حنين الوحشالمرأة في التنمية والسلام

 

ترتفع بشكل مُطرد نسب التحاق الإناث بالتعليم الجامعي في اليمن، رغم التحديات التي تقوض هذه الفرص، باستثناء الوعي الجمعي الذي أصبح أكثر تصالحًا مع أهمية التعليم للمرأة.

ومن بين هذه التحديات ما ترويه لنا آلاء الحريري في قصتها التي انتهت أحداثها قبل عام من التخرج، إذ تقول: “كنت ذكية في دراستي وأنفق كل وقتي في مذاكرة الدروس أولاً بأول، حتى تعرفت على صديقات تخرجن قبل سنوات من الجامعة. ورغم تفوقهن فإن المطاف انتهى بهن إلى البقاء في المنزل، إذ وضعن شهادات تخرجهن الجامعية تحت رحمة حشرة قمل الكتب”.

تتابع آلاء: “أصبت بالإحباط وشعرت ألا فائدة من تعلُّمي، وفضلت أن أكمل حياتي كزوجة ومربية أطفال”. هنا تستهجن الناشطة الشبابية منية مسعود المفارقة التي أنهت بها آلاء مشوارها التعليمي، مشيرة إلى الكم الكبير من النساء العاملات في المرافق العامة والخاصة، اللواتي حصدن ثمار تعلمهن وتدربهن بالبحث عن عمل ملائم كغيرهن من الشباب والشابات.

تتبنى الناشطة الشبابية منية حملة إعلامية تدعو إلى تمكين الخريجات الجامعيات وظيفيًا في القطاع العام، وتؤكد أن هذه هي الوسيلة المثلى للقضاء على تسرب الفتيات من التعليم وتشجيع الأسر على الدفع بالبنات إلى التعليم الجامعي.

 

تحدٍ قانوني

تقول منية مسعود: “إن نصوصًا قانونية في التشريع اليمني تكاد تكون محبطة للكثير من الخريجين والخريجات؛ فمن بينها شروط الحصول على الوظيفة العامة كسنوات الخبرة واستيفاء سنوات التعاقد، رغم أن القانون يعد سن 18 سنًا مناسبًا للتوظيف”.

 

وتصف منية المواد القانونية التي تضمنها القانون رقم 43 لسنة 2005، وقرار رئيس مجلس الوزراء بشأن نظام التعيين في الوظيفة العامة، بالمجحفة؛ إذ تحدد هذه المواد القانونية سن 37 عامًا، وخبرة لا تقل عن 13 عامًا للحصول على قرار مدير عام، وهو ما تعده تحديًا يواجه الخريجين والمستجدين بالوظيفة العامة، رجالًا أو نساء.

ويدعو المحامي والناشط الحقوقي محمد العريقي إلى إعادة النظر في المواد القانونية المتعلقة بالعمل في الدستور اليمني، قائلًا: “نحن نعيش في عصر المعلومات والتطور التكنولوجي الذي تفتقر إليه القيادات العتيقة، فالظروف مهيأة للشباب الخريجين، خصوصًا الإناث اللواتي تزيد نسب نجاحهن في اختبارات الثانوية والجامعات عن نسب الذكور”.

 

طاقات مهدرة

يقول الباحث في النوع الاجتماعي، سمير المقطري: “اليمن تمتلك مخزونًا بشريًا كبيراً يتصف غالبيتهم بالحماس والنشاط وحب المعرفة واحتراف المهن والخبرات، غير أنها طاقات مهدرة”.

 

وتشير تقديرات عام 2018 إلى أن نسبة الشباب في اليمن يمثلون 54% من السكان، في حين وصلت نسبة الأطفال إلى نحو 39%، كما تشير تقديرات العام 2020 إلى أن 50% من الشباب إناث، وذلك وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

ويشير الباحث المقطري إلى ما يمتلكه الخريجون الشباب، خصوصًا الإناث، من قوة وحماس وتعطش للمعرفة واكتساب الخبرة، غير أنها قدرات لا تلبث أن تتحطم بجدران الواقع وبيروقراطية النظام العام، على حد وصفه.

وأكد أن دراسة أجراها على إحدى المجتمعات الساحلية في اليمن، توصلت إلى أن 95% من الخريجات الجامعيات بقين في المنازل دون فرص عمل، سواء في القطاع العام أو حتى الخاص. في حين التحق 50% من الشباب الذكور بالجبهات القتالية التي فرضها واقع الصراع.

كما توصلت الدراسة إلى أن نسبة المستجيبات والطموحات للحصول على فرص عمل من الفتيات بلغت 90%، فيما 5% منهن أشرن إلى أن إرادة أزواجهن تضع حقهن في الحصول على العمل خارج دائرة الاهتمام، وأنهن لن يتمكن من الالتحاق بسوق العمل إن وجدت الفرص.

 

تأثير الصراع

أودى النزاع المسلح بحياة الكثير من اليمنيين، كما تسبب بارتفاع نسبة البطالة بشكل مهول، في بلد يعيش مجمل سكانه تحت خطر الفقر، ويسكن في فك المجاعة.

كما أصاب النزاع المسلح مختلف القطاعات العامة بشلل عام، أبرزها قطاع التعليم والصحة؛ إذ حد من وصول الأطفال والشباب إلى التعليم، خصوصًا الإناث اللائي يُعددن من أشد الفئات تضررًا بالصراع. كما شهد القطاع الصحي انهيارًا هائلاً في مختلف المرافق والوحدات في العديد من المحافظات اليمنية.

ويأتي خريجو الجامعات من بين الفئات المتضررة بالنزاع لارتفاع نسبة البطالة وتعطل حركة التوظيف في القطاع العام، وهو ما يعني أن هناك تكدسًا في أوراق وشهادات خريجي عشر سنوات من النزاع في سجلات وأروقة الخدمة المدنية.

تحرص فادية سرحان على تجديد قيدها في الخدمة المدنية سنويًا، رغم أن أمل الحصول على وظيفة عامة لا يحذوها أبدًا على حد تعبيرها؛ إذ قالت: “التوظيف في اليمن متوقف بسبب الصراع. ولو أن هناك احتمالًا بذلك، فسيكون بالوساطة مثلما كان عليه واقع الحال سابقًا”.

وتؤكد أنها منذ تخرجها (في العام الأول من النزاع) عملت معلمة في مدرسة أهلية (خاصة) براتب ضئيل رغم أنها خريجة إدارة أعمال، ولديها معرفة واسعة في الإدارة الحكومية، وهو قسم في نظرها يفترض أن يكون من أكثر الأقسام غزوًا للقطاع العام الذي لن يقوم دون الاعتماد على هذه الخبرات.

 

تعاقد طالت حباله

تخرجت هبة جميل قبل خمس سنوات من الجامعة، ومدفوعة بالإصرار وحب المعرفة التحقت بالدراسات العليا (ماجستير)، تشير إلى أنها تأمل أن تحقق لها شهادتها العليا فرصة تثبيت وظيفي؛ إذ عملت متعاقدة في القطاع العام لأربع سنوات، في قسم السكرتارية.

 

تمكنت هبة من الالتحاق بالقطاع الحكومي بعد عام من تخرجها، غير أن ثلاث سنوات من العمل كانت كفيلة بأن يداهمها شعور مختلف؛ إذ قالت: “شعرت أنني واقفة في مكاني ولا أحقق أي تقدم يذكر، مجرد فتاة متعاقدة براتب لا يكفي لسداد تكاليف تنقُّلي من المنزل للعمل”.

تتابع: “لا وجود لدورات تأهيل وتدريب. كما أن من هم حولك يمتلكون خبرات محدودة لا تختلف كثيرًا عنا، رغم أنهم أمضوا سنوات طوال في عملهم ذاته”، وهو ما جعلها تشعر بالخوف من أن يصيبها الأمر ذاته.

 

مدفوعة بأفكارها تلك، توقفت هبة عن الاستمرار في عملها في القطاع العام والتحقت بدراسة الماجستير، إذ قالت: “خشيت من أن تلتف حبال التعاقد التي طالتني حول عنقني”، بهذه العبارة وصفت هبة سنوات عملها في القطاع العام.

تدعو هبة اليوم الجهات الحكومية إلى استثمار قدرات الخريجات بما يبدينه من حماس عند التحاقهن بالعمل، محذرة في الوقت ذاته من تعريض هذا الحماس والنشاط الزائد للتجمد بقالب الروتين اليومي الممل، وقالت: “القطاع العام بحاجة إلى تطوير في آلية العمل، على سبيل المثال تفعيل رقمية الجهاز الحكومي بدلًا عن روتين الورق والسجلات، وهذا المسعى لن ينجح إلا بالاستثمار الحقيقي في قدرات الخريجين، والخريجات خصوصًا”.

 

هناك بعض الآفاق الإيجابية لوضع الخريجات اليمنيات في الوظائف، منها ازدياد الوعي بأهمية تمكين المرأة في المجتمع، بما في ذلك مشاركتها في سوق العمل، ومساعدتها على اكتساب المهارات اللازمة للوظائف المتاحة. كما يجب على الخريجات السعي إلى اكتساب مهارات جديدة تناسب احتياجات سوق العمل، مثل مهارات اللغة الإنجليزية والحاسوب وريادة الأعمال، والالتحاق بالبرامج التدريبية أو الدورات المتخصصة لتعلم مهارات جديدة.

you might also like