المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ
نفضت العديد من النساء في اليمن غبار العادات والتقاليد لتواجه تحديات كثيرة فرضها الواقع المرير الذي تعيشه البلاد منذ سنوات عدة، منها تردي المعيشة لدى غالبية الأسر في اليمن، نتيجة انهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وتوقف رواتب الموظفين، وتعطيل بعض المؤسسات الإرادية والخدمية للدولة، وانهيار العديد من المشاريع العامة والخاصة، وغيرها من المشاكل التي يواجهها المواطن اليمني.
هناك نساء خرجن للبحث عن فرصة عمل مناسبة لهنّ، وأخريات قررن فتح مشاريع خاصة بهنّ؛ سواء مشاريع عمل من داخل منازلهنّ أو خارجها في مجالات عديدة، مثل المأكولات والأزياء والطيب وصناعة الأدوات الحرفية، كما قُمنَ بفتح محلات لتقديم خدمات متنوعة في مجال الهندسة الإلكترونية أو بيع الملابس وغيرها.
جميع هذه الفرص التي لجأت لها المرأة كانت وما زالت طوق نجاة لإنقاذ نفسها وأسرتها من الفقر والعوز اللذينِ يحاصران المواطن في اليمن بشكل عام؛ إذ قررت أن تحسن دخلها، ثم الانطلاقة نحو الريادة والمشاركة في تحسين اقتصاد البلاد المنهار.
المرأة في اليمن تحقق نجاحات في مجال ريادة الأعمال والتمكين الاقتصادي، وعلى الرغم من النجاحات فإنّ هناك العديد من العقبات التي تحول دون مواصلتها للعمل الاقتصادي؛ إذ تواجه صراع الموروث الاجتماعي، ونظرة المجتمع الضيقة حول نشاطها التجاري، بالإضافة إلى تضاعف معاناتها في نقص التمويل، واختلاف العملة، والوضع الأمني الذي تعيشه البلاد.
لمحة عن تأثير الموروث الاجتماعي
يعدُّ الموروث الاجتماعي في اليمن أحد أكبر المشاكل التي تواجه عمل النساء والفتيات؛ إذ تعاني المرأة من القيود التي يفرضها المجتمع، خاصة في بعض مناطق المحافظة التي تحكمها ثقافة العيب، فتجد خروج المرأة إلى أسواق العمل فعل يتنافى مع معتقدات المجتمع الذي ينظر للمرأة أنّها خلقت للعمل في المنزل وتربية الأبناء فقط.
منى إسماعيل (اسم مستعار) إحدى الفتيات اللاتي واجهنَ الموروث الاجتماعي الذي كان عائقًا أمام تحقيق حلمها المتمثل في العمل بمجال التجارة؛ إذ قامت بافتتاح محل صغير خاص بها في قريتها، يحتوي على جميع الأدوات والملابس الخاصة بالسيدات والفتيات.
يكبرها ثلاث أشقاء ذكور، هم من أسرة ميسورة الحال في أحد الأرياف التابعة لمحافظة تعز، وتخرجت من الثانوية العامة، ولكن لم يحالفها الحظ في إكمال تعليمها الجامعي كما كانت تتمنى؛ لعدم وجود معاهد أو جامعات قريبة من منطقتها، ولصعوبة وضعها الاجتماعي في الذهاب إلى المدينة لتلقي التعليم، خاصة أنّها من أسرة محافظة.
تقول منى: “على الرغم من أنّي كنت أستطيع فتح مشروعي بسهولة كبيرة نظرًا لتوفر رأس المال اللازم، فإنّ أسرتي رفضت فكرته من البداية؛ لأنّ في قريتنا النساء لا يمتلكنَ الصلاحية في أن تكون سيدة أعمال، فهذا الأمر يعدُّ حقًّا للرجل فقط، أمّا النساء فعليهنّ العمل في منازلهنّ ومراعاة أزواجهنّ وأهاليهنّ إلى جانب العمل في الزراعة وتربية المواشي وجلب المياه والتحطيب”.
وتُضيف: “في كلّ مرة كنتُ أناقش أسرتي خاصة أمي وأبي لمعرفة المانع في افتتاح محل تجاري في القرية، كنت أستمع إلى ردهما الذي كان “ماذا تريدينَ من المال؟ نحن وفرنا لك كل ما تحتاجينه”، “وماذا سيقول الناس علينا؟” “النساء لا يخرجنَ إلى الأسواق ولا يحق لهنّ العمل في التجارة” ومن هذا الكلام المحبط”.
بحسب المختص الاجتماعي رضوان التميمي أنّ الموروث الاجتماعي قد أثّر بشكل كبير على وضع سيدات الأعمال في اليمن؛ إذ إنّ تلك التأثيرات تختلف حسب العادات والتقاليد من منطقة إلى أخرى، وحسب ثقافة الأسرة على وجه الخصوص.
وأوضح أنّ العادات والتقاليد اليمنية في بعض المناطق لا ترحب بعمل المرأة في أي مجال كان، ولا تحظى بأيّ تشجيع، وأنّ دور المرأة كنوع اجتماعي يختص في أعمال المنزل وتربية الأبناء فقط، ولا تعطي للمرأة الثقة اللازمة والتشجيع للعمل خارج المنزل، أو أن تصبح سيدة أعمال، لكن في بعض المناطق حصلت بعض النساء على نوع من التشجيع، نظرًا لارتفاع مستوى الوعي لدى الأسرة، ليصبحنَ فيما بعد رائدات أعمال في مختلف المجالات.
من جهته يشير عصام الأحمدي (رئيس رابطة المختصّين الاجتماعيين) إلى أنّ تأثيرات الوضع الاجتماعي والأسري على سيدات الأعمال في اليمن كثيرة، منها التحديات الثقافية، ونظرة المجتمع للمرأة، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بالتوازن بين الحياة المهنية والأسرية، والعادات والتقاليد في بعض الأسر التي تجرّم خروج المرأة للعمل والاحتكاك مع الآخرين.
ويبيّن في حديثه لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” الحلول التي يمكن أن تسهم في معالجة التحديات كافة التي تواجه سيدات الأعمال، وذلك من خلال تشجيعهنّ في توفير الدعم الاجتماعي والاقتصادي لهنّ، وتسهيل عملية التمويل المالي عبر تفعيل القروض الميسرة، ومساندة النساء الراغبات في بدء الأعمال التجارية، بالإضافة إلى نشر الوعي المجتمعي بأهمية دور المرأة في التنمية والبناء في المجتمع”.
نجاح مستمر رغم التحديات
من جهتها توضح أريج يحيى الشيخ (مدير مؤسسة Lody vip لتعهد وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والمعارض) أنّ المرأة اليمنية قد لعبت دورًا مهمًّا في دعم اقتصاد البلاد خلال مُدد طويلة؛ وذلك من خلال ما أظهره الواقع من مشاريع اقتصادية كثيرة وكبيرة، مثل مشاريع العقارات والمقاولات والاستيراد والتصدير؛ الأمر الذي يرفع من وضع الاقتصاد في البلد، والمستوى المعيشي للأسر، التي حافظت فيها المرأة عن كونها ربة بيت وزوجة وأم، وقد أثبتت أنّها قادرة وتملك الشجاعة في اتخاذ القرارات الاقتصادية للبلاد.
وتُضيف: “على الرغم من ذلك فإنّها تواجه تحديات وصعوبات كثيرة قد تعوق عملها، مثل نظرة المجتمع الضيقة للمرأة، والنصوص والقوانيين التي تقيد من حريتها في بعض الجوانب، إلى جانب الأوضاع العامة غير المستقرة التي تعيشها البلاد، مثل مشاكل الاستيراد والتصدير والجمارك والضرائب والعملات وغيره، وعلى الرغم من ذلك ما زالت بعض المشاريع مستمرة”.
وبيّنت أنّ هناك حلولًا تحدُّ وتساعدُ من التخلص من هذه الصعوبات التي تواجهها المرأة، وذلك عبر وضع تسهيلات في المعاملات والإجراءات الحكومية، وتعديل بعض النصوص القانونية التي تسهم في إنشاء مشاريع ناجحة وقوية خاصة للنساء، وتقديم الدعم والتحفيز والإرشاد لهنّ عبر جهات معنية ومتخصصة في الجانب الاقتصادي، بما يساعدهنّ على الاستمرارية وتجاوز كل الصعوبات؛ بعدّهن أكثر جدية في سوق العمل.
تقول الدكتورة منار منير الجناحي (سيدة أعمال رائدة، ومدربة واستشارية في مجال التمكين الاقتصادي والاستثمار لرجال وسيدات الأعمال): “إنّ المرأة اليمنية لها أهمية كبيرة في مجال التمكين الاقتصادي في اليمن، والشاهد على ذلك المشاريع التي نهضت مدّة الصراع، بسبب خسارة بعض الأسر لمصدر دخلها الحكومي وانقطاع الرواتب، ومدّة جائحة كورونا؛ إذ تمكنت من استثمار الطاقة الكامنة في داخلها وتوظيفها في مشروعها الخاص، الذي أسهم في توفير مصدر دخل لأسرتها في ظل الظروف الراهنة”.
وتتابع: “ساعدت المشاريع في توظيف العديد من الأيدي العاملة النسائية، سواء من أفراد الأسرة الواحدة أو من الفتيات ذوات الدخل المحدود، أو اللواتي لم يتلقينَ تعليمًا كافيًا لإيجاد وظيفة؛ إذ إنّ مشاركة المرآه اليمنية في التمكين الاقتصادي للبلاد يعدُّ مهمًّا في عملية رفع الاقتصاد المحلي، والوصول إلى مرحلة الاستقرار الاقتصادي”.
صعوبات وتحديات
تشير سيدة الأعمال منار منير الجناحي إلى أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه سيدات الأعمال في اليمن، والتي تشمل العادات والتقاليد السلبية في المجتمع، والضغوطات النفسية في البيت والعمل، إلى جانب عدم قدرة بعض سيدات الأعمال من الموازنة بين عملها في مشروعها ورعاية أسرتها، وغياب التمكين الذاتي والدعم النفسي لسيدات الأعمال.
وأضافت أنّ من ضمن التحديات عدم وجود الاستقرار الامني في البلاد، بسبب وضع الصراع المستمر في العديد من المحافظات اليمنية، وتأثير معظم القطاعات المهمّة والاقتصادية منه، وتفاوت أسعار الدولار وعدم استقراره، وارتفاع أسعار المواد الخام أو انعدامها في السوق المحلية بسبب صعوبة الاستيراد، بالإضافة إلى الأمية المالية والإلكترونية، وعدم وجود لجنة استشارية مختصة لتيسير سير عمل مشاريع سيدات الأعمال، وتقديم الاستشارات المناسبة كحلول حقيقية لمشاكلهنّ الإدارية والمالية والتجارية.
وعن المقترحات الممكنة لتجاوز بعض تلك التحديات، تشير الجناحي إلى أهمية توعية سيدات الأعمال في المجتمع بأنّها شريكة في بناء الاقتصاد المحلي، وأهميتها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وضرورة تقديم الدعم النفسي لسيدات الأعمال لمساعدتهنّ في تجاوز مراحل الإحباط والاكتئاب التي تؤدّي لخسارة مشاريعهنّ، وفقدان التوازن في حياتهنّ، وبالإضافة إلى توعيتهنّ بأهمية إشراك أسرهنّ في المساندة لتجتاز كل المصاعب التي تواجههنّ.
كما أضافت: “أهمية تفعيل دورات تدريبية وورش عمل فعّالة في مجال إدارة الوقت والمخاطر؛ لتتمكن سيدة الأعمال من موازنه وقتها وإدارة مشاكلها، وإيجاد حلول مبتكرة وفعّالة في بيتها وعملها، وتفعيل دور الجهات المسئولة والمختصة في تمكينها ذاتيًا؛ لتكون قادرة على التعامل مع البيئة المحيطة بها في إدارة مشروعها، وتجاوز التحديات والصعوبات والحفاظ على استقرار أسرتها ومشروعها”.
كما ترى الجناحي أنّ من الحلول مساعدة سيدات الأعمال من خلال توفير الحماية لها والدفاع عنها، خصوصًا سيدات الأعمال اللواتي يتعاملنَ مع التجار للحفاظ على حقوقهنّ المادية، وعدم استغلالهنّ أو النصب عليهنّ.
وأكدت على ضرورة عمل تنسيق بين سيدات الأعمال ووزارة الصناعة لإيجاد حلول كبدائل لتوفير المواد الخام الضرورية، وضبط الأسعار وتوحيدها لدى تجار الجملة.
ودعت الجناحي إلى عمل لجنة استشارية متخصصة تتبع جهة معنية بإدارة سيدات الأعمال، ويكون لها صلاحيات فعلية لتقديم الاستشارات المناسبة كحلول حقيقية لحل مشاكلهنّ، وتيسير أعمال مشاريعهنّ، وتشبيك سيدات الأعمال مع فئات المجتمع التجارية لعمل خدمات تجارية متبادلة ليستفيد الطرفان، والوصول إلى تمكين اقتصادي محلي قوي.
وفي ختام حديثها تقول الجناحي: “إنّ سيدة الأعمال اليمنية تعدُّ امرأة مثابرة وصبورة وقوية وقادرة على الصمود في وجه التحديات والصعوبات كافة؛ إذ أثبتت وجودها في مجال التمكين الاقتصادي بجدارة خلال مُدد صعبة مرَّ بها اليمن، وبعضهنّ حققنَ النجاح محليًّا وخارجيًّا، كما أثبتنَ أنّ المراة اليمنية سيدة أعمال تعدُّ بارزة ومتمكنة في رفع الاقتصاد المحلي والدفع بعجلة التنمية في اليمن”.