ياسمين عبدالحفيظالمرأة في التنمية والسلام

 

تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورًا مهمًّا في تسليط الضوء على مختلف قضايا المجتمع بشكل مؤثر وفعّال، لا سيّما في اليمن الذي يعاني من ظروف استثنائية منذ سنوات، مثل الفقر والبطالة والتعليم والصحة وغيرها، وذلك عبر برامجها الإعلامية في وسائلها المختلفة، التي تُساعد بشكل كبير في إيصال تلك القضايا إلى صناع القرار والجهات المختصة، لإيجاد حلول لها.

وعلى الرغم من الأهمية البالغة لوسائل الإعلام في طرح القضايا المختلفة، فإنّ الأمر يختلف في اليمن، فقد أدّى الصراع الدائرة في اليمن إلى تقييد حرية العمل الصحفي؛ ممّا أثّر على قدرة وسائل الإعلام على أداء دورها بشكل كامل؛ إذ اتجهت العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعات والمواقع الإخبارية الالكترونية إلى تغطية أخبار الصراع الدائر في البلاد منذ سنوات كثيرة.

مع ذلك أصبح المجتمع اليمني أكثر وعيًا بأهمية دور الإعلام في دعم قضايا المجتمع؛ ممّا يُشكل حافزًا لوسائل الإعلام للارتقاء بأدائها؛ إذ ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من وسائل الإعلام الجديدة، مثل المواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي أتاح فرصًا جديدة لحرية التعبير والتواصل.

 

قضايا المرأة العاملة في المرافق العامة

وتعدُّ قضايا المرأة العاملة في القطاع الحكومي من القضايا المغيبة على طاولة الإعلام اليمني، على الرغم ممّا تعانيه النساء في اليمن من تحديات بفعل العادات والتقاليد والجهل والتمييز والظروف الاقتصادية التي تعصف بالبلاد جراء النزاع، وغيرها من المشاكل التي تعيشها المرأة منذ زمن بعيد وما زالت؛ إذ لا توجد برامج إعلامية تتناول هذا الجانب بالتحديد وبشكل مركز ومؤثر.

تقول فاطمة نبيل -مواطنة من مديرية الحالي بمحافظة الحديدة-: “على الرغم من التزايد المستمر في عدد وسائل الإعلام اليمنية، خاصة القنوات والإذاعات والمواقع الإخبارية والتخصصية الإلكترونية، فإنّنا نادرًا ما نجد المساحات التي تناقش قضايانا ومشكلاتنا، خاصة واقعنا في المؤسسات الحكومية؛ من أجل وضع حلول جذرية لتلك المشاكل”.

وتضيف: “تواجه المرأة اليمنية في مختلف مناطق البلاد ظروفًا قاسية ومعاناة كبيرة؛ إذ تعاني العديد من النساء اليمنيات من نقص الرعاية الصحية، وسوء التغذية، ونقص الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والتعليم والصرف الصحي، إلى جانب ظروف المعيشة التي ضاعفت من مسئولية المرأة اتجاه أسرتها، لذلك يعد تخصيص مساحات كافية لتناول قضايا المرأة ضروريًّا”.

من بين قضايا المرأة التي تدعو لتسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام اليمنية وضع المرأة العاملة في المؤسسات الحكومية، لا سيَّما مع نزوح العديد منهنّ بعد إغلاق العديد من المؤسسات الحكومية في بعض المناطق اليمنية نتيجة الصراع، إلى جانب انقطاع الرواتب، وتدمير كثير من المرافق التابعة لها.

هذا ما أكده الإعلامي عاصم المصعبي؛ إذ يقول: “من الضروري أن تركز وسائل الإعلام على الإنجازات التي تحققها المرأة في مختلف المجالات، خاصة في المرافق الحكومية، وإبرازها للمجتمع، وحثّها على مواصلة السعي لتحقيق أهدافها، كما يجب على وسائل الإعلام طرح المشاكل التي تواجهها المرأة في عملها، وإيجاد حلول مناسبة، وأيضًا تثقيف المجتمع حول أهمية المرأة في إنجاز مهامها المؤسسي، بعدِّ الإعلام الوسيلة الأشمل في مخاطبة الجمهور، وإيصال رسالته إليهم”.

الإعلام واستعراض إنجازات النساء

في هذا الشأن يقول يحيى الأحمدي -أكاديمي وباحث سياسي-: “إنّ الحضور الذي تمثله المرأة العاملة في المؤسسات الحكومية، وتفوقها في مجال عملها، وإنجازاتها الملموسة لا يزال بعيدًا عن الإعلام اليمني، إلا مِن إشارات عابرة أو تناول هامشي لا يعكس واقع المرأة العاملة وتطورها وتمكنها من المنافسة، على الرغم من كل المعوقات”.

ويضيف في حديثه لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام): “قليلًا جدًّا ما نسمع عن تقارير أو أعمال صحفية أو إعلامية تبرز دور المرأة العاملة، أو تسعى نحو تقديم النماذج النسوية الناجحة للرأي العام”.

ويؤكد أنّ هذا التوجه ليس اعتباطًا أو عفويًّا، إنّما لأسباب كثيرة؛ أهمها ثقافة المجتمع الذكوري الذي يتوارث صورة نمطية عن المرأة، ويحصرها في الأعمال المنزلية وحسب. ويرى الأحمدي أنّه لا يزال هناك من ينكر على المرأة خروجها للعمل أو الدراسة أو القيام بأيّ دور، فضلًا عن تغطية نجاحاتها وتميزها في الواقع العملي.

مشيرًا إلى أن المرأة تتحمل جزءًا من هذا التغييب والإلغاء؛ لأنها تماشت مع العادات والتقاليد، وتعاطت مع الواقع، وعزفت عن التعريف بنفسها ومنجزاتها، ولم تستغل الانفتاح الإعلامي الكبير، والتطور المدهش في وسائل التواصل، أو ما يطلق عليه بالإعلام الجديد، الذي يتيح لها تسجيل حضورها كشريك فاعل في المجتمع.

من جهته يقول الإعلامي عديل عقلان: “من المفترض أن تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًّا في تسليط الضوء على إنجازات المرأة الموظفة حكوميًّا، وذلك من خلال إبراز قصص نجاح النساء، وعبر كتابة مقالات، وتصوير تقارير تلفزيونية تروي قصص نجاح نساء استطعنَ ​​التغلب على التحديات، وتحقيق إنجازات ملموسة في مناصبهنّ الحكومية”.

ويتابع: “هناك بعض التحديات التي تعوق تحركات المرأة؛ من خلال مناقشة القضايا التي تواجهها المرأة العاملة في الحكومة، مثل التحيز الجنسي، ونقص الفرص، وعدم المساواة في الأجر”.

ويؤكد عقلان بأنّ الإعلام اليوم يقع على عاتقه الترويج للنساء القياديات، وإبراز نماذج نسائية ناجحة في الحكومة، وتشجيع المزيد من النساء على السعي وراء مهن في القطاع العام، وفي هذا الصدد يجب على الوسائل الإعلامية ممارسة الضغط على صناع القرار لمعالجة القضايا التي تواجهها المرأة الموظفة، مثل سنّ قوانين تحمي حقوق المرأة، وتضمن المساواة في مكان العمل.

ويتابع في نفس سياق الحديث: “خلال المدّة الأخيرة، وسائل الإعلام اليمنية تأثرت إيجابيًّا في طرح قضايا المرأة العاملة في القطاع الحكومي بشكل خجول، إضافة إلى أنّ دور وسائل الإعلام تركز على إنجازات المرأة في الدوائر الحكومية؛ الأمر الذي أسهم في نشر الوعي المجتمعي حول أهمية دور المرأة في المجتمع”.

موضحًا أنّ وسائل الإعلام اليمنية لها أهمية بالغة في نشر الوعي حول حقوق المرأة، وذلك عبر تسليط الضوء على قصص النجاح والإنجازات التي تحققها في القطاع الحكومي، وبالتالي ستسهم وسائل الإعلام في تعزيز التمكين النسائي، وتشجيع المزيد من النساء على تحقيق النجاح في مجالاتهنّ.

 الإعلام وقضايا المرأة العاملة

وبخصوص تأثير وسائل الإعلام في طرح قضايا المرأة العاملة في القطاع الحكومي يقول الأكاديمي يحيى الأحمدي: “بلا شك هناك تأثير كبير ودور مهم يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام؛ من خلال متابعة إنجازاتها والتفاعل معها، وتقديم نماذج نسوية لها حضورها وتجاربها الناجحة، التي تعدُّ قدوة للكثير من النساء اليمنيات، كل ذلك سيزيد من حماس المرأة، وسيعزز من حضورها وإصرارها على تحقيق مزيد من النجاحات”.

ويتابع حديثه: “بالتأكيد ستؤثر وسائل الإعلام على المجتمع؛ من خلال مواكبتها لنجاحات المرأة العاملة، وستزيد من التوعية بحقوقها المشروعة، وتمكينها من الإسهام في بناء الوطن، وستزيح تلك الصورة السلبية النمطية التي كبلتها وصادرت حقها في البناء والتنمية”.

من جهتها تقول مروى العريقي -رئيسة تحرير منصة هودج- وهي منصة إلكترونية تهتم بقضايا المرأة اليمنية: “أولًا دعونا نتفق على تقيم عام لتبني وسائل الإعلام اليمنية قضايا المرأة اليمنية وهو ضعيف للغاية، فالإعلام اليمني خاصة خلال الصراع همش المرأة، وأدّى إلى تراجع وجودها السياسي في مناصب الدولة؛ الأمر يعدُّ انقلابًا على مخرجات الحوار الوطني، الذي أقر بتمثيل المرأة في جميع المرافق الحكومية بنسبة لا تقل عن 30%”.

وتشير في حديثها إلى أنّ المرأة العاملة في القطاع الحكومي أقل حظًّا في تسليط الضوء على قضاياها، ويكاد يكون صوتها مخنوقًا؛ وذلك نتيجة العدد المحدود من القيادات النسائية في الدوائر الحكومية.

وتضيف: “على الرغم من مساندة نصوص القوانين والتشريعات، فإنها لا تطبق بحذافيرها، وتغفل حقوق المرأة، وهذه الاشكالية تسهم المرأة فيها بشكل كبير؛ إذ من المفترض معرفة الشخص بحقوقه وواجباته كافة، وعليه معرفة القوانين التي تحميه وتحمي مصالحه؛ حتى لا يقع في المحظور، ولا يتصرف بما قد يضرّه”.

وتتابع: “غياب دور الإعلام عن مناقشة قضايا المرأة العاملة في القطاع الحكومي يعود إلى النمط الذي اعتادت أن تغطيه تلك الوسائل القائمة على الإثارة والعنف والصراع، وهو ما يغيب عن قضايا المرأة العاملة في القطاع الحكومي، ناهيك عن خوف النساء من التحدث إلى الوسائل الإعلامية إمّا بدافع الخجل، وإمّا منع ذويهنّ”.

وتدعو العريقي وسائل الإعلام اليمنية إلى إدخال صوت المرأة في المجالات كافة، في برامجهم. وتضيف: “نتمنى أن نرى برامج إعلامية تخدم قضاياها، وتحقق أثرًا ملموسًا، تبنى عليها قرارات تساعد المرأة في تطوير ذاتها وصقل مواهبها، وتمنحها الاستقلالية بعدِّها كيانًا مستقلًا بذاته”. مؤكدة ضرورة التركيز على دور الرجل الإيجابي الذي يساند المرأة بعدِّها شريكة في البناء، وعدم تجاهل هذا الدور؛ فالحياة تكامل، ولا تستقيم بجنس واحد.

ومن جانبه يوضح الإعلامي عقلان أنّ وسائل الإعلام اليمنية يمكن أن يكون لها تأثير كبير في طرح قضايا المرأة العاملة في القطاع الحكومي؛ من خلال تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها؛ من تمييز في المعاملة والراتب والمناصب القيادية، والإنجازات التي تحققها.

ويضيف: “من الحلول المقترحة لتعزيز دور المرأة في المجتمع، العمل على رفع الوعي بحقوق المرأة، وتعزيز المساواة بين الجنسين في القطاع الحكومي في الوسائل الإعلامية المختلفة”.

خطط تطويرية

وبحسب عقلان من الممكن تقديم العديد من البرامج المتنوعة التي يمكن تخصيصها في الوسائل الإعلامية اليمنية لمناقشة قضايا المرأة العاملة في المجال الحكومي، منها برامج حوارية تستضيف نساء ناجحات في المؤسسات الحكومية لمشاركة قصصهنّ وتجاربهنّ، وبرامج توعية تسلط الضوء على حقوق المرأة في مجال العمل والتمكين الاقتصادي، بالإضافة إلى تقارير خاصة تتناول تحديات المرأة العاملة وإنجازاتها في القطاع الحكومي، وبرامج تثقيفية تسلط الضوء على أهمية تعزيز دور المرأة في القطاع الحكومي، وتشجيع المشاركة النسائية.

وفي الإطار نفسه تقول الصحفية فاطمة الأغبري: “مع الانقسام في وسائل الإعلام المختلفة هناك بعض المؤسسات الإعلامية نوعًا ما ركزت على قضايا المرأة اليمنية بشكل عام، في حين مؤسسات أخرى لم تتطرق لأي قضايا تخص النساء في اليمن”.

you might also like