المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ
تختلف طموحات المرأة في أي مجتمع في العالم، وبحسب شغفها تختار المجال الذي تعمل به، فهناك مجال الطب والتعليم والتجميل والأزياء والإعلام والهندسة والتسويق والفنون باختلافها من غناء ورسم وتمثيل، والأعمال المكتبية والمنزلية وغيرها.
وهناك مِهن بدأت المرأة اليمنية تقتحمها بعدما كانت حكرًا على الرجال خاصة في السنوات الأخيرة؛ إذ أجبرتها الظروف المعيشية الصعبة في المشاركة بأعمال البناء، والقصابة (الجزارة)، والعمل في المطاعم و(الكافيهات)، والعمل كسائقات لباصات الأجرة، والتصوير بأنواعه، وصيانة الجوالات والأجهزة الإلكترونية الأخرى، والتدريب الرياضي، والعمل في المحال التجارية والمولات، ناهيك عن العمل في مجال المقاولات الذي يعدُّ من أهم المجالات التجارية التي لم تكن المرأة تتجرأ الخوض فيها.
يبقى أمام المجتمع والمحيطين بالمرأة دعمها وتشجيعها في ممارسة العمل أو المهنة التي قررت أن تخوضها، ومنهم الشباب والمبادرات الشبابية الذين يقع عليهم الدور في دعم النساء وتمكينهنّ اقتصاديًّا مثل باقي المكونات والأفراد داخل المجتمع.
نماذج لمبادرات في التمكين الاقتصادي
شهدت اليمن خلال السنوات الأخيرة، وخاصةً في ظل الأزمات المتلاحقة، ظهور مبادرات شبابية ساعدت في إحداث تغيير على مختلف الأصعدة؛ إذ شملت هذه المبادرات مجالات مختلفة مثل التعليم والصحة والحقوق والتمكين الاقتصادي، مع التركيز على دعم الشباب والنساء في مختلف المحافظات وتدريبهم وتأهيلهم، وخاصةً تلك التي تأثرت بالصراع.
تعمل تلك المبادرات الشبابية في وقت تشهد فيه البلاد العديد من التحديات الاقتصادية، بالإضافة إلى تدهور منظومة الرعاية الصحية، وتراجع مستوى التعليم، وانهيار العديد من المؤسسات الحكومية، وغيرها من التحديات التي خلفها الصراع، ويدفع ثمنها المواطن اليمني.
كما تسعى العديد من المبادرات لتكثيف أنشطتها المختلفة، خاصة في الجانب الاقتصادي وتمكين المرأة؛ إذ نفذت العديد من البرامج والأنشطة وورش العمل في المجالات المتعلقة بالتمكين الاقتصادي التي تسهم في إكساب النساء العديد من الفرص؛ لتطوير مهاراتهنّ وقدراتهنّ في الدخول إلى سوق العمل وكسب الرزق.
مبادرة (وريف) تعدُّ إحدى المبادرات العاملة في مجال تأهيل النساء وتدريبهنّ وتمكينهنّ في الجانب الاقتصادي؛ إذ تأسست في 2018م، وتستهدف النساء في المناطق الريفية والنائية التي لا تصل إليها فرص التدريب والتأهيل.
(العنود الإسكندراني) توضح أنّ فكرة المبادرة كانت عبارة عن إنشاء مجموعة عبر وسيلة التواصل الاجتماعي (الوتساب) ضمت مجموعة من الفتيات يمتلكنَ خبرات متعددة في المجال الاقتصادي؛ إذ يقمنَ بتدريب العديد من النساء في مجالات عدة، مثل الخياطة والتطريز، إلى جانب فنون الطبخ وغيرها.
وأشارت العنود (مديرة مبادرة وريف)، إلى أنّ المبادرة استطاعت في مدّة قصيرة أن تتوسع وتصبح أكاديمية، تنفذ العديد من ورش التدريب وفي جوانب كثيرة، مثل التصوير والمونتاج والجرافيكس وإدارة الأعمال، إلى جانب أنشطتها التي بدأت بها، مثل الطبخ والخياطة والتطريز، وقد تخرج من الأكاديمية ما يقارب من 5 آلاف امرأة؛ إذ نجح العديد منهنّ في فتح مشاريعهنّ الخاصة، ليصبحنَ مستقلاتٍ ماديًّا ويدرنَ أعمالهنّ بمهارة وكفاءة عالية.
وحول التحديات التي تواجه المبادرة، تبين العنود أنّ هناك العديد من التحديات التي واجهتها المبادرة، والتي تتضمن اختلاف سعر العملة المحلية بين المناطق اليمنية، إلى جانب عدم تقبل فكرة التدريب من قِبل كثير من النساء؛ كونه تدريبًا عن بعد.
مبادرة (خطوة تمكين) الشبابية نفذت العديد من الأنشطة في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة؛ إذ عملت على تدريب العديد من الشباب والفتيات حول كيفية خلق فرص عمل اقتصادية متنوعة، إلى جانب التوعية في معرفة احتياج السوق.
يقود المبادرة فريق مكون من الشباب المتمكن في مجالات متعددة كالتصوير، وتنظيم فعاليات والبازارات، وإدارة مشتريات ومبيعات وتدريبات، كما تحولت المبادرة خلال مدّة وجيزة إلى شركة حملت اسم (فيرست شيف) للتدريب والاستشارات.
تذكر لولوة غالب معوض (مالكة شركة “فيرست شيف” للتدريب والاستشارات، ومعمل “فيرست شيف” للإنتاج الغذائي) أنّ الأنشطة التي نفذتها المبادرة قبل أن تتحول إلى شركة ساعدت في رفد سوق العمل المحلي بمخرجات مؤهلة في صناعة منتجات محلية وعالمية في مجال الطبخ، مثل المعجنات والمخبوزات العالمية والتقليدية، وتصنيع البهارات المتنوعة، والحلويات التقليدية والعالمية، إلى جانب تجهيز أطباق رئيسية ومقبلات، بالإضافة إلى إنشاء كوادر تقوم على تغطية احتياج الكافيهات والمطاعم، وتطوير مهارات أسر منتجة على إدارة مشاريعها بنفسها.
أهم أعمال المبادرات الشبابية
مبادرة (شريان العطاء) للتنمية الريفية تعدُّ الأخرى من المبادرات الشبابية التي لعبت دورًا كبيرًا في التمكين الاقتصادي للنساء؛ إذ نفذت كثيرًا من البرامج التدريبية التي أسهمت في تمكين النساء اقتصاديًّا في العديد من المجالات.
من أنشطة المبادرة تنفيذ دورة تدريبية في الأشغال الحرفية، استهدفت 20 متدربة في مجال الخياطة والتصميم، وتم بعدها فتح معرض لمنتجات النساء، الذي يعد بمثابة مخرجات الدورة، لتسويقه بشكل مباشر.
وقد تأسست مبادرة (شريان العطاء) للتنمية الريفية في العام 2016م في منطقة الشمايتين بمحافظة تعز، وذلك لتطوير المجتمع الريفي، وتنفيذ مشاريع تنموية خاصة بالنساء، والعمل على التوعية المجتمعية على أهمية الدعم والتطوير والتأهيل والتدريب للنساء في المجتمع الريفي.
تقول المؤسس والرئيس لمبادرة شريان العطاء للتنمية الريفية حنين الزكري: “إنّ المبادرة ساعدت على تمكين النساء علميًّا وعمليًّا عبر دورات مكثفة ولمُددٍ طويلة في مجالات متعددة؛ كالخياطة، والحاسوب الآلي، واللغة الإنجليزية، وغيرها”.
وتضيف: “أنّه في مجال الخياطة تمَّ تمكينُ النساء اقتصاديًّا عبر دعمهنّ بالمستلزمات الضرورية مثل الأقمشة، ليقُمنَ بحياكتها عبر مكائنهنّ الخاصة، والعمل على عرضها في السوق وبيعها، وهو ما يُسهم في تحسينّ ظروفهن المعيشية”.
أما عن التحديات التي واجهتها المبادرة، فتقول حنين: “تتمثل التحديات في نظرة المجتمع اتجاه أنشطتنا ومحاولة عرقلتنا أكثر من مرة، إلى جانب أنه في بداية عملنا لم يكن هناك أيُّ دعم يقدَّم لمبادرتنا من جهات داعمة؛ إذ كان ينقصنا الدعم، خاصة أنّ علاقتنا في المجتمع المحلي كانت محدودة”.
مبادرة (وئام الشبابية) تسعى إلى التمكين الاقتصادي للمرأة، خاصة من فئة الصم والبكم؛ إذ شاركت في معرض منتجات الأسرة الذي أقيم في محافظة تعز في 2023م، والذي عرض فيه منتجات قامت بصناعتها النساء المستهدفات من فئة الصم في المحافظة.
تأسست المبادرة في 2019م، تستهدف في أنشطتها فئة الصم والبكم من النساء، لمناقشة قضاياهنّ وإسماع أصواتهنّ إلى الجهات المعنية وصناع القرار، عبر تسليط الضوء على أدوارهنّ في المجتمع في مختلف المجالات التي تعد منتجة ومفيدة في الاقتصاد المحلي.
كما ظهرت العديد من المبادرة التي تستهدف تمكين المرأة اقتصاديًّا في المجتمع اليمني، مثل مبادرة (نساء الريف)، التي تهدف ضمن أنشطتها إلى التأثيث والتأهيل لمركز تنمية المجتمع والأسر المنتجة في منطقة التربة بمديرية الشمايتين في محافظة تعز، وذلك بدعم أحد المنظمات المحلية العاملة في المنطقة.
وكان الدعم عبارة عن تزويد المركز بمكائن وأقمشة ومستلزمات الخياطة الأخرى وأدوات ومواد خام خاصة بالأشغال اليدوية التي تستهدف النساء، بالإضافة إلى دعم جانب التأهيل والتدريب فيه.
دور الشباب في التمكين الاقتصادي للمرأة
(فاطمة الحريبي) قامت بإنشاء معهد تدريبي استهدفت فيه نساء من الأرياف لهنّ الخبرة في مجالات متنوعة للمساعدة في تمكين النساء الأُخريات اقتصاديًّا في منطقة حجامة في مديرية الصلو محافظة تعز.
وحسبما أوضحت فاطمة أنّها نفذت العديد من الدورات التدريبية في مجال النقش والكوافير وغيرها، كما استطاعت العديد من المشاركات في هذه الأنشطة التدريبية الانطلاق إلى سوق العمل والبدء في إدارة مشاريعهنّ الخاصة.
كما أضافت لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام): “أنّها قررت بناء مركز تدريب وتأهيل استطاعت عبره تنفيذ العديد من البرامج التدريبية في مجال الحاسوب واللغة الإنجليزية إلى جانب تعليم القران الكريم”.
وتقول:” أردت من خلال مبادراتي المتواضعة تنفيذ ورش عمل في مجال المهارات الحياتية للنساء من أجل تنمية المرأة الريفية في مختلف المجالات التي تساعدها في الاعتماد على نفسها والاستقلال المادي”.
تهدف فاطمة في المستقبل إنشاء فروع لمركزها في عموم قرى مديرية الصلو وعزلها لتصل إلى أكبر قدر ممكن من النساء الريفيات، لتعليمهنّ وتطوير خبراتهنّ في مختلف المجالات الاقتصادية، وتحقيق طموحاتهنّ في فتح مشاريعهنّ الخاصة الذي بدوره يُسهم في تحقيق التنمية المجتمعية في المنطقة.
ساعدت العديد من المنظمات الدولية والمحلية إلى بذل المزيد من الجهود في سبيل تمكين المرأة اليمنية في المجال الاقتصادي، وكانت المبادرات الشبابية في مختلف مناطق البلاد وسيلتها المناسبة لتنفيذ أنشطتها والوصول إلى أكبر قدر من النساء، وتمكينهنّ اقتصاديًّا، لا سيَّما في المناطق التي وجدت تلك المنظمات صعوبة في الوصول إليها، وتنفيذ مشاريعها.
أهمية المبادرات الشبابية
هيفاء خليل السقاف، رئيسة مبادرة صوت (نساء الريف) تقول: “إنّ المبادرات الشبابية تعدُّ فرصة مهمة لتعزيز دور النساء في القوى العاملة، وتعزيز مشاركتهنّ في النشاط الاقتصادي، خصوصًا في ظل الوضع الراهن الذي تمر به البلاد”.
وتتابع: “تعمل المبادرات على توفير الدعم والتدريب والفرص الاقتصادية للنساء في اليمن، وتشجيعهنّ على تطوير مهاراتهنّ، وتعزيز قدراتهنّ في مجالات مختلفة، مثل ريادة الأعمال والعمل المجتمعي والتنموي، وتعزيز الوعي بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وتشجيع المشاركة السياسية والاجتماعية للنساء، التي حققت نجاحات عديدة على الرغم من الظروف الصعبة”.
كما أضافت: “أنّ أهمية وجود المبادرات في المجتمعات تسهم في تعزيز التغيير الاجتماعي الإيجابي في المجتمعات المحلية؛ إذ تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية، وتعزز المشاركة المجتمعية النشطة في مختلف المجالات، وتمكن دور الأفراد في صنع القرار، كما تعزِّز التعاون بين الأفراد والمؤسسات والجهات المعنية”.
وتبين -أيضًا- أنّ تلك المبادرات تعمل على تعزيز الابتكار والريادة في المجتمعات المحلية، عبر تشجع الأفراد على تطوير أفكار وحلول جديدة لمعالجة التحديات التي يوجهونها، بالإضافة إلى تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التعليم ونشر المعرفة، للمساعدة في تغيير التصورات النمطية، وتعزيز الثقافة والتعليم في المجتمع.