المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ

 

استطاعت أنيسة السلامي أن تدخل مجالًا كان العمل فيه من نصيب الذكور فقط، وتجاوزت كل العقبات التي واجهتها بعزيمة وإصرار، ونجحت في إقناع المجتمع المحيط بها بأن النساء قادرات على العمل في كثير من المهن المختلفة، مثلها مثل الرجال.

افتتحت أنيسة محلًا تجاريًا لهندسة الجوالات والحواسيب في مدينة تعز التي تعيش بها، وتغلبت على جميع التحديات التي واجهتها، كالعادات والتقاليد التي تقف عائقًا أمام دخول المرأة مجالات تجارية. كما استطاعت أن تدرب ما يقارب من 50 فتاة على هندسة الجوالات.

تقول أنيسة السلامي إنها تطمح إلى فتح العديد من المحلات التجارية؛ لتستطيع توظيف الكثير من الفتيات اللائي يرغبن في العمل بهذه المهنة؛ لأن لها أهميتها في مجتمعنا الذكوري، فهي تحفظ للنساء خصوصياتهن بعد تعرض كثير منهن للابتزاز”.

المرأة اليمنية والتمكين الاقتصادي

حول أهمية التمكين الاقتصادي يقول نبيل الشرعبي (الصحفي والباحث الاقتصادي): “إن بلادنا تشهد في الوضع الحالي العديد من التحديات التي تحول دون تمكين المرأة اقتصاديًا بشكل فعلي، وذلك بسبب استمرار الصراع الذي ما يزال قائمًا منذ حوالي 9 سنوات؛ إذ توقفت كثير من وظائف الدولة ومهامها عن العمل، وقبلها توقف إعداد برامج مختلفة تهدف إلى التمكين الاقتصادي للمرأة”.

وأوضح في حديثه لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” أنه مع توقف إعداد البرامج التطويرية التي تسهم في تمكين المرأة اقتصاديًا، فقد حدثت نتائج سلبية على مستويات الحياة العامة والمؤسسات الاقتصادية خاصة. وكان الهدف من تلك البرامج إيجاد بيئة إنتاجية وعملية خاصة بالمرأة تضمن لها حقها في العمل وإدارة مشاريعها التجارية لتساعدها في الوصول إلى أن تصبح أحد أهم عناصر مقومات النماء الاقتصادي في البلد.

ومن جهته يقول الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري: “إنه لا يوجد أي تمكين اقتصادي حكومي للمرأة اليمنية اليوم التي تعد خارج الإطار الحكومي منذ فترات طويلة، ومن تكون في مناصب حكومية اقتصادية لا تشكل أي رقم مؤثر، إذ إن المرأة اليمنية لم تصل إلى منصب نائب محافظ بنك مركزي أو مدير بنك تجاري”.

ويتابع حديثه: “إن التهميش والهيمنة الذكورية واستسلام المرأة وظروف الصراع وويلاته، جميعها ما تزال تهيمن على المشهد الوطني والاقتصادي على وجه الخصوص في البلد، والحلول تتعلق بوجود دولة تحترم المساواة والكفاءات بين الجنسين، وتفعيل الكوتا في كل مؤسسة حكومية”.

تحقيق التمكين الاقتصادي

ترى فائزة سالم سعيد باني (مدير فرع مجلس سيدات الأعمال اليمنيات في حضرموت) أن المرأة اليمنية يمكن أن تحقق التمكين الاقتصادي عبر وجودها في موقع صنع القرار، والمشاركة في اتخاذ القرارات الاقتصادية للبلد، الأمر الذي يعزز من دورها في تمكين المرأة في كل المجالات.

كما أشارت إلى أهمية تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة في اليمن من خلال التدريب المهني المكثف مع دورات ريادة الأعمال، وتقديم المنح المالية لهن، وإعطائهن قروضًا بيضاء دون فوائد، إلى جانب المتابعة والتقييم المستمر لمشروعهن.

توافقها في الرأي إبتسام ناجي محمد الثوبري -مالكة محل جنائن بيوتي شوب- قائلة: “يمكن تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة في اليمن عن طريق تقديم الدعم والتدريب المستمر، وتوفير بيئة آمنة ومناسبة، وفرص عمل في كل المجالات، وتفعيل دور الدولة في الاهتمام بالمشاريع الاقتصادية النسائية، سواء الكبيرة والمتوسطة أو حتى الصغيرة والناشئة، ومعالجة التأثيرات الاجتماعية والأسرية لسيدات الأعمال”.

في حين أن دينا أمين عبد الواحد -مالكة مشروع كارديو جِمْ (صالة رياضية للنساء)- تشير إلى مجموعة من الخطوات التي يمكن من خلالها تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، لتتضمن:

  • التعليم، الذي يعد أساس التمكين، وذلك عبر توفير فرص تعليمية للفتيات والنساء في اليمن، ومنحهن المهارات والمعرفة اللازمة للمشاركة في سوق العمل والتنمية الاقتصادية.
  • تعزيز المشاركة في سوق العمل، وذلك عبر تشجيع المرأة في المشاركة الفعالة في سوق العمل، وتوفير فرص العمل المناسبة لهن، وإنشاء برامج تدريبية وتأهيلية تستهدف المرأة، وتوفير فرص عمل ذاتية في مشاريع صغيرة ومتوسطة، بالإضافة إلى تشجيع الشركات الكبرى على توظيف المرأة في مختلف التخصصات التجارية.
  • الاهتمام بالدعم المالي والمصرفي، وذلك عبر تعزيز وصول المرأة إلى الخدمات المالية والبنكية، من خلال تعزيز الشمول المالي وتوفير القروض والتمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطوير برامج التأمين والادخار التي تتناسب مع احتياجاتهن.
  • التمكين القانوني، عبر تعزيز المساواة القانونية للمرأة في اليمن، وضمان حماية حقوقهن الاقتصادية.
  • تعزيز الوعي والتثقيف بشأن حقوق المرأة وفرصها الاقتصادية في المجتمع اليمني، عبر حملات التوعية التي تستهدف الفتيات والنساء في المجتمع، وتعزيز قيم المساواة في الأعمال التجارية والاقتصادية.
  • التعاون الدولي، عبر العمل على تعزيز الشراكات المتعددة الأطراف لتمكين المرأة اقتصاديًا في اليمن، من خلال المنظمات الدولية والجهات الداعمة، بالإضافة إلى الجهات الحكومية والمجتمع المحلي.

تحديات وحلول

تطرقت دينا عبد الواحد في حديثها إلى مجموعة من التحديات التي تعوِّق تمكين المرأة اقتصاديًا في اليمن بقولها: “تعاني العديد من سيدات الأعمال من التمييز والتحيز الاجتماعي المتعلق بجنسهن، ويتجلى ذلك في صعوبة الوصول إلى فرص العمل، وقلة التقدير والاعتراف بقدراتهن وإنجازاتهن، إلى جانب صعوبة الحصول على التمويل اللازم لبدء أعمالهن أو توسيعها، وذلك بسبب القيود المصرفية، وعدم وجود ضمانات كافية، أو عدم وجود شبكات دعم واستشارة مالية ملائمة”.

وتتابع: “يفتقر النظام القانوني والتشريعات إلى الدعم الكافي لسيدات الأعمال، مثل سياسات التمويل والتشريعات الاقتصادية الملائمة، وقد يكون هناك نقص في البرامج والمبادرات التي تستهدف تمكين المرأة اقتصاديًا ودعمها في مجال ريادة الأعمال”.

وترى أن القيود الثقافية والاجتماعية التقليدية تعوق تمكين سيدات الأعمال؛ إذ تواجه النساء تحديات مثل توقعات الأدوار الجنسية التقليدية، والقيود على حرية اتخاذ القرارات، وعدم توافر الدعم العائلي.

مؤكدة أن نقص التوجيه والتدريب الملائم يعد عائقًا عن تمكين سيدات الأعمال في مواصلة أعمالهن التجارية، ونتيجة لذلك قد يفتقرن إلى المهارات اللازمة لإدارة أعمالهن بنجاح، مثل المهارات الإدارية والتسويقية والمالية.

وتقول في حديثها: “قد تواجه سيدات الأعمال صعوبة في التوفيق بين متطلبات أعمالهن ومسؤولياتهن الأسرية، والتزامهن بالأدوار المتعددة كأمهات وزوجات ورائدات أعمال، وهذا يعد تحديًا كبيرًا”.

وتشير دينا إلى بعض المقترحات التي يمكن أن تساعد في تسهيل عمل سيدات الأعمال وتقول: “يجب توفير برامج تثقيفية وتوعوية للنساء حول ريادة الأعمال والتمكين الاقتصادي، وتقديم ورش عمل ودورات تدريبية لتطوير المهارات اللازمة لإدارة الأعمال والتسويق والأمور المالية وغيرها”.

وتتابع: “يجب توسيع إمكانية النساء في الحصول على التمويل اللازم لبدء أعمالهن وتوسيعها، عبر تقديم قروض ميسرة، وبرامج تمويل خاصة للنساء، وتسهيل الوصول إلى شبكات الاستثمار ورأس المال المخصصة للمشاريع النسائية”.

وترى أنه يمكن تعزيز التعاون والشراكات بين سيدات الأعمال والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، وكذا توفير منصات وفعاليات للتواصل والتعارف وتبادل الخبرات والفرص التجارية.

كما تضيف أنه يمكن إنشاء برامج دعم مخصصة للنساء الراغبات في بدء أعمالهن وتطويرها، وتوفير المشورة والتوجيه المهني، والمساعدة في إعداد خطط الأعمال، وتوفير الاستشارات القانونية والمالية، وتبني سياسات حكومية وتشريعات تهدف إلى تمكين سيدات الأعمال وتعزيز المساواة في فرص العمل والتمويل، وتوفير حوافز وامتيازات للمشاريع النسائية، وتشجيع المشاريع التعاونية والاقتصاد الاجتماعي. وأنه يجب تعزيز سياسات الدعم لتحقيق التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية لسيدات الأعمال، عبر توفير بنية تحتية لرعاية الأطفال، وتشجيع أنماط عمل مرنة أو عن بُعد، إلى جانب تسليط الضوء على قصص نجاح سيدات الأعمال وتشجيعهن كنماذج مُلهمة، لتحفيز النساء الأخريات وتعزيز الثقة في قدراتهن وإمكانياتهن.

تأثير الوضع الاجتماعي والأسري

جهاد عبده، أم لثلاث فتيات، تخرجت من الثانوية العامة، ولم تساعدها ظروف أسرتها على إكمال تعليمها. تعمل جهاد في تجارة الملابس وبيعها، وقد شجعها زوجها على أن تحقق طموحها المتمثل في فتح محل لبيع الملابس النسائية وسط أحد الأسواق الشعبية في مدينة المحويت.

تقول جهاد: “مجال التجارة ليس صعبًا ولا يقتصر فقط على الرجال، فقد تجاوزت كل العقبات التي واجهتني كما يتجاوزها الرجال، واستطعت أن أكسب كثيرًا من المال من تجارتي، وتحسن دخل أسرتي كثيرًا. والأشياء التي كنت أراها صعبة في بداية عملي نجحت في التعامل معها؛ لأن الخبرة وممارسة الشغف يجعلان المرء قويًا وقادرًا على السيطرة على كل المشاكل التي تواجهه”.

وتضيف: “في كل شهر أذهب إلى مدينة الحديدة برفقة زوجي وأطفالي مع أحد الباصات لشراء كمية كبيرة من الملابس بالجملة للمحل، ونعود في نفس اليوم بعد أن نزور أماكن كثيرة، ومن ثم نتسوق”.

في الكثير من المناطق في اليمن هناك أعمال محددة يسمح للنساء القيام بها، كأن تكون طبيبة أو معلمة ويمكن لها أن تمارس هوايتها، فتقوم بتزين النساء في المناسبات المختلفة، أو تعمل في صناعة الأدوات الحرفية أو مستحضرات التجميل مثل الطيب والعطور والإكسسوارات، أو في خياطة الملابس وتزيينها، وغيرها من الأنشطة المحصورة في مجالات ضيقة لا يحق للنساء تجاوزها.

أما أن تخرج المرأة، وتفتتح مشروعها وسط أحد الأسواق العامة، وتعمل في مجال التجارة، فحتمًا سينظر لها المجتمع كمسترجلة، وربما يضطر أفراد أسرتها إلى مقاطعتها؛ كونها خرجت عن أعراف المنطقة التي تعيش بها، وعملت كما يعمل الذكور، واختلطت بالرجال وتعاملت معهم.

وهذا الأمر يختلف من منطقة لأخرى في اليمن؛ فهناك نساء يمارسن أعمالًا تجارية ويفتتحن مشاريعهن المختلفة، وتجد تلك المشاريع ترحيبًا وقبولًا لدى المجتمع، إلى درجة أن كثيرًا من أفراد المجتمع يتعاطفون مع النساء ويتفاعلون مع محاولتهن لكسب الرزق وتحسين دخل أسرهن؛ فينظرون إليهن على أنهن من نسائهم ويرفضون أن يتعرضن لأي أذى أو مضايقات، ويقدمن المساعدة لهن في بعض الأعمال التي تجد صعوبة في التعامل معها أو إنجازها.

أهمية توفير عمل مناسب للمرأة

في هذا الشأن تشير الدكتورة فوزية ناشر -رئيسة مجلس سيدات الأعمال اليمنيات، ومالكة شركة “ماجيك” للتجارة الدولية- إلى أن توفير بيئة عمل آمنة ومناسبة للمرأة، وتقديم الأجور المناسبة لها، يعدان جزءًا مهمًا من عملية التمكين الاقتصادي للمرأة، وذلك لتقديم مزيد من الأعمال الإبداعية في المجال الاقتصادي، وضمان التفاني في العمل الذي يساعد على نمو الجهة التي تعمل فيها ماليًا.

تقول ناشر: “نحن نعيش أوضاعًا استثنائية؛ إذ نجد المرأة قد أصبحت في كثير من الأسر معيلةً بعد فقدان رب الأسرة. كما أن الصراعات أفرزت مشاركة كثير من النساء في أعمال محصورة على الرجال، ويقمن بها بكل احترافية؛ الأمر الذي يعزز من أهمية توفير بيئة عمل مناسبة”.

وتضيف ناشر أن لدى المرأة القدرة على المشاركة والانخراط في سوق العمل بجدارة إلى جانب أخيها الرجل، ولم يعد دورها غائبًا إلى حد كبير، فمشاركتها واضحة في صنع القرار الاقتصادي على جميع المستويات، من الأسرة إلى المؤسسات الدولية، وهذا يهدف إلى تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة لزيادة الإنتاجية.