المرأة في التنمية والسلام – أحمد باجعيم

تعدُّ حادثة مقتل “مروى البيتي” واحدة من أبشع جرائم العنف التي شهدها اليمن في مدينة المكلا محافظة حضرموت خلال السنوات الماضية؛ إذ أقدم الزوج في أواخر فبراير 2020م، على ارتكاب أبشع جرائم العنف ضد المرأة في اليمن.

قام الزوج بسكب مادة البنزين على جسدها أمام أطفالها الثلاثة، ثُمّ أشعل النار فيها، ليتدخل الجيران بعد سماع صراخها وصراخ أطفالها، ويقومون بإسعافها إلى المستشفى؛ إذ أُصيبت بحروق بالغة في (80 %) من جسدها، لتفقد حياتها بعد مضي يومين في العناية المركزة.

ما هي إلَّا لحظات من حدوث الجريمة حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملة إعلامية تضامنية مع الضحية “مروى”، وكذا بيانات شجب واستنكار على مستوى المحافظة واليمن عمومًا.

الجهات المعنية بالمرأة تدخلت في القضية بشكل مباشر، ومن تلك الجهات؛ اللجنة الوطنية للمرأة، واتّحاد نساء اليمن بساحل حضرموت، وشرعتا في الترافع أمام المحاكم والنيابات، وفي منتصف العام 2023م أصدرت محكمة الاستئناف بالمكلا حكمًا بالإعدام على قاتل المغدورة “مروى”، إلَّا أنّه، وحتى إعداد التقرير، لم يُنفذ الحكم بعد، ويعدُّ هذا الحكم الصارم انتصارًا للمرأة التي تتعرض للعنف، وعقوبة رادعة لمن تسوِّل له نفسه بارتكاب العنف ضد النساء.

الوضع الصحي

الضحية مروى إحدى النساء المعنفات التي توفيت داخل المستشفى، ومع هذا لا يمكن أن نتهم المستشفى بالتقصير، أو برداءة الوضع الصحي المقدّم للنساء؛ كون حالة المغدورة “مروى البيتي” مستعصية، وتمزق نحو (80 %) من جسدها، وعلى غرار ذلك هناك تراجع كبير للوضع الصحي في عموم الجمهورية، إلى ذلك أشار تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعنوان “اليمن؛ النساء والفتيات يكافحنَ للحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية” ـــ يوليو 2022م إلى أنّ أقل من (50 %) من حالات الولادة في اليمن تجري تحت إشراف رعاية صحية في المستشفيات، وأنّ هناك امرأة وستة مواليد يموتون كلّ ساعتين بسبب انعدام فرص الحصول على خدمات صحية لازمة، أو نتيجة ضعف الرعاية المقدمة للحالات أثناء الولادة.

كما أفاد التقرير أنّ عدد النازحين منذ اندلاع الصراع بلغ ما يزيد عن (4,2) ملايين شخص، (73 %) منهم من النساء والأطفال؛ إذ تواجه النساء صعوبة بالغة في الحصول على الخدمات الأساسية بما فيها الرعاية الصحية التي تعدُّ متدهورة.

وفي السياق ذاته كشفت دراسة حديثة أجرتها منظمة المرأة العربية بعنوان “أنظمة الحماية الاجتماعية للمرأة في مجال الصحة بالجمهورية اليمنية” عام 2023م، عن واقع صعب للوضع الصحي للنساء في اليمن؛ إذ بينت الدراسة أنّ توفير الرعاية الصحية وتحسين جودتها يساعد على تقليل الوفيات بشكل كبير.

كما أظهرت الدراسة أنّ نسبة وفيات الأمهات في اليمن أثناء الولادة بلغت ما يقارب 148 حالة، لكل 100 ألف حالة، وذلك نتيجة تردي الوضع الصحي، وتزداد حالات الوفيات في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية؛ إذ وصلت إلى 188 حالة لكل 100 ألف حالة في عام 2021م.

ووفقًا للدراسة، فإنّ هذه المؤشرات تبين حجم ضعف الرعاية الصحية للنساء خصوصًا الحوامل، لهذا أوصت الدراسة إلى ضرورة تحسين الرعاية الصحية، وتوفير الخدمات المتكاملة للنساء، ووجوب إعطاء المرأة بعد الولادة رعاية أكبر استنادًا إلى القوانين اليمنية فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية بالمجال الصحي، ومنها أهمية تقديم الخدمات الصحية والوقائية والعلاجية للأطفال والأمهات أثناء مُدَد الحمل والولادة، وكذا النفاس.

وأوضحت نائب المدير العام لشئون الخدمات الطبية والعلاجية في مكتب الصحة العامة والسكان بساحل حضرموت، الدكتورة فائزة العمودي، أنّ دائرة الصحة الإنجابية تعدُّ جهة تعنى بصحة المرأة أثناء مدّة الحمل والولادة، وتلعب دورًا في متابعة مُدد الحمل للمرأة، ممّا يُسهم بشكل كبير في تقليل خطورة المضاعفات أثناء الولادة، وقد تؤدي بعض مضاعفات الحمل والولادة إلى وفاة الأم، إذا لم يحصل الاهتمام بصحتها ومتابعتها بشكل دوري.

كما أوضحت العمودي أنّ هناك ثلاثة مراكز متخصصة بالحماية ومساحة آمنة للنساء في مناطق ساحل حضرموت (المكلا – الشحر – غيل باوزير)، ويتوفر فيها كادر متخصص يهتمّ بالمرأة المعنفة أو التي تعاني من صدمة نفسية؛ إذ توفر للنساء الحماية الآمنة وإعادة التأهيل لدمجهنّ في المجتمع عبر تمكينهنّ اقتصاديًّا في مختلف المهن التي تناسبهنّ، وذلك بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المحلية.

وبينت أنّ في عام 2018م توقفت إحدى المراكز في مدينة المكلا لأسباب مادية ونقص في الاحتياجات، أما مركزا مديريتي الشحر وغيل باوزير فما زالا يعملان حتى اليوم بفضل الدعم المقدّم لهما من المنظمات الدولية.

أسباب حالات الوفاة

قالت الدكتورة هدى معوضة: “إنّ أسباب حالات الوفاة لدى الأمهات في المراكز الصحية غالبًا ما تكون نتيجة نقص في الخدمات الصحية المقدمة لهنّ خصوصًا أثناء الولادة، كما أنّ بعض حالات الولادة تصل إلى المراكز الصحية والمستشفيات في وقت متأخر، وبوضع صحيّ سيّئ، حتى لو توفرت الخدمات والرعاية الصحية الجيدة لن تعمل شيئًا”.

في تقرير ذكرته “الجزيرة نت” أنّ اليمن يتصدر الدول العربية في نسب وفيات الأمهات؛ إذ بلغ عدد الوفيات نحو 3600 امرأة سنويًا، وحمَّلَ التقريرُ الذي صدر في يناير 2019م بعنوان “بسبب الصراع؛ عشر يمنيات يلقينَ حتفهنَّ يوميًّا أثناء الولادة” الجانبَ الحكومي مسئولية تلك الوفيات؛ وذلك بسبب إهمال الوضع الصحي خصوصًا في المناطق الريفية، وهشاشة الخدمات المقدمة في المراكز الصحية، كما أنّ النزاعات القائمة تسببت بتدمير البنية التحتية لكثير من المرافق الصحية في المدن والأرياف.

وذكر التقرير أنّ النزاع المسلح تسبّب بإغلاق (45 %) من المراكز الصحية في اليمن؛ الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الوضع الصحي، ونتج عنه ارتفاع أعداد الوفيات لدى النساء. وأكدت “الجزيرة نت” أنّ صندوق الأمم المتحدة للسكان أوضح أنّ الصراع المستمر أعاق توصيل الخدمات الصحية إلى المناطق اليمنية؛ إذ أدّى ذلك إلى حدوث عواقب أكثر خطورة على صحة الأمهات.

المعاملة السيئة

تحت اسم مستعار كادت “نور” تفقد حياتها بأحد مستشفيات مديرية دوعن غرب محافظة حضرموت قبل نحو خمسة أعوام، وذلك نتيجة المعاملة السيئة. يقول شقيق (نور): “في الشهر الثامن من الحمل ذهبنا إلى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات الاعتيادية عند دكتورة مختصة من الجنسية الروسية، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة من أشعة وغيرها، قالت الدكتورة إنّ “نور” تحتاج إلى توليد في أسرع وقت ممكن؛ لأنّ الجنين يعاني من حالة اختناق وفقًا لروايتها، في حين مساعدة الدكتورة نبهتنا بأنّ الدكتورة غير صادقة فيما تقوله، ولم تعطِنا وقتًا للتفكير، أمّا ندخلها غرفة التوليد أو مغادرة المستشفى مخلية مسؤوليتها عن الحالة”.

ويواصل: “ونتيجة القلق والخوف على حالة “نور” وافقنا على التوليد رغم أنّ الولادة مبكرة، وحدث ما لم يكن في الحسبان، وأُدخلت الحالة إلى الغرفة الخاصة بالتوليد، وهناك مارست الدكتورة “الروسية” أساليب التهديد والترويع للمرضية، وأرغمتها على تناول بعض العلاجات التي تسرع الولادة، وبعد ساعتين تقريبًا من الألم والصراخ وضعت جنينها، ودخلت المرضية في حالة إغماء من شدة الآلام، في حين المولود خرج ميتًا نتيجة استخدام العنف أثناء التوليد، بعدها عانت “نور” من مضاعفات لأشهر كادت أن تفقدها حياتها”.

لم تكن “نور” الوحيدة التي تلقت المعاملة السيئة من الكادر المختص في المستشفيات اليمنية، بل هناك روايات كثيرة ومشابهة لقصة “نور” بالعديد من المستشفيات المحلية في المحافظات اليمنية، وذلك نتيجة غياب الرقابة من قبل الجهات المعنية.

المعالجات

أشارت نائب مدير مكتب وزارة الصحة العامة والسكان بساحل حضرموت الدكتورة فائزة العمودي إلى أهمية تقديم مقترحات لتوفير الخدمات الضرورية للنساء في المراكز الصحية من ذوي الخبرة، ورفعها إلى الجهات المانحة، والعمل على ديمومتها، وتكثيف عمليات التدريب والتأهيل للكوادر الطبية خصوصًا القابلات والعاملات في المراكز التوليدية والمعنية بالأمهات والأطفال.

من جانبها استذكرت الدكتورة هدى معوضة بعض النقاط التي تعمل على تحسين الوضع الصحي بشكل عام، بما فيه المراكز المهتمة بالأمومة والطفولة في اليمن، ومنها، إجراء دراسات متكاملة عن الوضع الصحي في اليمن ومعرفة احتياجاته، والعمل مع الوزارات المعنية والمنظمات الدولية والدول المانحة على توفيرها لسد الفجوة الحاصلة، والعمل المشترك على منع الأطراف المعنية من الصراع إقحام القطاع الصحي في النزاع، وجعله ذا أولوية مهمة للمواطن، وتوفير برامج تدريبية وتأهيلية على أحدث الأجهزة وتطبيقها على المراكز الصحية.

وفي ختام التقرير، يمكن القول بأنّ الوضع الصحي المقدّم للنساء في اليمن يواجه تحديات كبيرة، بحاجة ماسّة إلى تحسين مستمر، كما أنّ نقص الإمكانات الطبية يعرّض حياة النساء للخطر، ويحدُّ من إمكانيتهنّ في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، لهذا يجب اتّخاذ إجراءات فورية لتحسين الوضع الصحي للنساء عبر توفير المزيد من الموارد المالية والتقنية للقطاع الصحي، بالإضافة إلى تشجيع التوعية الصحية، وتعزيز الوعي بحقوق النساء في الحصول على رعاية صحية متكاملة.

you might also like