علياء محمد – المرأة في التنمية والسلام
تُمثل المرأة اليمنية العاملة في المؤسسات الحكومية رافعة أساسية لمسيرة التنمية الشاملة للبلاد؛ إذ تلعب دورًا محوريًا وحيويًا في مختلف المجالات، مضاعفةً جهودها يومًا بعد يوم في مختلف القطاعات والتخصصات. كما أثبتت كفاءتها العالية وقدرتها على إنجاز المهام الموكلة إليها باقتدار، تاركةً بصمة مميزة في مسيرتها المهنية في كل جانب.
وعلى الرغم من ذلك ما تزال المرأة اليمنية تواجه تحديات في الحصول على فرص عمل متساوية مع الرجل في بعض المجالات، خاصة تلك التي تتطلب مهارات تقنية عالية.
في تقريرنا هذا نسلط الضوء عن فرص توظيف المرأة في المؤسسات الحكومة مقارنة بالرجل، ونستعرض التحديات والحلول المعالجة لتلك التحديات.
موقع تنافسي ضعيف
كشف تقرير حديث صادر عن مجموعة البنك الدولي لعام 2024 أن الفجوة بين الجنسين في مكان العمل أوسع بكثير مما كان يعتقد سابقًا. ووفقًا للتقرير: “عندما تؤخذ الفروق القانونية التي تشمل العنف ورعاية الأطفال في الاعتبار، فإن المرأة تحصل على أقل من ثلثي حقوق الرجل، وأنه لا يوجد بلد يتيح تكافؤ الفرص للنساء ولا حتى في الاقتصادات الأغنى”.
وفي العام 2021، احتلت اليمن المرتبة 155 من 156 في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، وذلك نتيجة انهيار النظامين السياسي والاقتصادي بسبب الصراع القائم في البلاد؛ الأمر الذي أعطى صورة عن الفوارق الهائلة بين الجنسين، وذلك بحسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
وتشير العديد من المؤشرات إلى الفوارق الهائلة بين الجنسين في اليمن، خاصة في مجال المشاركة الاقتصادية في المرافق الحكومية؛ إذ تواجه المرأة صعوبات كبيرة في الحصول على فرص عمل متساوية مع الرجل في تلك المرافق، وتعاني من التمييز والتحيز في مكان العمل.
من أهم تلك التحديات التي تواجهها المرأة اليمنية في المجال الاقتصادي، نقص فرص العمل المتساوية مع الرجل في بعض المجالات داخل المرافق الاقتصادية الحكومية، وإن وجدت للمرأة غالبًا ما تكون ذات رواتب منخفضة وظروف عمل صعبة.
تفيد سماح قائد -موظفة حكومية- أن النساء اليمنيات يواجهن تحديات في بعض المؤسسات الحكومية، إذ تقول: “على الرغم من التقدم الذي تحقَّق توظيف النساء في المؤسسات الحكومية خلال مراحل متعاقبة، فإنَّ هناك العديد من التحديات التي تواجههن وتحُوْل دون تحقيق المساواة الكاملة بين النساء والرجال في سوق العمل؛ إذ ما يزال الرجل يحتل مكانة أقوى وأكثر تمثيلاً في القطاع العام في العديد من القطاعات، الأمر الذي يقلل من فرص العمل المتساوية لدى النساء”.
كما تشير إلى أنه ما تزال المرأة تواجه تحديات هائلة في الوصول إلى المناصب القيادية العليا في مختلف المؤسسات، على الرغم من إثباتها لكفاءتها ومهاراتها العالية؛ إذ تلعب التفضيلات الوظيفية لصالح الرجل والتحيز الجندري دورًا رئيسيًا في حرمان المرأة من هذه الفرص، مما يعوِّق مسيرتها المهنية ويؤثر سلبًا على تقدمها وتحقيق طموحاتها.
وتقول: “تعود أسباب التمييز الوظيفي بين الرجل والمرأة والتحيز الجندري لصالح الرجل إلى عدد من العوامل، أبرزها العادات والتقاليد الاجتماعية، التي تقصر دور المرأة على العمل المنزلي ورعاية الأسرة، والنظرة السلبية السائدة التي تبين أن قدرات المرأة أقل من قدرات الرجل، وعدم الثقة في قدراتها القيادية؛ الأمر الذي حدد وظائف معينة تعمل فيها المرأة، إضافة إلى عدم توفر بنية تحتية مناسبة تتماشى مع احتياجات المرأة في العمل.
توافقها الرأي عطيات عبود باضاوي -ناشطة مجتمعية وحقوقية- تقول: “تكافؤ فرص العمل بين المرأة والرجل حقٌّ أساسيٌّ من حقوق الإنسان، وضرورة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع، لكن ما تزال المرأة في مجتمعنا تتقاضى راتبًا أقل من الرجل مقابل نفس العمل، ومن جهة أخرى لعبت التغييرات السياسية والاجتماعية دورًا كبيرًا في زيادة الفجوة بين الجنسين، وشهدنا تغييرات جذرية من ناحية الحقوق والاستحقاق”.
وأضافت: “من الأسباب التي تحـول دون تحقيـق المسـاواة بيـن الرجـل والمـرأة فـي مجال العمـل، وكل مسـتويات التنميـة، العوامل الاجتماعية التي تعزز التمييـز ضـد المـرأة، وعـدم وجـود حمايـة قانونيــة للمــرأة فــي مجــال العمــل؛ مما يحرمها من حقوق أساسية في العمل، مثل المساواة في الأجر وفرص الترقية”.
وأشارت في حديثها إلى أن المادة (42) في القانون اليمني تنص على مساواة المرأة بالرجل في جميع شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته دون أي تمييز، وتحقيق التكافؤ بينهما في الاستخدام والترقيات والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية. مع ذلك، لا يُطَبَّق هذا القانون في الواقع العملي.
وتتابع القول: “بموجب قانون المساواة في الأجر يجب أن يحصل الرجال والنساء في نفس مكان العمل على أجر متساوٍ مقابل العمل نفسه، ويتحقق ذلك عندما تحظى النساء بالفرص ذاتها المتاحة للرجال، وتتمتع بكل الحقوق، ويقع عليها الالتزامات ذاتها في جميع مناحي الحياة، وهذا يعني المشاركة المتساوية في توزيع السلطة والنفوذ، والحصول على الفرص المتساوية من أجل الاستقلال المالي، والتعليم وتحقق الطموحات”.
تغيير إيجابي
ترى فاطمة محمد -إحدى العاملات في مستشفى حكومي- أن هناك تغييرًا إيجابيًا في نسب حضور النساء في المؤسسات الحكومية في اليمن، إذ تقول:” في السابق كان التوظيف في المؤسسات الحكومية محصورًا بشكل كبير على الرجال. ومع تغيُّر واقع المجتمع اليمني عبر مراحل زمنية مختلفة، جسَّد دور المرأة الفعال في كل مجالات الحياة، وفُتِحَتْ الأبواب أمامها للعمل في المؤسسات الحكومية والمشاركة في بناء الدولة وتطويرها”.
وأضافت أن عددًا من المؤسسات الحكومية اليمنية شهدت تزايداً في نسبة توظيف النساء في مختلف القطاعات؛ نظرًا لما يقمن به من أدوار مهمة ومؤثرة في القطاع الحكومي، إضافة إلى الكفاءة والجدارة والرغبة في التنمية والبناء، والمساعدة في توفير الخدمات العامة للمواطنين.
كما أكدت في حديثها أن توفير فرص عمل للنساء في المؤسسات الحكومية يعد من أهم خطوات تحقيق المساواة بين النساء والرجال؛ إذ يعزز دور المرأة في المجتمع في مختلف التخصصات والمجالات، ومن الضروري أن تعمل الجهات المعنية والمؤسسات الحكومية على إيجاد فرص عمل متساوية للجنسين، وتوفير بيئة عمل مشجعة لتحقيق التنمية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
معالجات لزيادة فرص توظيف النساء
تذكر فاطمة عددًا من الحلول لزيادة فرص توظيف النساء في المؤسسات الحكومية أبرزها: تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية دور المرأة في البلد قانونيًا واقتصاديًا ، والاعتراف بحقوقها وقدراتها التي تسهم في بناء سياسات وقوانين تعزز حقوق المرأة في العمل ومكافحة التمييز والتحيز الجندري، وتوفير أساليب إدارة تعزز المساواة بين الجنسين وتحميها من أي تمييز واعتماد التقييم على الكفاءة والإنجاز، إضافة إلى تنفيذ برامج تدريبة وتأهيلية؛ لتمكين المرأة من دخول سوق العمل وتنمية مهاراتها وإتاحة الفرصة لها لمشاركة اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.
لا شك أن توظيف النساء في المؤسسات الحكومية يعد خطوة مهمة في مسيرة تمكين المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، كما تسهم في تحقق الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي للبلد؛ فمن خلال دمج النساء في مختلف مستويات العمل الحكومي، يمكننا الاستفادة من قدراتهن وإمكانياتهن لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في جميع المجالات والقطاعات، وتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد وزيادة الإنتاجية.
ولا شك -أيضًا- أن الفجوة بين الجنسين في مكان العمل في اليمن تعد تحديًا كبيرًا يجب معالجتها من خلال العمل التشاركي مع الجهات المعنية؛ لخلق عالم تتاح فيه للنساء فرص متساوية للمشاركة في العمل والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة للجميع في بلد أنهكته الصراعات.