أفراح بورجي – المرأة في التنمية والسلام

 

تعدُّ المرأة اليمنية الريفية رمزًا للصبر والصمود والإنجاز، فهي تواجه تحديات هائلة في حياتها اليومية، ولكنها تثبت قدرتها على تحمل المسؤوليات والنجاح في مختلف المجالات؛ إذ تتحمل أعباء كثيرة على عاتقها، فهي تشارك في العمل المؤسسي في القطاع الحكومي، وتعمل في الحقل وتربية المواشي، بالإضافة إلى رعاية أسرتها، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، تُثبت المرأة الريفية اليمنية قدرة فائقة على التوفيق بين عملها وأسرتها.

 

دور حيوي (أنموذج من النساء العاملات في القطاع الحكومي)

في الريف اليمني، هناك نساء عاملات في القطاع الحكومي يصارعنَ الحياة بكل أعبائها، ويواجهنَ الظروف الصعبة والمعاناة المستمرة في العمل بالمرافق الحكومية والمزرعة والاهتمام بالأسرة، ولكن، على الرغم من هذه التحديات، تُثبت المرأة اليمنية قدرتها على التوفيق بين العمل والأسرة، والاهتمام بعملها في المزرعة، لتصبح مثالًا يحتذى به في العطاء والإنجاز.

حياة محمد، تبلغ من العمر 35 عامًا، متزوجة ولديها ابن وبنت، تعمل معلمة في إحدى المدارس الحكومية في ريف محافظة تعز، تقول لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام): “إنّ دور المرأة الريفية مهم وحساس في الوقت ذاته؛ إذ إنّها تستطيع أن توفق بين العمل في المنزل والعمل خارج المنزل وفي الأرض، فأنا لديّ مواشٍ أرعاها في الأرض، وإلى جانب عملي في الحقل أقوم بتربية الأولاد والاهتمام بالأسرة، والعمل أيضًا بالمدرسة”.

وأضافت: “تُواجه المرأة العاملة، سواءً في الريف أو في المدن، مسؤوليات كبيرة على عاتقها، ولكن، من خلال التعاون والتكاتف مع من حولها، يمكنها التغلب على هذه التحديات، وتحقيق التوازن بين مسؤولياتها المختلفة، فمن خلال مشاركة زوجها وأفراد أسرتها في المسؤوليات المنزلية، يمكنها التخفيف من الضغوطات التي تواجهها، وتحقيق التوازن بين عملها وأسرتها، فمثلًا يقوم الزوج بالمساعدة في أعمال الأرض، وأمها تساعدها في تربية الأطفال”.

ومن جانب آخر أكدت الممرضة هُدى كافي، التي تعمل في مستوصف حكومي في أحد الأرياف اليمنية أنّ عملها مهم وإنساني، ويبرز هذا الدور جليًا في المناطق الريفية؛ إذ تنعدم أحيانًا الخدمات الصحية الأساسية، ولا توجد مستشفيات قريبة من تلك المناطق، لذلك أقوم بالاهتمام بعملي كثيرًا، للتخفيف من الألم الذي يعانيه أفراد المجتمع في الأرياف، رغم مسؤولياتي اتجاه أسرتي والأرض، وتربية المواشي.

وقالت: “إنّني أشعر بالمسؤولية الكبيرة تجاه عملي، ومسؤوليات أيضًا تجاه منزلي وأسرتي، خصوصًا بأنّني الفتاة الوحيدة لأمي وأبي، ليس لديّ أحد يساعدني، وعلى الرغم من ذلك أحاول أن أقوم بأعمالي على أكمل وجه، مع تحقيق حلمي بأن أكون مستقلة، وعندي عملي الخاص”.

وفي السياق ذاته تحدثت عالية حسين البالغة من العمر 40 عامًا، متزوجه ولديها 3 بنين وابنة، حول دور المرأة الريفية في العمل ومسؤولياتها اتجاه الأسرة، إذ قالت: “أعمل في مركز إرشادي نسوي، لإيماني بأنّ دور المرأة مهم جدًا في المجال المؤسسي، خاصة في الأماكن التي تتطلب نساء عاملات يستطعنَ التعامل مع أفراد المجتمع، خاصة من النساء ضمن إطار عملهنّ”.

وأوضحت أنّ دورها في العمل يتمحور في توعية النساء في كثير من المجالات الحياتية، واستطاعت أن تكون قادرة على التوافق بين عملها ومسؤولياتها الأسرية؛ كون أولادها أصبحوا في سن لا يحتاج إلى رعاية كبيرة، وزوجها من النوع المتفاهم لنمط عملها الذي يحتاج منها أن تقضي ساعات طويلة تمتد إلى المساء.

تحديات المرأة الريفية

تواجه المرأة الريفية العاملة في اليمن، بشكل عام، العديد من التحديات التي تعوق مسيرتها المهنية، وتقلل من فرصها في التقدم والنجاح، وتزداد هذه التحديات صعوبة في ظل عملها في القطاع الحكومي؛ إذ تواجه بيئة عمل محافظة ومعقدة، بالإضافة إلى نقص الدعم والخدمات المتاحة في المناطق الريفية.

ولعل من أبرز هذه التحديات، التمييز على أساس النوع الاجتماعي؛ إذ لا تزال النظرة التقليدية للمرأة الريفية سائدة في المجتمع اليمني، التي تقلل من قيمتها وقدراتها، وتحصر دورها في المنزل وتربية الأبناء، ونقص الخدمات الأساسية؛ إذ ما زالت تعاني المناطق الريفية من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مثل المياه النظيفة، والكهرباء، ووسائل النقل، والطرق المعبدة التي تشكل عبئًا كبيرًا على المرأة العاملة.

كما تعاني من نقص في مراكز رعاية الأطفال؛ ممّا يجبرها على ترك أطفالها مع أقاربها أو مع جيرانها؛ الأمر الذي يسبب لها مشاكل كبيرة في أغلب الأوقات، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية، خاصة للمؤسسات الحكومية في المناطق الريفية، التي تعاني من نقص في الموارد والمعدات، والعادات والتقاليد التي تؤثر على مسيرة المرأة العاملة في المؤسسات الحكومية في الأرياف؛ إذ تواجه في أغلب الأوقات معارضة من عائلتها ومجتمعها.

وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنّ المرأة الريفية في اليمن تثبت قدرتها على التغلب على الصعاب، وتحقيق النجاح في مختلف المجالات، بما في ذلك القطاع الحكومي.

تقول حياة محمد: “إنّ أهم التحديات التي تواجهها المرأة الريفية أثناء عملها كمعلمة، عدم تقديرها ومساعدتها ومراعاة ظروفها الأسرية”.

من جانبها تشير الممرضة إلى أنّ الصعوبات التي تواجهها تتمثل في؛ عدم وجود تقدير من قبل الجهات المعنية والمسئولة على المستوصف، أو حتى مكتب الصحة العامة؛ إذ لا يراعون الظروف العامة التي تواجهها كامرأة عاملة في منطقة ريفية تحكمها عادات وتقاليد، ولديها مسؤوليات أُخرى.

ولا يختلف رأي عالية حول التحديات؛ فمن جهتها تقول: “التحديات التي توجهني تتمثل في عدم الاهتمام من قبل الجهات المعنية بالمرافق والمؤسسات الحكومية في المناطق الريفية، وأيضًا عدم الاهتمام بظروف الموظفين وحالتهم؛ إذ إنّ الدخل المادي لا يكفي المواطن ولا يسدُّ حاجته”.

وأوضحت سيما أحمد، إحدى سكان منطقة الريف في اليمن، أنّ أهم التحديات التي تواجه المرأة العاملة في الأرياف بُعد مقر العمل -نتيجة الطرق الوعرة- وقلة الراتب الذي لا يكاد يغطي جزءًا من المسؤولية الملقاة على عاتق كل امرأة عاملة.

تتابع سيما: “على الرغم من أنّه في بعض الأوقات يكون هناك تقدير لبعض جهود المرأة المبذولة في المؤسسات الحكومية، سواء أكان في القطاع الخاص أم العام، فإنّها ما زالت تعاني صعوبات كثيرة، خاصة في إيجاد وقت لها للإجازات والراحة، والتوفيق بين العمل في الخارج والعمل في المنزل”.

المعالجات

من ضمن المعالجات المقترحة للتخفيف من معاناة المرأة العاملة في المؤسسات الحكومية، تفعيل برامج تمكين المرأة الريفية ودعمها اقتصاديًّا، من قبل الجهود الحكومية، والعديد من المنظمات غير الحكومية، عبر تنفيذ برامج التوعية والتثقيف لتغيير النظرة التقليدية للمرأة، وتعزيز دورها في المجتمع، وبرامج التدريب والتأهيل، لتطوير مهاراتها وقدراتها المهنية، وبرامج إنشاء مراكز رعاية الأطفال، لمساعدتها على التوفيق بين عملها ومسؤولياتها الأسرية، وإتاحة الفرص المتكافئة لها للمشاركة في مختلف مجالات الحياة.

حسب رأي المعلمة حياة محمد، هناك توصيات لأجل مساعدة المرأة الريفية على القيام بعملها في المؤسسات الحكومية، وتشمل: توفير أماكن خاصة للأطفال، وعدم الضغط عليها عبر إلزامها في تنفيذ مهام إضافية، وكذلك التغاضي عن الغياب لسبب وجيه، والتقدير وتغطية العمل إذا حصل ظرف صعب.

ومن وجهة نظر الممرضة هدى كافي بأنّ قيام الجهات الحكومية بتقدير عمل المرأة ودعمها ماديًا ومعنويًا ومراعاة ظروفها في حال غيابها أو تأخيرها، يعد أكبر حافز لها.

من جهتها تشير عالية بأنّ توفير العمل المناسب الذي يتناسب مع المرأة الريفية وظروف بيئتها سيساعدها كثيرًا بأن تكون قادرة أن تعمل في المؤسسات الحكومية بكل أريحية وسلام، وتطور من قدراتها وكفاءاتها.

الدور الرسمي

للجهات الحكومية دور مؤثر ومهم لأجل تقديم تسهيلات للنساء العاملات في القطاع الحكومي، وبهذا الخصوص أشارت هناء الشرجبي -مديرة دار الإيواء التابع لاتحاد نساء اليمن في الشمايتين بتعز- إلى أن نقص التسهيلات المقدمة للمرأة العاملة في اليمن، خاصة في القطاع الحكومي، يشكل تحديًّا كبيرًا يعوق مسيرتها المهنية، ويقلل من فرصها في التقدم والنجاح، وفي أغلب الأحيان تنعدم تلك التسهيلات، مثل رعاية الأطفال؛ إذ لا يوجد في المؤسسات الحكومية أي مكان يختص برعاية أطفال النساء العاملات.

وأوضحت أنّ من ضمن التسهيلات أيضًا، أن يكون هناك مرونة في العمل من حيث الالتزام بالدوام؛ إذ تتعرض في بعض الأوقات إلى التأخير بسبب مسئولياتها الأسرية، وللأسف لا تجد تقديرًا، وأيضًا من حيث الإجازات فهناك ما يسمى بإجازة الوضع، وفي بعض الأحيان تحدث عرقلة من الإدارات.

وتذكر الشرجبي أنّ هناك تحديات تواجه القائمين بالتسجيل لأجل المرأة الريفية العاملة في المجال الحكومي، وهي كالآتي: “لا يوجد تدريب للمرأة، إلى جانب عدم تطبيق أي تسهيلات في أغلب المرافق الحكومية، وكذلك التسلط من قبل الإدارات؛ لعدم وجود قوانين خاصة بالمرأة العاملة لضمان حقوقها”.

وأكملت هناء الشرجبي حديثها: “أخيرًا أستطيع القول بأنّ أفضل مجال لعمل للمرأة من وجهة نظري، العمل في أماكن توفر رعاية للأطفال، والاهتمام بظروف المرأة خاصة في المناطق الريفية، وإن حصل عكس تلك التسهيلات سينعكس سلبًا على العمل، ويؤدي إلى تردي واجبها والتدهور في القيام بالعمل بالشكل الممتاز”.