجب توفير الدعم والمساندة اللازمة لهن، من خلال تقديم التدريب والتمويل والإرشاد والتوجيه، وذلك لبناء قدراتهن وتعزيز مهاراتهن الريادية في مختلف المجالات.

إذ يساعد الدعم الفني والتقني سيدات الأعمال على تطوير مهاراتهن التجارية والإدارية لمشاريعهن بكل نجاح وكفاءة، ويوفر فرصًا جديدة في تنفيذ مشاريع مختلفة تأتي بالتوازي مع احتياجاتهن في المجتمع وتمكينهن اقتصاديًا، كما يساعد في التغلب على التحديات التي تواجههن، مثل نقص الموارد وضعف البنية التحتية ومواجهة الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد نتيجة الصراعات التي أدت إلى خسائر كبيرة على مستوى المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات، ومنها المشاريع المتوسطة والصغيرة لسيدات الأعمال.

 وضع سيدات الأعمال

يوضح رئيس الغرفة التجارية والصناعية في وادي وصحراء حضرموت، المهندس حسن باطاهر، أن الغرفة التجارية تسعى إلى تمكين سيدات الأعمال في المحافظة عبر تنفيذ العديد من البرامج التي تندرج في إطار التمكين الاقتصادي لهن؛ فهناك قسم خاص بهن يقدم الدعم اللازم والمشورة في مختلف المجالات لتمكينهن في سوق العمل.

وأضاف أن الغرفة تسعى إلى تحويل أعمال سيدات الأعمال من العمل الارتجالي أو العشوائي إلى العمل الرسمي من خلال مساعدتهن في الحصول على السجل التجاري ورخصة مزاولة المهنة وعضوية الغرفة التجارية. كما يتبنى قسم السيدات تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة والدورات التدريبية لتطوير مهاراتهن الريادية والتقنية والإدارية، والحصول على التمويل من خلال ربطهن بالمنظمات المانحة.

كما أشار إلى أن الوضع العام الذي تمر به اليمن وتفاقم الأزمة الاقتصادية أدَّيا إلى فقدان العديد من سيدات الأعمال وظائفهن، وأثَّرا سلبًا على مستوى معيشتهن وأسرهن. ولعل أبرز تلك الآثار الانهيار المتواصل للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، مما انعكس على أسعار السلع والخدمات، وزيادة تكاليف الإنتاج، لذلك يعد وضع النساء الممتهنات للعمل التجاري، ومنهن المبتدئات، بين مطرقة انهيار العملة وسندان السلع التجارية التي تهدد وضعهن في مزاولة نشاطهن التجارية.

من جانبه ذكر مدير غرفة الصناعة والتجارة بمحافظة شبوة، مهدي باصهيب، أن الغرفة تعمل على تشجيع القطاع النسائي للعمل في المجال التجاري والحرفي وريادة الأعمال في مختلف المجالات، وأن هناك تقدمًا ملحوظًا في هذا الجانب خلال هذه المدة على عكس السابق، فقد كانت محافظة شبوة تعاني من انغلاق شبه كامل من ناحية بروز سيدات الأعمال فيها، نتيجة العادات والتقاليد في المجتمع الشبواني القَبَلي.

وقال: “هناك ظهور لافت لمشاريع نسائية في المحافظة في الوقت الحالي؛ إذ بدأت تنمو بشكل واضح. كما أن هناك تقبلًا من قبل المجتمع لوضع النساء في السوق التجاري؛ لهذا نشطت مؤخرًا العديد من النساء فيه”.

وأشار باصهيب إلى أن الغرفة التجارية بالمحافظة تقدم تسهيلات لسيدات الأعمال بهدف تمكينهن وتشجيعهن على مزاولة العمل التجاري بكل يسر، مثل حصولهن على التراخيص الأزمة من سجلات تجارية وعضوية الغرفة وغير ذلك، لا سيما أن بعض النساء يزاولن أعمالهن بتراخيص مسجلة باسم أحدٍ من ذويهن؛ نتيجة العادات والتقاليد المفروضة على المجتمع. كما أن هناك العديد من السيدات يحملن سجلات تجارية باسمهن ويمتلكن محلات تجارية وعقارات وغيرها من الأمور الاستثمارية.

من جانبه أوضح مدير برنامج “مهنتي بين يديّ” في “مؤسسة صلة للتنمية”، محمد بن قروان، أن المؤسسة تهدف إلى تعزيز التنمية وتمكين المرأة اقتصاديًا في المجتمع من خلال تنفيذ برامج وأنشطة مبتكرة تستجيب لاحتياجات سوق العمل، وكذلك توفر التدريب المهني للسيدات؛ لتعزيز فرص عملهن في مجالات متنوعة مثل التكنولوجيا، والمجال الخدمي، والإنتاجي، والسمكي، والزراعي، وتدريب ريادة الأعمال وتنفيذ الأنشطة المصاحبة لتلك المجالات.

تأهيل السيدات

يبيَّن باطاهر أن الغرفة التجارية بوادي حضرموت عملت على تخفيض رسوم عضوية الغرفة لسيدات الأعمال بنسبة 50% من قيمة الاشتراك، بهدف تشجيعهن على الانضمام إلى الغرفة والحصول على فوائدها، مثل خدمات المعلومات والدعم القانوني والتسويقي، وتمكينهن من العمل التجاري وتعزيز دورهن الاقتصادي في مزاولة المهنة بشكل رسمي بدلًا عن العمل العشوائي.

كما أوضح أن الغرفة تعمل على تنفيذ العديد من البرامج التدريبية والتأهيلية وورش العمل التثقيفية لسيدات الأعمال حول أهمية السجلات التجارية والثبوتيات الرسمية، بهدف توعيتهن بأهمية العمل الرسمي وفوائده، وذلك من خلال حملات توعوية في مختلف مديريات الوادي (سيئون – تريم – القطن).

وتابع باطاهر أن هناك دورات تدريبية مهنية نفذتها الغرفة التجارية لسيدات الأعمال في العديد من المجالات؛ لتحسين قدرات النساء المنخرطات في العمل التجاري والاقتصادي بشكل عام، وذلك بالشراكة مع المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية المهتمة بتنمية الوضع الاقتصادي للمرأة اليمنية. مؤكدًا أن دور الغرفة لا يقتصر على التدريب والتأهيل فحسب؛ بل إن هناك أدوارًا أخرى تعمل عليها لتمكين المرأة اقتصاديًا، منها التشبيك بين السيدات والجهات المعنية والمانحة؛ لتعزيز قدرات المرأة مهنيًا وماديًا عبر المنح الميسرة بشكل أو بآخر.

يذكر بن قروان أن “مؤسسة صلة” تعمل باستمرار على تعزيز قدرات النساء في تطوير مشاريعهن وتوفير الفرص المناسبة لهن، من خلال تقديم برامج وخدمات تهدف إلى تطوير المهارات وتوفير فرص العمل والتمويل. وتشمل الخدمات التي تقدمها المؤسسة الاستشاراتِ والتوجيهَ في مجالات التسويق، وإدارة المشاريع، والابتكار، والتفكير التصميمي، وبناء القدرات، بالإضافة إلى حاضنة مهنية لريادة الأعمال (المقصود بها احتضان للمشاريع وتقديم الاستشارات المتكاملة)، كما تنظم دورات تدريبية وورش عمل تهدف إلى تزويد النساء بالمهارات اللازمة لنجاح مشاريعهنّ؛ إذ تتبنى الحاضنة مساعدة النساء في تطوير مشاريعهن الخاصة وتوسيع نطاقها، وتقوم بربط مشاريعهن بالسوق المحلي لزيادة فرص النجاح والانتشار.

ونوه مدير برنامج “مهنتي بين يديّ” بن قروان أن الحاضنة تقدم خدمة لسيدات الأعمال من ستة أشهر إلى سنة، بإشراف كوادر متخصصة من الاستشاريين، إذ تُعقد لقاءات مع الاستشاريين والناجحين في مشاريعهم والمتميزين بشكل دوري، مع تنفيذ أنشطة مصاحبة يتم فيها تبادل المعرفة والخبرات في مجال تشجيع “سيدات الأعمال” على تجاوز التحديات وتحقيق طموحاتهن في نجاح مشاريعهن.

إنشاء المشاريع

في هذا الصدد، نفَّذ قسم سيدات الأعمال في الغرفة التجارة بوادي وصحراء حضرموت خلال العام المنصرم 2023 أكثر من 11 دورة تدريبية وبرنامج تأهيلي للسيدات من مختلف مديريات الوادي، استهدفت ما يزيد عن 220 سيدة، وذلك وفقًا لرئيس الغرفة بوادي حضرموت حسن باطاهر.

من جانبه أوضح بن قروان أن “مؤسسة صلة للتنمية” تعمل من خلال برنامج “مهنتي بين يديّ” على تنفيذ مشاريع تحسين سبل العيش للنساء، عبر تدريب مهني نوعي يستند إلى مسح ميداني دقيق تُحدّد فيه احتياجات سوق العمل وفرص التوظيف للسيدات، ويقدم دورات تدريبية متخصصة عبر فريق متميز في التدريب، ويعتمد على أفضل الممارسات المنهجية في تقديم المواد التدريبية.

وذكر أنه نُفِّذت أكثر من 76 دورة تدريبية في مجالات متعددة، أفادت منها 941 سيدة، إضافة إلى تقديم دورات تدريبية في ريادة الأعمال لعمل دراسة جدوى اقتصادية للمشاريع الريادية للسيدات.

وأردف قائلًا: “تقدم المؤسسة خدمات مساندة أثناء التدريب المهني عبر توزيع حقائب مهنية بعد التدريب (أدوات العمل)، وعملت على بناء شراكات فاعلة مع القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، هادفة إلى تقديم برامج تنموية ذات أثر إيجابي ومستدام على سيدات الأعمال وحققت نجاحًا ملحوظًا في تنفيذ المشاريع التي عزَّزت من التنمية وتمكين النساء”.

وأوضح بن قروان أن “صلة” تقدم برامج تمويل ودعم مالي للسيدات الراغبات في تأسيس أعمالهن وتطوير؛ إذ أنشأت المؤسسة “صندوق مهنتي للتمويل والريادة” الذي يقدم منحًا مالية مباشرة للمشاريع الابتكارية، وتقديم القروض البيضاء بمبالغ تبدأ من 500,000 إلى مليوني ريال يمني، وتتراوح فترة سداد الأقساط من 12 شهرًا إلى 36 شهرًا، وبضمانات ميسرة على المستفيدين، وتقديم خدمات متميزة أثناء الكوارث والظروف الطبيعية الأخرى. وموَّلت المؤسسة أكثر من 45 مشروعًا رياديًا صغيرًا للسيدات، شمل مشاريع فردية وجماعية، وبلغ عدد المستفيدات من هذه المشاريع حوالي 80 مستفيدة.

التحديات والمعالجات

وعن التحديات التي تقف عائقًا أمام تمكين سيدات الأعمال اقتصاديًا في سوق العمل، تطرق حسن باطاهر إلى أن أهم التحديات تتمثل في الانهيار المتواصل لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وهو ما يمثل كابوسًا لجميع المشاريع التجارية؛ إذ ينتج عنه توقف كثير من الأنشطة التجارية لسيدات ورجال الأعمال على حد سواء. إضافة إلى ذلك، نقص التمويل للمشاريع والاستثمارات لسيدات الأعمال، الذي يتوجب على منظمات المجتمع المدني والجهات الدولية المانحة تقديم المنح لمالكات المشاريع ودعمهن عبر قروض تمويلية تسهم في تطوير مشاريعهن وإنجاحها، وخلق فرص تنافسية في سوق العمل لتحقيق التنمية المستدامة لجميع شرائح المجتمع.

من جهته ذكر مهدي باصهيب أن أبرز التحديات التي تواجهها سيدات الأعمال في اليمن، وبشكل خاص في محافظة شبوة، تتضمن قلة التأهيل والتدريب للنساء العاملات في المجال التجاري، وأن بعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة والنظرة القاصرة نحو عمل المرأة ما تزال معوِّقة لمشاركتها الكاملة في النشاط الاقتصادي في المحافظة.

وبيَّن باصهيب أنه على الرغم من ذلك، نلاحظ أن هناك تحولات إيجابية في مشاركة المرأة في المجتمع؛ إذ شهدت محافظة شبوة تقدمًا كبيرًا في التعليم الجامعي والتخصصي والفني خلال السنوات العشر الأخيرة، مما أدى إلى زيادة عدد النساء المتخرجات من الجامعات والمدارس والمعاهد.

كما نوه إلى أهمية تكثيف الوعي المجتمعي بحقوق المرأة وتقليص القيود المفروضة عليها، وتشجيعها للانخراط في المجال الاقتصادي الذي ترى نفسها فيه، مثلها مثل الرجل، والعمل على تشجيع الفتيات على مواصلة التعليم والتحصيل الجامعي؛ لأنه يعد اللبنة الأولى في تقدم المرأة الشبوانية في أي مجال، ومنه المجال التجاري والاقتصادي.

إن لتمكين سيدات الأعمال تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على الاقتصاد المحلي والتنمية المجتمعية في اليمن، ويساعد دعمهن وتشجيع مشاركتهن في سوق العمل وتوفير الفرص لهن في بناء مستقبل أفضل للجنسين؛ فتعزيز دور المرأة في الأعمال يعزز النمو الاقتصادي ويسهم في الاستقرار الاجتماعي.