أحمد باجعيمالمرأة في التنمية والسلام

 

في عالم يشهد تحولات اجتماعية وثقافية ملحوظة، تزداد المناقشات بشأن المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة في اليمن. وقد ارتفعت الفجوة بين الفئتين مؤخرًا؛ نتيجة استمرار النزاع المسلح بين الأطراف المعنية. وتشير تقارير للأمم المتحدة بأنّ اليمن تحتل المركز 155 من أصل 156 كأكثر دول العالم فجوة بين الجنسين، فالنساء على رغم تقدمهنّ في مختلف المجالات، يواجهنَ تحديات عدة عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى الوظائف الحكومية المرموقة أو العادية، مقابل رجال يبدون أكثر انتشارًا. علاوة على ذلك، النزاع والأطراف المعنية التي فرضت قيودًا أكثر صرامة على النساء.

هناك أيضًا عوامل أخرى تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية في بعض المناطق والأرياف اليمنية، التي أدت إلى تحجيم فرص النساء للحصول على وظائف في المؤسسات الحكومية مقارنة بالرجال، مما يضع العديد من التساؤلات؛ أبرزها، ما هي العوامل التي تحدد اختيار أحد الجنسين على حساب الآخر في عملية التوظيف بالمؤسسات الحكومية؟ وهل هناك انحياز جنسي متجذر يؤثر في هذا الأمر، أم أن هناك دوافع وعوامل أخرى تلعب دورًا أساسيًّا في تلك القرارات؟ على الرغم من وجود نساء يمتلكنَ الخبرة والمهارة المطلوبة في مختلف التخصصات، بالإضافة إلى تزايد معدل الفتيات الحاصلات على التعليم الجامعي وأكثر تفوقًا.

 

نسبة التوظيف

ذكر مدير عام وزارة الخدمة المدنية والتأمينات بساحل حضرموت، مبارك ناصر، أنّ إجمالي عدد موظفي السلطة المحلية بمديريات ساحل حضرموت (16508) موزعين على جميع مكاتب الدولة ومرافقها، وبلغ عدد طالبي التوظيف المسجلين في مكتب وزارة الخدمة المدنية (8556)، في حين عدد المتعاقدين على حساب السلطة المحلية، بمعنى أنّ السلطة المحلية من تتكفل بدفع رواتبهم، (18600) متعاقد في جميع الدوائر والقطاعات الحكومية في حضرموت الساحل، وتصل نسبة تمثيل المرأة من هذه الأرقام نحو %30 أو أقل.

 

وحصلت صحيفة “المرأة في التنمية والسلام” على إحصائية حديثة لنسبة توظيف النساء مقارنة بالرجال في مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت، التي تشير إلى أنّ نسبة توظيف المرأة وصل إلى (100) امرأة بين موظفة ومتعاقدة، في حين وصل عدد الرجال إلى (274) موظفًا ومتعاقدًا؛ أي نسبة توظيف الرجال يقارب ما يزيد عن %70، مقابل أقل من %30 للنساء، وهذا يوضح نسبة الفرق الشاسع ومدى توسع الفجوة بين الجنسين؛ إذا طبقنا هذه الإحصائية على جميع المكاتب والدوائر الحكومية في عموم المحافظات اليمنية، وربما بعض المؤسسات الحكومية تفوق نسبة توظيف الرجال أكثر من ذلك.

 

المرأة وصناعة القرار

أشارت المدير العام للهيئة العامة لحماية البيئة بساحل حضرموت، المهندسة نجوى أنيس بن زيدان، التي تعدُّ إحدى النماذج النسوية التي استطاعت تقلّد مناصب قيادية في حضرموت، إلى أنه في الآونة الأخيرة ظهرت اتجاهات عالمية وإقليمية ومحلية تعترف بأهمية دور المرأة في صنع القرار، وفي العمل الحكومي والتنمية المستدامة، وبأهمية تعزير مشاركتها التي تسهم في تحقيق الحوكمة العادلة والنمو الاقتصادي للبلد.

وأكدت أنّ التجارب والأبحاث قد أوضحت أنّ وجود المرأة في مناصب القيادة يعزز التركيز على قضايا مهمة، مثل التنمية البشرية، والخدمات العامة، والقضايا المتعلقة بالمرأة نفسها.

وأردفت نجوى قائلة: “من خلال نظرتنا المستقبلية للمرأة في المؤسسات الحكومية، هناك تقدم ملحوظ في هذا جانب؛ إذ حازت المرأة الآن على مناصب عليا في بعض المرافق، وهذا الدعم المستمر للمرأة يزداد مع مرور الوقت والتطور، وأنّ هناك زيادة في نسبة الفتيات الملتحقات بالجامعات والتعليم العالي؛ الأمر الذي يعزّز من فرصهنّ للحصول على مناصب قيادية داخل المؤسسات الحكومية وكذلك الخاصة.

وأوضحت أنّه لتطوير دور المرأة في العمل الحكومي، لا بُدّ من تعزير السياسة الداعمة للمرأة وتوفر فرص أكثر، ويمكن ذلك من خلال دعم برامج التوعية والتدريب؛ لتعزيز مهارات المرأة وتأهيلها للعمل والقيادة، وإنشاء بيئة عمل تساعدها على إحداث نقلة نوعية في القطاع الذي تعمل به، وإسهامها في تحقيق النجاح والأهداف المأمولة والمرجوة منها.

 

نظام التعاقدات

يعد نظام التعاقد الحكومي في اليمن نمطًا شائعًا للتوظيف في مختلف المؤسسات والوزارات، إلا أنه يثير العديد من التساؤلات حول مدى فعاليته واستدامته، خاصة فيما يتعلق بآثار ذلك على كفاءة العمل وتحقيق التنمية المستدامة.

تقول أسماء كلشات -مدرسة متعاقدة في جامعة المهرة-: “إنّ عقود التعاقد الحكومي تقدّم فرصًا للعمل لعدد كبير من الأشخاص؛ ممّا يسهم في الحد من مشكلة البطالة، كما تتيح هذه العقود للمؤسسات الحكومية توظيف خبراء ذوي كفاءات محددة لمدّة زمنية محددة، والاستفادة من مهاراتهم في مشاريع محددة من قبل الحكومة ووزارة الخدمة المدنية والتأمينات، وبعد ذلك قد تُجدد أو تُفسَخ؛ بمعنى أنّها ليست مثبّتة”

وأشارت كلشات أن الأجور والرواتب الذي تعطى للمتعاقدة تعدُّ ضئيلة جدًا ولا تلبي احتياجاتها الأساسية، ويعد المبلغ الذي يعطى للمتعاقدة خاصة “المعيدة” في الجامعة ما يقارب (70) ألف ريال يمني، أي نحو (42) دولارًا أمريكيًّا، وفق سعر الصرف في جنوب البلاد؛ إذ إنّ المتعاقدات هنَّ بحاجة ماسة إلى توفير دورات تدريبية تشجّعهنّ على الممارسة المهنية، والثقة بمنحها الأولية في التقديم، والدفع بها تجاه التوظيف الرسمي، وتمكينها من المؤسسات الحكومية.

من جانبها ترى المتعاقدة في التوجيه المعنوي بالأمن والشرطة في ساحل حضرموت سميرة يسلم أنّ المرأة في المؤسسات الحكومية تُعدُّ العمود والركيزة الأساسية للنهوض ونجاح العمل المؤسسي، لو تم دعم المرأة وتحفيزها سيكون لمستقبل المؤسسات الحكومية ازدهار وتقدم ونهوض مستقبلًا؛ فالنساء لا تعدُّ تكملة عدد كما يفكر بعض من الأشخاص؛ لأن الاعتماد الأساسي في تجربة النجاح لأي مؤسسة حكومية تكمن في إعطاء المرأة مكانتها الصحيحة بما يتناسب مع قدراتها وخبراتها العملية والعلمية، ونلاحظ أنّ المرأة في المؤسسات الحكومية تُحارب.

كما توضح أنّها خاضت تجربة التعاقد منذ عام 2018م إلى الآن، ولم ترَ أي بصيص أمل في التوظيف والترسيم، على الرغم من خدمتها المتواصلة في العمل، والتزامها بمبادئ المهنة وأخلاقياتها التي تنتسب إليها، وعاشت التجربة على قلق أنّه سيتغنى عنها، وعن باقي زملائها المتعاقدين في أي لحظة، ومع ذلك ما زالت صامدة في العمل دون إعطائها حوافز أو بدل مواصلات لبعض التغطيات الخارجية.

وتطرقت سميرة إلى أنّ هناك فرص عمل هائلة للمرأة في المؤسسات الحكومية يجب استغلالها، بما يتناسب مع خبراتها ومهاراتها وقدراتها العملية والعلمية، مؤكدة أنّ هناك تجارب عديدة لبعض الدول المتقدمة والناجحة التي أعطت المرأة مكانتها في البرلمان، وفي رئاسة الحكومة، وفي مؤسسات الدولة بشكل عام، والتجارب السابقة للمرأة لا بُدَّ أن تعطيها دوافع ومحفزات لاستغلال الفرص نحو التقدم والنهوض والتغيير، كما أنّ هناك بعض الدول العربية بدأت في إعطاء المرأة فرصًا كبيرة في المؤسسات الحكومية، وعملت على تشجيعها في جوانب عديدة لم يسبق للمرأة الخوض فيها؛ ممّا يعطيها دافعًا وقدرة على إحراز معدلات نجاح كبيرة في فرص العمل لدى المؤسسات.

 

التحديات والصعوبات

تطرقت كلشات إلى إبراز عدد من التحديات التي تواجه المتعاقدات في المؤسسات الحكومية، ومنها الضبابية في بعض الأمور للموظفين، خاصة في شروط العقد التي أحيانًا لا تتطابق مع العمل، وتحملك مسؤولية فوق عملك، غير مكلف بها بالعقد، وكذلك عدم التمويل الحكومي بكثرة؛ أي بمعنى ضعف الراتب الشهري إلى حد كبير لا يلبي أبسط مستلزمات المتعاقد؛ ممّا يجعل كثيرًا من المتعاقدين، خصوصًا النساء، ترك التعاقد الحكومي، والبحث عن عمل بديل في القطاع الخاص، الذي يقدّم عائدًا ماديًّا أفضل، أيضًا غياب التدريب المهني والتأهيل من قبل المؤسسات الحكومية للمتعاقدين.

وتشير إلى واقع تجربتها في العمل كمتعاقدة، تطالب إدارة المؤسسات الحكومية تحسين وضع الموظف أو المتعاقد، وتقييم أدائه لعمله عبر معرفة الإيجابيات، والسلبيات التي يجب أن يتفادها الموظف في المستقبل، كما اتضح لها أنّ العمل بالمؤسسات الحكومية يفرق كثيرًا عن الخاص، من ناحية التمويل وصقل المهارات.

كما ترى سميرة أنّ أهم التحديات التي تواجه المتعاقدات من النساء تغيير المديرين؛ إذ إنّ بعض المديرين لديهم فكرة أنّه لا بُدّ من التقليل من نسبة المتعاقدين أو إعطائهم أقل أجر، فيتمّ على موجب ذلك التقليل من عدد المتعاقدين، وخاصة من النساء، وبعضهم يقلل من نسبتهم بشكل هامشي دون ترتيب العمل، وبعضهم يهمش فئة المتعاقدين في المكتب أو الإدارة، ويكون اعتماده على من هم موظفون رسميون، وأيضًا يُتَعامل مع الموظفين والمتعاقدين خارج إطار القوانين واللوائح الخاصة بنظام العمل والأجور.

وتضيف أنّ من التحديات كذلك توقيف نظام التوظيف؛ إذ قد يبلغ عمر المتعاقد في المؤسسة أكثر من (10) سنوات دون بصيص أمل في توظيفه بشكل رسمي، في ظل المتغيرات الطارئة في البلد، ويسبب ذلك إحباطًا في نفسية المتعاقد، وأيضًا ضعف الأجور التي تؤدي إلى التكاسل في أداء الأعمال والواجبات في العمل من قبل المتعاقد.

 

المعالجات

طرحت أسماء كلشات بعض المقترحات والتوصيات لتحسين وضع المرأة المتعاقدة في المؤسسات الحكومية، ومنها زيادة التمويل الحكومي والتعويضات للمتعاقدين، والرفع من قيمة الأجور والرواتب، وتحسين حالتهم المادية، أيضًا أن يكون التعاقد ثابتًا، وأن تحسب سنوات التعاقد من ضمن سنوات التوظيف حتى يتمكن من الحصول على العلاوات السنوية والترقيات، والأهم من ذلك خصوصًا المتعاقدات في الجامعات دعمهنّ في مواصلة التعليم العالي من ماجستير ودكتوراه، والابتعاث على نفقة الدولة إلى الخارج، للمزيد من التحصيل العلمي واكتساب الخبرات والتجارب، وتطبيقها على واقعنا المعاصر لما فيه من تطوير وتعزيز للعمل.

وبالسياق ذاته ذكرت المتعاقدة سميرة يسلم مجموعة من التوصيات والمقترحات؛ أهمها: دعم المرأة سواء الموظفة أو المتعاقدة، وإعطاؤها مكانتها الصحيحة وفقًا للقانون واللوائح، وتمكينها من المناصب القيادية ذات القرار، أيضًا تمكينها اقتصاديًّا وسياسيًا، وإعطاؤها فرصًا في مؤسسات الدولة، والعمل على البرامج التي من شأنها رفع مستوى قدرات المرأة، وتوسيع معارفها ومداركها في التمكين.

وأردفت أنّ من ضمن المقترحات، تحديث القوانين بما يتناسب مع التطور والتقدم في العالم في مختلف التخصصات والمجالات، ووضع إستراتيجيات تطويرية خاصة للمرأة، وعدم حصر المرأة في زاوية أنّها تتولى إدارة الدوائر الخاصة بها فقط، بل يجب إعطاؤها نطاقًا واسعًا على مستوى المؤسسات.

وفي ختام التقرير، نؤكد أنّ نسبة توظيف المرأة مقارنة بالرجل ما زالت ضئيلة جدًّا، وأنّ حجم الفجوة بين الجنسين ما زالت كبيرة؛ لهذا يعدُّ الصراع بين الأطراف المتناحرة السببَ الأبرز في ضعف تمثيل المرأة بالمؤسسات الحكومية، إلى جانب العادات والتقاليد التي ما زال المجتمع المحلي متمسكًا بها، وبعض الأسباب الأخرى، الأمر الذي يتطلب تكثيف الجهود المشتركة المجتمعية والجهات المعنية لتقليص الفجوة بين الجنسين، وإعطاء المرأة مكانتها المستحقة في التمثيل الحقيقي بالقطاعات الحكومية.