المرأة في التنمية والسلام – حنان حسين

على قدر ما يشكله العنف ضد المرأة من تهديد لحريتها وحياتها وكرامتها، بالقدر نفسه تمثل اليمن نموذجًا لانتشار هذا العنف، والأدهى منه العنف الثقافي الذي تسلل إلى الموروث والتقاليد والممارسات الاجتماعية الخاطئة والمزيفة، وهو يعد من أكثر أنواع العنف الذي تواجهه المرأة وتُقابل بالعديد من التحديات والصعوبات لارتباطه الوثيق بالعادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية التي تُقلّل من شأنها وتهمش دورها في المجتمع.

ثقافة العيب

“من العيب أن تعمل المرأة حتى وقت متأخر”، هذه العبارة هي أكثر ما واجهته سامية علي (اسم مستعار) طيلة عملها، والعبارة نفسها التي خطَّت مسافة شاسعة بين سامية وحقها بالعمل. تعمل سامية بائعة للبخور والعطور في ركن أحد المولات التجارية في صنعاء، وبسبب بعد بيتها عن مقر عملها فإنها تضطر إلى التأخر قليلًا في العودة إلى المنزل؛ مما تسبب لها بالعديد من المشكلات. تقول سامية: “ظلت النظرة الدونية للفتاة العاملة تلاحقني بالإشاعات إلى درجة أن أبي منعني من الذهاب للعمل، وأكثر من ذلك هددني إخوتي بغلق الأبواب عليَّ بالأقفال”.

لدى سامية طفلٌ تخلى عنه والده في وقت مبكرٍ مثلما تخلى عنها لتصبح فتاة مطلقة؛ لهذا أصبحت مجبرة على إيجاد فرصة عمل تمكنها من توفير حد أدنى من الحياة لطفلها، وظلت تعاني لفترة طويلة من حصار والدها وإخوتها إذا عادت من العمل متأخرة عن الوقت الذي حددوه لها. تقول: “عندما رفضت التوقف عن الذهاب إلى العمل ضربني أبي ومنعني بالقوة. الضرب والتعنيف دفعاني إلى التخلي عن طفلي الوحيد بإعادته إلى والده، والهروب إلى محافظة أخرى؛ خوفًا من الضرب والتهديدات التي طالتني من أبي وإخوتي”.

تعيش سامية اليوم طريدة دون أسرة؛ إذ أعلن والدها التخلي عنها، بحسب حديثها، لكنها رفضت اليأس وبدأت حياة جديدة أبعد قليلاً عن ثقافة العيب، قائلة: “بالنسبة لرجال عائلتي، عمل المرأة عيبًا؛ لذا فضلت البقاء هنا في سكن الطالبات بعد التحاقي به بهدف التعلم، وما زلت طريدةَ ثقافة العيب التي قيدتني عن حقي في العمل والحصول على حياة كريمة، ومع ذلك أنا متفائلة”.

أمثال شعبية تحرض على العنف

تمتلئ الثقافة اليمنية بأمثال يسودها العنف والتحريض ضد المرأة والانتقاص منها أبرزها:

  • “وَلَدْ عاصِي ولا عشرْ بناتْ مطيعات”، في إشارة واضحة إلى إعطاء الولد أهمية أكبر من الفتاة.
  • “البِنْتْ ونَّة والوَلْدْ جنَّة”، مثَلٌ يشبه وجود البنت في الأسرة على أنه مرض.
  • “شَوْر المَرِةْ الصايبْ يجيبْ أربعْ مصايبْ”، وهو مَثَلٌ يقلل من أهمية مشورة المرأة ورأيها.
  • “زوِّجْ بِنْتَ الثمانْ وعليَّا الضمانْ” الذي يدعو إلى تزويج الصغيرات والخلاص من تربية البنات.
  • “المَرَةْ مَرَةْ ولو تِنَمَّرَتْ” (أي أصبحت شرسة)، وهو مثَل يقلل من أهمية دور المرأة حتى وإن كانت قوية.
  • “البيتْ المَرَة والحَبْ الذِرَةْ”، الذي يؤكد أن الدور الأساسي للمرأة هو إدارة شؤون البيت.

موروث خاطئ ودخيل

تقول صباح الشرعبي رئيس اللجنة الوطنية للمرأة في تعز: “ثقافة العيب تسهم بشكل كبير في تقييد حرية النساء في رفض العنف القائم ضدهن؛ فعلى سبيل المثال كثير من النساء ممن تعرضن لتُهم أو ابتزاز، حتى وإن كانت غير مثبتة، يتم التخلص منهن وقتلهن أو تتبرأ منهن أسرهن بسبب ثقافة العيب”.

وتضيف: “للأسف الشديد، كثير من هذه الموروثات تنم عن الأساس الخاطئ للتنشئة من قبل الأسُر. وعلى الرغم من الأدوار التي كانت المرأة اليمنية -وما تزال- تقوم بها في مختلف مجالات الحياة، فإن هذه الموروثات ما زالت تعزز التقليل من هذه الأدوار”.

وتتابع: “تختلف الآراء والتأويلات تجاه المرأة المعنَّفة، لكن في الغالب يتم تحميلها الجزء الأكبر من الخطأ دون البحث في أسباب العنف. وتتحمل المرأة العبء الأكبر تحت مبرر العيب وعدم القدرة على التواصل مع الجهات القانونية التي تساعدها في التخلص من هذا العنف”.

وعن ذلك تقول فوزية المريسي -عضو مجلس إدارة اتحاد نساء اليمن-: “تختلف الموروثات الشعبية في اليمن باختلاف المحافظات، فلكل منطقة معتقد مختلف، مثل الزواج المبكر الذي له أمْثَال حرَّضت عليه، ويعد من أكبر الموروثات الثقافية خطورة على الفتيات في اليمن. وكذلك ثقافة العيب والعادات والتقاليد المتزمتة التي حاصرت الفتاة اليمنية وحشرتها في زاوية ضيقة جعلتها تعاني من عدم حصولها على حقوقها بشكل منصف، كالعمل في مجالات متنوعة”.

يرى العديد من الخبراء والباحثين أن المعتقدات والموروثات الثقافية الشعبية من أبرز المعيقات لحصول المرأة اليمنية لحقوقها بشكل منصف. ومن هذه الموروثات: الموروثات الاجتماعية مثل النظرة الدونية للمرأة التي يتم تقييمها على أساس مظهرها الخارجي، وثقافة العيب والعار التي تُستخدم للسيطرة عليها، والموروثات القبلية كسيطرة الرجل على المرأة في جميع مراحل حياتها، وحرمانها من التعليم والمشاركة في الحياة العامة، وفرض العادات والتقاليد البالية التي تهمش دورها، والموروثات من التفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية التي تُستخدم لتبرير ظلم المرأة عبر ربط حجابها بكرامتها وشرفها، مما يحد من حريتها الشخصية.

رأي القانون

تقول سماح سبيع -محامية ومدافعة عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان-: “لا يوجد قانون أو تشريع يمني يمنع العنف بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص، لكنْ هناك نصوص قانونية بشكل عام تتحدث عن الجريمة والاعتداءات في حال حدوثها؛ فقانون الأحوال الشخصية ينظّم العلاقة الأسرية فقط ولم يتطرق للعنف. أما الدستور اليمني فقد ذكر في المادة رقم (30) أن الدولة تحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب، وهذا هو النص الوحيد الذي تحدث عن دور الدولة في حماية المرأة”.

وترى سماح أن التعليم هو الأداة المثلى لمواجهة العنف ضد المرأة بقولها: “التعليم يلعب دورًا أساسيًا في مواجهة قضايا العنف؛ فهناك -مثلًا- بعض الأسر التي تدعم ابنتها في الإبلاغ عن قضية تعرضها للعنف من قبل الزوج، في حين أن هناك أسرًا أخرى ترى الأمر عيبًا لا يجب الحديث عنه، وأنه يجب عليها أن تصبر حتى لا تدمر بيتها”.

وتؤكد: “المرأة ضحية أغلب قضايا العنف؛ وهو يأتي غالبًا من الأسرة نتيجة قلة الوعي وعدم معرفة المرأة بحقوقها، إلى جانب تدهور الوضع الاقتصادي، ووجود التحريض من قبل بعض الأشخاص المعنيين بالجانب الديني الذين فهموا الدين بشكل خاطئ ومحرض”.

القانون والموروث الشعبي

وعن ارتباط الموروثات الثقافية بالقانون اليمني تتحدث سبيع قائلة: “القوانين غالبًا نابعة من الثقافة المجتمعية، وتسنها بما يوائم هذه الثقافة، مما يعني أنهما يجب أن يكونا في خطين متوازيين. ولكن للأسف، في مجتمعنا تطغى الثقافة المجتمعية على القوانين؛ مما يجعلها عائقًا في كثير من الأحيان أمام سن قوانين قد تسهم في وجود ثقافة قانونية؛ للحد من العنف ضد المرأة وحمايتها، على أساس أن مثل هذه النصوص تعد خروجًا على الأسرة والزوج والتقليد المعترف به”.

النتائج السلبية

ترى صباح الشرعبي أن هذا “الموروث يلاحق المرأة حتى عند لجوئها للقانون؛ نتيجة للخوف ونظرة المجتمع الدونية للمرأة التي تذهب إلى الجهات القضائية، وأن من تذهب إلى الأقسام أو المحاكم تعد خارجة عن العادات والتقاليد المجتمعية، وأنه ليس لديها الحق في التقاضي أو المطالبة بحقوقها والإبلاغ عن العنف الذي تتعرض له، سواء من الأسرة أو المجتمع المحيط”.

وتضيف: “غالبًا ما تتمثل تلك النتائج في حرمان المرأة من أولادها أو تنازلها عن كل حقوقها المكفولة لها شرعًا. أيضًا، هناك كثيرات ممن تعرضن لعدم تقبل الأهل وجودها بينهم، وقد تواجه المرأة مماطلة الجهات المختصة في البت في قضايا العنف ضدها”.

التحديات

تعتقد صباح الشرعبي أن أبرز التحديات تتمثل في: ضعف التعليم، وضعف شديد عن التوعية الخاصة بالحقوق المكفولة للنساء في الدستور والقانون، وانعدام الثقة بين الأسرة والفتيات، والتفرقة في التعامل بين الذكور والإناث، وتعزيز ثقافة العيب، وحصر أدوار المرأة في مواقع محددة، والتركيز على أن مكانها المنزل.

المعالجات

سماح سبيع ترى أنه يجب على المرأة أن تحرص على استكمال تعليمها ومعرفة حقوقها، وألا تسمح بتهميشها أو تعنيفها، مضيفة: “يجب على المرأة أن تقف مع نفسها في المقام الأول؛ لتمنع أي عنف قد يوجه إليها، ولا يجب أن تصمت أو تسكت عن حقوقها، فلا يوجد أحد يقف مع الصامت. كذلك يجب على الأسرة الوقوف مع ابنتهم ودعمها وحمايتها، وهذا سينعكس على سلامة المجتمع ككل”.

فيما تؤكد صباح الشرعبي أن المعالجات الممكنة تمكن في: “الاهتمام بتعليم المرأة وتفعيل مراكز محو الأمية، التوعية المستمرة بالحقوق والواجبات التي كفلها الدين والدستور والقانون للمرأة، توعية المجتمع بأهمية الحفاظ على المرأة وإعطائها حقوقها، بالإضافة إلى تفعيل دور الإعلام وخطباء المساجد في التوعية بمخاطر العنف ضد النساء، وإنشاء خطوط ساخنة (أرقام تواصل) في الجهات ذات الاختصاص لتلقي شكاوى العنف ضد النساء، وكذلك القيام بالتوعية المستمرة للنساء بالحقوق المكفولة لهن”.

ومع بقاء العنف الثقافي مسلطًا ضد المرأة في اليمن كظاهرة خطيرة، فإن الأمر يتطلب جهودًا جماعية للقضاء عليه، والتعاون الجاد لتغيير العقليات والثقافات التي تُعزز العنف، ويجب نشر الوعي وتحديث القوانين وتمكين المرأة، بما يمكن الجميع من بناء مجتمع أكثر عدلًا ومساواة.

you might also like