المرأة في التنمية والسلام – هبة محمد

في عصرنا الحالي، تشهد الأعمال التجارية تحوّلًا ثوريًّا في المجال التكنولوجي، وفي هذا السياق، يبرز دور المرأة كقوة محركة للتغيير والتحول، إنّ سيدات الأعمال يُعبّرنَ عن فخرهنّ وثقتهنّ بقدراتهنّ الاستثنائية في استخدام التكنولوجيا لتحقيق النجاح التجاري، فقد أدركنَ أهمية الاستثمار في القوة الرقمية، وتطبيقها في جميع جوانب أعمالهنّ.

عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، تأتي سيدات الأعمال إلى الأمام بإبداع وإلهام، وتظهر رؤيتهنّ الريادية في استخدام الأدوات والمنصات الرقمية لتحقيق الابتكار والتنمية المستدامة، إنّهنَّ يدركنَ أنّ التكنولوجيا تمثل لهنّ فرصة حقيقية لتوسيع نطاق أعمالهنّ، والوصول إلى جمهور أوسع، وتحقيق نجاح يتجاوز الحدود الجغرافية والتقليدية.

سيدات الأعمال وأهمية المجال التكنولوجي

في السنوات الأخيرة، شهدت اليمن ظهورًا ملحوظًا لجيل جديد من سيدات الأعمال الطموحات والمبدعات اللاتي يلتقطنَ زمام المبادرة، ويحققن إنجازات مذهلة في مجالات متعددة، ومن بين العوامل الرئيسية التي أسهمت في تحقيق هذا النمو اللافت، يبرز دور مجال التكنولوجيا.

تقول سيدة الأعمال صباح بكير: “إنّ فهم أهمية مجال التكنولوجيا بالنسبة لسيدات الأعمال اليمنيات أمر حاسم لنجاحهنّ في عالم الأعمال المتنافس، فهذا المجال لم يعد مجرد أداة إضافية، بل أصبح حجر الزاوية الأساسية التي تدعم جميع جوانب العمل وتعززه، بدءًا من الابتكار وصولًا إلى التسويق والتواصل وإدارة العمليات”.

وأضافت: “مجال التكنولوجيا يعدُّ مصدرًا حيويًّا لتواصل سيدات الأعمال مع العالم بأسره، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فبفضل تقدُّم التكنولوجيا، أصبح من الممكن مواكبة التطورات العالمية والتواصل مع الجميع عبر الحدود، ممّا يخلق فرصًا هائلة لتحقيق النجاح وتوسيع نطاق الأعمال”.

وأشارت إلى أنّه في عصر التكنولوجيا الحديث، يتاح لسيدات الأعمال الوصول إلى عالم ضخم من المعلومات والفرص، وذلك عبر استخدام وسائل الاتصال والإعلام الحديثة، ويمكنهنّ الاستفادة من تلك التقنيات للتواصل مع العملاء والشركاء المحتملين، وتسويق منتجاتهنّ وخدماتهنّ بشكل فعّال، ويمكن أيضًا استخدام التكنولوجيا لإجراء الأبحاث والدراسات السوقية وتحليل البيانات، ممّا يساعد في اتّخاذ قرارات إستراتيجية مدروسة.

وتوضح أنّ هناك العديد من الأمثلة الناجحة لسيدات الأعمال اليمنيات اللواتي استغلين فرص التواصل والتكنولوجيا للتوسع في أسواق جديدة، فمن بين هذه الأمثلة، نجد سيدات الأعمال اللاتي يقمنَ بتصدير المنتجات التقليدية، مثل البخور والعطورات والحناء والعسل إلى دول الخليج، بفضل استخدام التكنولوجيا، يمكنهنّ التسويق لهذه المنتجات عبر الإنترنت، وبناء شبكات عملاء وشركاء تجاريين في المنطقة.

من جهتها تؤكد سيدة الأعمال مينا سالم بقولها: “تجد في قطاع التكنولوجيا والمعلومات جزءًا محوريًّا في تحقيق النجاح الاقتصادي وتطوير الأعمال لسيدات الأعمال، وتعد التكنولوجيا أداة قوية تساعد على الوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى إمكانية تشغيل الاتصال وتسهيله والتواصل مع الشبكات، وتجاوز التحديات التي تبرز أمامهنّ”.

وتضيف سالم: “يسهم مجال التكنولوجيا وخدمات المعلومات في تعزيز نجاح سيدات الأعمال اقتصاديًّا، وذلك من خلال زيادة فرص العمل التي تخلق فرص عمل جديدة لسيدات الأعمال، خاصة في مجالات مثل تطوير البرامج، وتصميم المواقع الإلكترونية، والتسويق الرقمي، كما يسهم في زيادة دخل سيدات الأعمال، وتحسين مستوى معيشتهنّ”.

وأشارت في سياق حديثها -أيضًا- إلى أنّ التكنولوجيا تمكّن سيدات الأعمال من إدارة شركاتهنّ بكفاءة وفعالية، ويساعد ذلك على زيادة فرص نجاحهنّ، وتحقيق أهدافهنّ بشكل أسرع وبوقت وجيز، كما يسهم في تقليل الفجوة بين الجنسين.

فرص متاحة

تشير بُكير إلى الفرص المتاحة في مجال التكنولوجيا، بالقول: “يمكن لسيدات الأعمال اليمنيات استغلال التجارة الإلكترونية، وإنشاء متاجر إلكترونية لعرض منتجاتهنّ، وتسهيل عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت، كما يمكنهنّ استخدام التطبيقات الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي للترويج لخدماتهنّ، وبناء العلاقات التجارية مع العملاء”.

وتضيف: “من ضمن الفرص -أيضًا- التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة تجارب وقصص نجاح خارجية، وتسعى UNOPS (مكتب الأمم المتحدة لخدمة المشاريع في اليمن) في بناء قدرات النساء في كيفية التعامل مع التكنولوجيا، والتدريب على كيفية الحصول على المناقصات من خلال السوق العالمية للأمم المتحدة، وأيضًا التدريب على كيفية التسجيل وتقديم العطاءات؛ سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والعالمي UNGM”.

وتشير صباح بكير -أيضًا- إلى أنه لتسويق الخدمات المقدمة بطريقة تجذب العملاء، يعد وجود موقع إلكتروني مترابط مع جميع وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة أساسية، يجب أن يكون الموقع مصممًا بشكل احترافي وجذاب، ويحتوي على معلومات شاملة ومفصلة عن الخدمات المقدمة، ويجب أن تكون واجهة المستخدم سهلة الاستخدام ومتوافقة مع جميع الأجهزة.

وتضع بكير خطوات معينة لتنمية مهارات سيدات الأعمال في التكنولوجيا والمعلومات، من ضمنها الانضمام إلى المعاهد المهنية المتخصصة في مجال التسويق الإلكتروني؛ إذ تقدم دورات تدريبية وبرامج تعليمية تساعد في اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لاستخدام التكنولوجيا في التسويق.

وتتابع: “يمكن لسيدات الأعمال استثمار الفرص المتاحة من خلال المانحين المهتمين بدعم التعليم والمهارات الرقمية، وهناك العديد من المنح والبرامج التي يمكن الاستفادة منها للحصول على التدريب والتطوير في مجال التكنولوجيا والمعلومات، ويجب أن تكون سيدات الأعمال على دراية بالفرص المتاحة والمصادر المالية والتعليمية التي يمكنهنّ الوصول إليها”.

نسب منخفضة

وعن نسب النساء اليمنيات العاملات في مجال التكنولوجيا تقول سيدة الأعمال مينا سالم: “نسبة النساء اليمنيات العاملات في مجال التكنولوجيا ضئيلة ومنخفضة للغاية، ويعود ذلك إلى بعض العوامل؛ مثل الثقافة المجتمعية، نقص التعليم والتدريب، والتمييز ضد المرأة، والصورة النمطية للمرأة ووضعها في قالب معين، كذلك صعوبة الوصول إلى فرص العمل، وانعدام الأمن والاستقرار”.

وتشير إلى أنّ هناك جهودًا حثيثة تُبذل لزيادة مشاركة المرأة اليمنية في مجال التكنولوجيا سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى الجهات الداعمة لسيدات الأعمال؛ إذ تقوم العديد من المنظمات والهيئات بتقديم برامج تدريبية، وخدمات دعم لسيدات الأعمال اليمنيات في هذا المجال.

تجارب نسائية

تشاركنا سيّدة الأعمال سماح العيسائي تجربتها في مشروعها الذي بدأت فيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالقول: “مشروعي يتمحور حول بيع منتجات آفون العالمية، وهي منتجات طبية للعناية بالبشرة والشعر، وأدوات تجميل طبية، وعطور؛ إذ اعتمدت على وسائل الاتصال الاجتماعي للترويج والبيع منذ بدء مشروعي”.

وتشير العيسائي إلى أنّ استخدام التكنولوجيا في هذا العمل لديه فوائد عديدة، منها الشهرة الواسعة وجذب العملاء؛ إذ كانت في البداية تعاني من محدودية البيع؛ لأنّ الزبائن يفضلون رؤية المنتجات واختيارها بأنفسهم، مثل اختيار روائح العطور، ودرجات ألوان كريمات الأساس وغيرها.

وتكمل: “بعد ذلك، قمت بفتح متجر صغير لتسهيل التواصل مع الزبائن وتلقي طلباتهم، ولبناء ثقة بيني وبين العملاء، فوجود موقع للتجارة يعزز الثقة؛ إذ إنّ طلبات الشراء عبر الإنترنت قد تفقد ثقة الزبائن، وتجعلهم يشعرون بالتردد والقلق، ولكن عندما يكون هناك متجر يمكنهم زيارته والتعامل مباشرة معه، يشعرون بالثقة التامة”.

وأكدت أن الاستمرار في تطوير الذات وتعلم كل ما هو جديد في مجال التكنولوجيا، ومتابعة أساليب التسويق، وتطوير أساليب التعامل مع الزبائن؛ أمر مهم جدًّا لنجاح سيدات الأعمال؛ إذ أسهم في تجاوز تحديات؛ تتمثل في الحصول على الموارد المتاحة، وارتفاع أسعار العملة التي تتغير من صباح إلى مساء.

وتقول أماني نعمان (صانعة أفلام ورسوم متحركة): “بدأت رحلتي في عالم الرسم والكرتون منذ الصغر، ومع مرور الوقت تطورت وتعلمت مع أخي من خلال العمل المستمر على تطوير مهاراتنا في رسم الكرتون”.

وتواصل: “لتحقيق طموحاتنا، قررنا طلب التمويل من برنامج الاتحاد للتمويل الأصغر، وقد كانت هذه الخطوة الأولى في بداية المسيرة المهنية؛ إذ شاركت في مهرجان أبواب للأفلام القصيرة، وتأهلنا إلى المركز الثامن، وفي عام 2022م، شاركت في مسابقة سميرة سنميشن، وتمكنت من الفوز بالمركز الثالث، وشاركت في المسابقة مرة أخرى في عام 2024م، وحصلت على المركز الأول”.

“واجهتنا تحديات تتعلق بانقطاع الكهرباء في عدن؛ نظرًا لذلك، قمنا بإنتاج مسلسل قصير بعنوان (نونتري) يتناول المسلسل قصة مولد كهرباء يعمل بالطاقة النووية لتوفير الكهرباء في عدن، وعلى الرغم من تلك التحديات، فإنني ملتزمة بمواصلة العمل على أفلامي ورسومي المتحركة والتطوير المستمر لمهاراتي، والسعي إلى توجيه رسائل إيجابية وتوعية الجمهور من خلال أعمالي الفنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالفن والرسوم المتحركة لديهما القدرة على تحقيق التغيير وإلهام الآخرين.” هذا ما قالته نعمان.

ريادة الأعمال في الشرق الأوسط

في الشرق الأوسط، يتجلى وجود النساء كمالكات للأعمال على الإنترنت بشكل مذهل؛ إذ يبلغ 35% من أصحاب العمل في هذا القطاع من النساء، فهذا الرقم يتفوق بشكل كبير على المتوسط العالمي الذي يبلغ 10٪. وقد قدمت بعض النساء العربيات أداءً استثنائيًّا في مختلف المجالات المرتبطة بالتكنولوجيا، ممَّا أدّى إلى تحقيق تحوُّل حقيقي في هذا المجال.

من بين هؤلاء النساء الملهمات، تبرز وفاء الأشولي، التي استغلت مواردها الخاصة لتأسيس شركة تحمل اسم “سيرفيس – Serviis”. تُعد هذه الشركة منصة متعددة الخدمات؛ إذ توفر خدمات تشمل إصلاح الأجهزة المنزلية، وتنظيف الحدائق، والتدريس الخصوصي والترجمة.

من الإمارات إلى عمان ومصر والأردن، تتربع رائدات الأعمال المؤثرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على عرش التميز وتحطيم الصور النمطية، وتبرز واحدة من هذه الشخصيات الملهمة، مي مدحت، المؤسسة والمشاركة والرئيسة التنفيذية لشركة “إفنتوس”، التي شاركت الأضواء مع الرئيس الأمريكي، والمدير التنفيذي لشركة فيسبوك، ورجال الأعمال البارزين في فعالية GES 2016م في وادي السيليكون.

خطوات

عن الخطوات التي يجب على سيدات الأعمال اتخاذها لتنمية مهارتهنّ في التكنولوجيا والمعلومات؛ إذ ذكرت سيدة الأعمال مينا سالم بعضًا منها، التي تتضمن تحديد المهارات التي تريد النساء تنميتها، والمهارات التي تحتاج إليها لتطوير العمل أو للدخول في مجال جديد، ويمكن أن تشمل هذه المهارات: البرمجة، وتصميم المواقع الإلكترونية، والتسويق الرقمي، وتحليل البيانات”.

وتكمل: “تعلم المهارات الأساسية، مثل استخدام الحاسوب والإنترنت والبريد الإلكتروني، ستساعد على استخدام التكنولوجيا بفعالية في العمل، وحضور دورات تدريبية في مجال التكنولوجيا والمعلومات، وهناك العديد من الدورات التدريبية المتاحة عبر الإنترنت أو في الفصول الدراسية”.

وضمن التوصيات تنصح مينا سالم بقراءة الكتب والمقالات حول التكنولوجيا والمعلومات، للمساعدة في بقاء الموارد الأساسية لأيّ مشروع يعتمد على التكنولوجيا، والاطّلاع على أحدث الاتجاهات في مجال التكنولوجيا، بعدِّه مجالًا سريع التغير والتطور، لذلك من المهم الاستمرار في التعلم، وتخصيص وقت لتعلم مهارات جديدة، وتطوير المهارات الحالية.