المرأة في التنمية والسلام – أحمد باجعيم
أكد الدستور اليمني في مادته (7) من الفصل الثاني تحت عنوان “الأسس الاقتصادية” حرية النشاط الاقتصادي بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع، وينص الباب الثاني من قانون الاستثمار اليمني في مادته (4) على أن “الدولة تكفل حرية الاستثمار في أي مشروع استثماري لكل اليمنيين والأجانب”، ويجسد هذا النص التزام الدولة بتوفير حماية قانونية كاملة للمستثمرين.
وتؤكد تلك المواد حق المرأة في الاستثمار في أي مشروع استثماري في جميع القطاعات، دون تمييز على أساس الجنس في الحقوق والواجبات؛ لتحسين التكافؤ في الفرص والإسهام بفعالية في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
من خلال هذا التقرير نستعرض وجهات النظر لعدد من القانونيين والمحامين عن الحماية والتسهيلات التي يقدمها القانون اليمني لسيدات الأعمال في المجال الاستثماري.
القانون والاستثمار
يرى المحامي والقانوني عمر باراشد أن الحماية القانونية في الدستور اليمني تتضمن الإجراءات والتسهيلات اللازمة لتنفيذ أي مشروع، إذ يهدف إنشاء قانون الاستثمار إلى تشجيع رؤوس الأموال وتنظيمها، سواء كانت محلية أو عربية أو أجنبية، على أن تكون ضمن إطار السياسات العامة للدولة وخاضعة لقوانينها، وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ومبادئها، وعلى أن ترعى الدولة حرية التجارة والاستثمار بما يخدم الاقتصاد الوطني، وذلك وفقًا لقانون الاستثمار اليمني رقم (22) لسنة 2002م.
من جانبه أوضح المحامي عبدالله الحمومي أن قانون الاستثمار اليمني يعد حجر الزاوية في منظومة حماية الاستثمارات، مُحددًا مفاهيم الاستثمار والمشاريع الداخلة ضمن اختصاصه. ومن بنود الحماية تحديد المحكمة التجارية المختصة بنظر قضايا الاستثمار سواء كانت مع الحكومة أو جهات أخرى، كما يؤكد قانون الاستثمار على مبدأ المساواة بين المستثمرين المحليين والأجانب، الذين يتمتعون بنفس الحقوق والصلاحيات، وحق الاستعانة بعمالة فنية أجنبية، وتحويل المبالغ إلى الخارج، وحق الانتفاع بالأراضي والمباني، ولسيدات الأعمال حق واضح في ممارسة الاستثمار بكل حرية.
كما أشار الحمومي إلى أن القانون اليمني أعطى مساحة كافية للمستثمرين، بما فيهم سيدات الأعمال، لمزاولة العمل التجاري، كما أنه لم يفرق بين الرجل والمرأة في هذا الجانب على أساس أن الاستثمار يعد إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، والكل مشترك في تنميته.
ويبين المحامي سامي أنيس أن الدستور يعد أبا القوانين؛ لأنه يضع الخطوط العريضة لتنظيم العمل التجاري والاستثماري في اليمن، ويأتي دور القوانين في وضع تفاصيل تهدف إلى تنظيم العمل التجاري عبر تحديد الإجراءات اللازمة في تنفيذ المشروع.
وذكر أنيس أن الدستور اليمني قرر حرية الاستثمار في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلد، ليكون قانون الاستثمار ترجمة عملية للدستور، على الرغم من أن الوضع الراهن للاستثمار في اليمن يعد صعبًا ويواجه تحديات كبيرة تجعله بعيدًا عن الصورة المثالية التي رسمها الدستور والقانون لأسباب عديدة كالنزاع المسلح والفساد المستشري وغيرها من النقاط التي تضعف من تطبيق القانون.
الإجراءات والتسهيلات
عن التسهيلات التي يقدمها القانون اليمني للمستثمرين، وسيدات الأعمال على وجه الخصوص، يقول باراشد: “منح القانون كثيرًا من التسهيلات والمزايا للمستثمر؛ من أجل مساعدته وتشجيعه على الاستثمار في مختلف المجالات، والعمل على تنمية اقتصاد البلد وازدهاره. وعلى الرغم من ذلك، هناك ثغرات في تطبيق هذا القانون على أرض الواقع، إذ يطبق جزء منه ويمنع جزءٌ آخر”.
وأوضح “أنه -على سبيل المثال- لا يمنح لمكتب الاستثمار صلاحيات كافية في تطبيق القانون؛ إذ لا يملك القدرة على صرف أراضٍ لغرض استثماري دون موافقة من جهات عليا، وأنه حتى في حال حصول المستثمر على الأرض، فإنه لا توجد متابعة لضمان تنفيذ المشروع؛ مما يؤدي إلى صدور أوامر مفاجئة بوقف التنفيذ أو ترك جزء من المشروع دون إكمال”.
وأردف قائلًا: “نرى العديد من المشاريع الاستثمارية متوقفة أو معرقلة على أرض الواقع، ومن هذه المشاريع ما هي مملوكة لسيدات أعمال دون وجود مبررات قانونية واضحة أو إجراءات لإنصاف المستثمرات. كما ظهرت في السنوات الأخيرة سلوكيات غير مشجعة، خاصة مع سنوات الصراع التي تتضمن ظاهرة “شريك الحماية” الذي يشارك في أرباح المشاريع الاستثمارية دون تقديم أي رأس مال أو جهد فعلي، ويشكل عائقًا خطيرًا وسلبيًا أمام الاستثمار في اليمن؛ فقد أدى وجوده إلى القضاء على كثير من المشاريع وتهجير مشاريع أخرى، وتضررت كثير من سيدات الأعمال وتقلص نمو استثماراتهن بشكل كبيرة في اليمن بل وأثر على واقع الاقتصاد الوطني”.
من جانبه يشير المحامي الحمومي إلى أن الدستور يحدد القواعد العامة لسياسة الدولة، وينظم مختلف جوانب الحياة في البلد، ويتم تفصيل تلك القواعد في قوانين خاصة منها قانون الاستثمار الذي وضع نصوصًا تسهل العملية الاستثمارية في اليمن، وفقًا لضوابط قانونية، وبموجب اتفاقيات دولية تكون الدولة طرفًا فيها أو موافقة عليها، أو بموجب قوانين خاصة تنظم بعض المشاريع الاستثمارية التي لا تخضع لقانون الاستثمار.
ويؤكد على أن الدولة فتحت أبواب واسعة للاستثمار في مختلف المجالات، عبر تلك القواعد العامة والقوانين المنظمة للعمل الاستثماري في اليمن، كما وضعت ضوابط للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني.
ويبين المحامي سامي أنيس أن قانون الاستثمار اليمني النافذ هو أحد أهم الأدوات القانونية التي تقدم للمستثمرين مجموعة من الضمانات والحوافز التي تشجعهم على الاستثمار في البلاد، وهي تشمل المساواة في الحقوق والواجبات، وإمكانية امتلاك المستثمر الأجنبي للمشروع الاستثماري والأراضي والعقارات، وعدم تأمينها أو الاستيلاء عليها أو حجز أموالها أو مصادرتها أو غير ذلك إلا بحكم قضائي. كما أعطى المستثمر الأجنبي الحريةَ في إدارة مشروعه، والحق في تصدير منتجاته، وأعطاه الحق في اختيار طريقة حل النزاعات التي تنشأ بينه وبين الدولة أو أطراف أخرى.
ويتابع قائلًا: “إن الإجراءات والتسهيلات التي نص عليها القانون اليمني سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي تعد واضحة للجميع؛ فالمرأة أو سيدة الأعمال لها ما للرجل، وعليها ما عليه من واجبات وحقوق، وفقًا للقانون دون تضييق أو تحيز للجنس أو الفئة، إلا أن الواقع يظهر وجود فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والممارسة الفعلية على الأرض، خاصة في الوقت الحالي نتيجة للوضع غير المستقر الذي تمر به اليمن”.
آراء مختصين
يوضح المحامي باراشد أن القانون اليمني يعد مفصلًا في جميع القطاعات والمجالات، إذ يضمن الحقوق والواجبات للجميع، ومن ضمنها القطاع الاستثماري، فإن القانون إذا طبق على الأسس التي وُضع عليها سنجد كثيرًا من رؤوس الأموال الاستثمارية، ومنها لسيدات أعمال، تعاود نشاطها كقطاع خاص بصورة أفضل وأكبر، مما ينعكس بشكل إيجابي على تنمية الاقتصاد الوطني، ويكون بمثابة العامل المعزز لتطوير العمل الاقتصادي والقضاء على البطالة بين أوساط الشباب العاطلين عن العمل.
كما نوه إلى أن النساء أكثر الفئات مجابهة للفساد، حسبما تشير دراسات خارجية؛ لهذا فإن تطبيق القانون سيعطي لسيدات الأعمال بيئة خصبة؛ للعمل والتقدم في المجال التجاري والاستثماري، وسيمنحهن قوة إضافية في سوق العمل لإبراز نشاطهن التجاري.
وأشار إلى أهمية تخصيص فرص استثمارية في المجال النسوي؛ كون النساء شركاء للرجال في المجتمع وفقًا لما نص عليه الدستور اليمني، بالإضافة إلى ضرورة إعطاء مكتب الاستثمار كل الصلاحيات في تنفيذ مهامه واختصاصاته القانونية، وعدم التدخل في عمله من قبل أي جهة، سواء داخل إطار المحافظات أو من قبل السلطات العليا، على أن يكون خاضعًا للرقابة والمحاسبة الحقيقة؛ للحفاظ على ممتلكات الدولة من العشوائية والعبث.
ويطرح المحامي عبدالله الحمومي ملاحظته حول القانون اليمني في التسهيلات المقدمة لسيدات الأعمال؛ إذ يقول: “إن الدولة من خلال الواقع قد وضعت نفسها موضع الطرف الأضعف، وذلك ليس بسبب ضعف في القانون بل في عملية تطبيقه، والانقسام السياسي الذي تمر به البلاد منذ أكثر من تسع سنوات، وعدم وجود جهة رقابية جادة لحماية مصالح الدولة والمستثمر على حد سواء؛ لهذا فإن التسهيلات الممنوحة لسيدات الأعمال في الوقت الحاضر تعد غير مجدية لعدم وجود حماية حقيقية من الدولة نفسها، لذا وجب إعادة تفعيل وتطبيق القانون وتقديم التسهيلات التي ترتقي بواقع القطاع الخاص في اليمن”.
ويرى سامي أنيس أن قانون الاستثمار اليمني يلبي كل طموحات رجال الأعمال وسيداتها في مختلف المجالات الاقتصادية، لكن على الرغم من إيجابيات هذا القانون، فإن الواقع يشير إلى وجود بعض التحديات التي تعوّق الاستثمار في اليمن، وتتمثل في انعدام البيئة الآمنة للاستثمار، وعدم استقرار العملة المحلية، والتشظي السياسي الذي تعيشه اليمن، وصعوبة إنجاز الإجراءات الرسمية اللازمة لبدء أي مشروع، كل ذلك ينعكس سلبًا على الاستثمار ويجعل اليمن بلدًا طاردًا للمستثمرين.
وأكد أنيس على أهمية بذل الجهود المشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار في البلد، بوصفه الركيزة الأساسية لجذب الاستثمار. وتمثل الحماية القانونية لسيدات الأعمال في اليمن جزءًا أساسيًا من تحقيق التنمية الشاملة للاقتصاد الوطني، والازدهار المستدام في المجتمع المحلي؛ إذ يتطلب تحقيق هذا الهدف العملَ على تعزيز وتطوير القوانين والسياسات التي تدعم حقوق المرأة، وتشجع على مشاركتها في سوق العمل، وتعزز دورها في التنمية الاقتصادية، والقضاء على الفساد والمحسوبية، وتطبيق الدستور والقانون والاحتكام لكل بنوده على أرض الواقع، بالإضافة إلى العمل على إحلال السلام في اليمن وتثبيت الاستقرار الذي يعد أولى الخطوات الصحيحة نحو تطوير القطاع الخاص في اليمن بصورة عامة.