المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ

تلعب المبادرات الشبابية دورًا فاعلاً ومؤثرًا؛ فهي تمكن الشباب من المشاركة وإحداث تغييرات في مجتمعاتهم الصغيرة، لا سيما المدن التي تنشأ فيها المبادرة، عبر الأعمال التطوعية التي يقدمونها في المجالات المختلفة، إنسانية وصحية واجتماعية وغيرها.

وقد برزت العديد من المبادرات الشبابية في مختلف مناطق البلاد، لا سيما التي تضررت بشكل كبير من الصراع، منها ما يعمل في تقديم المساعدات الغذائية للمواطنين، وأخرى في تنفيذ ورش وبرامج توعوية تناقش قضايا اجتماعية كالعنف ضد النساء.

وتأتي أهمية المبادرات الشبابية في اليمن بوصفها وسيلة سهلة للوصول إلى المجتمعات الأكثر تضررًا من الصراع الذي يصعب على الجهات والمنظمات الدخول إليها، ويمكن من خلالها إيصال المساعدات إلى النازحين والفئات الأشد احتياجًا للمساعدة.

المبادرات الشبابية التي تُعنى بمجال المرأة

عملت المبادرات الشبابية على مناصرة النساء، عبر مناقشة قضاياهن وتوعيتهن والكشف عن معاناتهن وما يتعرضن له من عنف أو سلب لحقوقهن، كما عملت على تنفيذ برامج تدريبية تساعدهن في رفع وعيهن في الحقوق والواجبات.

مبادرة “وئام” الشبابية أسست عام 2019 في محافظة تعز، وهي تستهدف فئة الصم والبكم، وتناقش قضاياهم من كل الجوانب، وتسعى إلى إيصال أصواتهم إلى الجهات المعنية وصناع القرار، وتسليط الضوء على إسهاماتهم ودورهم في المجتمع، بوصفهم من الفئات المهمشة التي تعاني من عدم تقديم الدعم الكافي لها.

نفذت مبادرة “وئام” الشبابية العديد من الأنشطة التي عملت في مواجهة العنف ضد المرأة من خلال إقامة الورش والبرامج التدريبية التي من شأنها أن ترفع الوعي لديهن بأهمية حماية أنفسهم من مختلف أنواع العنف. ومن أبرز تلك الأنشطة إقامة دورة تدريبية لـ20 فتاة من فئة الصم في محافظة تعز، في مجال الأمن الرقمي للحماية من الابتزاز الإلكتروني، وذلك في أبريل 2023.

وعدَّت وسائل إعلامية يمنية هذا التدريب الأول من نوعه في اليمن، وكانت أبرز مخرجاته إنتاج فلاشات وفيديوهات توعوية حول السلامة الرقمية بلغة الإشارة، إلى جانب تصميم “برشورات” توعوية حول خطورة اختراق هواتفهن، والطرق المناسبة لحمايتها؛ تجنبًا لوقوعهن ضحايا الابتزاز الذي انتشر بشكل كبير في السنوات الأخيرة وأصبح يهدد النساء والفتيات. كما تطرق التدريب إلى كيفية مواجهة التهديدات التي قد يواجهنها من المبتزين.

كما نفذت المبادرة ورشة تدريبية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، استهدفت فيها 22 من النساء والفتيات في إحدى العزل التابعة لمديرية الشمايتين في المحافظة، وتناولت العديد من قضايا العنف: كالحرمان من الميراث، وزواج القاصرات، والتحرش اللفظي، وحرمان الفتيات من التعليم، والإساءة النفسية والجسدية، وغيرها من القضايا.

وأنشأت المبادرة صفحة على الفيسبوك، عام 2020، نشرت عليها العديد من الفيديوهات التعليمية بلغة الإشارة تتضمن توعية النساء والفتيات حول السلامة الرقمية وكيفية حماية الهواتف، وتجنب فتح الصور والفيديوهات المرسلة من أرقام مجهولة، وعدم تفعيل ميزة التنزيل التلقائي للوسائط. كما نشرت مقاطع توعوية حول أهمية اختيار كلمات مرور مناسبة للتطبيقات والحسابات الخاصة التي تجعل المعلومات الموجودة محمية وآمنة من أي اختراق.

مبادرة “For Her” الشبابية نفذت العديد من الأنشطة التي تخدم النساء، من خلال البرامج التدريبية وحملات التوعية، واستهدفت النساء في جوانب كثيرة منها تعليم الفتيات والابتزاز والحرمان من الميراث والزواج المبكر.

وقد نفذت المبادرة العديد من الحملات التوعوية من خلال النزول الميداني والتوعوي حول مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وعبر زيارات ميدانية استهدفت مراكز وجمعيات ومساجد. ووجدت تلك الحملات تجاوبًا لدى الأفراد في المجتمعات المستهدفة، وهذا ما أكدته أمة الله عبدالله رئيسة المبادرة.

وأضافت في حديثها لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” قائلة: “من ضمن ما حققته المبادرة في مواجهة العنف ضد النساء، إنقاذ فتاة قاصر من الزواج، وذلك من خلال زيارة الأسرة وتوعيتها بمخاطر الزواج المبكر. ووجدنا تفاعلًا من والد الفتاة ووالدتها”.

دور المبادرات في مواجهة العنف ضد المرأة

عهد ياسين -صحافية وناشطة مدنية- تقول: “للشباب دور قوي في مواجهة العنف ضد المرأة في اليمن، بسبب الوعي الذي تشكل في السنوات الأخيرة. على الرغم من ذلك، ما تزال محاربة تعنيف النساء بحاجة إلى جهود أكبر من قبل أفراد المجتمع”.

وحول دور المبادرات الشبابية، توضح عهد أن لها دورًا في تشكيل الوعي الكافي عن حقوق المرأة، وضرورة محاربة أشكال العنف ضدها. وعلى الرغم من ذلك، تواجه المبادرات العديد من المشاكل التي تحد من نشاطها كالعادات والتقاليد، والوضع الذي تشهده البلاد، إلى جانب نظرة المجتمع لنشاط هذه المبادرات تحت ذريعة أنها تحمل أفكارًا تشجع المرأة على التمرد والخروج على أعراف المجتمع.

من جهتها تقول حنين الزكري -من مبادرة شريان العطاء للتنمية الريفية-: “قامت المبادرات الشبابية في اليمن بدور فاعل في ظل غياب مؤسسات الدولة؛ إذ ركزت على رفع مستوى الوعي وتحقيق التطوير في المجتمع، وتحليل الثقافات والتقاليد؛ للتخلص من الممارسات الخاطئة التي تقع فيها المرأة مثل قيود الدور الإنجابي، وعدم انخراطها أو مشاركتها في سوق العمل”.

مشيرة إلى أهمية دور المبادرات الشبابية في مواجهة ظاهرة العنف ضد المرأة في اليمن، من خلال تعزيز مجال الوعي بأشكال العنف، مثل الزواج المبكر والعنف الأسري والنفسي، وأهمية التوعية حول النوع الاجتماعي، وتعزيز العدالة الاجتماعية بين الجميع.

وترى أن التقاليد الثقافية المختلفة التي تؤثر على آراء الأفراد وسلوكياتهم، وغياب الدعم والتمويل، هي من أبرز ما تواجهه هذه المبادرات من تحديات. وتقدم بعض المقترحات التي ستسهم في دعم المبادرات الشبابية ومشاركتها في محاربة العنف ضد المرأة، وهي تتمثل في: أهمية تعاون المنظمات مع المبادرات الشبابية، تسهيل معايير المنح؛ كون المبادرات ذات طاقة فاعلة وتستطيع العمل والانتظام والابتكار لتؤثر بطريقة ايجابية في مجتمعاتها، إشراك المبادرات الشبابية في المتابعة والتقييم؛ لمعرفة قياس فعالية الأنشطة ومعرفة تقديم التوصيات والتغلب على التحديات.

في حين تقول روان إيهاب عباس -مسؤولة الموارد البشرية في مؤسسة PASS لمجتمعات مستدامة-: “تؤدي المبادرات الشبابية دورًا كبيرًا في توعية المرأة وتعريفها بحقوقها؛ لتمكينها من الحفاظ على نفسها ومواجهة العنف الذي يُمارس بحقها مهما كان شكله”.

كما تشير إلى أن أهمية الحفاظ على المرأة من العنف يأتي عبر توفير كوادر مدربة تعمل على توعية النساء في تعلم طرق مناسبة للتعامل مع أشكال العنف وحل المشاكل دون التأثر بها.

إبراهيم الغزالي -من مبادرة داعم- يقول: “لعب الشباب العديد من الأدوار المؤثرة عبر استخدام أصواتهم وقدراتهم في مناصرة قضايا المرأة واحتياجاتها، والتوعية للحد من المخاطر التي تواجهها صحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، والقيام بالتدخلات التي تقلل من حدة العنف، والضغط على صناع القرار لمعالجة وضعها وإشراكها في مواقع صنع القرار. وقد شهدنا مؤخرًا العديد من القرارات التي أسهمت في تعيين النساء في المكاتب المؤسسية لأجهزة الدولة”.

وأوضح الغزالي لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” أن المبادرة عملت على إشراك الفتيات في الأنشطة المجتمعية بنسبة لا تقل عن 60% من قوام الفريق، وتم تنفيذ العديد من البرامج التوعوية حول الحد من الإقصاء والتمييز وتهميش المرأة خلال الأعوام الماضية.

وأضاف أنهم نفذوا -مؤخرًا- برنامج “مجتمعات فاعلة” الذي استهدف قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالشراكة مع عدد من المكونات الشبابية، مثل “تكتل وهج” و”أصوات مدنية”، مستهدفين قضية من القضايا المجتمعية التي تتعلق بأشكال العنف ضد المرأة، وهذا ما سمح للمبادرات المجتمعية في أن تلعب دورًا كبيرًا.

وقد أوضح أن المبادرة دعمت حملات المناصرة والتوعية؛ للحد من مخاطر الصرف الصحي في التجمعات المهمشة والضعيفة؛ فقد أثر طفح المجاري والتغيرات المناخية على النساء وتسبب في العديد من أشكال العنف، مثل عدم التحاق الفتيات والطالبات بالمدارس، وازدياد ممارسات العنف الأسري تجاه ربات البيوت جراء الأعباء الإضافية التي نتجت عن سوء الخدمات الصحية؛ لذا كان لنشاط المناصرة والتوعية دورٌ أكبر في التدخل.

ويضيف: “حاليًا، نعمل على مشروع يهدف إلى تحسين الخدمات الصحية والأمنية للفئة المهمشة والضعيفة في مديرية القاهرة بتعز، وصيانة بعض المرافق الصحية التي تخفف من أشكال العنف ضد الفتيات المهمشات، وذلك للوصول إلى إحداث التغيير المنشود”.

وقد أشار إلى أن ضعف التمويل لصالح المبادرات الشبابية كان أكبر عائق يواجهها، وأن عدم وجود مشاريع تمكنها من العمل المؤسسي يجعلها عرضة للتوقف، وحتى في حالة الصمود قد لا تستوفي الشروط أمام المانحين للحصول على التمويل الذي يناسب طموحها.

ويواصل حديثه: “هناك العديد من الصعوبات التي واجه عمل المبادرات، مثل الضغوطات الأسرية التي تكبر يومًا بعد آخر على الأفراد والأسر، وعدم وفرة مصادر التمويل، والتطور الرقمي والتكنولوجي الذي يصعِّب من جهود المبادرات، ومن الحصول على الأجهزة التي تتلاءم مع طبيعة عملها في مواكبة الوسائط الإعلامية والرقمية، بالإضافة إلى صعوبة التنقل والحركة لأسباب أمنية وتشريعية”.

من جهتها تقول ناهد أحمد -صحفية-: “يسعى الشباب في بلادنا إلى أن يكونوا شركاء فاعلين في تنمية مجتمعاتهم والنهوض بها، خاصة فيما يتعلق بأجندة تحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة”.

وهي ترى أن المجتمع يحتاج لقدرات هؤلاء الشباب ومهاراتهم للوصول إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال الدعوة إلى احترام حقوق المرأة، وإلى سن قوانين تحمي النساء والفتيات من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، من خلال إحداث تغيرات إيجابية في فئات المجتمع.

وتضيف: “تمثل المبادرات الشبابية، التي تشارك في ورش عمل إقليمية ومحلية وحملات المناصرة للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، فرصةً ثمينة للشباب والشابات للالتقاء والتخطيط والتنظيم، والإسهام باقتراح التدخلات اللازمة لمعالجة القضايا المتعلقة بالمرأة، والعمل على قضايا النوع الاجتماعي بكل جدارة، خاصة فيما يتعلق بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات”.

وعن التحديات التي تواجه المبادرات الشبابية تقول: “عدم تقبل المجتمع لعمل المبادرات، وسلبية المرأة في الدفاع عن حقوقها والمطالبة بها، والوضع السياسي والاقتصادي الذي تمر به بلادنا، وعدم تبني القوى السياسية لهذه المبادرات، كل ذلك أدى إلى عدم استمرار عمل كثير منها على أرض الواقع”.

ويرى ناشطون أن العنف، بشكل عام، زاد في السنوات الأخيرة بسبب تدني الوعي الأخلاقي وزيادة الضغوطات النفسية والاقتصادية والاجتماعية على أفراد المجتمع، وأن أهمية دور المبادرات يأتي عبر نشر الإيجابيات ومكافحة العنف بأشكاله عبر التوعية وإقامة الندوات التي تنفذها حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.

كما عدَّ آخرون المبادرات الشبابية عنصرًا نشطًا في مكونات المجتمع رغم ما تواجهه من تحديات في عدم وجود التقدير لجهودهم، وعدم احترام الشباب العاملين فيها، الذين ينظر إليهم على أنهم شباب منفعل لا أكثر، وأن استمرار توظيف الطاقة الشبابية وتدريبهم على القيادة بشكل فعال وتدويرهم بشكل مستمر سيؤثر بشكل ملموس على توسيع جهودها لخدمة كل فئات المجتمع.