صفاء الدبعي

عضو مجلس إدارة الاتحاد اليمني للإعلام الرياضي

عضو اللجنة الإعلامية للاتحاد اليمني لكرة القدم

(مستشارة عدد المرأة في الرياضة في اليمن)

 

لم يُعد بمقدور المرأة اليمنية التباهي بصور الإجادة والتألق والنجاح التي كانت عليها في المجال الرياضي سابقًا، ولم يُعد باستطاعتها ملامسة أكاليل المجد والغار كما كانت تفعل خلال أيام مضت وسنوات خلت، بعد أن أحاطت بحياتها الكثير من “المنغصات” وطوّقت سماء أحلامها وتطلعاتها العديد من “الصعوبات”، وتحديدًا منذُ مطلع الألفية الثالثة. لكنها، ومن بين ركام “المحبطات” تسعى جاهدة لتكون في واجهة المشهد الرياضي كما كانت، وإن انصدمت في الغالب بجبال المثبّطات وصخور المعيقات.

لقد حفل تاريخ اليمن بالكثير من المحطات المشرقة لعدد كبير من النسوة اللاتي قدمنّ أنفسهنّ في قالبٍ يجمع ما بين الحضور الجميل والنجاح اللافت، حتى على أقرانهنّ الرجال، في مجالات مختلفة، فكان منهنّ: السياسية المحنّكة، والمعلّمة المتفوّقة، والقاضية الحصيفة، والطبيبة الماهرة، والمهندسة الناجحة، والإعلامية البارزة، والمزارعة المكافحة، والشرطية البطلة، والمظلّية الشجاعة، وقبطان الطائرة البارعة، والمربية الفاضلة؛ لتبقى عصية على الانكسار، ترفض الضيم وتأبى الخنوع والاستسلام لقيود التخلف وأغلال الانزواء، خلف العادات والتقاليد التي أرادت غمط حقوقها وحصرها في زاوية معينة، لا تلتقي وحقيقة أنها نصف المجتمع والشريك الفاعل في بنائه وتنميته.

رغم ذلك كله، فإنها في المجال الرياضي ما زالت تبحث عن ذاتها، وتفتش في أوراق أيامها، رغم الطفرة التي حققتها إبَّان السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وخصوصًا في بعض المحافظات الجنوبية، مثل عدن، وأبين على وجه الخصوص.

 

أسماء من ذاكرة الرياضة النسوية

شهدت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حراكًا رياضيًا كبيرًا بالنسبة للفتيات، وهي التي يمكن أن يقال عنها الفترة الزاهية للرياضة النسوية في بلادنا، حين كانت فيها مقرات الأندية الرياضية وباحات المدارس الإعدادية والثانوية والجامعة تعج بالكثير من الرياضيات في ألعاب، (الكرة الطائرة، والسلة، وتنس الطاولة، وألعاب القوى، والشطرنج)، وغيرها، فشكّل ذلك نواة للمنتخبات الوطنية التي كانت فيها المرأة العدنية حاضرة في المنافسات العربية، والآسيوية والدولية، وحققت فيها نجاحات لافتة وقفزات هائلة لم تَلْغَ من تلافيف الذاكرة رغم تقادم السنين.

إذ ما يزال الناس في عدن يتذكرون صولات وبطولات نجمات تنس الطاولة “نائلة نصر” عضو اللجنة الأولمبية اليمنية حاليًا، وزميلتها الرائعة “فاطمة محمد ناصر”، والمتألقة “مجيدة عبد المجيد”، وتحقيقهنّ بطولات عربية كثيرة، قبل أن يسلمنّ مشعل التفوق لبنات الرياضي الشهير فيصل صبري (لؤي، ولينا)، اللائي كنّ بطلات العرب أيضًا في أكثر من بطولة وفعالية، علمًا أن الأولى ما زالت مرتبطة بالرياضة إلى اليوم، إذ تشغل منصبًا رياضيًا رفيعًا هو “نائب رئيس اللجنة الأولمبية اليمنية”، وهي حكم معتمد لدى الاتحاد الآسيوي في لعبة تنس الطاولة، إلى جانب عملها كمدير عام لرياضة المرأة في وزارة الشباب والرياضة.

كل تلك الأسماء استطاعت أن تحفر لها مكانة في قلوب محبي الرياضة من خلال النجاحات الكبيرة التي حققتها داخليا وخارجيًا، فضلًا عن بطلات أخريات في ألعاب القوى، كما هو الحال بـ: حكمت برتوش، وسيناء ثابت، وهناء علي أحمد، وغيرهن كثير، دون إغفال نجمات المنتخب الوطني لكرة الطائرة ونادي الميناء سابقًا كـ: خيرية عبدالواسع، وفائزة عبد الرقيب، ونوال حمود، وخزانة سالم ربيع علي، ونادية يوسف، ولاعبات نادي شمسان: فريال جعفر، ونادية الجندي، وإيمان عزي، ولاعبات منتخب السلة: أميرة حمود، وذكرى أحمد، ونوال شفيق، ونادية شيباني، وغيرهن كثير.

 

تراجع مخيف للرياضة النسائية

تراجعت رياضة المرأة في اليمن بشكل لافت رغم الحضور الشَّرَفَي في بعض البطولات الودية التي كانت تُقام هنا وهناك، خصوصًا ما قبل الصراع، تحت مسمى “اتحاد رياضة المرأة”، علمًا أنه لا يوجد في العالم تسمية بهذا الشكل؛ إذ إن رياضة المرأة وممارسة الفتيات لأي نشاط تكون عبر الاتحادات العامة للألعاب، لكنها تبقى محاولات لتسجيل الحضور فقط دون المنافسة.

واللافت للانتباه أنه وفي السنوات الأخيرة، ورغم ما تبدو عليه أوضاع النساء اليمنيات من تطوّر وتقدم في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، فإن الحضور الرياضي شهد تراجعًا مخيفًا وانحسارًا ملحوظًا؛ لأسباب عديدة أهمها: عدم تقبل مجتمعنا المحافظ لرياضة المرأة الفردية أو الجماعية، عدم وجود الأماكن المخصصة لممارستها، عزوف الفتيات عنها في ظل غياب الجوانب المحفزّة للعملية، سواء كان على مستوى المدارس والجامعات أو الأندية، فضلًا عن عدم اهتمام الدولة بشكل عام بالرياضة في بلادنا وعدِّها نوعًا من أنواع الترف، في ظل انشغال الساسة أو القائمين علي البلد بأمور مهمة أخرى، كل تلك العوامل قضت على طموح الكثير من الفتيات في ممارسة الرياضة والاهتمام بها.

 

طموحات تقتلها العادات

ظلت رياضة المرأة خلال الثلاثة العقود الماضية مقيّدة بأدوات العار والعيب، ومحاطة بأسوار العادات والتقاليد التي حالت دون انطلاقها كما هو حال الكثير من النساء في بعض البلدان والأمصار التي هبت عليها تيّارات ورياح التحرّر والحركات النسويّة، فيما لا زالت القوانين في بلادنا تهذي بالكثير من التهميش، والكثير من التحريض ضد رياضة الفتاة وكل ما يتعلق بها، وغياب الوعي المجتمعي في هذه القضية المهمة.

وللخروج من زاوية التهميش التي تتعرض لها رياضة المرأة في بلادنا، حاليًا، ينبغي العمل على تعزيز مشاركة المرأة في القطاع الرياضي، وتفعيل “اتحاد رياضة المرأة” وتنشيطه، رغم عدم شرعيته قانونًا، فإنه، وعلى طريقة “إذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا، فما حيلة المضطر إلا ركوبها” يجب إعادة إيحاء هذا الاتحاد؛ إذ نحتاج لسنوات طويلة حتى يستوعب الجميع أن رياضة المرأة تتبع الاتحادات العامة للألعاب، وبالتالي بات لزامًا العمل على عودة الحياة لهذا الاتحاد الذي تلاشى عمله تمامًا منذ العام 2011، وتقع على عاتقه مسؤولية نشر ثقافة ممارسة الرياضة النسوية في المدارس والجامعات والأندية، ومواجهة العادات والتقاليد التي تحول دون ممارسة المرأة للرياضة، وكذلك إقامة العديد من الندوات التثقيفية الخاصة بالأسرة؛ لتعزيز ثقافة ممارسة الفتاة للرياضة من سنّ مبكرة، وتعلم بعض الفنون القتالية للدفاع عن نفسها أولاً متى ما تطلب الأمر من  ناحية، وأخرى لتكون عضوًا رياضيًا بارزًا تسهم في رفع راية بلدها في المحافل الخارجية.

كما أن من المهم التركيز على سرد قصص النجاح للكثير من الرياضيات الملهمات اللاتي كان لهن الأثر الكبير في المشهد الرياضي وعدَّهنَّ مثالًا يُقتدى به، إلى جانب وضع آليات شراكة مع الأندية الرياضية؛ لتشجيع ودعم الفتيات للانضمام للأندية الرياضية دون تمييز، وتوفير المساحات الخاصة بهن لممارسة الرياضة دون عُقد أو مشاكل.

 

جهود قاصرة

إن الجهود التي تبذلها وزارة الشباب والرياضة حاليًا، لإعادة تنشيط رياضة المرأة من خلال إقامة بعض الفعاليات الرياضية الخاصة بالفتيات -مثل ألعاب (الكرة الطائرة، والتنس، والشطرنج، وألعاب القوى، وكرة القدم)، وغيرها- تبقى جهودًا قاصرة وتفتقد للكثير من مقومات النجاح، في ظل عدم ديمومتها واستمراريتها، وعدم وجود الأماكن المناسبة للفتيات، فضلاً عن النظرة المجتمعية الغاضبة تجاه رياضة المرأة، والتحريض اللامبرر من  قبل فئات لا تفهم ولا تتقبل أن يكون للمرأة حضورها في المجال الرياضي أسوة بالرجل، وغياب الدعم والاهتمام الحكومي، مقارنة بما تحظى به رياضة المرأة في الدول العربية والعالم.

 

 غياب الوعي المجتمعي

الثقافة والوعي بأهمية ممارسة المرأة للرياضة مهم جدًا، وهنا يبرز دور وسائل الإعلام في نشر الثقافة الرياضية في المجتمع. ومن الملاحظ أن الرياضة النسائية تعاني ضعفًا في التغطية الإعلامية. وهناك عدة أسباب رئيسة تسهم في عزوف المرأة عن ممارسة الرياضة منها: عدم وجود ثقافة أسرية ومجتمعية حول أهمية ممارسة الفتاة للرياضة، إضافة إلى أن الإعلام نفسه لا يعي أهمية الدور الذي يقع عليه في الإرشاد والتوعية والدعم الذي من المفترض أن يخصص فيه برامج للحديث بالشأن الرياضي النسوي، إلى جانب وجود قصور في دور وزارة الشباب والرياضة والاتحادات والأندية، التي من المفترض أن تضع ضمن خططها وبرامجها عددًا من الأنشطة والبطولات التي تستهدف الفتيات. ومن الممكن أيضًا أن تكون المرأة هي السبب الرئيس في هذا الأمر؛ كونها منزوية وتمارس الرياضة على استحياء، وترفض إجراء اللقاءات والظهور في وسائل الإعلام.

توصيات ومقترحات

لعودة الرياضة النسوية إلى سابق عهدها ومجدها التليد واللحاق بركب الدول المجاورة التي عرفت الرياضة بعد بلادنا بسنوات طويلة، بات من المهم أن تحظى رياضة المرأة باهتمام حكومي كبير، وتسخير كل الإمكانيات لدعمها، من خلال: بناء الصالات الرياضية الخاصة بالفتيات، دعم الأنشطة المدرسية بوصفها أساس أي تطور، استقطاب الفتيات المبرزات للأندية الرياضية وتوفير المدربين المؤهلين لهن، ويستحسن تأهيل اللاعبات السابقات ليصبحن هن المدرّبات، العمل على تحفيّز الفتيات بمعاشات شهرية وفتح المجال أمامهن للمشارك خارجيًا.

كما أن الإعلام بشكل عام مطالب بتسليط الضوء على أهمية ممارسة المرأة للرياضة كنشاط حياتي ومجتمعي، وتخصيص مساحات في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية لتغطية الرياضة النسوية، وحثّ الفتيات على ممارسة الألعاب الرياضية المختلفة، إلى جانب إصدار مجلة رياضية شهرية تعنى برياضة المرأة ومساعدتها على ولوج عالم الصحافة الرياضية كمحررة وكاتبة في الشأن النسوي، فضلًا عن إعطاء القضايا الرياضية النسوية اهتمامًا أكبر من الاهتمام الحالي، مع إلزام اللجنة الأولمبية اليمنية على القيام بدورها تجاه رياضة المرأة، وتنشيط صناعة البطل الأولمبي، وبلادنا حبلى بالمواهب من الجنسين في حال تم ذلك، ولتكن البداية من المدارس، فهل نأمل؟!

 

you might also like