المرأة في التنمية والسلام – حنين الوحش

ليس سهلا أن تصبح المرأة سيدة أعمال، في مجتمع ذكوري مثل اليمن، فالأمر لا يتطلب تخطي هذا النمط السائد، بل يتطلب رأس مال وفير، في حين تفتقر النساء فيه لأبسط الحقوق الذي شرّع لها القانون الوطني والمواثيق الدولية.

تشير ((ل، ه‍) وهي سيدة أعمال يمنية، تُقيم حاليًا في سلطنة عُمان، إلى أنّها بدأت توجهها التجاري في اليمن، لكنها تعرضت للعديد من التحديات العقائدية التي لم تمكنها من إيجاد بيئة مناسبة لمشروعها؛ الأمر الذي أجبرها على الفرار إلى عُمان لتبدأ رحلة جديدة في عالم المال والأعمال.

تحدٍّ حكومي

“في اليمن تعثرتُ كثيرًا، رغم المحاولات المتكررة، أولًا بفعل الانهيار الاقتصادي الناتج عن الصراعات المستمرة، وثانيًا صعوبة إنجاز المعاملات والإجراءات اللازمة من المرافق المعنية”.. هذا ما أوضحته (ل،ه‍)؛ إذ تُشير إلى أنّ في كل مرة تذهب فيها إلى مؤسسة حكومية لاستخراج ترخيص في البداية يرحبون بها، ولكن تبدأ نزعاتهم الذكورية بالظهور للسطح؛ لكونها امرأة لا تنفع بالأعمال التجارية.

كما توضح ما تواجهه المرأة من مضايقات في المرافق الحكومية، التي تتضمن التأخير في تجهيز المعاملات المطلوبة لضمان استمرار التواصل معها، وكأنهم ينتظرون شيئًا منها، وما يتم إنجاز الأعمال والمعاملات إلا بطلوع الروح.

وتتابع: “لا نحظى بأي تشجيع من قبل القطاع العام، وأكثر من كونها قطاعات خدمية نجدها فقط قطاعات إيراديه؛ إذ إنّ نسبة غير قليلة من رأس مالك التجاري يذهب لقاء الحصول على تراخيص وإجراءات طويلة، كترخيص مزاولة مهنة، وترخيص منشأة، وتكاليف الحصول على سجل تجاري، رغم أنها قانون لا تأخذ منك الكثير من الوقت أو المال، غير أنّ الواقع مختلف تمامًا؛ إذ تنصدم بالتعامل الأشبه بالسمسرة”.

وتؤكد: “في حال نجحت في استكمال الإجراءات لدى المؤسسات الحكومية، وبدأت خطوتك التجارية، سرعان ما تلاحقك سندات تحصيل أخرى تحت مسمى نظافة وتحسين وضرائب، في حين أنت في بداية مشروعك؛ الأمر الذي يفقدك الشغف في الاستمرار”.

وتشكو كثيرات من سيدات الأعمال في اليمن من غياب التمثيل الكافي للسيدات في الغرف التجارية والصناعية والمؤتمرات الاقتصادية، وعدم إشراكهنّ في صناعة القرار، وأعمال التنمية والإعمار، وعدم تبني برامج خدمية تدعم احتياجات القطاع الاقتصادي، والإسهام في تقديم تمويلات لأصحاب المشاريع الصغيرة، وبحسب (ل، ه) “إن وجدت قروض من بنوك خاصة، فإنّ فوائد القروض أكبر، مع قصر مدّة السداد”.

تهديدات مجتمعية وأمنية

واجهت (ل، م) صاحبة المشروع الإلكتروني الكثير من التحديات الصعبة في المجتمع؛ إذ تقول: “إنّ أبرز التحديات التي واجهتني كوني امرأة، عندما وضعت رقمي الخاص على اللوحات الإعلانية الخاصة بمشروعي؛ إذ لم أسلم من المضايقات الإلكترونية من رسائل مستفزة ومخلة بالآداب من أرقام مجهولة”.

دفع العنف الإلكتروني (ل، م)‍ للعمل باسم ذكوري مستعار تجنبًا للمضايقات المجتمعية، غير أنّ هذا السلوك حدَّ من نشاطها التجاري، وأدّى إلى إحباطها في تنفيذ الكثير من مشاريعها المستقبلية.

كما تقول: “إنّ نشاطي التجاري لم يكن مرضيًّا لي ولأسرتي؛ إذ تعرضتُ للكثير من المضايقات من قبل المجتمع، والمطالبات المتكررة بالتوقف؛ بحجة عدم التحدث أو التعامل مع الرجال”.

وأتت ظروف الصراع والحالة الأمنية غير المستقرة في اليمن على المحاولات الناشئة لـ (ل، ه) لتفاقم من حدّة التحديات العارضة، لتوضح قائلة: “غياب الأمن حدَّ من نشاطي التجاري وقضى على الكثير من الفرص التي كنت أعمل عليها، وهو ما دفعني لاتّخاذ قرار المغادرة”.

كانت عُمان هي الوجهة المتاحة لها، وهناك بدأت مهددات العمل بالتلاشي؛ إذ تلقت دعمًا من أسرتها على مواصلة نشاطها… وقالت: “في عُمان رافقتني أسرتي من أول خطوة وشجعوني وساعدوني؛ أما في اليمن فلم أجد أي احترام من المجتمع اليمني؛ لكوني امرأة عاملة في المجال التجاري”.

سافرت (ل، ه‍) إلى سلطنة عُمان، وهناك وجدت بيئة جديدة للعمل، وبدأت بفتح محل تجاري لبيع العطور والبخور واللبان اليمني، ساعدها العائد المالي على فتح فروع أخرى لتصبح واحدة من أشهر سيدات الأعمال هناك.

آخر النفق

تعمل سيدات الأعمال اليمنيات في بيئة ملغومة في اليمن، فإلى جانب الانهيار الاقتصادي المريع فإنّ حالة الفساد المستشري أحال البلد إلى نفق مظلم للسوق السوداء… بحسب تصريح السيدة مرفت أمين.

تقول مرفت: “كنت أعمل في البخور، وكان نشاطي من المنزل محدودًا للغاية؛ لتغطية جزء من نفقات العيش التي فاقمها النزوح، وأثناء عملي وجدت كثيرًا من الزبائن يبحثون عن” زيت الحلبة” الذي كنت أفتقده أنا في المنزل أيضًا بسبب احتكار التجار؛ إذ أصبح يباع كسوق سوداء كغيره من المواد الاستهلاكية والأساسية”.

سيطرت فكرة المشروع على “مرفت” التي وجدت نفسها أمام “معصرة” يستخدمها صاحبها لعصر زيوت أخرى، وقالت: “بدأتُ بعصر زيت الحلبة وبيعه على البيئة المحيطة بي، ومن ثم وجدت إقبالًا كبيرًا من الزبائن، وبدأت في التنسيق مع محلات تجارية أخرى لعمل نقاط بيع، ووصلت نقاط البيع إلى عشر نقاط موزعة على محافظة تعز”.

أضافت مرفت إلى منتجها كثيرًا من التحسينات؛ كإضافة بروتين الحليب لإنتاج الشامبو والوصول إلى نتائج أفضل، وهو ما حقّق لها ربحًا إضافيًّا، كما رفع القدرة الشرائية للمنتج.

تكلل نشاط مرفت بأنِ انضمت إلى منظمة سيدات الأعمال، وقالت: “التحقت بمنظمة سيدات الأعمال، وعرضت مشروعي والخطوات التي قمت بها لتطويره، ونال استحسان القائمين على المنظمة، وقد طُلب مني فتح محل صغير مبدئيًّا، والحصول على رخصة مزاولة مهنة؛ لأصبحَ عضوة مشاركة في المنظمة”.

تمكنت مرفت من استيراد ماكينة خاصة بصناعة منتجها بقيمة وصلت إلى 15 ألف دولار؛ إذ تقول: “ما كان لي أن أنجح في ذلك لولا إسهام منظمة سيدات الأعمال بنصف المبلغ، والمتابعة المستمرة من قبلهم، وبتشجيع من أسرتي، التي أسهمت في بدء العمل بشكل فعلي وعلى أرض الواقع”.

انتهت مرفت من تجهيز محلها الخاص بمساعدة ابنها الذي يعمل في التصميم، كما تؤكد أن العمل جارٍ على قدم وساق منذ ثلاث سنوات، ووفق نظام محاسبي صارم وحرص بالغ على جودة المنتج المحلي، وسعر منافس تحت مسمى “معاصر باوزير”.

وتعدّ مرفت واحدة من سيدات الأعمال الملهمات للقطاع الخاص، ويتضاعف حضورها في السوق المحلية يومًا تلو آخر لتحجز مكانًا متميزًا في الواقع، وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، كما تعدّ قصة نجاح للكثير من السيدات في اليمن، كما تؤكد مرفت بالقول: “التجار الذين قللوا من قدراتي في البداية وعاملوني باستهتار، الآن يسارعون لحجز مقاعدهم في صفوف عملائنا”.