المرأة في التنمية والسلام – علياء محمد
أدّت الظروف الراهنة والصراع القائم في اليمن إلى انهيار كبير في البنى التحتية والوضع الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانعدام فرص العمل للكثير من اليمنيين، وخاصة النساء؛ الأمر الذي نتج عنه عجزُ كثيرٍ من الأسر اليمنية في توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم.
في اليمن، وقع العبء الأكبر لتلك التحديات على المرأة اليمنية، التي كانت في الصفوف الأمامية مواجهةً للظروف الصعبة، خاصة مع فقدان المعيل الأساسي للأسرة؛ الأمر الذي جعلها تتحمل المسئولية بشكل كامل، والعمل بجهد مضاعف داخل المنزل وخارجه، كما لجأ العديد منهنّ إلى إقامة مشاريع خاصة بهنّ لتحسين مستوى الدخل لأسرهنّ.
وممّا لا شك فيه فإنّ المرأة اليمنية تعدُّ عمودًا أساسيًّا في المجتمع اليمني؛ إذ مثلت النصف الناقص من المعادلة الاقتصادية، ولعبت دورًا مهمًّا في إيجاد فرص لها في سوق العمل، كما يعدُّ التمكين الاقتصادي لها من أهم العوامل المساعدة في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، إضافة إلى ذلك يعزز من قدرات النساء على كسب الدخل وتحمل المسؤوليات الاقتصادية. وهنا نسلط الضوء على أهم الآراء المجتمعية بأهمية التمكين الاقتصادي للمرأة، وأهم التحديات والصعوبات التي تواجهها.
تحسين الوضع المعيشي
أريج الشيخ إحدى رائدات الأعمال اليمنية ورئيسة مؤسسة “لودي للضيافة”، التي تعدُّ مؤسسة خدمية خاصة بتعهد الحفلات والمؤتمرات والمعارض وتنظيمها، وتدير قسمًا خاصًّا لإنتاج الحلويات والشوكولاتة والتمور المحشية بالقهوة العربية والبخور والعطور والمخمريات.
تقول أريج: “بدأت المؤسسة بأعمالها عبر إنتاج البخور والعطور، وتوزيعها محليًّا وخارجيًّا، وجاء بعد ذلك تقديم خدمة ضيافات الحفلات والمناسبات، ومع مرور الوقت تمَّ تطوير تلك الخدمات إلى أن تمكّنّا من توفير كل المستلزمات والخدمات الخاصة بالحفلات على مستوى عالٍ، وأصبحت المؤسسة رائدة في تعهد الحفلات بالكامل من كوشات وأجهزة “دي. جي” موسيقية وغيرها، بجانب بيع المنتجات التي تنتجها المؤسسة”.
وقد أشارت إلى أنّ بداية افتتاح المشروع كان بدعم بسيط من العائلة، بمبلغ لا يتجاوز 50 ألف ريال يمني، ولكن مع الإصرار في التطوير والاستمرار تمّ تحسين الخدمات، وتكوين فريق عمل متكامل، وتحويل المشروع إلى مؤسسة متكاملة”.
وترى أريج الشيخ أنّ التمكين الاقتصادي للمرأة اليمنية مهم جدًا، خاصة في ظل الأوضاع والظروف التي يمر بها اليمن، فعمل المرأة وتشجيعها على خلق مصدر دخل يساعد أسرتها يعدُّ شيئًا إيجابيًّا حتى ولو من المنزل، فهناك مشاريع كبيرة جدًّا لسيدات أعمال من داخل المنازل، وتعد مشاريع ناجحة ومؤثرة.
وأوضحت أنّه منذ تقريبًا 2015م ظهرت العديد من المشاريع الخاصة بالنساء وبشكل ملحوظ جدًّا، ومنها مشاريع مدعومة من جهات دولية، كما أنّ المشاريع لم تقتصر على أصحاب الدخل المحدود؛ فهناك سيدات أعمال من أسر كبيرة ومعروفة مالكات مشاريع ناجحة في المجتمع اليمني؛ إذ إنّ المرأة تمتلك القدرة والجدية في العمل، ولكنها بحاجة إلى الدعم والتشجيع والمساندة.
وتتابع القول: “سعي مستمر في أن تكون المرأة اليمنية من أنجح النساء العاملات في شتى المجالات الاقتصادية، لما لها من دور كبير في النهضة الاقتصادية للبلاد، ورسالتي لكل امرأة راغبة بأن تكون سيدة أعمال أن تبحث في نفسها هوايتها ميولها ورغباتها، وتعمل على استثمارها وتطويرها”.
في سياق متصل ترى أفراح صبرة (رائدة أعمال) أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة لتنفيذ مشاريع خاصة بها؛ إذ إنّ المشاريع الخاصة سواء متوسطة أو صغيرة تعدُّ سلاحًا مهمًّا جدًّا لأغلب الأسر اليمنية في ظل الأوضاع الراهنة التي اضطرت النساء إلى فتح مشاريع خاصة في مجالات متعددة؛ كالخياطة، وصنع المعجنات، والكيك، والرسم، وغيرها، حسب إمكانياتها وقدراتها ومواهبها.
من جانب آخر لفتت الدكتورة منار منير الجناحي، سيدة أعمال رائدة ومدربة واستشارية في مجال التمكين الاقتصادي والاستثمار لرجال وسيدات الأعمال، أنّ المرأة اليمنية لعبت دورًا بارزًا جدًّا في مجال التمكين الاقتصادي في اليمن، والشاهد على ذلك المشاريع التي نهضت في مدّة الصراع وجائحة كورونا؛ إذ تمكنت المرأة اليمنية من استثمار الطاقة الكامنة في داخلها وتوظيفها في مشروعها الذي ساعد في توفير مصدر دخل لأسرتها.
وتقول: “على الرغم من صعوبة المعيشة والوضع الحالي الذي يمر به اليمن جراء الصراع استطاعت سيدات الأعمال اليمنيات إثبات أنفسهنّ بأنّهنّ نساء مثابرات وصبورات وقادرات على الصمود في وجه التحديات والصعوبات كافة، وأثبتنَ وجودهنّ في مجال التمكين الاقتصادي بجدارة، وبعضهنّ حققنَ النجاح محلّيًّا وخارجيًّا، وأسهمنَ في رفع كفاءة الاقتصاد المحلي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في اليمن”.
كما ذكرت أنّ الصراع كان له نتائج سلبية على المجتمع اليمني وخاصة النساء؛ إذ أدّى إلى انقطاع كامل لرواتب موظفي الدولة في العديد من المحافظات اليمنية، وتكبدت كثير من الأسر خسائر كبيرة في مصدر دخلها؛ الأمر الذي جعل من فكرة المشاريع الصغيرة الخاصة بالنساء طوق نجاة استطاعت فيه المرأة النجاة من كابوس الفقر التام.
وأوضحت أنّ المشاريع الخاصة بالنساء ساعدت في توظيف العديد من الأيدي العاملة النسائية سواء من أفراد الأسرة الواحدة أو من الفتيات ذوات الدخل المحدود، أو اللواتي لم يتلقينَ تعليمًا كافيًا لإيجاد وظيفة؛ الأمر الذي قلّل من نسبة الفقر والبطالة.
وأشارت الجناحي أنّ مشاريع النساء ساعدت في توفير منتجات محلية ذات جودة عالية، لتحل كبديل عن بعض المنتجات المستوردة، ونتيجة لذلك ارتفعت كفاءة المنتج المحلي؛ الأمر الذي أسهم في بناء اقتصاد محلي قوي ودفع عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام، إضافة إلى ذلك حقّق التماسك الاجتماعي في الأسرة الواحدة الاكتفاء والاستقرار الذاتي.
تحقيق التنمية والاستقرار الاقتصادي
أكدت نهى توفيق (طالبة جامعية) أنّ التمكين الاقتصادي للمرأة اليمنية يعدُّ عاملًا أساسيًّا لتحقيق التنمية المستدامة في اليمن، وذلك عبر حصول المرأة على فرص في سوق العمل تضمن فيه استقرارًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا في المجتمع.
وأضافت: “أنّ التمكين الاقتصادي للمرأة ساعد في تعزيز دورها في المجتمع؛ الأمر الذي يمنحها الحق في المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويمنحها الفرصة لتحقيق الاستقلالية المالية وتحقيق ذاتها”.
وأفادت في حديثها أنّ التمكين الاقتصادي يوفر للنساء فرصًا لإظهار مهاراتهنّ وقدراتهنّ في مختلف المجالات والتخصصات، الذي ينتج عنه زيادة الإنتاجية، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة للمجتمع.
وتوافقها الرأي نادية علي (صاحبة مشروع صناعة ملابس صوفية)؛ إذ تؤكد أنّ لتمكين المرأة اقتصاديًّا دورًا مهمًّا في تحريك عجلة التنمية وتحقيق النهضة الاقتصادية، والتنمية المستدامة والازدهار؛ إذ إنّ المرأة تتمتع بالقدرة على اتخاذ القرارات المالية الخاصة بها دون الاعتماد على غيرها، وبزيادة مشاركتها في الأسواق المالية وإسهامها الاقتصادي يعد بمثابة الدليل الرئيسي على مستوى التمكين الاقتصادي للمرأة في اليمن رغم الصعاب، وتمكنها من الوصول إلى الموارد الاقتصادية والتكنولوجية بكل جدارة، وقدرتها أمام المجتمع على تحقيق تقدّم ملحوظ في مجالات مختلفة كانت يومًا ما حكرًا على الرجل.
صعوبات وتحديات
أشارت الدكتورة منار الجناحي إلى أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه سيدات الأعمال في التمكين الاقتصادي؛ أهمها: العادات والتقاليد السلبية في المجتمع اليمني، إضافة إلى الضغوطات النفسية في البيت والعمل، وعدم قدرة بعض سيدات الأعمال على الموازنة بين عملها في مشروعها الخاص ورعاية أسرتها، خاصة مع غياب الداعم الأسري لها، وغياب التمكين الذاتي والدعم النفسي لسيدات الأعمال.
كما أشارت إلى عدم وجود استقرار أمني في البلاد بسبب استمرار الصراع، وتفاوت أسعار الدولار، وارتفاع أسعار المواد الخام، أو انعدامها في السوق المحلية؛ الأمر الذي يعد من أكثر التحديات التي تواجه سيدات الأعمال في اليمن في الوقت الحالي، بالإضافة إلى عدم وجود لجنة استشارية مختصة للحل والتيسير والتقييم لسير عمل مشاريع سيدات الأعمال، وتقديم الاستشارات العلمية وفقًا للمعاير الدولية في تنفيذ مشاريع اقتصادية، وعدم توفير حلول حقيقية وواقعية للمشاكل الإدارية والمالية والتجارية التي تواجه أغلب سيدات الأعمال.
أفراح صبرة أحد النساء اليمنيات التي واجهت صعوبات في بداية مشروعها، خاصة في مجال التسويق لمشروعها؛ إذ اعتمدت على المشاركة في المعارض بنسب ومبالغ مالية، ثم لجأت إلى القيام والمشاركة في فعاليات وعروض ومسابقات لتجمع أكبر عدد من الأشخاص.
وأوضحت في حديثها أنّ الصعوبات التي تواجه رائدات الأعمال في اليمن هي: زيادة تكاليف طلب المواد غير المتوفرة في اليمن من المواقع الخارجية، إضافة إلى ذلك لا تمتلك كثير من النساء خلفية حول إدارة المشاريع والتسويق مقارنة بالرجال، ولا توجد دورات مجانية تمكن صاحبات المشاريع من التسويق لمشروعهنّ، كما لا يتوفر دعم من الجهات المعنية أو المختصة في تقديم الدعم للنساء وتمكينهم.
حلول ومعالجات
استعرضت الدكتورة منار الجناحي عددًا من المقترحات والحلول لتطوير عملية تمكين سيدات الأعمال اقتصاديًّا في المجتمع اليمني، وذلك عبر التوعية المجتمعية بأهمية دور سيدات الأعمال في المجتمع، كونها شريكة في بناء الاقتصاد المحلي وعجلة التنمية الاقتصادية في المجتمع اليمني، وتنفيذ دورات تدريبية وورش عمل فعّالة في مجال إدارة الوقت وإدارة المخاطر لتتمكن سيدة الأعمال من موازنة وقتها ومعالجة مشاكلها، وإيجاد حلول مبتكرة وفعالة في مشروعها وبيتها، وتوفير الحماية القانونية لها، والدفاع عنها أثناء التعامل مع التجار؛ للحفاظ على حقوقها المادية، وعدم استغلالها أو النصب عليها، وذلك عن طريق التنسيق بين سيدات الأعمال ووزارة الصناعة، لإيجاد حلول كبدائل لتوفير المواد الخام الضرورية، وضبط الأسعار وتوحيدها لدى تجار الجملة.
كما أكدت على ضرورة تقديم الدعم النفسي لسيدات الأعمال في اليمن؛ لمساعدتهنّ في تخطي مراحل الإحباط والاكتئاب التي تؤدي لخسارة مشاريعهنّ، وفقدان التوازن في حياتهنّ وتوعيتهنّ بأهمية إشراك أسرهنّ وتوعيتهنّ بأهمية مشروعهنّ اقتصاديًّا لمساندتهنّ على تجاوز الصعوبات والتحديات.
وتتابع القول: “وجب على سيدات الأعمال معرفة أهمية الشمول المالي والخدمات المالية، من خلال المشاركة في دورات تعريفية مصرفية، بالتعاون مع مؤسسات التمويل والبنوك، واستهدفهنّ في دورات خاصة بمحو الأمية الإلكترونية؛ للتوعية بأهمية استخدام التطبيقات الإلكترونية، وللمساعدة في تطوير المشاريع وتحسينها وفقًا للمعايير الحديثة، وتوفير الجهد والمال”.
وذكرت أهمية عمل لجنة استشارية متخصصة تتبع جهة معنية بإدارة سيدات الأعمال لها صلاحيات فعلية؛ لتقديم الاستشارات المناسبة كحلول حقيقية لحل مشاكلهنّ، وتيسير أعمال مشاريعهنّ، وتشبيكهنّ مع فئات المجتمع التجاري، لعمل خدمات تجارية متبادلة يستفيد الطرفان منها، والوصول إلى تمكين اقتصادي محلي قوي ومؤثر.