الدكتورة فوزية ناشر
رئيسة مجلس سيدات الأعمال اليمنيات
رئيسة لجنة سيدات الأعمال في الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية
(مستشارة عدد سيدات الأعمال والتمكين الاقتصادي للمرأة في اليمن)
يعد تحقيق التنمية الشاملة حلمًا يراود كل مجتمع في العالم، وركيزة أساسية لمستقبلٍ واعد. ولتحقيق هذا الحلم، لا بد من تضافر كل الجهود وتكامل الأدوار بين جميع أفراد المجتمع، دون استثناء؛ من أجل تحقيق التنمية المنشودة، وهو أمر يتطلب رفع المشاركة الواسعة لكل من المرأة والرجل “معًا في مختلف القطاعات الاقتصادية”.
ولا يمكن أن تتحقق تنمية شاملة دون مشاركة فعلية لقطاع واسع من المجتمع يمثل نصفه الآخر، العنصر المؤثر والأهم؛ فالمشاركة النسائية الفاعلة في المجالات الاقتصادية تعد رافعة أساسية لتعزيز الإنتاجية في العمل؛ لذلك تزداد أهمية إشراك المرأة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى تعزيز العملية الإنتاجية، وبالتالي التقليل من الفجوة بين الرجال والنساء من حيث اكتساب المهارات واستثمار قدراتهن وتمكينهن.
المرأة اليمنية في النشاط الاقتصادي
تعد المشاركة الفاعلة للمرأة في سوق العمل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في أي مجتمع، خاصة في مجتمعنا اليمني، إلا أن الواقع في اليمن يشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الجنسين في هذا المجال، مما يعوِّق مسيرة التنمية؛ إذ إن معدل المشاركة للمرأة في اليمن متدنٍ مقابل معدل مشاركة الرجال بزيادة ستة أضعاف في المجال الاقتصادي.
إن الفجوة بين الجنسين في سوق العمل اليمني واسعة؛ إذ يقابل 18 من الإناث 100 فردٍ من الذكور في سوق العمل. وتعود هذه الفجوة إلى العديد من العوامل، منها بعض العادات والتقاليد المتوارثة التي تعوِّق مشاركة المرأة في العمل التجاري، والتمييز، والنقص في فرص التعليم والتدريب، بالإضافة إلى الأعباء المنزلية التي تمنعها من التفرغ الكامل للعمل.
وبما أن الاقتصاد اليمني لا يحقق النمو الكافي إجمالًا، فإن هذا جعل من فرص انضمام الإناث إلى القوى العاملة ضعيفًا مقارنة بفرص الذكور، خاصة في المجال الاقتصادي؛ الأمر الذي نتج عنه ترك الكثير من النساء المتعلمات خارج إطار سوق العمل، بسبب عدم القدرة على خلق فرص عمل جديدة قادرة على استيعاب الإناث والذكور معًا.
ومع ندرة الوظائف، يذهب التفضيل إلى الرجال دون النساء؛ فغالبًا لا تترقى المرأة إلى أعلى المناصب الإدارية والقيادية، خاصة في المؤسسات الاقتصادية، كما أنها تعمل في نطاق وظائف تعليمية واجتماعية. وعلى الرغم من وجود المرأة كعاملة في القطاعين، الحكومي والخاص، فإنها ما تزال بأعداد أقل من الرجال، وفي مواقع وظيفية غير قيادية.
تحديات تقلل من فرص مشاركة المرأة في القطاع الخاص
يعد القطاع العام أكثر إدماجًا للمرأة في التوظيف مقارنة بالقطاع الخاص، ويرجع ذلك إلى العديد من العوامل، منها: وجود قوانين تُلزم الجهات الحكومية بتوفير فرص متساوية للرجال والنساء في التوظيف، الشعور بالاستقرار الوظيفي الذي يجذب النساء اللواتي يستطعن التوفيق بين العمل والأسرة، وغيرها من العوامل. في حين يقلل القطاع الخاص من توظيف النساء لاعتبارات ربحية خالصة، ويبرر أصحاب العمل ذلك بظروف متعددة: منها التكاليف الإضافية، مثل تكاليف رعاية الأطفال وإجازات الأمومة، مع وجود فوارق نسبة لصالح الذكور من حيث الترقي والمكافآت والسفر والتدريب.
ويُعاني سوق العمل اليمني من العديد من التحديات التي تقلل من فرص مشاركة المرأة في القطاع الخاص، منها العوامل الثقافية، والمجتمعية، والاقتصادية، والتعليمية، وأيضًا عوامل سياسية نتيجة الصراعات وعدم الاستقرار السياسي الذي يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في اليمن، مما يقلص الفرص بشكل عام.
يؤدي تقليل فرص مشاركة المرأة في القطاع الخاص إلى العديد من الآثار السلبية؛ إذ تحد المشاركة المنخفضة للمرأة من قدرة الاقتصاد اليمني على النمو والتطور، ومن ثمَّ تتفاقم مشكلة الفقر، وتتعمَّق الفجوة في عدم المساواة بين الجنسين في اليمن، وتهجر بعض النساء الموهوبات البلد إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل.
توزيع نشاط المرأة الاقتصادي
من المعروف أن قطاع الزراعة في اليمن يعد من أهم القطاعات الاقتصادية، وأن لمشاركة المرأة اليمنية في هذا القطاع تأثيرًا قويًّا وكبيرًا، خاصة في المناطق الريفية. توضح بيانات مسح القوى ارتفاعَ إسهام المرأة اليمنية في قطاع الزراعة، إذ تصل نسبة مشاركتها إلى %83.50 من إجمالي قوة عمل النساء، وهذا يعكس الطبيعة الأسرية لمشاركة المرأة؛ فهي تساعد في مختلف مراحل الإنتاج، من الزراعة إلى الحصاد والتسويق، والحالة الريفية لأنشطتها؛ كون الزراعة تعد مصدرًا أساسيًا للدخل والعيش، وتوفر فرص عمل أكثر للنساء مقارنة بالقطاعات الأخرى، خاصة في ظل محدودية فرص العمل المتاحة للنساء في اليمن.
خطوات واثقة نحو المشاركة
هنا نشير إلى أن المرأة اليمنية بدأت بأخذ خطوات واثقة وجادة نحو المشاركة في المهن الحديثة، إلا أن إسهاماتها ما تزال محدودة في بعض المجالات، مما يتطلب بذل المزيد من الجهود لمعالجة التحديات القائمة.
وعلى الرغم من التقدم المحرز في مجال مشاركة المرأة في التعليم، فإن إسهامها في المهن الحديثة ما يزال رمزيًا؛ إذ تشير البيانات إلى أن نسبة صاحبات الأعمال (ربات العمل) بين النساء لا تتجاوز %0.04، في حين تصل هذه النسبة بين الرجال إلى2.7%. كما تصل نسبة النساء اللواتي يعملن لدى الأسرة دون أجر إلى %61.9، فيما تصل هذه النسبة بين الرجال إلى %12.8.
وتشمل العوامل التي تعوِّق مشاركة المرأة اليمنية في المهن الحديثة النظرةَ المجتمعية، والنقص في التعليم والتدريب، وأيضًا صعوبةَ الوصول إلى تمويل المشاريع؛ مما يعوِّق قدرة النساء على تأسيس مشاريعهن الخاصة في المجالات الحديثة.
كما تعد المرأة اليمنية قوة إنتاجية هائلة، خاصة في المناطق الريفية؛ إذ تسهم بشكل كبير في مختلف مجالات الحياة، من الزراعة إلى رعاية الأسرة. وقد بدأت المرأة اليمنية باتخاذ خطواتٍ واثقةً نحو المشاركة في مختلف المجالات، غير أن وضعها في القطاع العام ما يزال دون المستوى نتيجة لعوامل متنوعة، منها: ضعف القطاع الإنتاجي، تدني تعليم المرأة -فما تزال نسبة الأمية مرتفعة بين النساء في اليمن- إضافة إلى عوامل خاصة بالزواج المبكر الذي لا يسمح للفتاة بإكمال تعليمها، فضلاً عن قلة التحاق الفتيات بالتعليم المهني والفني؛ مما يقلل من فرصهن في الحصول على وظائف تقنية في القطاع العام. كما أن الصراع أثَّر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي حجَّمت من فرص مشاركة المرأة في جميع مجالات الحياة.
النشاط الاقتصادي لسيدات الأعمال
أثبتت سيدات الأعمال اليمنيات قدرتهن على النجاح والإبداع في مختلف المجالات، على الرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد. وقد نشطت النساء في مجالات متنوعة تزهر فيها إبداعاتهن، ومنها: المقاولات، بيع السيارات، التوكيلات التجارية، الصناعات الصغيرة، تقطير العطور، صناعة البخور وتغليفه، المأكولات والملابس التي تحمل الطابع اليمني الشعبي. كما تمحور النشاط الصناعي للمرأة في القطاعات الإنتاجية والمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة.
وتمثل سيدة الأعمال اليمنية رمزًا للنجاح والتحدي في رحلة البناء والإعمار؛ إذ تسهم بشكل فعال في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، خاصة في القطاع الخدمي والاستثمار في المجالات الصحية والتعليمية. ولم يعد المجتمع اليمني رافضًا للدور الذي تلعبه المرأة في مجال الاستثمار والمنافسة، بل بات يشجعها على المشاركة في مختلف المجالات، مدركًا قدراتها وإمكاناتها المتميزة؛ وساحة العمل اليمنية تزخر بقصص ملهمة لسيدات أعمال نجحن في تأسيس مشاريعهن الخاصة، وتحدين الظروف الصعبة، وحققن إنجازات متميزة في مختلف المجالات.
تثبت المرأة اليمنية يومًا بعد يوم قدرتها على كسر القيود وتحقيق الإنجازات المتميزة في مختلف الأنشطة والمجالات، ولعل أبرز تجليات هذا التمكين ظهورها القوي في مجال إدارة الأعمال؛ إذ بدأت تأخذ دورًا قياديًا ومهمًا في هذا المجال في مختلف القطاعات، مثل القطاع الخاص عبر تأسيسها شركات ومشاريع ناجحة في مختلف المجالات، مثل: التكنولوجيا، والصناعة، والزراعة، والمشاريع الخدمية وغيرها، وفي القطاع العام، والمنظمات غير الحكومية.
مقترحات وتوصيات تسهم في تطوير عمل سيدات الأعمال
لتعزيز مشاركة المرأة اليمنية في مجال إدارة الأعمال وتحقيق المزيد من الإنجازات، لا بد من توفير الدعم الحكوميِ والمجتمعيِ لها، عبر توفير برامج تمويلية مخصصة لسيدات الأعمال في مختلف القطاعات والمجالات، ودعم برامج التدريب والتطوير لتعزيز مهاراتهن، ونشر ثقافة المساواة بين الجنسين، ودعم مشاركة المرأة في مختلف مجالات الحياة، مع العمل على تفعيل التسوية السياسية وإنهاء الصراع الذي أنهك القطاع الخاص في اليمن.
ولتعزيز دور سيدات الأعمال اليمنيات وتمكينهن من تحقيق المزيد من الإنجازات، يجب اتخاذ خطوات ملموسة وتقديم الدعم اللازم لهن، وذلك من خلال توفير بيئة داعمة لريادة الأعمال النسائية، وتعزيز وصولهن إلى مصادر التمويل، ودعم مشاركتهن في برامج القروض والمنح من المؤسسات المالية المحلية والدولية، وبناء قدراتهن وتطوير مهاراتهن في مجالات الإدارة والتسويق والريادة، وفتح أسواق جديدة لمنتجاتهن وخدماتهن، ودعم مشاركتهن في المعارض التجارية المحلية والدولية.
من خلال تضافر الجهود وتقديم الدعم اللازم، ستتمكن سيدات الأعمال اليمنيات من تحقيق المزيد من الإنجازات والإسهام بفعالية؛ لأهمية مشاركتهن بشكل فعال في بناء الاقتصاد من حيث إدارتها للمؤسسات والمشاريع الخدمية والإنتاجية في مختلف مناحي الحياة المختلفة في اليمن رغم الصعوبات والتحديات.