أفراح بورجي المرأة في التنمية والسلام

 

على الرغم من التقدم الملحوظ الذي أحرزته اليمن في مجال تمكين المرأة خلال السنوات الأخيرة، ما تزال المرأة العاملة في المؤسسات الحكومية تواجه العديد من التحديات والصعوبات التي تعوِّق مشاركتها الفاعلة في التنمية المستدامة؛ فهي تعاني من التمييز والتهميش، وقلة فرص التوظيف والترقية والرواتب، والتحرش والمضايقات في مكان العمل. بالإضافة إلى المعوقات الاجتماعية والثقافية التي تُعوِّق مشاركتها الكاملة، مثل تقييد حركتها، ومسؤولياتها المنزلية والقانونية التي لا تضمن حماية حقوق المرأة في العمل أو تعزيز مشاركتها في صنع القرار.

وتعد مشاركة المرأة اليمنية في العمل الحكومي ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في البلاد. ولأهمية هذا الموضوع، يُسلط هذا التقرير الضوء على أبرز التحديات التي تواجهها المرأة العاملة في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى الجهود المبذولة من قبلها لتحسين وضعها العام وتمكينها ودعم مشاركتها الفاعلة في صناعة القرار.

تقول كوكب الحسني -طبيبة أسنان في مجمع التحرير الحكومي بالحديدة-: “لم تعد المرأة في يومنا هذا طرفًا عاجزًا أو ضعيفًا، فقد انفتحت أمامها خيارات عدة حتى لو لم تكمل تعليمها الجامعي؛ إذ تستطيع العمل في أي حرفة يدوية وتكسب منها. وها نحن نشاهد نماذج كثيرة لنساء لم تعد عالة على ذويها، بل أصبحت هي من تعيل نفسها وأسرتها أيضًا”.

 

تحديات وضغوطات

في السياق ذاته، توضح الطبيبة أهم التحديات التي تواجه المرأة العاملة في المؤسسات الحكومية، إذ تقول: “شهد وضع المرأة اليمنية تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالماضي، لكن هذا التقدم لم يأتِ دون تحديات وصعوبات جديدة؛ إذ تعمل معظم النساء لفترات طويلة مقابل أجور زهيدة لا تُلبي احتياجاتهن الأساسية. كما يتم استغلال حاجتها للعمل في الكثير من الأحيان، مما يعرضها للاستغلال والاضطهاد خاصة في العائد أو المردود المالي؛ لأنها ترضى بأقل القليل مقابل أن تعمل”.

وأضافت: “يظن المجتمع بدرجة أساسية أن حاجة المرأة إلى العمل بسبب ضغوطات الحياة المادية فقط، ويغفلون عن الدور الجوهري للعمل في حياة المرأة، وما يُمثله من قيمة نفسية ومعنوية تسهم في نموّها وتطورها كفردٍ فاعلٍ في المجتمع”.

 

دور بسيط ومحدود

تُثير كوكب قضية مهمة، وهي الأدوار المحدودة التي تفرض على المرأة في العمل؛ إذ ما يزال يمارس ضدها التحجيم في الوظائف العامة، وما تزال تُحصر في أدوار محددة -مثل السكرتارية- في حين تُحرم من وظائف أخرى تعد مخصصة للرجال؛ بسبب عدم ثقتهم بمستوى جودة العمل الموكل للمرأة، على الرغم من امتلاكها القدرة والكفاءة لأداء العديد من الوظائف.

لهذا تواجه المرأة في اليمن صعوبة في ممارسة عملها بثقة من الجميع؛ نتيجة نظرته القاصرة تجاه قدراتها وإمكانياتها، وهذا يجعلها -غالبًا- تبدو مترددة غير واثقة بنفسها وبقدراتها. بالإضافة إلى وجود إحباطات أشد من قِبَل بنات جنسها؛ الأمر الذي يُعرقل تقدمها ويؤثر على أدائها، ويحد من تقدم التنمية وتطورها في البلاد، هذا ما أشارت إليه كوكب.

 

نظرة قاصرة تجلب التحديات

توضح المعلمة أنهار عشيش، العاملة في إحدى المدارس الحكومية في الحديدة، أن المرأة اليمنية العاملة تواجه العديد من التحديات والضغوطات في حياتها اليومية؛ إذ تضطر إلى التوفيق بين مسؤولياتها في العمل والمنزل، بالإضافة إلى أعمالها الخاصة؛ لذا ينظر إليها على أنها قادرة على تحمل العبء والتوفيق بين أعمالها بنجاح.

وتقول: “على الرغم من قدرة المرأة العاملة على تحمل العبء، فإنها تواجه استغلالًا كبيرًا مقارنةً بالرجل، وخصوصًا في القطاع الحكومي؛ كون الرواتب لا تصرف شهريًا، ومن ناحية ثانية تجد التشدد الوظيفي والتهديد بخسارة العمل، واستغلال حاجتها بعكس شقيقها الرجل”.

تضيف: “نرى أن التمييز والتفريق من قِبَل ربِّ العمل يمنع المساواة بين الجنسين، فعلى سبيل المثال، قد يُقال: “من طرف فلان أو بنت فلان” بدلًا عن ذكر اسمها الكامل. فضلاً عن التهاون في تقييم عمل المرأة حتى لو كانت متميزة”.

وفي ذات السياق توضح الطبيبة كوكب أن من ضمن التحديات، التي تمر بها المرأة العاملة في القطاع الحكومي، نظرة بعض أفراد المجتمع لها باستصغار وسخرية، وأنها -على الرغم من عملها واجتهادها- لا تُعطى مردودًا ماليًا يسد احتياجاتها المعيشية الأساسية، وتظل في عوز وحاجة ودعم من حولها، سواء أخ أو زوج أو أب. إضافة إلى أن هناك فئة مجتمعية كبيرة رجعية تعتقد أن المرأة “ناقصة” وعملها مقتصر على داخل المنزل فقط.

وأردفت عشيش قائلة: “هناك أعمال داخل المؤسسة تُوكل لزميلها الرجل، خاصة في المؤسسات الحكومية، حسب الترتيب الوظيفي، دون الأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والمؤهلات. لكن إن كانت تلك الأعمال بدون عائد مادي فإن المهام تتحول -من دون حق- إلى زميلته المرأة، باعتبار أنها لا تستحق الأعمال التي تؤدي إلى كسب مباشر”.

وأكملت: “ضعف الرقابة العليا من قبل المكاتب العمومية تعد أحد أسباب التمييز في العمل بين المرأة والرجل واستغلالها، وهي إن وجدت؛ فللأسف تفسدها الرشوة والمعرفة والمحسوبية. كما يوجد مشكلة أكبر هي خروج المرأة العمل الخاص لتحسين وضعها المعيشي والاعتماد على النفس، ومع ذلك تتحمل أعباء إضافية وتكاليف مادية؛ الأمر الذي يزيد من الصعوبات التي تواجهها”.

وحول فرص التطوير، تقول عشيش: “تُواجه المرأة العاملة العديد من التحديات التي تُعوِّق تقدمها وتؤثر على أدائها، وتتمثل في ضعف العائد المادي في المؤسسات الحكومية في بلادنا، الذي لا يكون شهرياً؛ مما يؤثر عليها معيشيًا ونفسيًا وماديًا، وكذا نقص في فرص التطوير، إذ لا تقام الدورات والورش التدريبية بشكلٍ كافٍ لتطوير أداء الموظف بشكل عام، وللمرأة على وجه الخصوص”.

 

المعالجات والتوصيات

تُقدم الطبيبة كوكب الحسني عددًا من المعالجات للتحديات التي تواجهها المرأة اليمنية في المؤسسات الحكومية، وقد تسهم في تحسين وضعها، ومن تلك الحلول:

1_ تعزيز مشاركة النساء في المراكز التشريعية للإسهام في وضع قوانين فاعلة تدعم المرأة وحضورها التنموي في المجتمع.

2_ إشراك النساء العاملات في القطاع الحكومي ذات الكفاءات في برامج التمكين والتنمية المستدامة، والعمل على الحد من التهميش المبني على أساس الجنس.

3_ تأهيل الكوادر النسائية الفاعلة وتمكينها في توعية المجتمع بشكل عام، والنساء بشكل خاص، حول حقوقهن المكفولة في الدستور.

4_ التكامل بين دور الإعلام ودور المساجد لتثقيف المجتمع وتغيير النظرة السلبية التي تضع المرأة في دائرة الظلم والقهر.

5_ دعم مراكز محو الأمية وإقامة دورات نوعية تدعم التمكين الاقتصادي للنساء للمشاركة في العمل العام.

6_ سن قوانين تضبط الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع طبيعة عمل المرأة.

7_ تعزيز مشاركة المرأة في صناعة القرارات خاصة في المؤسسات الحكومية، ودعم مشاركتها في عملية السلام، ورسم سياسة واقع البلاد القادم.

ومن جانب آخر طرحت أنهار عشيش عدة توصيات تشمل إقامة لائحة توضح حقوق الموظف داخل المؤسسة، بما في ذلك حقوق المرأة، وتُلزم جميع الجهات بضمان تطبيقها، وفرض عقوبات مناسبة على أي جهة تخالف أحكام اللائحة. بالإضافة إلى عمل آلية من قبل وزارة المالية، ومناقشة حقوق الموظف الحكومي التابع للدولة، وفصل المؤسسة عن السياسات والتعددات الحزبية؛ كونها مؤسسة تخدم المواطن والمصلحة العامة فقط.

وتكمل: “إقامة الدورات وورش العمل لتعزيز قدرة المرأة وكذلك الرجل في مواكبة التطورات والمهارات الوظيفية التي تحسن من العمل المؤسسي، وتفعيل دور الرقابة من الجهات العليا التابعة للمؤسسة، كما لا بد من إعطاء حقوق المرأة وتشجيعها؛ لتحسين عمل المؤسسات والنهوض والتقدم لمواكبة التطورات العالمية في مختلف المجالات”.

you might also like