حنين الوحش – المرأة في التنمية والسلام

 

يحافظ تمثيل المرأة اليمنية في القطاع الحكومي على مستوياته الدنيا، فيما يسيطر الرجال على مختلف المناصب الإدارية في الوحدات والمؤسسات العامة، ويبرر قطاع كبير من الذكور ذلك بفارق الخبرات، وهي خبرات لا تقاس بحجم المعارف، بل بالعمر الوظيفي، وهو ما تفتقد إليه النساء المبعدات قسرًا ولزمن طويل عن حقهنّ في الوظيفة العامة.

وفيما تعتمد أغلب الحكومات على برامج التبادل الثقافي والابتعاث الخارجي لتطوير القدرات والمهارات للموظفين والعاملين في مؤسساتها، غير أنّها نادرة في اليمن، وإن وجدت فهي استحقاق ذكوري. في حين تكاد تغيب تمامًا عن الكادر النسائي، سوى بعض الندوات والمؤتمرات التي تُدعى لحضورها رسميًّا اللجنةُ الوطنية للمرأة ككيان حكومي يمثل المرأة، فيما تُغيب إدارات المرأة كإدارة لها فروعها في جميع الوزارات والوحدات الإدارية في الحكومة من تلك المشاركات.

دور المنظمات العاملة في اليمن

تتعامل المنظمات العاملة في اليمن بإيجابية مع قضايا النوع الاجتماعي، وتعطي النساء نسب تمثيل مساوية للرجل، في دورات التدريب والتأهيل الداخلية التي تعقدها للشباب، بينها دورات خُصصت لتدريب الكادر الشبابي في الحكومة، كمشروع شراكات الذي دشنته مؤخرًا منظمتا شباب بلا حدود وآفاق شبابية، وهو ما أتاح للنساء فرصًا للمشاركة الفاعلة.

تقول إحدى المشاركات (فضلت عدم ذكر اسمها): “هذه هي المرة الأولى التي أشارك بها في دورة تدريبية، ورُبَّما ما كان لوزارتي أن ترشحني لولا أنّ الجهة المنفذة اشترطت أن يكون 50% من المرشحين للدورة شابات”.

وتضيف: “قبل أشهر مُنحنا وعدًا أنا وإحدى زميلاتي لتمثيل الوزارة في مؤتمر سيُقام في الخارج، غير أنّهم في الواقع رشحوا قيادات في مناصب عليا، وهذه الدرجات العليا استحقاق ذكوري في الغالب، بينما نحن عوضًا عن ذلك رشّحونا لهذه الدورة المحلية بحسب ما أفادونا به”.

قلة الموارد

وتزعم مصادر عديدة في الحكومة اليمنية، شحة برامج التبادل الثقافي لموظفي القطاع العام من النساء بسبب قلة الموارد، وهو ما أكدته انتصار الجفري، وكيل قطاع تعليم وتدريب الفتاة بوزارة التعليم الفني والتدريب المهني، التي رأت أنّ فرص مشاركة الموظف الحكومي في دورة خارجية تعتمد على مدى انسجام أجندة الدورة مع تخصص الموظف بعيدًا عن المعيار الاجتماعي أو الجندر.

وترى أنّ تفعيل مشاركة الكادر النسائي في دورات تدريب وتأهيل خارجي سيشكل إضافة معرفية مهمّة للنساء، وسيعزز فرص إشراكهنّ في رسم السياسات وصناعة القرار، وكسر الهيمنة الذكورية على المناصب القيادية.

وعادت لتؤكد أن تقليص الموازنة المالية المعتمدة من الحكومة لعمل برامج تعليمية خارجية قد حدّ من هذا النشاط.

فارقٌ علميٌّ وعمليٌّ

استطاعت نساء قليلات الحصول على فرص تمثيل القطاع الحكومي الذي يعملنَ فيه في دورات وورش خارجية، وهو ما شكّل علامة فارقة بالنسبة لبعضهنّ، وفتح لهنّ آفاقًا علمية وعملية جديدة، كما تصف ماريا راشد المسؤولة الإعلامية للجنة الوطنية للمرأة.

أثار نبأ ترشيح ماريا راشد لحضور ورشة خارجية بهجتها -كما تصف- وهي من القيادات الشابة في اللجنة الوطنية للمرأة، إذ تقول: “استقبلتُ نبأ ترشيحي لحضور دورة حول إعداد التقارير الدولية بشأن المرأة، في العاصمة اللبنانية بيروت، بفرح عارم”، وتضيف: “أدرك ما يعنيه اكتساب الخبرات والمعارف في الدوائر الخارجية بما يمتلكونه من باع وخبرة كانت نتاجًا طبيعيًّا لظروف مستقرة وآمنة، وهو ما يفتقد إليه بلد يعيش حالة نزاع مستدامة، ويبدأ دورة حياة تفعيل القطاع الحكومي من الصفر”.

وتعلمت ماريا في الدورة “مهارات وقدرات جديدة في إعداد التقارير الدولية المصادقة عليها بلادنا، منها تقرير منهاج عمل بيجين، وأيضًا تقرير السيداو (القضاء على كل أشكال التميز العنصري ضد النساء)”.

وأُطلق منهاج عمل بيجين في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيجين تشرين الأول 1995م، الذي شكّل خطة عمل ذات رؤية تتعلق بتمكين المرأة، وإطارًا مرجعيًا لتحليل وضع المرأة حول العالم، وتقييم الجهود التي تبذلها الدول لتمكينها، كما يقوم على المبدأ الأساسي القائل بأنّ حقوق المرأة الإنسانية وحقوق الطفلة حقوق ثابتة وأساسية، ولا يمكن فصلها عن حقوق الإنسان العالمية، كما يركز هذا المنهاج على أنّ لدى النساء همومًا مشتركة يمكن مواجهتها من خلال العمل الجماعي.

تقول ماريا إنّها استفادت من الدورة كثيرًا، وتعلمت طرق إعداد التقارير الدولية وتقديمها -بيجين وسيداو- والآلية المتبعة، وأهداف التنمية المستدامة وعلاقتها بتقرير بيجين، غير أنّها عادت لتؤكد أنّ تحديات كثيرة تواجه النساء في إسقاط ما تعلمنه على واقع عملهنّ، أبرزها: “التحدي الاقتصادي؛ فنقص التمويل الحكومي (نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد) يحدُّ من عملية إعداد مثل هذه التقارير كما يؤخر عملية تقديمها”.

وتدعو ماريا راشد الجهات والفاعلين الحكوميين والداعمين الدوليين إلى التركيز على بناء قدرات الكوادر النسائية في الجهات الحكومية، فيما يتعلّق بتعزيز البناء المؤسسي وآلية العمل في القطاع الحكومي، والتدرب على تجارب دول أخرى متقدمة في العمل المؤسسي، وسبل الارتقاء والنهوض بالقطاع الحكومي، وهو ما تحتاجه النساء في نظرها لاكتساب ما يحتجنه من خبرات للارتقاء الوظيفي.

 

قيود وتحديات ومعالجات

تنامت في الآونة الأخيرة الأصوات المطالبة بإعطاء المرأة حقها في المشاركة السياسية، ودمجها بالسلطة لتدعيم مساعي السلام، هذه المطالبات المستمرة التي تتبناها ناشطات ومكونات المجتمع المدني، نجحت نسبيًا في تحقيق بعض المكاسب للمرأة على صعيد حقوقها واستحقاقاتها الطبيعية، ويأتي من بين ذلك حقها في التمثيل الخارجي للقطاع الحكومي الذي تعمل فيه، عبر حضور دورات تدريبية خارجية، والحصول على منح تبادل ثقافي.

غير أنّ هذه الانفراجة لا تلبث أن تضيق في مواجهة تحديات جمّة؛ أبرزها التحدي المجتمعي الذي يحرّم سفر المرأة دون محرم داخل الدولة والمدينة نفسها، ويصبح الأمر أكثر تحريمًا وتعقيدًا إذا ما تخطى حدود البلاد.

تقول سحر منصور إنّها حظيت بفرصة يتيمة للسفر إلى الخارج بغرض التدرب، ضمن فريق الوزارة التي تعمل بها، غير أنّ أسرتها منعتها من ذلك، واشترطت اصطحاب أخيها معها كمحرم.

وتتابع: “حاولت استخراج تذكرة أخرى من الوزارة لأخي لمرافقتي كمحرم غير أنّهم رفضوا ذلك؛ بسبب شحة الإمكانيات، كما أنّ الأمر ليس من شأنهم، ومنحوني موافقة على حضور أخي شرط أن يكون ذلك على نفقتي الشخصية، وكان هذا خيارًا صعبًا؛ إذ إنّ مرتبي لا يتعدى 50 دولارًا بالشهر”.

ويعدُّ التحدي المالي من بين جملة تحديات تواجه المرأة العاملة في القطاع الحكومي، إلى جانب أنّ حضورها في الغالب يقتصر على قطاعين؛ التعليم والصحة، فيما تكاد تغيب عن القطاعات المهمة الأخرى، ويشهد تمثيلها تحسنًا نسبيًّا في وزارة الخارجية، غير أنّه لا يقترب بأيّ شكل من التكافؤ مع الفرص والمقاعد الوظيفية الممنوحة للرجل.

ووقف النزاع المسلح في العام 2015م حائلًا أمام أهم استحقاقات المرأة التي أقرّها الدستور الجديد، الذي تعترف بمواطنة المرأة الكاملة وبشخصيتها الاعتبارية المستقلة. كما حصلنَ بموجبه على حصّة تبلغ %30 من مناصب صنع القرار، وهو ما كان سيجعل اليمن في المرتبة الثانية بعد تونس من حيث التمثيل القانوني للنساء في مناصب السلطة بين البلدان العربية.

لذا تؤكد التقارير أنّ لمشاركة النساء العاملات في القطاع الحكوميِ في المؤتمرات الخارجية أهمية كبيرة، وذلك لتعزيز صورة اليمن على المستوى الدولي كدولة تقدّر دور المرأة، وتشجع مشاركتها في مختلف المجالات، وتتيح فرصة لعرض إنجازات اليمن في مجال تمكين المرأة وتقدمها على الساحة الدولية، وأتاحت الفرصة للنساء اليمنيات للتعرف على أفضل الممارسات العالمية في مختلف المجالات، مثل الإدارة والحكم والسياسات العامة، بالإضافة إلى تعزيز ثقة النساء بأنفسهنّ وقدراتهنّ على النجاح في مختلف المجالات، والإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تدعو إلى المساواة بين الجنسين.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير برامج تدريبية للنساء على مهارات العرض والتواصل، وتشجيع الوزارات والمؤسسات الحكومية على ترشيح النساء للمشاركة في المؤتمرات الخارجية، ورفع الوعي بأهمية ذلك.

you might also like