المرأة في التنمية والسلام – أحمد باجعيم

تعد البلدان التي تعاني من صراعات ممتدة بيئةً خصبة لانتشار ظاهرة العنف ضد النساء، تلك الظاهرة المروعة التي تستمر في تحدي الجهود الدولية الرامية إلى القضاء عليها أو التخفيف من حدتها. ومن بين هذه البلدان اليمن، كمثال على ما تعانيه النساء من مختلف أشكال العنف، بدءًا من العنف الجسدي والنفسي، ووصولًا إلى العنف الجنسي والاقتصادي وغيره.

ومع تصاعد النزاع المسلح في اليمن، ازدادت حالات العنف ضد النساء بشكل ملحوظ، ولعل غياب القوانين الصارمة التي تجرِّم أو تشدد العقوبات على مرتكبي العنف كان من أهم العوامل التي فاقمت من الظاهرة، على الرغم من أن اليمن قد صادقت على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحماية حقوق المرأة.

في هذا التقرير، سنسلط الضوء على دواعي العنف ضد المرأة من خلال منظور القانون الدولي، ونحلل السياق القانوني الذي يحكم حقوق المرأة والآليات المتاحة لحمايتها، والتحديات التي تواجه عملية تنفيذ القوانين المتعلقة بحماية المرأة من العنف على أرض الواقع، ووضع الحلول والتوصيات؛ لتعزيز حقوق المرأة والحد من العنف من منظور الجهات ذات الاختصاص.

القوانين الدولية

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979م اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” التي شملت 30 مادة، جميعها تجرم التمييز ضد المرأة، وصادقت عليها ما يقارب 100 دولة حول العالم والتزمت بكل أحكامها. ودخلت الاتفاقية كمعاهدة دولية حيز التنفيذ في 3 سبتمبر عام 1981م؛ وفصلت حقوق النساء في مختلف الجوانب، وأن المرأة متساوية مع الرجل بالحقوق والواجبات وتتمتع بالحرية والمشاركة، فيما لم تنص الاتفاقية بالشكل الصريح عن العنف؛ إذ عبّرت، بصورة ضمنية، عن حماية المرأة من أي أشكال التمييز بما فيها العنف.

وحسبما ذكر الموقع الرسمي للأمم المتحدة، فإن هذه الاتفاقية يجب أن تطبق في دول الأعضاء المصادقة عليها، والاعتماد على تدابير التشريعات وإرساء الحماية القانونية لحقوق المرأة، واتخاذ العقوبات عند الاقتضاء مع حظر جميع أشكال التمييز بين الجنسين. وتأتي الاتفاقية تتويجًا لجهود دامت نحو 30 عامًا عملت عليها لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمرأة.

نشرت جامعة “منيسوتا” الأمريكية نص الوثيقة التي جاء فيها أن الولايات المتحدة أنشأت اتفاقية دولية بشأن منع العنف ضد النساء واستئصاله والعقاب عليه عام 1994م، وصادقت عليها العديد من الدول، أكدت الاتفاقية في مبادئها على أن العنف ضد النساء يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوقهن وحريتهن الأساسية، كما يعد العنف جريمة ضد الكرامة الإنسانية، وتهدف الاتفاقية إلى المساهمة الإيجابية لحماية حقوق المرأة وإزالة العنف بجميع صورة.

ووفقًا لما جاء في الوثيقة، فإن كل المواد الـ25 تضمنت نبذ العنف ضد النساء ووضع عقوبات رادعة بحق مرتكبيه. كما نصت المادة 8 في أحد بنودها على تشجيع التعاون الدولي بهدف تبادل الأفكار والتجارب وتنفيذ برامج تهتم بحماية النساء اللاتي يتعرضن للعنف، وذلك لتعزيز حماية المرأة خصوصًا في البلدان التي تعاني كثيرًا من عدم استقرار سياسي، ومنها اليمن.

أشارت القاضية الدكتورة ضياء محيرز -عضو اللجنة الوطنية للتحقيقات في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان- إلى أن أبرز القوانين الدولية التي تكافح العنف ضد المرأة هو الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948م، لكنه قانونيًا غير ملزم للدول، واتفاقيات جنيف الرابع وبروتوكولاتها 1949م التي تؤكد ضرورة تمتع المرأة أثناء النزاع بحقوق مساوية لحقوق الرجل، ومعاملتها معاملة خاصة بسبب جنسها، وحمايتها من أي انتهاك تتعرض لها، ومنه الاغتصاب وغيره.

وأضافت أن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993 اعترف بالعنف ضد المرأة على أنه انتهاكٌ لحقوق الإنسان، ومنهاج عمل “بكين” الذي اعتمده المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في عام 1995 يدعو الحكومات إلى اعتماد التشريعات وتنفيذها ومراجعتها؛ لضمان فعاليتها في القضاء على العنف ضد المرأة، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن بشأن السلام والأمن والمرأة (1325 و1820 و1888 و1889) خاصة العنف ضد المرأة في الصراع، ونظام روما الأساسي الذي أنشأته المحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وبروتوكول “منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص” وبخاصة النساء والأطفال، المُكمِّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظَّمَة، وغيرها من الاتفاقيات.

الاتفاقيات التي صادقت عليها اليمن

أوضحت القاضية محيرز أن اليمن صادقت على مجموعة من الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة العنف أو التمييز ضد المرأة، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتعلق بمشاركة النساء في السياسة والتعليم، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 9 فبراير 1987، إلا أن اليمن لم تصادق على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أو لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء “سیداو”.

كما أشارت محيرز إلى أن اليمن لم تعترف بأهمية اللجنة المناهضة للتعذيب بموجب المادة 22 من الاتفاقية المناهضة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا-إنسانية أو المهينة، ولا بأهمية لجنة القضاء على التمييز العنصري بموجب المادة 14 من اتفاقية القضاء على التمييز العنصري في استلام الاتصالات الفردية ومعالجاتها.

آراء مختصين

ترى المحامية فاطمة البطاطي أن نصوص القانون اليمني واضحة ومتساوية مع مرتكبي العنف البدني ضد الجنسين، إلا أن المعضلة تكمن في أن المرأة لا تستطيع أن تشكو ولي أمرها لأسباب العار المجتمعي، وذلك وفق العادات والتقاليد الموجودة في المجتمع المحلي التي تمنع إيجاد مأوى آمنٍ لها دون ذويها، وأن يكون لها استقلالٌ في مصدر دخل يغنيها عنهم. وهي إن وجدت دخلًا فإن ولي أمرها يستطيع إلزامها العيش معه، وله الحق -حسب العادات- في منعها من التعليم والعمل والسفر وكل قرارات حياتها، على الرغم من أن نصوص الدستور تلزم المساواة في حق التعليم والعمل للرجل والمرأة.

وأوضحت البطاطي أن القوانين الدستورية اليمنية لم تكن صريحة حول عقوبة من يمنع المرأة من ممارسة حقوقها، بل ساعدته في ألا تستطيع المرأة عمل أي شيء دون موافقة ولي أمرها. وهنا يمكن التعايش مع الواقع عبر تفعيل القوانين النافذة لإلزام الرجل بمسؤوليته تجاه المرأة، ومن أهم تلك القوانين النفقة؛ إذ يتم تقدير نفقة تتناسب مع المعيشة الحالية لا مع دخل الرجل المنفق عليها، وإلزامه بالكسب والسعي إن لم يكفِ دخله المادي، وكذلك الاستفادة من دور الإيواء وتعديل لوائحها بأن تستقبل النساء بأريحية وألا تسمح لمعنَّفِيهن بالوصول إليهن، وإلغاء اللوائح الداخلية التي تنص على وجوب موافقة ولي الأمر.

من جهتها تقول المحامية مروى الديني: “على الرغم من أن القوانين سليمة في كل ما يخص حماية المرأة والحفاظ على حقوقها، فإن المشكلة تكمن في تطبيقها؛ إذ إن التقاليد والأعراف تعد هي المسيطرة بشكل أقوى في المجتمع المحلي، خاصة في كل ما يخص المرأة، وضمن حدود العار والعيب. وهنا تبقى حقوقها مهضومة وغير ظاهرة؛ الأمر الذي يجعل المرأة المعرضة لأي نوع من أنواع العنف ضحيةَ التجاوزات التي تطرأ على القانون”.

وفي ذات الصدد، ذكرت المحامية عتاب العمودي أن مواد حقوق المرأة في القانون اليمني تعد جيدة، لكن هناك أطرافًا تعرقل تطبيق القانون، وبات هذا ذا تأثير واضح بعد دخول البلاد في الصراع بين الأطراف المتناحرة، الذي تسبب في تراجع القضاء وضعف مصداقيته واستقلاليته، وغالبًا ما تكون النساء ضحايا للعنف الأسري والمجتمعي نتيجة لذلك التراجع.

 

تطبيق القانون

القاضية ضياء محيرز تؤكد أنه لا يوجد في اليمن قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، كما لا يوجد نص صريح يجرم مرتكبي التعنيف الأسري بحق المرأة، إلا أن المادة رقم 41 من الدستور اليمني تنص على أن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لكن المرأة في اليمن تواجه العديد من المعوقات أمام حقوقها الإنسانية على الرغم من أن الدولة قد خطت بعض الخطوات تجاه إدماجهن في عملية صنع القرار.

ونوهت القاضية محيرز إلى أنه في عام 2014م تم تحضير مشروع قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات من قبل اللجنة الوطنية للمرأة ومختصين قانونيين، ورُفِع إلى البرلمان، إلا أن المشروع توقف بسبب النزاع المسلح. ومما يدعو للأسف أن الحماية القانونية في التشريع اليمني للمرأة ليست متكاملة؛ فهناك ثغرات قانونية تسمح بممارسة العنف ضد المرأة، ولا يوجد قانون محدد يحمي النساء من العنف. فمثلًا يجرم قانون العقوبات الأذى الجسدي لكنه لا يأتي على ذكر العنف المنزلي؛ إذ يعد ضرب الزوجات من قبيل التأديب.

كما أشارت إلى أن السماح بالزواج القسري للفتيات والنساء الذي يقرره الولي أو (الوصي الذكر)، وزواج القاصرات الذي يترتب عليه خروج العديد من الفتيات من مدارسهن وتعرضهن للحمل والإنجاب في سن مبكرة، يعدان من أشد أنواع العنف ضد النساء. ويأتي ذلك نتيجةً لوجود ثغرة في القانون اليمني، الأمر الذي يعرض صحة النساء للخطر، وأن الظاهرة تفاقمت بعد اندلاع الصراع في اليمن نظرًا للظروف الاقتصادية السيئة.

التوصيات

ذكرت محيرز جملة من التوصيات للقضاء أو الحد من العنف المرتكب ضد المرأة اليمنية، ومن هذه التوصيات: رفع الوعي لدى المجتمع عن التبعات الخطيرة للعنف من كل النواحي النفسية والجسدية على المرأة والأسرة والمجتمع، واعتماد الخطاب الديني المعتدل لقضايا المرأة وأدوارها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ورفع مستوى الحماية لهن، وتغيير الأنظمة والقوانين لتكون الرادع ضد مظاهر العنف ضد المرأة، وإنهاء الإفلات من العقاب تحت أي ذريعة.

وأشارت إلى أهمية دعم ضحايا العنف من النساء عبر تقديم الخدمات اللازمة التي تسهم في إعادة دمجهن بالمجتمع، وإدماج مفاهيم النوع الاجتماعي في جميع الخطط في مرحلة ما بعد الصراع، والالتزام بنسبة “الكوتا” النسائية التي لا تقل عن 30 % في برامج الأمن والسلام، وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية في الهيئات الخاصة بمراجعة الدستور وبناء مؤسسات الدولة.

كما طرحت المحامية الديني بعض التوصيات أبرزها: تعريف المرأة بحقوقها وتوسيع مداركها بالقوانين التي تقف في صفها، وتوضيح ما هي الجهات المختصة التي تلجأ إليها المرأة في حال حدوث أي عنف ضدها، سواء جسديًا أو لفظيًا، والعمل على توعية المجتمع اليمني -خاصة الرجال- بأهمية دور المرأة وحقوقها التي كفلها الشرع والقانون وواجباتها.

يمكن القول إن من الواجب رفع الوعي المجتمعي بأهمية حماية حقوق المرأة والعمل على إنهاء العنف ضدهن. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تفعيل قوانين ومواد دستورية أكثر صرامة وحدَّة في هذا الإطار، مع تطبيق القانون الدولي الذي أصبح أمرًا ضروريًا؛ لضمان تطبيق القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية المرأة في اليمن.

you might also like