المرأة في التنمية والسلام – هبة محمد
في الوقت الذي تشهد فيه اليمن أزمة اقتصادية صعبة منذ سنوات، تتعرض النساء اليمنيات لتحديات إضافية تتمثل في ارتفاع نسبة العنف ضدهنّ، ويعدُّ الوضع الاقتصادي الصعب، وعدم التوظيف، وارتفاع معدلات الفقر، من العوامل التي تزيد من تعرض النساء للعنف وتوسع دائرته.
تعدُّ النساء في اليمن هدفًا للعنف المبني على النوع الاجتماعي، سواء أكان ذلك في المنزل أم على صعيد العمل في القطاع العام أو الخاص، الذي يعد عاملًا رئيسيًّا يؤثر على حياتهنّ الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير.
الوضع الاقتصادي وتأثيره على النساء
تعاني النساء اليمنيات من تحديات اقتصادية كبيرة؛ إذ يصعب عليهنّ الحصول على فرص عمل مناسبة ومستدامة، ويعاني كثير منهنّ من الفقر والحاجة إلى المساعدة الاقتصادية، وهناك ارتباط وثيق بين الوضع الاقتصادي الصعب، وزيادة نسبة العنف ضد المرأة في اليمن.
تقول الباحثة في مجال التمكين الاقتصادي للنساء هيام العبسي: “يؤثر الوضع الاقتصادي الضعيف والمنهار بشكل كبير على وضع المرأة اليمنية، ويزيد نسبة العنف ضدّها، فالتحديات الاقتصادية التي تنتج عن الفقر تؤدي إلى مشاكل اجتماعية عديدة، وتجعل الرجل غالبًا لا يمتلك الوعي الكافي للتعامل مع هذه التحديات؛ إذ يلجأ إلى استخدام العنف بحق المرأة، ويمكن أن يكون العنف جسديًّا أو نفسيًّا، ومن المؤسف أنّ الوضع الاقتصادي الصعب يزيد نسبة العنف ضد النساء اللواتي يعددنَ الحلقة الأضعف في المجتمع اليمني”.
وتكمل: “لا شكَّ أنّ الفقر يعدُّ أحد الأسباب الرئيسية للعنف المنزلي، بسبب تزايد الضغوط والالتزامات الاقتصادية؛ إذ يجد الرجل نفسه في موقف لا يستطيع التعامل معه بطرق بنّاءة، ممّا يدفعه إلى التصرف بعنف تجاه النساء، وهذا العنف يمكن أن يكون انفعالات قوية أو تصرفات جسدية مؤذية”.
إلى جانب ذلك تقول سفيرة النوايا الحسنة الدكتورة آمنة محسن: “إنّ الوضع الاقتصادي المتردّي يعدُّ أحد العوامل التي زادت من نسبة العنف ضد النساء؛ إذ أدّى الصراع الدائر إلى تغيرات جذرية في الأدوار الاجتماعية والاقتصادية خاصة للمرأة، فمع فقدان العديد من الرجال مصادر رزقهم أو وفاتهم بسبب الصراع، اضطرّت النساء إلى تحمل المسؤولية في إعالة أسرهنّ”.
وأضافت: “أنّ نسبة البطالة ارتفعت في اليمن بشكل كبير، وباتت النساء ضحية الغلاء وارتفاع الأسعار، خاصة في ظل استمرار النزاعات المسلحة التي تعوق وصول المساعدات الإنسانية، فهناك 24 مليون نسمة في اليمن يكافحون من أجل البقاء وضمان عيشهم وحياتهم، على الرغم من النقص الحاد في الأمن الغذائي والدواء والمأوى، وقلة الخدمات الأساسية من صحة وتعليم”.
وتشير إلى واقع الفقر في اليمن، وتحديدًا نسبة الفقر لدى النساء الذي ارتفع في معدلاته بشكل كبير؛ إذ ارتفعت نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر الوطني من 48,6% سنة 2014م إلى نسبة 78,8% سنة 2019م، الأمر الذي أثّر سلبيًّا على نسبة الفقر بين الأسر التي تعولها النساء والتي بلغت 72% مقارنة بالأسر التي يعولها الرجال بـ 54%، ويعود ارتفاع نسبة الفقر في اليمن إلى عوامل الصراع الذي أدّى إلى انهيار الاقتصاد؛ إذ خسر البلد ـــ حسب إحصائيات الأمم المتحدة ــــ أكثر من 89 مليار دولار أمريكي من نشاطه الاقتصادي منذ عام 2015م.
كما توضح أنّ المرأة المتضررة من الفقر تعاني من آثار سلبية عديدة نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ؛ إذ تتعرض للعنف الأسري من قبل زوجها أو أحد أفراد أسرتها بشكل متواصل؛ نتيجة عدم قدرة الأهل على توفير المال اللازم لتلبية احتياجات الأسرة؛ ممّا يؤدي إلى اضطرار بعض الفتيات الانسحاب من التعليم للمساعدة في توفير احتياجات الأسرة، ويؤدّي في النهاية إلى تفضيل تعليم الذكور على حساب الإناث، وخضوع الفتيات لسلطة إخوانهنّ وتعرضهنّ للعنف من قبلهم، بالإضافة إلى الزواج المبكر للفتيات هربًا من الفقر.
وعن ارتباط الاستقلال الاقتصادي للمرأة بالعنف، تقول هيام العبسي: “يتعرض الاستقلال الاقتصادي للمرأة لكثير من التحديات؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى زيادة حالات العنف ضدها، ويفضل كثير من الرجال أن يظلوا هم المتصدرين في القرارات والمتحكمين في الحياة الاقتصادية داخل محيط الأسرة والمجتمع، وعندما تبدأ المرأة في تحقيق الاستقلالية الذاتية، ينشأ صراع داخلي في الأسرة متمثلًا بالعنف اللفظي وأحيانًا الجسدي ضد المرأة التي تسعى للتغيير والتقدم”.
وأوضحت العبسي أنّ الاستقلال المالي والاقتصادي للمرأة بات ضروريًّا لتحقيق المساواة، بالإضافة إلى أهمية مشاركتها في صنع القرارات المتعلقة بحياتها؛ إذ تُسهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية، وعلى الرغم من ذلك هناك تحديات تواجه المرأة في تهديد الدور التقليدي المتوقع منها في المجتمع الذي يتعارض مع دور الرجل؛ إذ قد يشعر بعض الرجال في الأسرة، بما في ذلك الزوج والإخوة، بالتهديد من استقلال المرأة المالي والاقتصادي.
وأشارت العبسي في سياق حديثها أنّ العنف المنزلي ضد المرأة يشكل تهديدًا خطيرًا لحقوقها وحريتها الشخصية، الأمر الذي وجب على الجميع العمل على تغيير الأفكار الموروثة، وتعزيز المساواة، واحترام حقوق المرأة في الاستقلال الاقتصادي واتّخاذ القرارات الخاصة بها.
اتساع فجوه العنف ضد المرأة اليمنية
تقول الدكتورة أحلام ناصر، المتخصصة في الفكر الاجتماعي:” إنّ اتّساع فجوة العُنف ضد المرأة في المجتمع اليمني يزداد يومًا بعد آخر، خاصة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الجهل المجتمعي الذي ما زال مسيطرًا على فكر معظم أفراد المجتمع ومعتقداتهم، خاصة في كيفية الحفاظ على حقوق المرأة”.
وأشارت إلى أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها ملايين الأسر اليمنية أدّت إلى اتّساع دائرة العنف ضد المرأة، وقد حاولت المرأة بكل الطرق مواجهة تلك الظروف الاقتصادية، واقفة أمام ثقافة يمنية لا تجيد التعامل مع المرأة إلَّا بطريقة الإزهاق لحقوقها وتعنيفها بشتّى الأساليب، ليصحّ القول بأنّ اليمن يعيش في الآونة الأخيرة ضغوطًا كبيرة، الأمر الذي ينعكس كليًّا على الأسرة والمرأة على وجه الخصوص.
فيما أفادت الدكتورة آمنة أنّ النساء في فئات الأعمار 14 و19 و22 و24 هنّ الأكثر تعرُّضًا للعنف، سواء من قبل أفراد الأسرة أو المجتمع، وتتعرض النساء في اليمن للعنف بشكل متكرر، ممّا يؤدي إلى تفاقم المعاناة الجسدية والنفسية لديهنّ.
وتوضح آمنة أنّ دور الوالدينِ في التربية والتنشئة مهمّ في الحد من العنف ضد النساء، من خلال عدم تفضيل تربية الأبناء الذكور على حساب البنات، والعمل على رعايتهنّ وحمايتهنّ من تعرضهنّ للعديد من الانتهاكات الجسدية والجنسية والنفسية؛ نتيجة النزاعات المسلحة، بما في ذلك التحرش والاغتصاب والقتل والتهجير والنزوح؛ إذ إنّ تفشي العنف ضد النساء في الآونة الأخيرة بسبب غياب قوانين فعّالة تحظر العنف وتعاقب مرتكبيه.
استمرار العنف والتميز في العمل
تقول الباحثة في مجال التمكين الاقتصادي للنساء هيام العبسي: “إنّ العنف ضد المرأة لا يقتصر على أشكاله الجسدية أو الجنسية، بل يتجلى في سياقات مختلفة، بما في ذلك بيئة العمل؛ إذ يشكل التهميش واتخاذ القرارات دون مشاركة النساء أشكالًا من العنف الخفي الذي يعرقل مسيرتهنّ المهنية، بحجة أنّهنّ غير قادرات على حضور اجتماعات تسيير الأعمال تعقد في أوقات متأخرة غير مسموح للنساء الخروج فيها”.
كما أشارت إلى أن المرأة اليمنية تواجه أيضًا عنفًا يتجلى في التمييز الوظيفي بشأن الأجور والترقيات، فعادةً ما تُهمَّش المرأة في ذلك الأمر، حتى وإن كان لديها الخبرة والكفاءة اللازمة، فيردع ترقيتها أو تحسين أجرها بحجة أنّها امرأة غير قادرة على الوجود المستمر أو اتخاذ القرارات الطارئة أو المهمة، وتعدُّ هذه الحجج وسيلة لإبعادها عن المنافسة والتقدم.
وترى العبسي أنّ العنف الذي تواجهه المرأة قد يكون تصرفات أو سلوكيات تؤدي إلى إيذائها أو إهانتها، ويشمل التحرش الجنسي أو الجسدي، وتصرفات أخرى كانت مباشرة أو غير مباشرة تتسبب في إحساس المرأة بالتهديد أو الضرر أثناء أداء وظيفتها، ويمكن أن يكون هذا النوع من العنف مدمرًا للنساء، ويؤدي إلى عدم الراحة النفسية، ويؤثر على أدائهنّ في العمل، وربما يدفعهنّ لترك وظائفهنّ.
وذكرت العبسي أنّ ممارسة العنف في مكان العمل يؤثر على نسبة انخفاض التوظيف للنساء، وتحقيق الفرص الاقتصادية؛ إذ تُضطر العديد من النساء إلى ترك وظائفهنّ؛ بسبب عدم قدرتهنّ على مواجهة هذا العنف، وبعضهنّ يتحملنَ هذا العنف لكيلا يخسرنَ وظائفهنّ، وذلك نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية الناجمة عن الصراع.
وتقول فوزية عبد ربه (رئيس اتّحاد نساء اليمن في صنعاء): “هناك فروق جنسية في الأجور والترقيات تؤدي إلى العنف ضد النساء في كثير من المواقع، وتُعد الفروق الجنسية في الأجور والترقيات شكلًا من أشكال التمييز ضد النساء، تؤدي إلى زيادة حالات العنف والاضطهاد ضدهنّ، ففي بعض المناطق الريفية تتقاضى النساء العاملات في المزارع والأراضي أجورًا أقل من الرجال، على الرغم من أنّهنّ يقُمْنَ بنفس الأعمال”.
تداعيات العنف والضعف الاقتصادي
تأثير العنف ضد النساء على التنمية المستدامة والاقتصاد يمكن أن يكون كارثيًا، ويؤثر سلبًا على التنمية المستدامة، تقول فوزية: “يمكن أن يؤدي العنف إلى تدهور صحة النساء النفسية، ممّا يؤثر على قدرتهنّ على المشاركة في العمل والتنمية الاقتصادية، كما يؤدي العنف إلى اضطرار النساء إلى ترك العمل أو الدراسة، وبالتالي فقدان الدخل، وتقليل مشاركتهنّ في النمو الاقتصادي”.
وتشير إلى أنّ استمرار ممارسة أشكال العنف ضد النساء يمنعهنّ من الحصول على التعليم والتدريب المناسب، ممّا يعوق قدرتهنّ على المشاركة في التنمية الاقتصادية بشكل كامل، ويؤدي إلى انقطاع في العملية الإنتاجية التي تؤثر على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
من جانبها تقول رئيس اللجنة الوطنية للمرأة في محافظة إب خولة الشرفي: “واجهت المرأة اليمنية أعباء كبيرة جراء تدهور الوضع الاقتصادي في اليمن، وتفاقمت تبعاتها بشكل كبير، وتزايدت حالات التفكك الأسري والتشرد؛ إذ هُجّرت النساء والأطفال داخليًّا، وزادت ظاهرة الطلاق بشكل ملحوظ بين الأسر، وزادت حالات العنف داخل الأسر وبين الأفراد”.
وتوضح الشرفي أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة أدّت إلى ضعف الترابط الأسري، ممّا زاد من حدة العنف الموجه ضد المرأة والأطفال، كما أنّ عدم توفر فرص العمل المناسبة للنساء أدّى إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية على الأسر، ونقص الدخل والموارد المالية الذي نتج عنه تزايد في التوترات، وحدوث صراعات أسرية كانت المرأة الضحية الأولى في ذلك.
تحديات اقتصادية
ذكرت العبسي أنّ معاناة كثير من الأسر اليمنية من ازدياد نسبة الفقر، وعدم وجود فرص اقتصادية كافية، تعد من التحديات التي تزيد احتمالية تعرض النساء للعنف بسبب الضغوط الاقتصادية، وجعلهنّ أكثر تعرضًا للاستغلال، بالإضافة إلى افتقار الجهات المعنية القدرة على تقديم الدعم اللازم للنساء اللواتي يتعرضنَ للعنف، سواء من خلال توفير الخدمات القانونية والنفسية، أو من خلال تأمين فرص اقتصادية لهنّ.
تقول آمنه: “في مدّة معنية شهدت بعض القطاعات تحسنًا في مؤشرات اهتمامها بالنساء والفتيات، ولكن التحسن لم يكتب له الاستمرار والبقاء نظرًا للنزاعات المستمرة في اليمن، الأمر الذي حال دون تلقي النساء الخدمات والحماية اللازمة، وتنفيذ برامج مكافحة العنف والحماية القانونية والنفسية، وتفعيل مراكز الإيواء للنساء المعنفات ودعمها، خاصة التابعة لاتحاد نساء اليمن في فروعها كافة”.
المعالجات
يعدُّ مكافحة العنف ضد المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين أمرًا ضروريًّا لبناء مجتمع عادل ومستدام، ويلعب الاقتصاد دورًا حاسمًا في تأثير العنف ضد المرأة؛ إذ يمكن أن يزيد الاقتصاد المتردي المشاكل النفسية والصحية، ويجعلها أكثر عرضة للعنف والاستغلال.
لمكافحة هذه المشكلة، هناك حاجة إلى تبنّي معالجات فعّالة تركز على الجوانب الاقتصادية لتحقيق التغيير الإيجابي في التخفيف من أشكال العنف القائم ضد المرأة، تقول الشرفي: “نحن دائمًا نحاول أن نرفع المعالجات للجهات المختصة لمكافحة ظاهرة العنف ضد النساء، عبر توفير فرص العمل المستدامة والعادلة لهنّ، وتعزيز توظيف المرأة في القطاعات الحيوية، وتقديم فرص التدريب والتطوير المهني لهنّ، كذا توفير الدعم المالي والتمويل للمرأة لتنمية مشروعها الخاص، وتعزيز قدرتها على الاعتماد على نفسها، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي”.
من جانبها تؤكد مها عوض (رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني في عدن) على أهمية إصدار قانون لحماية النساء والفتيات من العنف، وتعديل قانون الجرائم والعقوبات بإلغاء المادة 232 الخاصة بجرائم الشرف، وإقرار عقوبات مشدّدة على مرتكبيها، وإنشاء مراكز إيواء ودعم نفسي، وتوفير المساحات الآمنة والعون القانوني للمعنفات على مستوى جميع المحافظات، وتفعيل دور وزارة العدل في تقديم العون القانوني المجاني للنساء المعسرات.
كما أشارت عوض إلى ضرورة توفير الدعم المؤسسي والفني والتدريب والتأهيل لمنظمات المجتمع المدني والنسوي، في مجال مناهضة العنف، وإنشاء محاكم خاصة بالأسرة للفصل في النزاعات الأسرية، وتدشين حملات التوعية عبر وسائل الإعلام لتغيير الصورة النمطية عن المرأة.