المرأة في التنمية والسلام – علياء محمد
تعدُّ المرأة الريفية من الفئات المجتمعية المهمّة في المجتمع اليمني؛ إذ تقوم بدور كبير في تنمية المجتمع الريفي، وتعدُّ شريكًا فعالًا في العمل الزراعي والإنتاجي، ومما لا شك فيه فقد اثبت قدرتها في المجال الزراعي وتربية المواشي وتحويل المنتجات الزراعية والحيوانية إلى منتجات تجارية واقتصادية تدر عليها بالدخل.
ونظرًا لما تقوم به المرأة الريفية من أدوار في بناء الاقتصاد وتعزيز التنمية المستدامة، فإنّ تمكينها اقتصاديًّا أمر أساسي لزيادة مشاركتها الفعالة في النهوض الاقتصادي، وتعزيز دورها في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات الريفية.
هذا وتعدُّ المشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة من أهم وسائل تمكين المرأة الريفية اقتصاديًّا؛ إذ توفر تلك المشاريع فرص عمل لكثير من النساء الريفيات، وتعزّز من دخلهنّ المالي، كما تسهم في تعزيز قدراتهنّ في تطوير أعمالهنّ، وتحسين مستوى حياتهنّ وحياة أسرهنّ.
ترى رباب صادق (مدربة ومستشارة في التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية) أنّ المرأة الريفية تعدُّ العمود الأساسي في البلاد، وركيزة أساسية للبناء وتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع الريفي، خاصة في ظل الأوضاع المتدهورة التي تمر بها البلاد؛ إذ إنّ هناك كثيرًا ممّن فقدوا رواتبهم ومصدر رزقهم في المدن، ممّا اضْطُروا إلى العودة إلى قراهم، وتحملت المرأة الريفية الأساس في البيت بحكم عملها داخل المنزل وفي الحقول، وحقّقت أثرًا ودورًا إيجابيًّا؛ نظرًا لما تتمتع به من خبرة في المجال الزراعي، وما تمتلكه من ثقافة كبيرة في الأعمال المختلفة مثل الخياطة أو حياكة أو تربية الحيوانات وصناعة المنتجات الحيوانية.
قصة ملهمة للنساء
البتول عبد الله، إحدى النساء اليمنيات اللائي سطّرنَ قصة نجاح وكفاح في مجال الزراعة في اليمن، ويعدُّ نجاحها قصة ملهمة للنساء اللواتي يواجهنَ صعوبات في الحصول على فرص عمل مختلفة، والعيش في ظل الظروف الراهنة.
أجبر الصراع القائم وتداعياته البتول عبد الله على العمل في أرض زراعية يملكها والدها بالقرب من منزلهم؛ إذ تقول: “عندما زادت أوضاع أسرتي سوءًا؛ سألت نفسي لماذا لا أعمل في الزراعة، وأستثمر أرضًا يملكها والدي، وأتخذها كمصدر دخل لي ولأسرتي؟ حينها بدأت أولى الخطوات عبر اختياري للأرض الزراعية التي بدأت بحرثها وتسميدها وزراعتها”.
لم تكن الخطوات سهلة بالنسبة لفتاة لا تملك أي خبرة ومعرفة بالزراعة، ولكن البتول أصرّت على بدء تلك الخطوة بغرس شتلات الطماطم التي بلغت ما يقارب 262 غرسة. مؤكدة أنّها لم تكن تعلم شيئًا عن مواعيد الزراعة ولا بمواسم زراعة الطماطم، ولم تكن تتوقع أن تنمو الغرسات بكل يسر؛ لأنّ الزراعة كانت بطريقة عشوائية وغير منظمة، ولكنها كانت متفاجئة حينما رأت الغرسات تنمو وتكبر.
وعلى الرغم من قلة خبرتها وعدم معرفتها بالزراعة، فإنّ البتول لم تتقاعس يومًا عن الاهتمام بأرضها الزراعية، وتكبدت معاناة جلب المياه لسقاية الغرسات؛ كل غرسة على حدة؛ نظرًا لعدم وجود خزانات مياه لسقاية الأرض، كما واجهت العديد من التحديات والصعاب على مدار عدة سنوات؛ إذ لم تتلقَ أي نصيحة أو مساعدة من أبناء قريتها، وعلى رغم المعاناة التي كانت تعانيها لم تستسلم أبدًا، واستخدمت كل تلك التحديات كفرص للتعلم والنمو؛ إذ إنّها بحثت عن مجموعات زراعية في تطبيق “الواتس آب” وتعلمت كثيرًا من تلك المجموعات، وتعرفت على كثير من الخبراء والباحثين في مجال الزراعة.
وتقول: “تعلمتُ كثيرًا من المجموعات التي شاركت بها، وتعرفتُ على أنواع الأسمدة والمبيدات الخاصة بالشتلات التي أقوم بزراعتها، وتعلمت كيف أتعامل مع التغيرات المناخية التي من الممكن أن تؤثر على الشتلات التي زرعتها، وكل ذلك كانت بجهود ذاتية وبدعم من بعض الشخصيات”.
وأضافت: “تعرضت الأرض الزراعية في يوم من الأيام لموجة صقيع؛ إذ تم نصحها بتغطية الشتلات حتى لا تتأثر، من خلال أخذ أواني الماء البلاستيك وقصها من أسفل والجزء العلوي وتغطية الغرسة”.
وقد استمرت البتول في العمل بجد وإثبات قدراتها للجميع، وقررت أن تجعل من مهنة الزراعة هدفًا لها، ليس فقط لتحسين ظروف حياتها وعائلتها، ولكن أيضًا لتحدث تغييرًا في الواقع الحالي من مختلف الجوانب اجتماعيًّا واقتصاديًّا وتنمويًّا.
بدأت البتول بتطبيق أساليب الزراعة المتنوعة في مزرعتها، وأصبحت أكثر خبرة ومعرفة، الأمر الذي زاد من إنتاجها بجودة محاصيلها، ومع مرور الوقت نجحت في إدارة مزرعتها، وأصبحت نموذجًا للمرأة المزارعة الناجحة في مجال الزراعة والاقتصاد، وذلك بفضل إرادتها وكفاءتها وقوتها وعملها الشاق؛ إذ استطاعت تحقيق رغبتها في تمكين ذاتها اقتصاديًّا، وتحسين مستوى الدخل لها ولأسرتها.
وسائل تمكين المرأة الريفية
تؤمن هيئة الأمم المتحدة بوجود علاقة متشابكة ومترابطة بين التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية وسبل العيش المستدام؛ إذ تؤكد أنّ النساء المتمكنات اقتصاديًّا أكثر استعدادًا للمشاركة في إستراتيجيات الزراعة القادرة على الصمود في وجه تغير المناخ، إضافة إلى ذلك يستطعن تزويد عائلاتهنّ بنوع الرعاية التي تعتمد على موارد وأساليب أكثر نظافة وكفاءة.
وحول أهم وسائل تمكين المرأة الريفية اقتصاديًّا، تقول نبيلة دعدع (ناشطة في مجال التمكين الاقتصادي للنساء الريفيات): “تعاني المرأة الريفية في اليمن من صعوبات وتحديات تقف حجرة عثرة أمام تمكينها اقتصاديًّا، أهمها: التهميش الممنهج من المجتمع، وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية كالتعليم والتدريب، لذلك يجب اتّخاذ إجراءات فعّالة لدعم المرأة الريفية وتمكينها، وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الريفية”.
وأشارت إلى أنه يمكن تمكين المرأة الريفية، وتعزيز دورها في المجتمع الريفي، وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الريفية من خلال توفير وسائل عدة، أهمها فرص التعليم والتدريب للنساء الريفيات؛ لتمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة لدخول سوق العمل، والمشاركة في الحياة الاقتصادية، كما ينبغي تشجيع النساء على الحصول على التدريب المهني عن طريق تقديم برامج تدريب النساء الريفيات على مهارات مختلفة.
وذكرت أنّ المرأة الريفية تحتاج إلى توفير الموارد والمواد اللازمة لزراعة الأراضي وتربية المواشي لزيادة الإنتاج، لذلك وجب توفير الدعم المالي والتمويل اللازم للنساء الريفيات للبدء في تطوير مشاريعهنّ الصغيرة، وتنفيذ منشئات حرفية وزراعية؛ من خلال تقديم قروض ومنح مالية.
وأكدت دعدع في حديثها على أهمية وجود قوانين تضمن حق المرأة الريفية وتحميها من التمييز والعنف والاستغلال، إضافة إلى ذلك تثقيف النساء الريفيات حول حقوقهنّ، وتعزيز الوعي بمساواة الجنسين، وتشجيعهن على المشاركة الفعالة في القرارات المجتمعية، وتشكيل شبكات وجمعيات تعاونية تسهم في تعزيز دورها في المجتمع الريفي.
في سياق متصل أشارت رباب صادق إلى أهمية تطوير الفكر في دعم المرأة الريفية، والانتقال من المشاريع الفردية، وتنفيذ مشاريع تجمعهنّ في مصانع ومعامل صغيرة، لتعزيز القدرة المالية والقدرة التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية.
وأوضحت أنّ المرأة الريفية لها أهمية في المجالات الاقتصادية كافة، وأنّه من الممكن أن تعمل في مجال التصنيع والإنتاج، الأمر الذي يتطلب إنشاء معامل صغيرة في الأرياف، فوجودها يعزز من دورها في المجتمع، فعلى سبيل المثال عدد كبير من النساء الريفيات يعملن في إنتاج الحناء، الذي تبدأ عملية إنتاجه من زراعته إلى قطفه وطحنه، ومِن ثَم تغليفه وتوريده داخليًّا وخارجيًّا.
وأشارت إلى أنّ تنظيم العمل في هذا المشروع يأتي عن طريق جمع النساء المنتجات في معامل خاصة في صناعة الحناء، الذي له أثر إيجابي في تعزيز القدرة المالية وتحسين المنتج المحلي؛ إذ إنّ المرأة الريفية بحاجة إلى الدعم المالي والتدريب المهني في المجالات كافة سواء أكان خياطة أم الزراعة أو غيرها، لفتح مشاريعهنّ الخاصة بعد إعطائهنّ المهارات الخاصة لإدارة المشاريع لضمان جودة العمل.
كما بينت أنّ المرأة الريفية تعدُّ من أهم المحاور الداعمة للاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز الأسواق المحلية في الريف بالمنتجات المستهلكة كالخضروات والفواكه والحياكة والفخار؛ إذ وجب صقل مهارات النساء الريفيات في مجال التصنيع وتربية الحيوانات والتعليب، وإعطاؤهنّ التقنيات الجديدة في الزراعة، وغيرها من المجالات؛ كونهنّ تربة خصبة للأعمال.
تحديات ومعالجات
تشكل المرأة الريفية نسبة كبيرة من سكان الريف، وتعدُّ العمود الفقري للاقتصاد الريفي، ومحورًا أساسيًّا في بناء الاقتصاد الوطني، في المقابل تواجه تحديات كبيرة؛ بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية أيضًا، الأمر الذي يحد من قدرتها على المشاركة الفاعلة في التنمية الاقتصادية.
تقول بلقيس حسن (صاحبة مشروع خياطة الملابس): “تواجه المرأة الريفية تحديات وصعوبات تؤثر على تمكينها اقتصاديًّا، أبرزها الحرمان من التعليم، ونقص الفرص الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى ذلك تعدُّ العادات والتقاليد عائقًا كبيرًا في سبيل تقدمها، وأنّه غالبًا ما تجد المرأة الريفية صعوبة في الوصول إلى الفرص الاقتصادية والوظائف اللائقة؛ نتيجة لقلة التدريب وانعدام التمويل اللازم لإقامة مشاريعاّ، الأمر الذي يقلل من إمكانية تحقيق النجاح والازدهار الاقتصادي”.
وأشارت في حديثها إلى أهم الحلول والمعالجات التي يجب القيام بها لتمكين المرأة الريفية اقتصاديًّا أهمها: توفير الدعم والتمويل اللازم لمساعدتها على البناء والتطوير لمشاريعها الاقتصادية الصغيرة، وذلك من خلال استقطاب الاستثمارات للمناطق الريفية، وتقديم الدعم اللازم للمشاريع النسوية في الريف، والعمل على تشجيع المشاركة الفعّالة للمرأة الريفية في صنع القرارات، من خلال تبنّي سياسات وبرامج تهدف إلى تعزيز دور المرأة الريفية وتمكينها اقتصاديًّا واجتماعيًّا.
في الختام يجب أن ندرك جميعًا أنّ التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية له تأثيرات إيجابية في المجتمع اليمني؛ إذ إنّه يعزز من دورها، ويسهم في تحقيق النمو الاقتصادي، لذلك يجب العمل المشترك مع الجهات المعنية والداعمة كافة على توفير الفرص المناسبة واللازمة لاستهداف المرأة الريفية وتمكينها اقتصاديًّا.