المرأة في التنمية والسلام – حنان حسين

 

في الوقت الذي لم تنل المرأة اليمنية فيه نجاحات كبيرة على المستوى السياسي وصناعة السلام في اليمن، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها في مختلف مجالات الحياة نتيجة تداعيات الصراع، فإنّ ذلك لم يمنعها من إثبات قدرتها على التجاوز والنجاح والتألق في المجالات كافة، لا سيَّما في مجال ريادة الأعمال؛ إذ قامت عدد من النساء باقتحام مجال ريادة الأعمال بثقة كبيرة ونجاحات متتابعة؛ لتُحقّق فيها رقمًا صعبًا أمام شريكها الرجل.

لم تكن رحلة سيدات الأعمال اليمنيات سهلة، فقد واجهنَ العديد من العقبات والتحديات، بدءًا من الأعراف والتقاليد التي قد تعوق مشاركة المرأة في العمل التجاري، وصولًا إلى نقص فرص الحصول على التمويل والدعم والتشجيع؛ إذ تسعى لأثبات قدرتها على تحمل المسؤولية في أشد الظروف وأصعبها. فنجدها وضعت المخاوف والصعوبات جانبًا، وواجهت الوضع ببسالة وشجاعة، كما وضعت بصمتها لتاريخ حافل بالتميز والنجاح.

الفقر يهدد ريادة الأعمال

أظهرت مجموعة من التقارير والدراسات الاقتصادية تدني المستوى المعيشي في المجتمع اليمني بسبب الصراعات؛ إذ بيّن تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 2020م تصنيف اليمن كأفقر دولة في العالم، واحتلت المرتبة 175 عالميًّا من بين 189 دولة.

يعود تدني مستوى المعيشة في اليمن إلى العديد من العوامل، أهمها الصراع الدائر منذ عام 2014م، الذي أدّى إلى تدمير البنية التحتية، وتعطيل النشاط الاقتصادي، وفقدان العديد من مصادر الرزق، وتفاقم الأزمة الإنسانية، والارتفاع الكبير في الأسعار.

مشاريع وأنشطة ريادية

على الرغم من ظهور كثير من المعوقات والتحديات التي قد تواجهه المرأة في سوق العمل؛ بسبب تداعيات الصراع، اتخذت من التحديات فرصًا لإطلاق مهاراتها وإبداعاتها في مختلف المجالات وخاصة التجارية، وذلك عبر تنفيذ عدد من المشاريع والأعمال الصغيرة، مثل الطبخ المنزلي، وأعمال البستنة والزراعة المنزلية، وورشات الخياطة البسيطة بأقل التكاليف، وتحولت معظم تلك المشاريع البسيطة إلى مشاريع عملاقة تحظى بشهرة واسعة.

ولم تقتصر إبداعات المرأة اليمنية على المشاريع الإنتاجية والتجارية، بل برزت أيضًا في مجالات التسويق والتصوير؛ إذ أبدعت العديد منهنّ في استخدام منصات التواصل الاجتماعي؛ لتسويق منتجاتهنّ وخدماتهنّ، واتخذنَ من التصوير أداة للتعبير عن أنفسهنّ؛ الأمر الذي نال إعجاب الجميع وتقديرهم، وحظيت مشاريعهنّ وأعمالهنّ بإشادة محلية وعربية ودولية.

سارة الأمير (مالكة شركة SCB للنظافة)، تتحدث عن أبرز الأسباب التي دفعتها لعمل مشروعها الخاص؛ إذ قالت: “إنّ السبب الأبرز الذي دفعني إلى إنشاء مشروعي الخاص هو التعب والجهد الذي بذلته أثناء رحلتي في البحث عن وظيفة عند الآخرين؛ إذ أتتني فكرة أن يكون لديّ مشروعي الخاص، وأن أبذل فيه مجهودًا كبيرًا وأرى نتيجة تعبي على أرض الواقع، كما فكرتُ بعمل شغوف أستطيع عمله بحب وإتقان، ولم أجد غير مجال النظافة، الذي رأيته مشروعًا ملهمًا لأشخاص آخرين”.

وتضيف سارة: “للصراع تأثير سلبي للغاية لدى كثيرين، لكن بالطبع برز الجانب الإيجابي من قدراتنا كنساء في مواجهة كل التحديات، وعن التأثير السلبي نستطيع أن نقول إنه أثّر على سيدات الأعمال، مثل انعدام الأمن والاستقرار، وارتفاع الأسعار لبعص المواد؛ الأمر الذي أسهم في توقف بعض مشاريع سيدات الأعمال خوفًا بأن تطول مدة الصراع”.

وترى سارة أنّ الجانب الإيجابي يتمثل أيضًا في همة الشباب والنساء ودوافعهم اتجاه إقامة المشاريع الخاصة؛ إذ كانوا معتمدين قبل الصراع على رواتبهم من وظائفهم الحكومية وبعض أفراد أسرتهم العاملين في القطاع العام، وأنّ هذه التجربة وضعتهم أمام درس تعلَّم منه كثير من النساء والشباب الاعتماد على قدراتهم ومجهودهم بشكل عميق وواسع.

فكر ريادة الأعمال

زعفران المهنا – عضو مجلس ادارة “شو اي كان” تتحدث عن تجربتها قائلة: “تجربتي أختصرها في شعارين مضيت بهما؛ الشعار الأول خاص بزعفران، وهو الإيمان بقدراتي؛ وهو “إذا أردت صنعت”، والشعار الآخر مضيت فيه مع مجتمعي؛ وهو “أنا أستطيع”.

وتضيف: “تمَّ تكوين المشروع الريادي مع شركائي، الذي يُدعى مشروع (شو آي كان) الذي سطرنا فيه فكر ريادة الأعمال؛ من خلال تقديم نصفي المجتمع (المرأة والرجل) في معارض يخوضون فيها تجارب مشاريعهم للانطلاق، ووضع بصمتهم مع عملائهم بعد أن يتمَّ تدريبهم بمهارات تكسبهم انطلاقة كاملة الحيوية”.

تحديات

في حين أنّ سيدات الأعمال نجحنَ وبرز دورهنَّ في المجتمع، وأسهمنَ في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية في البلاد، لكنهنَّ واجهنَ العديد من الصعوبات والتحديات.

سارة الأمير توضح أبرز المعوقات بقولها: “أدّى الصراع إلى إغلاق مجموعة من المشاريع والشركات، وفقدت سيدات الأعمال مصدر رزقهنّ، خاصة في بعض المجالات التي تخصصنَ بها، والتي تضررت بشكل كبير نتيجة تداعيات الصراع في العديد من المحافظات اليمنية”.

وتضيف: “تواجه سيدات الأعمال صعوبات كبيرة في تشغيل أعمالهن، مرة أخرى أو حتى مشاريع جديدة، بسبب شح الموارد، كذلك ارتفاع تكاليف التشغيل، ومواجهة القيود المفروضة على الحركة والتنقل”.

صمود سيدات الأعمال

في حين أنّ الصرع أثّر بشكل كبير، وعاق حركة سيدات الأعمال نحو طريقهنّ للنجاح، لكنهنّ صمدنَ وتجاوزنَ الصعوبات، فنجد كثيرًا منهنّ اتجهنَ لإيجاد البدائل؛ إذ اتجهت العديد من سيدات الأعمال إلى مشاريع منزلية صغيرة، أو العمل في قطاعات، مثل التموين، والخدمات، والتعليم؛ لتأمين مصدر دخل لهنّ ولأسرهن.

منال أحمد -نائب لجنة سيدات الأعمال، الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية- تتحدث قائلة: “كان للمرأة دور بارز ومهم في صمود الأسر في مدّة الصراعات في العديد من المحافظات اليمنية؛ إذ أثبتت قوتها وجدارتها في إيجاد الحلول عبر مجموعة من الأفكار والمشاريع التي ساعدت وأعانت الأسر في معيشتها، فظهرت المرأة اليمنية كأهم عنصر للصمود في مرحلة الصراع”.

كما نجد أنّ مجموعة من سيدات الأعمال لجأنَ إلى الابتكار ومواكبة التطور، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمنتجاتهنّ وخدماتهنّ، والتواصل مع الزبائن، بطرق تواكب متطلبات العصر، رغم صعوبتها في وضع غير مستقر مثل اليمن.

وشكل الدعم المجتمعي، من خلال المبادرات والمجموعات الداعمة لسيدات الأعمال التي تهدف إلى تعزيز التمكين الاقتصادي قوة إضافية تمكن النساء من إنشاء مشاريعهنّ الخاصة والتغلب على التحديات، عبر تقديم التدريب والتأهيل المناسب، والعمل على خلق فرص التواصل مع كافة الجهات، والحرص على دعمهنّ بالتمويل الكافي للمضي قدمًا في مشاريعهنّ.

 

معالجات

من المعالجات التي تشير لها سارة الأمير؛ تتمثل في الاستمرار في مضي النساء بعمل مشاريعهنّ الخاصة مواجهات كل التحديات وتداعيات الصراع خطوة بخطوة، عبر إعداد الإستراتيجيات الصحيحة المخطط لها بدقة لإقامة المشروع حتى وإن كان صغيرًا.

وتضيف الأمير: “كما يجب على سيدة الأعمال عدم اليأس من الأحوال الراهنة، وتقوية ذاتها وتطويرها أكثر؛ ليصبح لديها استعداد على تقبُّل الصدمات التي قد تتعرض لها وتتأثر، مثل مواجهة المراحل التي تؤدي إلى خسارة مشروعها، إن زادت حدّة تداعيات الصراع، وكيفية وضع معالجات سريعة لمواجهتها”.

كما يرى عدد من الباحثين والخبراء أنّ هناك مجموعة من التوصيات التي تسهم في تطوير قدرات النساء اقتصاديًّا، منها معالجة ظواهر استمرار العنف ضد النساء، خاصة خلال مدّة الصراع، وإعادة تفعيل القوانين عبر تطبيقها بشكل إيجابي لصون المرأة من العنف، وتعزيز بيئة آمنة لممارسة الأعمال الاقتصادية للنساء، والعمل على تشجيع مشاركة النساء في عملية صنع القرار من الجانب الاقتصادي، ودعم مشاركتها في مختلف المجالات.

وكذلك من المقترحات العمل على تحسين البنية التحتية، وتسهيل حركة التنقل، وتقليل القيود المفروضة على ممارسة الأعمال، بالإضافة إلى الحصول على الدعم من قبل الجهات المختصة والمنظمات الداعمة وحاضنات الأعمال التي تعمل بشكل مختص في هذا الجانب.

تأثير الصراع في اليمن يوصف بأنّه مدمر على سيدات الأعمال، لكن إصرارهنّ وصمودهنّ يبعث الأمل بقدرتهنّ على الإسهام في إعادة إعمار اليمن، وتحقيق التنمية الاقتصادية والمستدامة، فهل تجد سيدات الأعمال الطريق ممهدًا في المستقبل؟