أحمد باجعيم – المرأة في التنمية والسلام
شهدت رياضة المرأة اليمنية قفزة نوعية خلال السنوات الماضية؛ إذ ازداد عدد الألعاب التي تمارسها المرأة اليمنية إلى 17 لعبة رياضية فردية وجماعية، وذلك حسب ما أعلنت عنه رئيسة الاتحاد اليمني العام لرياضة المرأة، نظمية عبد السلام عثمان، في تقرير نشر على الموقع الرسمي لوزارة الشباب والرياضة اليمنية، وأكدت عثمان أن المرأة اليمنية تمكنت من تحقيق العديد من البطولات على المستوى المحلي والدولي.
على الرغم من التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها النساء في اليمن، فإن رياضة المرأة تشهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. وتُعد الألعاب الفردية مثل الشطرنج وتنس الطاولة والجمباز من أبرز الرياضات التي بدأت تجذب الفتيات اليمنيات في الآونة الأخيرة، كما وقد شكلت الفتيات فرقًا رياضية وشاركن في بطولات محلية ودولية، وحققن نتائج مميزة.
ويُظهر هذا الإقبال المتزايد على الرياضات الفردية رغبةَ الفتيات اليمنيات في تجاوز الحدود التقليدية والتأكيد على قدراتهن الرياضية، ولم تقتصر مشاركة المرأة اليمنية في الرياضة على الألعاب الفردية، بل تُمارس العديد من الفتيات رياضات أخرى، مثل: كرة السلة، التايكوندو، ألعاب القوى، وغيرها. ويُلاحظ ازدياد إقبال الفتيات على هذه الرياضات بشكل ملحوظ، كما يُشكل دليلاً على التحولات الإيجابية في المجتمع اليمني نحو دعم مشاركة المرأة في مجالات كانت تُعتبر حصرية للرجال في الماضي.
أبرز الألعاب الرياضية
“يتم التركيز -حاليًا في حضرموت- على لعبتين رئيسيتين في رياضة المرأة، هما كرة تنس الطاولة والشطرنج، بالإضافة إلى بعض الألعاب الفكرية الأخرى، ويرجع ذلك إلى العادات والتقاليد الاجتماعية التي لا تسمح للنساء بممارسة بعض الرياضات التي تتطلب جهدًا جسديًا كبيرًا، مثل كرة القدم وكرة الطائرة”، بحسب ما قاله مدير عام مكتب وزارة الشباب والرياضة بساحل حضرموت، حسن مسجدي.
وأوضح أن هناك شراكة بين مكتب الشباب والرياضة وجامعة حضرموت؛ لإقامة أنشطة رياضية للطالبات في الجامعة، وكذا الجامعات الخاصة والمعاهد المختلفة، وهذا بطبيعة الحال التوجه العام لمكتب الرياضة نحو تمكين المرأة الرياضية من ممارسة الرياضة التي تنشط فيها.
ويضيف: “لدينا في الكشافة العديد من المرشدات اللاتي يمثلن اليمن في دورات كشافية بدولة السودان، وجمهورية مصر العربية، وهذا ما يعطي انطباعًا جيدًا عن مشاركة المرأة الرياضية في المحافل العربية والدولية، وحققن نتائج مشرفة تعزز من مكانة اليمن في مجال الرياضة النسائية”.
مؤكدًا أهمية رياضة المرأة في خطط مكتب وزارة الشباب والرياضة، عبر توجيههم المستمر لاتحاد رياضة المرأة لتكثيف أنشطته النسائية وفق الإمكانات المتاحة، وأنهم لا يمانعون من فتح شراكات مع القطاع العام أو الخاص؛ لزيادة النشاط الرياضي النسائي وتلبية طموحات الفتيات الرياضيات. كما أن هناك دعمًا ماديًا يتلقاه الاتحاد الرياضي للمرأة من صندوق النشء، لكنه دعمٌ محدودٌ ولا يلبي احتياجات أو ميزانيات الأنشطة الرياضية النسائية.
وذكر مسجدي أن مكتب وزارة الشباب والرياضة بساحل حضرموت ينظم، بالتعاون مع جامعة حضرموت، مهرجانًا رياضيًا سنويًا لطالبات الجامعة. يُعد هذا المهرجان فرصة مميزة للطالبات للمشاركة في مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية، وإبراز قدراتهن وإبداعاتهن؛ لا سيما أن المهرجان يتضمن العديد من الألعاب الرياضية مثل تنس الطاولة والشطرنج، بالإضافة إلى ألعاب الذكاء والثقافة الأخرى.
وأشار إلى مشاركة أكثر من 40 طالبة في المهرجان الأخير الذي أقيم في نهاية العام المنصرم 2023م، مؤكدًا أن مكتب وزارة الشباب والرياضة، بالتعاون مع جامعة حضرموت، سيواصل إقامة هذا المهرجان في السنوات القادمة؛ إيمانًا منهم بأهمية الرياضة في حياة الطالبات ودورها في تنمية مهاراتهن وقدراتهن.
من جانبها أوضحت رئيسة اتحاد المرأة الرياضية بساحل حضرموت، فائزة اليزيدي، أن أبرز الرياضات والفعاليات التي تنشط فيها المرأة حاليًا الشطرنج وتنس الطاولة؛ إذ تشارك في هاتين اللعبتين طالبات المعاهد والجامعات، بالإضافة إلى الصم والبكم والمعاقين حركيًا.
وأشارت إلى أن مشاركة المرأة في الرياضة كانت أوسع في السابق؛ إذ كانت تشمل العديد من الألعاب المختلفة، وتحقق مراكز متقدمة في كل من صنعاء وعدن، من خلال التعاون مع وزارة التربية والتعليم في تنظيم أنشطة رياضية لطالبات المدارس من مختلف الفئات العمرية. وبسبب العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، اقتصر اتحاد المرأة على لعبتين رياضيتين هما الشطرنج وتنس الطاولة، مراعاةً لظروف الفتاة والمجتمع.
أوضحت اليزيدي أن قلة الدعم المخصص للاتحادات الرياضية من قبل الوزارة يقتصر على تنفيذ نشاط أو نشاطين رياضيين في السنة. وعلى الرغم من ذلك هناك سعي مستمر في فتح مسارات جديدة مع القطاعين العام والخاص؛ لزيادة الدعم المالي والحفاظ على استمرارية النشاط الرياضي للمرأة.
وذكرت أن الاتحاد نفذ العديد من الأنشطة الرياضية بالتعاون مع طالبات المدارس خلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2019. كما نظم الاتحاد بطولات ومهرجانات سنوية خلال الفترة من عام 2020 إلى عام 2024، بالتعاون مع الجامعات والمعاهد والجمعيات المعنية بالصم والبكم والمعاقين حركيًا. مؤكدة أن الاتحاد سيستمر في بذل الجهود لتعزيز رياضة المرأة خلال الفترة المقبلة، مع العمل على زيادة عدد الألعاب الرياضية المتاحة للمرأة.
المخضرمة شجوفة: رحلة من الإنجازات
تعد الرياضية شجوفة عبسي أيقونة رياضية يمنية تُلهم الأجيال، منذ سبعينيات القرن الماضي؛ إذ شقت طريقها في عالم الرياضة النسائية، عبر ممارستها العديد من الألعاب الرياضية التي حققت فيها إنجازات مختلفة. ولم تكتفِ بتحقيق الإنجازات الشخصية، بل سعت جاهدة لدعم الرياضة النسائية في اليمن من خلال جهودها المنقطعة النظير لدعم الرياضة النسائية في البلاد.
شاركت عبسي في سباق الجري لمسافة 100 متر على مستوى المدارس في محافظة عدن عام 1970م وحصلت على المركز الأول، وبرزت في لعبة كرة الطائرة خلال مشاركتها على مستوى الثانويات. وفي الجامعة، واصلت تألقها في رياضة تنس الطاولة؛ إذ شاركت في بطولات على مستوى كليات الجامعة.
وقد جسدت الرياضية شجوفة عبسي مثالاً مُشرقًا للمرأة اليمنية المبدعة، وتخطت حدود الإنجازات الشخصية لتصبح سفيرة لرياضة المرأة اليمنية في مختلف المحافل الدولية؛ إذ لم تقتصر إنجازاتها على الملاعب الرياضية، بل امتدت لتشمل مجال التحكيم والتدريب ودعم النشاط النسائي، كونها عضوًا في الاتحاد العام لألعاب القوى اليمني، ومسؤولة النشاط النسائي في الاتحاد.
كما حصلت عبسي على العديد من الدورات التدريبية المتخصصة، بما في ذلك دورة التحكيم في ألعاب القوى، ودورة تدريب كرة اليد، ودورة استراتيجية رياضة المرأة التي أقيمت عام 2016 في جمهورية مصر العربية.
وعن دورها في دعم النشاط النسائي، ذكرت شجوفة أنها أشرفت على تدريب العديد من اللاعبات في ألعاب القوى، اللائي شاركن في المحافل الدولية، ودربت طالبات في لعبة كرة الطائرة وكرة اليد، مما أسهم في مشاركة العديد منهن مع المنتخبات الوطنية في المحافل الرياضية. تم ترشيح عبسي لعضوية اتحاد غرب آسيا عام 2012، كما تم ترشيحها لعضوية مساعد في نادي تلال عدن كناشطة رياضية عام 2022.
التحديات
على الرغم من التقدم الذي أحرزته رياضة المرأة في اليمن خلال فترات متعاقبة، فإنها ما تزال تواجه العديد من التحديات التي تعوِّق مسيرتها وتحد من إمكانياتها.
يؤكد حسن مسجدي وجود تحديات تعيق الأنشطة الرياضية النسائية في اليمن، وتشكل جزءًا من التحديات العامة التي تواجه الرياضة في البلاد بشكل عام، وهي تتضمن افتقار العديد من المناطق اليمنية إلى مرافق رياضية متكاملة تابعة للاتحاد اليمني تحافظ على خصوصية المرأة، مما يعيق ممارستها للرياضة بشكل فعال، والاكتفاء فقط بالمنشآت والمرافق الخاصة بالقطاعات الأخرى سواء الجامعات أو المعاهد أو المدارس التي تلبي جزءًا جيدًا من الخدمات للمرأة الرياضية.
وأضاف: “ومن التحديات قلة الموارد المالية المخصصة للأنشطة الرياضية النسائية، التي تعدُّ محدودة للغاية، مما يعيق تنظيم الفعاليات والبطولات الرياضية النسائية بشكل دوري، كما لا تزال بعض العادات والتقاليد الاجتماعية ترفض وجود الفتيات في بعض الألعاب الرياضية، خاصة الألعاب الحركية مثل كرة القدم”.
من جانبها، أشارت فائزة اليزيدي إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الأنشطة الرياضية النسائية في اليمن هي العادات والتقاليد؛ إذ يضيِّق بعض الأهالي على فتياتهم ممارسة بعض الألعاب الرياضية، ولا يزال بعض أفراد المجتمع يجهلون أهمية رياضة المرأة وفوائدها الصحية والنفسية والعقلية على الفتيات.
وأضافت: “هناك ضعف في عملية التدريب والتأهيل؛ إذ تعاني رياضة المرأة من نقص في فرص التدريب والتأهيل على المستوى الرسمي، مما يعيق تطورها وتحقيقها للتميز. وكذلك لا تحظى رياضة المرأة بالدعم الكافي من قبل الجهات الرسمية، مما يؤثر على قدرتها على تنظيم الفعاليات والبطولات الرياضية النسائية بشكل دوري”.
وأكدت أنه على الرغم من تلك التحديات، هناك جهود حثيثة وخطط تسعى إلى تنفيذها اتحاد رياضة المرأة خلال المرحلة القادمة، تتضمن تأسيس قاعدة نسائية تقوم على تنظيم دورات تدريب في التحكيم والعديد من الأنشطة.
كما ترى اللاعبة والمدربة عبسي أن رياضة المرأة في اليمن تواجه العديد من التحديات، بعضها ناجم عن العوامل الاجتماعية والثقافية، وبعضها الآخر ناتج عن نقص الدعم الرسمي. موضحة أن ضعف تشجيع الأسرة يعد من أهم التحديات؛ فبعض الأسر لا تشجع بناتها على ممارسة الرياضة، مما يعيق مشاركتهن في مختلف الفعاليات الرياضية. وكذلك لا تولي بعض الإدارات المدرسية اهتمامًا كافيًا بالرياضة النسائية، وما زالت تواجه المرأة الرياضية ردود فعل سلبية من قبل بعض أفراد المجتمع، مما قلل من ممارستها للرياضة بحرية.
توصيات ومقترحات
من المقترحات التي طالب بها حسن مسجدي لتحسين وضع المرأة في المجال الرياضي، والمشاركة في العديد من الألعاب الرياضية: توفير الأندية والاتحادات الرياضية النسائية عبر البحث عن مصادر تمويل أخرى، مثل عقد شراكات ورعايات مع جهات تجارية أو داعمة للرياضة، واستثمار مواردها الخاصة من خلال تنظيم فعاليات رياضية تُدر أرباحًا، والعمل على زيادة المخصصات المالية لمكاتب وزارة الشباب بما يتناسب مع الوضع الحالي، ولتتمكن من الإيفاء بالتزاماتها تجاه النشاط الرياضي.
كما تطالب فائزة اليزيدي بزيادة المخصصات المالية للاتحادات النسائية لتتمكن في تنفيذ دورات تدريبية وتحكيمية، وعمل بطولات ومهرجانات كل عام وبصورة أفضل، وتأسيس صالة رياضية متكاملة ومجهزة بالمرافق والأدوات الأساسية على الأقل؛ لحفظ للمرأة خصوصيتها، وتمكينها من التدريب والتأهيل المناسب، والعمل على رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية رياضة المرأة وفوائدها على المجتمع، من خلال حملات التوعية والتثقيف.
على الرغم من التحديات، حققت المرأة اليمنية إنجازات كبيرة في مجال الرياضة، على الصعيدين الفردي والجماعي، محليًا وخارجيًا، وتمكنت من تخطي حاجز الثقافة الخاطئة للمجتمع تجاه المرأة في الرياضة، كما أن الجهات الرسمية -بإمكاناتها المتواضعة- أسهمت بشكل أو بآخر بتحسين الأنشطة الرياضية النسائية وزيادتها، والحفاظ على استمراريتها.