حنين الوحشالمرأة في التنمية والسلام

 

يعد تدني تمثيل النساء في الجانب الرسمي من بين التحديات العديدة التي تواجه المرأة اليمنية، ويصل هذا التمثيل إلى حدوده الدنيا في القطاع الرياضي. وقد برزت إلى السطح مؤخرًا عدد من المواهب اليمنية الرياضية النسائية، غير أنهن -بحسب كثيرات- بقين مبعدات قسرًا عن دائرة اهتمام الجانب الحكومي، ولم يحصلن على ما يحتجنه من تشجيع ودعم.

فيما نجحت بعض هذه المواهب الرياضية النسائية في تمثيل اليمن خارجيًا، ضمن بطولات مختلفة، وأوصلهن حضورهن إلى التصفيات المؤهلة إلى النهائيات، من بينهن فتيات حصدن المراتب الأولى في بطولات عربية، ليتجاوزن بذلك تحديات مجتمعية، وتحديات أخرى خلفها غياب الاهتمام الحكومي بالرياضة النسائية.

 

بداية مبكرة وغياب مبكر

تشير عدد من المصادر التاريخية إلى أن الرياضة النسائية بدأت رسميًا في جنوب اليمن في وقت مبكر من عمر الاستقلال، إذ تشكلت الفرق النسائية على مستوى الأندية المختلفة عام 1970؛ انطلاقًا من إنشاء الفريق الوطني النسائي لكرة الطائرة.

وحظيَ الفريق بمشاركات دولية عدة، أبرزها “بطولة آسيا لكرة الطاولة” التي أقيمت في جمهورية الصين الشعبية عام 1971. تلتها مشاركات فرق نسائية أخرى في بطولات مختلفة، من بين ذلك “بطولة القارات الثلاث” لكرة الطاولة وحصلت إحدى اللاعبات اليمنيات على الميدالية البرونزية لبطولة الشطرنج الدولية في ليبيا عام 1975.

غير أن هذه البداية المبكرة لم تلبث أن ضاقت وبدأت بالأفول لأكثر من عقدين؛ لأسباب عدة، سياسية واجتماعية، من بينها ظهور أصوات دخيلة على الوسط الثقافي تنادي بعزل النساء عن الرياضة باعتبارها مخالفة للعادات والتقاليد.

وتراجع الدعم الرسمي للفرق النسائية الرياضية إلى أن كُتب له الانطفاء. غير أن بوادر العودة بدأت بالظهور بين العامين 2017 و2022 بانعقاد بطولات مفتوحة للفتيات والسيدات في لعبة تنس الطاولة، التي نظمها اتحاد فرع اللعبة بعدن، بإشراف مكتب الشباب والرياضة – عدن.

 

معوقات مستمرة

في إطار الحديث عن الوضع الحالي الرسمي للقطاع الرياضي يقول خالد محسن الخليفي -وكيل قطاع الرياضة في وزارة الشباب والرياضة، عدن-: “بالنسبة للوضع الرياضي بشكل عام، وليس الخاص بالمرأة فقط، قمنا بتحدٍ كبير في مواجهة كل الصعوبات التي تواجه البلاد عامة عن طريق الوصول إلى مراحل متقدمة على الرغم من الإمكانيات اليسيرة، ومنها إطلاق البطولات الرسمية لكثير من الألعاب الرياضية على مستوى الجمهورية اليمنية بالكامل. وكذلك عملنا بجهد كبير على تماسك المؤسسات الرياضية وحمايتها من التشظي والتمزق في كل المناطق اليمنية في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد”.

وعلى السياق نفسه، يؤكد الخليفي أن الأضرار كانت كبيرة جدًا وأثرت في القطاع الرياضي واللاعبات تأثيرًا واضحًا؛ فقد دُمرت أهم الملاعب الرياضية والصالات ومقرات الأندية، في عدن وأبين ولحج والضالع وتعز وغيرها من المحافظات اليمنية، ومعظمها تضرر بشكل كبير”.

ويتابع: “يمكننا الحديث بوضوح أن القطاع كان يشهد نوعًا من الاستقرار في توفير الدعم من صندوق رعاية النشء والشباب، ونتيجة لذلك كان هناك انضباط في البطولات والمشاركات، بالإضافة إلى أن برنامج التأهيل والتدريب الرياضي كان يسير سيرًا جيدًا”.

وفي الحديث عن النساء اليمنيات في القطاع الرياضي ووضعهن بشكل عام، يقول فرحان المنتصر -رئيس إدارة الاتحاد والأندية في وزارة الشباب والرياضة، عدن-: “اللوائح والنظام الأساسي الخاص بالرياضة في اليمن يمنح المساواة للمرأة والرجل، ولا يوجد تميِيز بينهما فيما يخص الموارد والفرص، والوزارة تدعم هذا التوجه وتشجعه باعتباره من حقها دون حواجز، إلا إذا كان المانع أخلاقيًا أو دينيًا”.

ويضيف: “في الاتحادات الرياضية العامة وفي المجالس الرياضية كل فتاة هي مسؤولة أو تترأس اتحاد رياضة محددة، على سبيل المثال هناك رئيسة لاتحاد الملاكمة، وأخرى لاتحاد كرة الطاولة وغيرها”.

ويؤكد أن هناك اهتمامًا بكل النوادي، من خلال اللوائح وعلى أرض الواقع أيضًا. إن اليمن هي الدولة الوحيدة التي بالغت وأسست اتحادًا رياضيًّا للمرأة مهمته تنسيق العمل الرياضي بين الاتحادات، وكان يتلقى دعمًا كبيرًا، ويقيم بطولات ومشاركات خارجية، ويحقق إنجازات في السابق.

من ضمن الصعوبات، يشير المنتصر إلى أن الرياضة بحاجة إلى الاستقرار الذي غاب أثناء الصراع، وأن هناك ضائقة مالية؛ الأمر الذي قلل من الدعم المقدم للقطاع الرياضي بشكل عام مما انعكس أيضًا على الاتحادات الخاصة بالنساء. مؤكدًا أن الاهتمام كبير نظريًا، لكن الفعل يحتاج إلى موارد مالية لتطبيقه.

 

رؤى مستقبلية ترفض الواقع

توقُّفُ الصراع والبدء في إعادة الإعمار والتعافي، جميعها من أهم العوامل التي ستسهم في إعادة تشكيل الحياة الرياضية للنساء في اليمن من جديد، وبقوة، وتحولها إلى اقتصاد مستقل وقائم بذاته.

يرى الخليفي أن الحديث عن أي خطط للتطوير، أو وضع خطط في ظل الصراع وانعدام السلام في كل محافظات اليمن، أمر في غاية الصعوبة.

وفيما يخص الرؤى المستقبلية لتطوير الجانب الرياضي الخاص بالمرأة في اليمن، يؤكد الخليفي أن التصورات والإستراتيجيات التي تفيد في هذا الجانب جاهزة، لكنها تنتظر البيئة المناسبة لتنفذ. ويتابع: “عند تحقيق عملية السلام والتعافي الاقتصادي، سيعمل القطاع على إعادة صياغة الحياة الرياضية بالصورة التي تسهم في تحولها إلى اقتصاد مستقل وقائم بذاته، لكنه في الوقت الحالي يعتمد على دعم الدولة والمجتمع، وحالياً يمثل مصدر دخل لللاعبات والمدربات والحكام في مختلف الألعاب الرياضية”.

من جانبه، وفي الإطار ذاته، يقول فرحان المنتصر: “ستمنح رياضة المرأة المزيد من الدعم المالي والكثير من المشاركات والبطولات، وستُنشأُ المراكز التدريبية الخاصة بالمرأة لكل الرياضات على مستوى عدن وجميع المحافظات حالما يتوفر العنصر الأهم، وهو المورد المالي مستقبلاً، وهذا ما نأمل”.