حنان حسين – المرأة في التنمية والسلام
في خضمّ الأوضاع الأمنية المُتفاقمة في اليمن، وتصاعد وتيرة الصراع والنزاعات المسلحة، لم يسلم مجال الرياضة من تداعيات هذه الأحداث الجسيمة؛ إذ شهدت مشاركة المرأة اليمنية في مختلف الأنشطة الرياضية تراجعًا ملحوظًا على المستويات كافة.
وتُجسد كلمات الزعيم العالمي نيلسون مانديلا “الرياضة لديها القدرة على تغيير العالم، ولديها القدرة على الإلهام، ولديها القدرة على توحيد الناس بطريقة لا يفعلها سوى القليل” واقع نساء اليمن اللواتي يقاومنَ الظلم من خلال الرياضة، ويقدمنَ مثالًا يُحتذى به للعزيمة والصمود في وجه الصعاب.
أهمية وجود العنصر النسائي
ترى لاعبة كرة السلة اليمنية، نورهان محمد، أهمية مشاركة المرأة في الرياضة. منوهة إلى الفوائد الجمة التي تعود على الفرد والمجتمع ككل، سواء على المستوى الصحي أو النفسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي والتنموي في البلاد، كما تسهم الرياضة في تعزيز ثقتها بنفسها واحترامها لذاتها، ممّا يؤهلها لأن تكون عنصرًا فاعلًا في بناء أسرتها ومجتمعها.
وتضيف: “إنجازات المرأة في المجال الرياضي ليست حكرًا على دول معينة، بل هي إنجازات عالمية تثبت جدارة المرأة وكفاءتها في مختلف المجالات الرياضية؛ بدليل أنّ كل المؤسسات الرياضية التي امتلكتها المرأة أو عملت فيها أثبتت جدارتها فيها، وسدت جانبًا لا بأس به من البطالة، وفتحت بيوتًا وتكفلت بأسر”.
سماح الذبحاني -إعلامية رياضية- تعلق عن الموضوع؛ إذ تقول: “وجود المرأة في هذا المجال يعدُّ مهمًّا مثله مثل سائر المجالات؛ إذ استطاعت أن تثبت نفسها على الأصعدة كافة، والمجالات المختلفة، وتحقق رقمًا دوليًا في حضورها”.
وبينت أنّ الرياضة النسائية ظهرت في اليمن عقب تخرج أول دفعة من الشرطة النسائية، عام 2002م، لكنها ظلت مقتصرة على ألعاب محددة؛ كالرماية، والفروسية، والجودو، وتنس الطاولة، وكرة السلة، والشطرنج، وألعاب القوى.
الكابتن بلقيس رفعت -مسؤولة قطاع المرأة في الاتحاد اليمني للبلياردو والسنوكر- ترى أنّ هناك دورًا محوريًّا للمرأة في نهضة الرياضة الوطنية، وأنّ المرأة اليمنية ليست أقل شأنًا من نساء العالم، بل هي قادرة على تحقيق الإنجازات والتألق في مختلف المجالات الرياضية.
وتشير إلى أنّ المرأة اليمنية تعاني من نقص في الدعم المعنوي والمادي، مما يعوق ممارستها للرياضة وتحقيق إمكاناتها الكاملة، وإعطاءها فرصًا في إثبات وجودها وقدراتها في المجال الرياضي. مؤكدة ضرورة اهتمام وزارة الشباب والرياضة بالمرأة الرياضية -خاصة الاتحاد اليمني للبلياردو والسنوكر- بتوفير البنى التحتية الملائمة، وأهمية تحقيق المساواة بين الشباب والسيدات في المجال الرياضي، من حيث الحصول على الفرص والدعم والتمويل.
أثر سلبي
تؤكد الكابتن نهى الدرة -مالكة أكاديمية رياضية، ومدربة- أنّ للصراع تأثيرًا كبيرًا على القطاع الرياضي في اليمن، وأنّ الإقبال على الأندية قد تراجع بشكل ملحوظ، ممّا أدّى إلى هجرة العديد من الرياضيين إلى مجالات أخرى تدرُّ عليهم ربحًا ماديًّا أكبر. كما أنّ البطولات الخارجية قد توقفت تقريبًا، باستثناء بعض البطولات القليلة التي تقام في ظل ظروف صعبة للغاية.
فيما تقول الكابتن بلقيس رفعت: “قبل الصراع، كانت المرأة اليمنية تُمارس العديد من الرياضات، مثل البلياردو، وكرة السلة، وكرة الطائرة، والشطرنج، وكانت الأنشطة الرياضية النسائية نشطة للغاية، ولكن مع بدء الصراع، تأثرت هذه الأنشطة بشكل كبير، خاصة رياضة البلياردو، التي واجهت كسادًا قاتلًا؛ بسبب تهميش المرأة اليمنية من البطولات، وخاصة البطولات الخارجية”.
وهذا ما أكدته اللاعبة نورهان، بقولها: “تسبب الصراع في إغلاق الأندية الحكومية الخاصة بالنساء، واستبعادهنّ عن البطولات الداخلية أو الخارجية استبعادًا كليًّا؛ إذ كانت قبل الصراع تشارك في أي رياضة تمارسها”.
كما تشير ريم عتيق -لاعبة جودو- إلى أنّ التمارين الرياضية كانت تُنَظم بشكل مستمر قبل الصراع، وكانت البطولات المحلية تقام بشكل سنوي، وهناك مشاركات خارجية لأكثر من لعبة وفي أكثر من دولة، لكن الوضع اختلف بالنسبة للرياضة النسائية؛ إذ أُصيبت بالشلل التام، حسب وصفها.
التحديات التي تواجهها المرأة الرياضية
ضمن التحديات تقول الكابتن بلقيس: “أكبر تحدٍّ تواجهه المرأة في القطاع الرياضي هو أنّه لا يسمح لها بمشاركة بطولات خارجية إلّا بمحرم، وهذا للأسف يسبب عائقًا كبيرًا للغاية، فمن الصعب على كلِّ لاعبة أخذ محرم معها لخوض أيّ بطولة خارجية”.
ومن جانبها تشير الكابتن نهى إلى أنَّ هناك أُسرًا متحفظة، تمنع الفتيات من ممارسة الرياضة، وذلك ضمن عادات وتقاليد تُمثل أحد أهم التحديات التي تواجهها رياضة المرأة في اليمن.
وفي السياق ذاته تقول سماح الذبحاني: “الرياضة النسائية كانت تمارس في اليمن بألعاب محدودة للغاية، وفي صالات مغلقة بعيدًا عن وسائل الإعلام أيضًا، إلّا في رياضات محددة، لكن مع نشوب عدة صراعات وصعوبات مجتمعية تفرضها الهيمنة برز الفكر المتعصب، الذي جعل من المشاركة الرياضية للمرأة في الوقت الراهن أمرًا كارثيًّا، عواقبها وخيمة، وتنفيذها صعب”.
معتقدات اجتماعية
تواجه المرأة في اليمن بشكل عام نظرة قاصرة حول اشتراكها في الألعاب الرياضية على مختلف أنواعها، فنجد كثيرًا من الأهالي يمانعون التحاق فتياتهم بأندية رياضية؛ كونها خارجة ودخيلة عن العادات والتقاليد اليمنية. في الطرف الآخر نجد من يدعم ويشجع اكتساب فتياتهم لأنشطة رياضية، إضافة إلى انتشار عدد من الأندية الرياضية في مختلف المدن اليمنية، التي تهدف إلى التوعية بأهمية الحفاظ على الوزن وإنقاصه، واكتساب اللياقة.
في هذا الإطار تعتقد الإعلامية سماح الذبحاني أنّ الصراع وحده لا يعدُّ سببًا، وليس وحده من وقف ضد وجود المرأة اليمنية في المجال الرياضي، فما قبل النزاعات كان المجتمع اليمني القبلي المتمسك بالعقائد الدينية والعادات والتقاليد لا يسمح بوجود المرأة في أندية الأنشطة الرياضة المختلفة، فضلاً عن بعض الأُسر اليمنية التي لا تدعم ولا تشجع فتياتها في ممارسة الألعاب الرياضية”.
وتقول: “للأسف مجال الرياضة في اليمن كان -وما يزال- حتى وقتنا الحاضر في كثير من أنشطته حكرًا على الرجال، في حين تواجه الرياضة النسائية إهمالًا حكوميًّا ونظرة مجتمعية قاصرة”.
ومن جانبها ترى بلقيس أنّ أكبر تعجيزٍ يواجه النساء في الرياضة غياب الدعم الكلي من الجهات المعنية، فكلما حصلنَ على فرصة لخوض بطولات خارجية تذهب على حسابها الخاص، وهذا يشمل (التذاكر، المصاريف الشخصية، الإقامة أثناء مدّة البطولة التي لا تتعدى 10 أيام)، فهذا بحدّ ذاته قمة في التعجيز والاحتقار للمرأة اليمنية.
فيما تؤكد الكابتن نهى أنّ دور الجهات الرسمية محدود لا يكاد يُذكر، إلّا في إقامة الورش السنوية، التي تكون بعائد بسيط وفوائد قليلة جدًّا.
خطط مستقبلية
يسلط أمين عام الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي، خالد النواري، الضوء على وضع المرأة اليمنية في الساحة الرياضية في الوقت الحالي، بقوله: “المرأة اليمنية باتت تسجّل حضورًا مميزًا في بعض الألعاب الرياضية، مثل الجودو؛ إذ شاركت أروى إلياس مؤخرًا في أولمبياد باريس، كما تشارك اللاعبة ياسمين الريمي في منافسات الرماية”.
وأشار إلى أهمية توفير الفرص المناسبة للمرأة الرياضية لتمثيل اليمن على الصعيد الدولي، بما يتناسب مع قدراتها ومهاراتها وخصوصياتها، مؤكدًا على أهمية تشجيعها ودعمها من قبل جميع الجهات المعنية في المستقبل.
ويردف النواري: “إنّ تحقيق تقدم حقيقي في مشاركة المرأة اليمنية في الرياضة يتطلب خططًا مستقبلية شاملة، تركز على التوعية والتغيير منذ النشء، وأنّ المدارس تمثل بيئة مثالية لزرع بذور التوعية الرياضية لدى الفتيات، وتُسهم في تغيير النظرة النمطية التي تقيد من مشاركة المرأة في الرياضة؛ حتى تتمكن من الانطلاق في فضاءات الإبداع والنجاح”.
المعالجات والحلول
أوضحت الذبحاني أنّ الخطوة الأولى لتمكين المرأة تتمثل في تمهيد التوعية والتنوير المجتمعي بأهمية مشاركة المرأة في الرياضة، كغيرها من المجالات، وذلك لمواجهة النظرة النمطية التي تقيد من مشاركتها.
وتؤكد ضرورة الدعم الحكومي للمرأة الرياضية، في توفير الإمكانيات، وإتاحة برامج تدريبية وتأهيلية عالية المستوى، وإنشاء أندية وأنشطة رياضية خاصة بالنساء، وكذلك الحصول على فرص ومنح ومشاركات خارجية وداخلية؛ إذ إنّ مشاركتها تعدُّ ضئيلة جدًّا.
الكابتن بلقيس توصي بإعطاء المرأة حقها في المجال الرياضي بالشكل المطلوب، عبر تقديم الدعم المادي والمعنوي من الجهات المعنية كافة؛ لرفع اسم اليمن عاليًا.
من وجهة نظر الكابتن نهى الدرة ترى وجوب دعم كليات التربية الرياضية وخريجاتها، بعدّهنّ الأساس لبناء قطاع متكامل في المجال الرياضي، كذلك توفير دعم للاعبات ماديًّا ومعنويًّا، وتشجيعهنّ على تطوير مهاراتهنّ في مختلف المجالات الرياضية، وإنشاء نقابة مختصة لحفظ حقوق الرياضيات اليمنيات، كذلك وجود لاعبات ومدربات مؤهلات، وإقصاء المتطفلات على هذه المهنة.
تقدّم شيماء -مدربة رياضية في أحد الأندية النسائية- مقترحات عملية لتعزيز مشاركة المرأة في الرياضة اليمنية، وذلك بإنشاء نوادٍ مخصصة للمشي وركوب الدراجات في بيئة آمنة ومريحة، وإتاحة نوادٍ مخصصة للنساء لركوب الخيل، وغيرها من الرياضات التي تناسب احتياجاتهنّ ورغباتهنّ.
وتؤكد أهمية توفير أماكن رياضية في مختلف المناطق، لسهولة الوصول إليها من قبل النساء، ممّا يشجعهنّ على الالتحاق بالنوادي، وممارسة الرياضة بانتظام، لرفع مستوى اللياقة البدنية؛ إذ إنّ المرأة بحاجة إلى جميع أنواع الرياضات لتمكينها وصحتها الذاتية، داعية إلى دعم مشاركتها في مختلف المجالات الرياضية.
وتوضح اللاعبة نورهان بقولها: “كل المعالجات والحلول تبدأ بسنِّ قوانين واضحة وجادة لتعزيز مشاركة المرأة في الرياضة اليمنية، وصون حقوقها وواجباتها، وتأمين سبل تطبيق هذا القانون، ومحاسبة كل من يحاول إسقاطه أو التلاعب به؛ إذ إنّ القانون يعدُّ الأساس لضمان بيئة آمنة وعادلة للمرأة الرياضية، تمكنها من ممارسة الرياضة بحرّية، وتحقيق إمكاناتها الكاملة”.