علياء محمد – المرأة في التنمية والسلام
تعدُّ المرأة شريكة أساسية في عملية التغيير والتحول الإيجابي في المؤسسات الحكومية في اليمن. ويعزز وجودها في القطاع الحكومي التمثيلُ العادل للنساء في صنع القرار، وتحقيق المساواة بين الجنسين. في اليمن لعبت المرأة اليمنية العاملة في المؤسسات الحكومية دورًا حاسمًا في تحقيق التنمية المجتمعية، وتركت بصمة كبيرة في مسيرتها المهنية.
تمتعت نسبة كبيرة من النساء اليمنيات في مؤسسات القطاع العام بتجارب ورؤى فريدة أسهمت في تلبية احتياج المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والصحية والتعليمية، نظرًا لما تملكه من إدراك حقيقي وفهم عميق لقضايا المجتمع ومجالاته وتحدياته، إضافة إلى قدرتها على تحديد الأولويات ووضع السياسات والبرامج التي تضمن تعزيز التنمية الشاملة وخلق بيئة تعزز الابتكار والاستدامة. يسلط هذا التقرير الضوء على عدد من النساء اللاتي حققنَ نجاحًا ملموسًا في مختلف المؤسسات الحكومية اليمنية.
أنموذج نسائي في إدارة الإعلام الزراعي
نبيهة أحمد محضور -مديرة إدارة الإعلام الزراعي في مكتب الزراعة والري بمحافظة ذمار- تعدُّ إحدى النساء اليمنيات البارزات والرائدات في مكتب الزراعة في منطقتها؛ إذ مرت نبيهة بمراحل وظيفية متعددة، ابتداء من مرشدة زراعية إلى رئيس قسم أنشطة المرأة الريفية، وصولًا إلى مديرة إدارة الإعلام الزراعي في مكتب الزراعة والري.
تقول نبيهة: “التحقت بالعمل الحكومي في العام 2002م كمتعاقدة مع مكتب الزراعة والري، وعملت في البداية مرشدة زراعية حتى العام 2004م، وتحصلت على الدرجة الوظيفية، كما صدر قرار إداري بتعيني رئيس قسم أنشطة المرأة الريفية في إدارة تنمية المرأة الريفية في تلك المدّة”.
مضيفة: “خلال هذه المدّة، وخاصة أثناء عملي مع مشروع التنمية الريفية، الذي رُشحت له عبر مكتب الزراعة، عملت مختصة إرشاد محاصيل في مديرية جهران، وحصلت على تدريب مكثف في مجالات الزراعة والتسويق وتدريب المدربين؛ الأمر الذي أسهم في صقل شخصيتي ومداركي في مجال تخصصي، إلى جانب سعيي الدائم إلى تطوير مهاراتي وقدراتي بشكل شخصي؛ من خلال حرصي على الالتحاق بالدورات التدريبية التأهيلية في مجالات عدة تسهم في تطوير عملي وشخصيتي”.
في العام 2015م رشحت نبيهة لتولي منصب إدارة الإعلام الزراعي، التي استحدثت ضمن الهيكل الإداري للمكتب، وفي العام 2016م صدر قرار إداري بالترقية لمديرة إدارة الإعلام بمكتب الزراعة. وفي العام نفسه حصلت على درجة الماجستير في التنمية المحلية من كلية العلوم الإدارية جامعة ذمار، كما حصلت في العام 2018م على دبلوم إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية وتقديمها، وعلى عدد من الشهادات لدورات تدريبية في المجال الصحفي والإعلامي محليًّا وعربيًّا.
لم تكتفِ نبيهة بما قدمته من أدوار مهنية في مؤسستها؛ إذ شاركت في عدد من المعارض الخاصة بمنتجات المرأة الريفية التي أقيمت على مستوى وزارة الزراعة، في المحافظة، ونفذت برامج في مجال التوعية والتثقيف للمرأة الريفية في الشأن الزراعي والأسري، الذي استهدف المرأة الريفية بدرجة رئيسية، وقامت بتدريب المزارعين والمزارعات في مجالات الإرشاد الزراعي ومجال التدريب في المجال الإعلامي ومجالات أخرى، كما عملت مع مشاريع عدة تطويرية في مجال عملها وتخصصها.
أهمية دور المرأة في المناصب القيادي
وحول أهمية وجود المرأة في المناصب القيادية داخل المؤسسات الحكومية، ترى نبيهة محضور أنّ المرأة تعدُّ شريكًا مهمًّا في التنمية المجتمعية والاقتصادية للبلد، وليس الأمر مقتصرًا على الرجل فقط، بل يتطلب وجود كلا الجنسين، وأنّ وجود المرأة في المواقع القيادية تعدُّ حاجة ضرورية تسهم في تعزيز دورها في تولي المناصب الإدارية العليا، وتحسن من الأداء الوظيفي الإداري في المؤسسة الحكومية، كما تُسهم في تحقيق إنجازات أكثر نجاحًا في مختلف المجالات.
ولفتت في حديثها إلى أنّ التوازن الوظيفي في بيئة العمل يعدُّ تحوّلًا حقيقيًّا في ثقافة العمل وطريقة ناجحة للوصول إلى الموارد والعملاء على نطاق واسع. مؤكدة أهمية تأهيل المرأة العاملة في مختلف التخصصات؛ للرفع من قدراتها الإدارية والفنية في العديد من التخصصات، وذلك عن طريق إيجاد فرص وبرامج تدريبية تساعدها على اتخاذ القرارات الصائبة، وتعزز من دورها القيادي داخل مؤسساتها.
نموذج نسائي من وزارة الصناعة والتجارة
استطاعت سماح الخولاني -مديرة إدارة المناطق التجارية والتكتلات الاقتصادية في قطاع التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة في صنعاء- أن تُحقق حلمها الذي طالما سعت إلى تحقيقه بشغف، وذلك عبر الوصول إلى منصب إداري في وزارة الصناعة والتجارة.
تقول سماح محمد الخولاني الحاصلة على ماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية: “بدايتي المهنية والالتحاق بالعمل كان منذ سنٍّ مبكر في المرحلة المتوسطة والإعدادية تقريبًا، وكانت أول وظيفة لي مندوبة مبيعات وتوزيع بطاريات، وبحكم صغر سنّي كنت أوزع في المحلات القريبة لي”.
مضيفة: “رغبتي بالاعتماد على نفسي وتحمل المسؤولية كانت الدافع الأول للاستمرار في العمل؛ إذ كان لديّ إصرار في إثبات ذاتي أمام الآخرين، وبأن أكون فردًا منتجًا في المجتمع، وقد استطعت أن ألتحق في وظيفة في القطاع الخاص بعمر صغير، وكانت شركة خاصة للإلكترونيات. وأستطيع القول إنّ مرحلة حياتي المهنية بدأت من هنا بالتدرج”.
بدأت سماح الخولاني بالعمل في وظيفة الاستقبال، ومِن ثَمّ عرض عليها مدير الحسابات العمل في قسم المحاسبة، ومن هنا بدأت حياتها المهنية بالتحول على الرغم من صغر سنّها، وقلة خبرتها، وعدم درايتها الكاملة بعمل المحاسبة، فإنّ طموحها وشغفها كان أكبر من ذلك.
وتتابع القول: “كان لديَّ شغف كبير وحب للتعلم، لدرجة أنّى كنت أقبل أيّ عمل يوكل إليّ، إلى أن التحقت بالعمل في مؤسسة حكومية، التي يختلف عملها تمامًا عن القطاع الخاص”.
بدأت سماح العمل في القطاع الحكومي في قسم المحاسبة في الوزارة، ثم التحقت بقسم التجارة الخارجية، وحينها وجدت سماح نفسها، وأدركت أنّ هذه هي الوظيفة التي كانت تحلم بها، على الرغم من صعوبتها وحاجتها لكثير من التركيز والمتابعة والتنسيق؛ نظرًا لارتباط العمل باتّفاقيات دولية مع دول ومنظمات حكومية.
مرّت سماح بكثير من المواقف التي تعدُّ الدافع والمحفز للالتحاق في دورات تدريبية وتأهيلية لصقل مهارتها في عملها ومسيرتها المهنية في العديد من المجالات العلمية التي تطور من مهامها.
وتقول: “خلال مسيرتي مررت بعدة مراحل ومواقف مؤثرة، وكان أول راتب تقاضيت تسعة آلاف ريال يمني، وعندما كنت أطالب بالزيادة أقابل بالرفض؛ نظرًا لأنّي لم أكمل دراستي العلمية كغيري من الزملاء؛ الأمر الذي زادني إصرارًا لمواصلة التعلم، والتحقت بدورات داخلية وخارجية مختلفة”.
وأوضحت أنّ العمل في القطاع الحكومي مختلف تمامًا عن القطاع الخاص، فقد فتح لها مجالات كثيرة ومتنوعة، خصوصًا مع دعم المحيطين بها، ومن خلال عملها الحكومي استطاعت المشاركة في كثير من الأنشطة والمشاريع الصغيرة؛ كرائدة أعمال، ومناهضة لقضايا الطفل والمرأة، والتحقت بعدد من الاتحادات، وكانت عضوًا في بعضها، أبرزها: الاتحاد العربي كمتخصصة في الاقتصاد والاستثمار، وعضو في التجارة العالمية مع مكتب الاتصال والتنسيق، إضافة إلى ذلك عضو في مجموعة بريكس.
وأشارت الخولاني في حديثها إلى الدور الكبير الذي لعبته أسرتها، ودعمهم لها طيلة مسيرتها المهنية.
نموذج نسائي قيادي في وزارة التربية والتعليم
“أحب دائمًا أن أكون جزءًا من الحل في عدد من قضايا التعليم، سواء على مستوى الميدان التربوي التعليمي، أو على مستوى ديوان وزارة التربية والتعليم”. بهذه الكلمات بدأت ناهد عمر سالم -مدير عام الإدارة العامة للتعليم الإلكتروني، واستشارية في نظام إدارة المؤسسات التعليمية “إيزو” للمواصفات 21001- حديثها معنا عن قصة نجاحها، وتقلدها منصبًا قياديًّا وإداريًّا في وزارة التربية والتعليم في عدن.
تقول ناهد: “مررتُ بجميع المراحل التي صقلت شخصيتي؛ إذ بدأت بالتطوع في العملية التدريسية وأنا طالبة جامعية في مرحلة البكالوريوس، ومن ثَمَّ توظفت كمعلمة في عام 2008م، ومارست التدريس لعدة سنوات، كما انتقلت بعدها إلى ديوان عام الوزارة في صنعاء، وتنقلت بين العمل في قطاع التعليم، ثم قطاع المناهج والتوجيه، في حين لم أهمل تدريب نفسي وتأهيلها في مجال الإدارة واللغة الإنجليزية، وعدد من المهارات الحديثة؛ الأمر الذي أعطاني دفعة كبيرة للتدرج الوظيفي في مجال عملي في ديوان وزارة التربية والتعليم”.
تعدُّ ناهد أول امرأة تعيّنت في إدارة التعليم الإلكتروني في وزارة حكومية؛ إذ تشغل الآن منصب مدير عام التعليم الإلكتروني، إضافة إلى أنّها باحثة دكتوراه في مجال المناهج وطرق تدريس الذكاء الاصطناعي في التعليم.
وحول أهمية وجود المرأة في مناصب قيادية في المؤسسات الحكومية، ترى ناهد عمر من خلال تجربتها أنّ وجود المرأة في المناصب القيادية في المؤسسات الحكومية يشجع جميع النساء على الاستمرار في التعليم، والعمل على تطوير أنفسهنّ في مختلف المجالات، ويعطي دافعًا كبيرًا للمرأة، ويشعرها بأنّها جزءٌ من هذا المجتمع، ولها مكانة مؤثرة تشعرها بالأمان الوظيفي والمسؤولية تجاه عملها وزميلاتها، بشرط وجود الكفاءة والمؤهلات المهنية والشخصية والمؤسسية.
وقد أكدت لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” أنّ وجود النساء في العمل الحكومي يعزز القدرة على الاستجابة الإيجابية لاحتياجات المجتمع، إضافة إلى تحقيق التوازن بين الجنسين في العمل الحكومي، الذي سيسهم في بناء مجتمعات أكثر تقدمًا واستدامة للجميع؛ الأمر الذي يصل إلى تحقيق التنمية المستدامة للبلد في مختلف المجالات والتخصصات.
صعوبات وتحديات
واجهت كثير من النساء العاملات في المؤسسات الحكومية صعوبات وتحديات عدة، اختلفت وفقًا لعوامل ثقافية وتشريعية وأيضًا اجتماعية وغيرها.
وترى نبيهة محضور أنّ التحيز المجتمعي يعدُّ من أكبر التحديات التي قد تواجه النساء العاملات في المؤسسات الحكومية؛ إذ تواجه المرأة ضغوطًا اجتماعية، وتحيزًا من المجتمع تجاه دورها في المؤسسة، بعدِّها غير مناسبة لبعض الوظائف أو المناصب ذات الصلة باتخاذ القرار، إضافة إلى ذلك قد تواجه النساء تحديات خاصة بالأجور.
وتقول: “في بداية العمل الحكومي تُعُوقِدَ معي لمدة سنتين دون راتب، وعلى الرغم من بعد المسافة كنت أداوم مدّة العمل الرسمي دون انقطاع، إلى أن حصلت على الدرجة الوظيفية في العام 2004م”.
واصفة تجربتها بالعمل في مجتمع زراعي ذكوري في منطقة تحكمها العادات والتقاليد، بالتجربة الصعبة؛ الأمر الذي تطلب منها القيام بجهد كبير على المستوى الشخصي وعلى المستوى المعرفي والمهني لتثبت وجودها في المجتمع بقوة، وتخلق لغة تواصل بينها وبين جميع الأفراد، خاصة الذين تتعامل معهم.
وأكدت أنّ إصرارها على مواصلة تعليمها الجامعي، كان دافعًا قويًّا لتحقيق الحلم والنجاح في مجال العمل، فلم تكتفِ بدراستها الثانوية وحسب، بل حرصت على إكمال دراستها الجامعية، وحصلت على البكالوريوس، ومِن ثَم الماجستير في التنمية المحلية من كلية العلوم الإدارية جامعة ذمار عام 2016م.
كما أشارت إلى أن أهم الصعوبات التي واجهتها في عملها الحكومي الالتزامات الأسرية، كونها زوجةً وأُمًّا في سنٍّ مبكرة؛ الأمر الذي سبّب لها ضغوطًا نفسية كبيرة، فالموازنة بين الأسرة والتعليم والعمل ليس بالأمر السهل أو الهين، ويحتاج إلى كثير من الجهد والتعب، ولكن بتعاون الأسرة، وتنظيم الوقت وإدارته، وصلت إلى المكانة التي استحقتها، واستطاعت الموازنة بين الأسرة والتعليم والتطوير الشخصي العلمي والمعرفي والعمل الإداري الوظيفي.
متابعة القول: “النجاح في المسيرة المهنية والحصول على مناصب قيادية يعتمد بدرجة أساسية على مؤهلات وخبرات متعددة في العديد من المجالات؛ الأمر الذي جعلني قادرة على شغل وظيفتها بكل جدارة، وتحقيق درجة عالية من التنافس الإيجابي في بيئة عملي”.
موجهة رسالة لأرباب العمل الحكومي مضمونها الإيمان بقدرات المرأة اليمنية، ومنحها الفرصة للوصول للمواقع القيادية دون تحيز للرجل، والعمل على توزيع فرص التدريب والتأهيل بالتساوي بين الرجال والنساء العاملين والعاملات في الوظائف الحكومية.
من جانب آخر، أوضحت ناهد عمر أنّ أهمَّ التحديات الذي واجهتها في عملها كامرأة تشغل منصبًا قياديًّا في مؤسسة حكومية؛ غياب ثقافة السلطات العليا من صانعي القرار حول أهمية تعزيز مشاركة المرأة العاملة ودورها ودمجها مع زملائها في البرامج والمشاريع التطويرية، بالإضافة إلى المحاصصة الحزبية.
وأكدت على أهمية تحديد الأهداف والطموح لكل امرأة تريد المشاركة في صنع القرار داخل مؤسساتها الحكومية، وضرورة رفع كفاءتها الإدارية والفنية، وتطوير عملها عبر تعلم مهارات حديثة تواكب متطلبات سوق العمل، كمهارة التفاوض والإقناع والتشبيك، وتبني سياسات وإجراءات تعزز المساواة وتوفر فرصًا متساوية للنساء للترقية والتطور المهني، فضلاً عن توفير بيئة عمل آمنة.