حنين الوحش – المرأة في التنمية والسلام
تعيش اليمن كارثة إنسانية تُعدُّ الأسوأ في العالم، كما يصفها المجتمع الدولي، ومع تفاقم حِدّة النزاع المسلح منذ سنوات، ألقت الكارثة الإنسانية وتردي الوضع المعيشي بظلالها على المرأة بعدّها من أكثر الفئات تضررًا من الصراع، ليحافظ اليمن على ركوده كأسوأ الأمكنة لعمل المرأة منذ العام 2017م، بحسب تقرير أممي حديث.
وتخوض المرأة اليمنية صراعًا مريرًا من أجل تمكينها سياسيًّا واقتصاديًّا، ونيل استحقاقها الوظيفي على القطاعين العام والخاص؛ إذ تشير تقديرات إلى أنّ حضور المرأة في القطاع الخاص يحقق تقدّمًا نسبيًّا، خصوصًا في سياق الأنشطة ومشاريع المجتمع المدني القائمة في غالبيتها على النوع الاجتماعي، الذي يعطي المرأة تمثيلًا حقيقيًّا على مختلف المستويات، فيما تغيب الإحصاءات عن مستوى تمثيل المرأة في القطاع العام لأسباب مختلفة، تتباين من نطاق جغرافي إلى آخر؛ نتيجة عوامل مجتمعية على علاقة بالعادات والتقاليد المجتمعية.
وبقي تمثيل المرأة في القطاع العام ضئيلًا، وعند حدوده الدنيا في محافظتي تعز وصنعاء، في حين تحقّق عدن تقدّمًا نسبيًّا، ويسبب هذا التأرجح إلى غياب التقديرات الرسمية، كما يجعل من الصعوبة بمكان الأخذ بأطر منهجية وبحثية عند دراستنا لموضوع هذا التقرير.
تحسن دائم
في سياق بحثنا هذا التقرير، زرنا عددًا من مكاتب الوزارات التابعة للحكومة، واعتمدنا على أداتي الملاحظة والمقابلة الشخصية في جمعنا للمعلومات، وممّا أثار انتباهنا مستوى التباين في نسبة تمثيل النساء عمّا كان عليه واقع الحال في زيارة نفذناها قبل عامين في إطار بحثنا لذات الموضوع.
يستوقفك في وزارة الصناعة والتجارة الحضور الأكبر للنساء العاملات مقارنة بالرجال؛ إذ تشير سجلات الموارد البشرية إلى أنّ عدد النساء العاملات في الوزارة يصل إلى 65 امرأة عاملة، وهو رقم قياسي مقارنة بما عدده 40 عاملًا من الذكور.
فيما تمثل النساء نسبة 30% في ديوان وزارة النقل، ويصل تمثيلها في الشؤون القانونية إلى ما نسبته 41%، في تحسن ملحوظ عمّا كان عليه واقع الحال في العامين الماضيين، وتحتل موقعًا عاديًّا (غير قيادي) في أغلب المؤسسات، ويصل تمثيل المرأة إلى مستوياته الدنيا في وزارتي الداخلية والدفاع والسلطات المحلية للمحافظات.
ويؤكد مصدر مسؤول في رئاسة وزراء الحكومة أنّ الحكومة تدرس على رأس أولوياتها المستقبلية برنامج إشراك النساء في القطاع الحكومي، وتعزيز فرص المشاركة السياسية للمرأة، غير أنّ تحديات جمة تبطئ من ذلك؛ أبرزها شحة الموارد الدولية، وعدم وجود نفقات تشغيلية لأغلب القطاعات.
وأضاف: “أنّ قرارات رئاسية جديدة قضت بمراجعة ملفات الموظفين الحكوميين، وعمل قائمة بالمزدوجين وظيفيًّا، وإلزامهم بتسوية أوضاعهم، واختيار وظيفة واحدة، وهو ما يعني إيجاد مساحة لتثبيت موظفين جُدد، ومنح النساء النصيب الأوفر من الوظائف الحكومية”.
وقد أصدرت في وقت سابق قرارات عديدة لترتيب أوضاع النساء في السلطة القضائية؛ إذ عزز من خلالها حضور المرأة؛ بمنحها مناصب قيادية في السلطة العليا للبلاد، بحسب ما أعلنت عنه وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”.
معادلة مختلة
وفي حين تعلن الحكومة عن مساعٍ جديدة تهدف إلى إشراك المرأة في العمل الرسمي، فإنّ هناك إشكاليات مختلفة تعلن عنها النساء العاملات مسبقًا في القطاع الرسمي، التي بقيت عالقة دون حلول، وهو ما صرحت به إلينا كثير منهنّ؛ إذ تشكو النساء العاملات في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية من تدني الأجور، وعدم تثبيتهنّ وظيفيًّا.
وأنّ غالبيتهنّ التحقنَ بالعمل كمتعاقدات، بعد انصراف قطاع كبير من الرجال إلى أعمال خاصة بحثًا عن مصادر دخل مرتفعة لمواجهة تحديات الانهيار الاقتصادي وانعكاساته على متطلبات العيش لأسرهم.
تقول إلهام الفضلي -مسؤولة الترجمة في وزارة حقوق الإنسان- إنّها تعمل منذ سنوات براتب شهري لا يتجاوز (أربعين ألف ريال يمني)؛ أي ما يعادل 20$ دولارًا أمريكيًا، وهو ما يرفضه كثير من الرجال، بحسب اعتقادها.
وتُعيد ارتفاع نسبة تمثيل النساء عمّا كان عليه الأمر سابقًا، إلى قبولهنّ العمل تحت أي ظرف وبمستحق مالي غير مجزٍ.
وتؤكد أنّ حضور المرأة في مختلف المرافق الحكومية والخاصة، يقتصر على الوظائف العادية، فيما يستولي الرجال على المناصب القيادية، وتظل النساء خارج حدود سلم الترقي الوظيفي، وهو ما وصفته الفضلي بـ”معادلة مختلة”.
احتكار المناصب الإدارية
تشير الإحصائيات التي حصلنا عليها إلى تصاعد نسب تمثيل المرأة في القطاع الحكومي، وأخذها في الازدياد خلال السنوات الأخيرة، وإن كان ارتفاعًا بطيئًا يواجه بالاحتكار الذكوري للمناصب القيادية، وهو ما تؤكده انتصار الجفري، وكيل قطاع تعليم الفتاة وتدريبها بوزارة التعليم الفني والتدريب المهني؛ إذ تُبدي انتصار أسفها حيال ذلك، قائلة: “عدد النساء في المراكز الإدارية العليا ضئيل مقارنة بالرجال في نظرة دونية لمهارات المرأة وقدراتها القيادية”.
وتؤكد أنّ الظروف الراهنة وعدم وجود نفقات تشغيلية أوقف الكثير من البرامج وخطط تدريب المرأة العاملة في القطاع الحكومي، وفرص ابتعاثها إلى الخارج بغرض التدريب وتبادل الخبرات.
ويقلل بقاء النساء في الوظائف الدنيا من فرص تنمية القدرات وتنويع الخبرات، وهو ما أصبح أمرًا محبطًا لكثيرات، كحال الدكتورة مُنى العامري؛ إذ تقول: “أمتلك شهادة دكتوراه، وأعمل منذ عشرة أعوام كأستاذة جامعية، تحت إدارة مَن هم أقل مني سواء في الدرجة الأكاديمية أو الخبرة، الذين دفعتهم علاقاتهم كونهم ذكورًا إلى مناصب قيادية بالوساطة بين عشية وضحاها”.
وتضيف: “كان هذا أمرًا محبطًا لي ولكثيرات غيري، ودفع بعض زميلاتي إلى مغادرة وظائفهنّ الحكومية والعودة إلى المنزل لرعاية أطفالهنّ”.
وتؤكد انتصار الجفري أنّ مساعي تعزيز حضور المرأة في العمل الحكومي يجابه بتدني النفقات التشغيلية، وهو ما يجعل النساء في صراع مستمر بين العمل ومتطلباتها الأسرية، نظرًا للانهيار الاقتصادي الذي يعيشه البلد وغلاء المعيشة.
انقطاع الرواتب وحتمية التسريح
ويزداد الأمر تعقيدًا في بعض المحافظات اليمنية؛ إذ دفع انقطاع رواتب موظفي القطاع الحكومي آلاف النساء إلى مغادرة وظائفهنّ والالتحاق بالقطاع الخاص، فيما بقي التمثيل الحكومي حكرًا على الرجل.
تقول أسماء الدعيس (اسم مستعار) إنّها انتقلت للعمل في مدرسة أهلية (خاصة)، براتب ضئيل، وهو وإن كان خيارًا وحيدًا غير أنّه أنسب لها من عملها في مدرسة حكومية دون راتب، بحسب تأكيدها.
وأدّى تغيبها المتكرر عن ممارسة وظيفتها الحكومية إلى تسريحها من عملها، وفصلها من الوظيفة العامة، بعد استبدالها بأحد خريجي الثانوية، على حدِّ وصفها، الذي يعمل دون أجر مدفوع بوعود تثبيته وظيفيًّا؛ أي منحه درجة وظيفية في قطاع التربية والتعليم.
وتؤكد أسماء أنّ انقطاع رواتب موظفي القطاع الحكومي ينذر بالقضاء على الحضور الضئيل للمرأة في القطاع العام، ويضاعف الحضور الطاغي للذكور الذين يمتلكون أوقاتًا إضافية للعمل الخاص، وهو ما تحرم منه النساء لعدم امتلاكهنّ أوقاتًا إضافية للعمل، كحتمية تفرضها واجباتهنّ ومسؤولياتهنّ الأسرية داخل المنزل.
وهيّأت ظروف النزاع المسلح للرجال فرص الازدواج الوظيفي، كما تشير أسماء إلى أنّ غالبية زملائها المعلمين يحضرون إلى المدارس فقط للتوقيع على حافظة الدوام والانصراف لممارسة نشاطهم الآخر كموظفين في السلك العسكري، برواتب تصرف باستمرار، في ازدواج وظيفي صارخ يخالف قانون التوظيف ولوائح الخدمية المدنية.
وتعتقد أسماء أنّ القراءة الوحيدة لما آلت إليه الأوضاع هي أنّ “القطاع الحكومي سيسوده الرجال، فيما تتراجع فرص النساء، وتكاد تنتهي”.