المرأة للتنمية والسلام – هبة محمد

 

في عصرنا الحالي، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتواصلنا الاجتماعي يكون من خلال شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومع تطور هذه التكنولوجيا، ظهرت آفات جديدة تهدد سلامة المرأة وحقوقها. إنّ العنف الرقمي ضد المرأة أصبح تحدِّيًا خطيرًا يتطلب توعية وتصديًا جادًا.

من خلال هذا التقرير، نطمح إلى رفع الوعي وتعزيز الحوار حول هذه المسألة الحسّاسة والمهمة، وتحفيز الجهود المشتركة للتصدي للعنف الرقمي ضد المرأة، وتوفير بيئة رقمية آمنة ومنصفة للجميع.

خطر العنف الرقمي ضد المرأة ومفهومه

في ظل التطور التكنولوجي السريع، أصبحت الشبكة العنكبوتية عالمًا آخر يحتوي على تهديدات خفية تهدد سلامة المرأة، ويُعد العنف الرقمي ظاهرة متنامية تهدد حقوق المرأة، وتخلق بيئة غير آمنة لها في العالم الرقمي، ويشمل العنف الرقمي أشكالًا مختلفة من الاعتداءات والتحرش التي تُوجَّه بشكل مباشر أو غير مباشر إلى النساء عبر وسائل الاتصال الإلكتروني والتكنولوجيا.

تقول الدكتورة ندى خشافة (أستاذ الإدارة الإلكترونية في جامعة إب): “العنف الرقمي ضد المرأة يشير إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية ووسائل الاتصال الإلكتروني للقيام بأعمال عدائية أو مسيئة أو محرجة أو متطفلة أو تهديدية أو مضايقة أو تضليل أو انتهاك لخصوصية المرأة ولحقوقها الرقمية”.

وتكمل: “يجب أن يُفهم العنف الرقمي ضد المرأة في السياق الثقافي والاجتماعي؛ إذ يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على النساء، ويزيد من التمييز والعنف الجنسي الموجود بالفعل في المجتمع، وقد يؤدي العنف الرقمي إلى العزلة الاجتماعية، والتأثير النفسي السلبي، وتقييد حرية المرأة، وتقويض حقوقها الرقمية والمدنية والسياسية”.

فيما يعرف المختص الاجتماعي والباحث في التكنولوجيا الرقمية أحمد شرف الدين العنف الرقمي بقوله: “يجب أن نعرف أنّ العنف على المرأة بشكل عام هو تعريضها للأذى سواء أكان نفسيًّا أو جسديًّا، ومن التعريف العام نتعرف على العنف الرقمي بإضافة وسيلة التقنية الرقمية متمثلة في الهاتف الخلوي (الموبايل) كوسيلة لممارسة هذا الأذى، وذلك باستغلال عادات مجتمعنا المحافظ لابتزاز المرأة ماديًّا أو جسديًّا”.

ويواصل: “وسائل العنف الرقمي وأشكاله كثيرة؛ أبسطها التهديد بنشر رقم الفتاة بين الشباب، الذي سينتج عنه تعرض المرأة التي نُشر رقمها للإزعاج غير المنتهي من كمية الاتصالات والرسائل التي تستقبلها من الأرقام الغريبة؛ ممّا يضطرها إلى إيقاف الرقم وشراء غيره، وسرقة الحسابات على البرامج التي تستخدمها عبر الإنترنت؛ للابتزاز أو التشويه بالسمعة وإجراء محادثات مسيئة لصاحبة الرقم، كما أنّ هناك وسيلة تعد الأخطر وهي القدرة على الوصول إلى محتويات هاتف المرأة وما تحتويه من أسرار وصور؛ إذ بات الهاتف بمثابة محفظة الإنسان، يحفظ فيه كل مستنداته المهمة، وبالتالي استخدامها في أي وقت ومكان”.

وأوضحت خشافة -أيضًا- وجود أشكال وأنواع مختلفة للعنف الرقمي ضد المرأة في الواقع اليمني انتشرت في الآونة الأخيرة، والمتمثلة في إرسال رسائل أو صور جنسية غير مرغوب فيها عبر الإنترنت، ونشر المعلومات الشخصية الحساسة أو الصور الخاصة بها دون إذنها، ونشر الشائعات أو الأكاذيب عن المرأة عبر الإنترنت؛ بهدف تشويه سمعتها، أو إلحاق الضرر الشخصي أو المهني.

تقنيات الاختراق وتعزيزات الأمان

يقول شرف الدين:” للوصول إلى ملفات هاتف امرأة، هناك طرق تعد الأكثر انتشارًا، منها اختراق الهاتف عن طريق الروابط التي تُرسل على برامج المحادثات مثل (الواتس آب)، أو الروابط التي تظهر في صفحات الإعلانات أثناء تصفح الإنترنت؛ إذ يكون ظاهرها المقروء شيئًا طبيعيًّا لا غبار عليه، لكن باطنها يقوم المخترق بعمل كودات برمجية لهذه الروابط، بمجرد الضغط عليها تحصل الموافقة على دخول الهاتف وتحميل برنامج مخفي فيه، له الصلاحية لدخول كل محتويات الهاتف والتغيير فيه”.

كما أوضح أنّه يمكن اختراق الهاتف عن طريق تسليمه لشخص غريب وغير موثوق لإصلاحه أو تحميل برامج معينة، فيقوم هذا الشخص بنسخ محتويات الهاتف لمشاهدتها لاحقًا، وقد يوسوس له شيطانه ليقوم بعمل الابتزاز المادي أو الجسدي لصاحبة الهاتف، وقد سمعنا حوادث كثيرة في هذا الشأن، أيضًا من خلال ضياع الهاتف أو سرقته والتمكن من الدخول على محتوياته.

وحذر شرف الدين النساء من برامج إخفاء الملفات المهمة بكلمة سر، التي تعد وسيلة تقوم بها شركات وضعت هذه البرامج لكي يقوم مستخدم الهاتف بإعطائهم أهم ما لديه من ملفات، دون أن يكلفهم تعب الاختراق والبحث عن كل شيء مهم، فصاحب الهاتف سيضع لهم كل ما هو مهم في تطبيقهم، وهم سيأخذون منها نسخة للاطلاع عليها ومِن ثَمّ بيعها.

خطر الابتزاز الإلكتروني على المرأة

وعن خطر الابتزاز الإلكتروني ونتائجه النفسية والاجتماعية والاقتصادية، يقول شرف الدين: “المصيبة تكمن في التداعيات النفسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة؛ إذ ينتج عن الابتزاز الشعور بالخوف، الذي يؤدي إلى الدخول في حالة قلق متواصل على مدار اليوم، وبالتالي عدم القدرة على النوم والأكل، ويؤدي إلى سرعة نقصان الوزن، وضعف المناعة، فنجد الضحية يصاب بأعراض البرد بشكل مزمن يستمر لشهور؛ وذلك لأنّ القلق والتوتر يحفز الغدد على إفراز هرمون الكورتيزول”.

ويكمل: “وعندما يجد الدماغ هرمون الكورتيزول في الدم يقوم بإيقاف دفاعات الجسم، فيصبح الجسم دون مناعة وعرضة للأمراض المعدية، وإذا بدأ الابتزاز يقوم الجاني بالتواصل مع الضحية وطلب مبالغ مالية مقابل عدم النشر، فتضطر المرأة للاستجابة؛ لكي تحفظ كرامتها وشرفها، وتدفع له كل وقت، حتى لو اضطرت إلى بيع شيء من ممتلكاتها”.

ويوضح أنه إذا نُفِّذ الابتزاز ونُشرت المادة الإلكترونية للمرأة، سيعرضها للعقاب المجتمعي، الذي أقله الحبس والضرب من الأهل، وقد يصل الأمر إلى القتل، ويعتمد ذلك على مدى وعي أسر الضحايا.

قصة من واقع الابتزاز الإلكتروني

يشاركنا أحمد شرف الدين بقصة حقيقية لامرأة تعرضت للنصب والاحتيال صادفها في مكان عمله في شركة اتصالات، مشددًا على أهمية السلامة الرقمية للمرأة قائلًا: “في يوم من الأيام، وجدت في تقارير الاتصالات التي كُشِفت بواسطة أنظمتنا الذكية، كانت تلك التقارير تحمل أرقامًا دولية مشبوهة، الأمر أثار فضولي واهتمامي في معرفة المزيد، ومن بين هذه الأرقام، كان هناك رقم محلي قد قام بالاتصال بهذا الرقم الدولي لمدة تقدر بما يقارب 13 ساعة خلال يوم واحد”.

ويتابع حديثه: “صدمتني طول المدة للمكالمة، وأحسست بالحاجة لمعرفة هوية الشخص المتصل؛ إذ قمت بالاتصال بالرقم المحلي، ولم يكن لديّ أيُّ توقعات حول هوية الشخص الذي قام بتلك المكالمة الطويلة، تفاجأت عندما ردّت امرأة من إحدى القرى اليمنية على اتصالي، دون تردد قلت لها بصدمة: “أنتِ أمس اتصلتِ وتحدثتِ ما يقارب 13 ساعة، أنتِ بعقلك تتكلمين هذه المدة كلها؟ ردّت المرأة بثقة وقالت: نعم، أصلًا أنا ربحت في مسابقة الحلم 300 ألف دولار!”.

وأكمل شرف الدين حديثه بالقول: “لم أستطع تصديق ما سمعته، فقلتُ لها بحذر: يا أختي لا تصدقي، هؤلاء نصابون؛ هدفهم يسحبون رصيد هاتفك لا غير، لا توجد مسابقة ولا شيء. لكنها ردّت بثقة: لا تحاول أن تثير غضبي؛ لقد بعت ذهبي كاملًا مقابل تعبئة الرصيد للمشاركة، وبالفعل، بعد التحقق، تبين أنّها قد أجرت مكالمات بقيمة تقدر بما يقارب 400 ألف ريال يمني، كانت هذه الخسارة كبيرة لكن نظامنا الذكي تمكَّن من كشف هذه الأرقام المشبوهة وحظرها، وإلَّا كانت الخسارة أكبر”.

 السلامة الرقمية ضرورة لمواجهة العنف الرقمي

السلامة الرقمية ضرورة حتمية في مواجهة التحديات الناشئة من العنف الرقمي، إنّها الوعي والمعرفة بكيفية استخدام التكنولوجيا الرقمية بطريقة إيجابية وآمنة؛ إذ لا تترتب عليها تأثيرات سلبية على السلوك والأخلاق، وحتى الأمان النفسي للإنسان.

تقول الدكتورة أحلام ناصر (باحثة في القضايا المجتمعية): “من بين الجوانب المهمة في السلامة الرقمية الوعي لدى النساء حول كيفية المحافظة على حساباتهنّ على الإنترنت، وتجنب الوقوع في فخ النصب والاحتيال عبر الإنترنت والإعلانات المزيفة، وهناك أيضًا ما يُعرف بالسلامة الرقمية للأطفال، التي تشمل تعليمهم ورفع وعيهم بكيفية استخدام الإنترنت بشكل إيجابي والاستفادة منه، وتجنب المحتويات السلبية التي قد تؤثر على المبادئ التي تربّوا عليها”.

وتوضح الباحثة أنّ الجهات المسؤولة عن رعاية الأفراد يجب أن تعزز الوعي في المجتمع بشكل عام، وتضع تركيزًا خاصًا على الوعي الرقمي في هذا العصر؛ إذ يقضي الناس معظم وقتهم في العالم الافتراضي أو ما يعرف بالإنترنت، فالتحول الرقمي الذي نشهده يتطلب تدابير واضحة لتوعية النساء بمخاطر العالم الرقمي وكيفية الحماية منها.

إجراءات لتعزيز الوعي حول العنف الرقمي

تقول أحلام ناصر:” لتعزيز الوعي والتثقيف حول العنف الرقمي ضد المرأة، يجب اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة والمتمثلة في وسائل الإعلام المختلفة، مثل التلفزيون والإذاعة والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي؛ لنشر المعلومات، والتوعية بأشكال العنف الرقمي، وكيفية التعامل معه”.

وأوضحت أنّه يمكن إنشاء مواقع ويب، ومنصات رقمية خاصة بمكافحة العنف الرقمي ضد المرأة، يمكن أن تحتوي هذه المنصات على موارد توعوية ومعلومات حول أشكال العنف الرقمي ضد المرأة، وطرق الحماية، والدعم المتاح للضحايا، وتوفير الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي للنساء المتعرضات للعنف الرقمي، وكذا توفير خطوط ساخنة، ومراكز استشارية، وملاذات آمنة للنساء اللواتي يحتجْنَ إلى المساعدة والدعم.

وأكدت على ضرورة تشجيع المشاركة المجتمعية في مكافحة العنف الرقمي ضد المرأة، من خلال تنظيم ورش عمل وندوات ومحاضرات تفاعلية تجمع بين النساء والرجال والمجتمع المحلي؛ لمناقشة قضايا العنف الرقمي، وتبادل الخبرات والحلول.

وعن المبادرات والقوانين التي تتبناها الدولة لمكافحة العنف الرقمي ضد المرأة، يقول شرف الدين: “حتى هذا الوقت يُتعامَل مع الجرائم الإلكترونية ضد المرأة بالسِّجن، وفي نفس الوقت بُدِئَ الإعداد لقوانين تخص الجرائم الإلكترونية بحسب نوعها، ومدى تأثيرها على الضحية، لكن لا أعلم متى سيُنتَهَى من تجهيزه”.

التوصيات

تطرح الدكتورة ندى خشافة (أستاذ الإدارة الإلكترونية) بعض التوصيات العملية لمكافحة العنف الرقمي ضد المرأة، التي تشمل تنفيذ قوانين وتشريعات صارمة تجرّم العنف الرقمي ضد المرأة، وتعاقب المعتدين، وأن تشمل القوانين تعريفًا واضحًا للعنف الرقمي، وأشكاله المختلفة؛ من التحرش الجنسي عبر الإنترنت، والتشهير، والتهديدات الرقمية.

وأشارت إلى تدهور الواقع الرقمي في اليمن، وانتشار العنف فيه؛ ممّا يستدعي ضرورة توفير برامج توعية وتثقيف شاملة للمرأة والرجل بشأن العنف الرقمي وآثاره النفسية والاجتماعية، وتشمل البرامج توضيحًا للحقوق الرقمية للمرأة، وكيفية التعامل مع الاعتداءات الرقمية، وتقديم الدعم اللازم لتعزيز السلامة الرقمية للمرأة؛ عبر توفير أدوات وموارد تساعدها على حماية خصوصيتها وأمانها الرقمي، ويمكن توفير التوجيهات حول كيفية إعداد حسابات آمنة، وتنشيط الخصوصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجنب الاحتيال والتلاعب الرقمي.

وتشدد خشافة على ضرورة تشجيع مشاركة المرأة وتمكينها في صناعة التكنولوجيا والأمن الرقمي، وتوفير الفرص التعليمية والتدريبية للنساء في مجالات؛ مثل البرمجة، وأمن المعلومات، والتحقق الرقمي، مما يمكنهنّ من الدفاع عن أنفسهنّ، وتعزيز الوعي بالتهديدات الرقمية.

وأشارت أنّ الشركات والمنصات الرقمية في اليمن تمارس دورًا مهمًّا في مكافحة العنف الرقمي ضد المرأة؛ إذ يجب على الشركات والمنصات وضع سياسات صارمة للتصدي للتحرش والتهديدات الرقمية ومراجعة الآليات المتاحة للإبلاغ عن الاعتداءات وإزالة المحتوى الضار عن المرأة.

الأفلام القصيرة وسيلة لمواجهة العنف الرقمي

يقول شرف الدين: “في العصر الحالي تعدُّ الأفلام القصيرة وسيلة مهمة لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء، فمن خلال التكثيف من عمل الأفلام القصيرة نتوصل إلى تعريف الجرائم الإلكترونية وتأثيرها وعقابها ضد الجناة، وقد نجد جانيًا يقوم بالجريمة الإلكترونية ولا يعلم بأنّها جريمة أساسًا ولها عقاب”.

ويتابع بالقول: “في اليمن وبحسب درجة استيعاب الشعب نرى أنّ الفيديوهات المصورة تعد أفضل وسيلة لرفع الوعي ضد هذه الجرائم بمختلف أنواعها وطرقها وكيفية تجنبها، لذلك يجب عمل سيناريوهات بالتعاون مع خبير في الجرائم الإلكترونية، وتصويرها ونشرها في المجتمع على نطاق واسع، وعند انتشارها ستقوم بتحفيز الجهات الأمنية بالإسراع في إتمام وضع القوانين التي تخص هذا المجال من الجرائم”.

you might also like