أحمد باجعيمالمرأة في التنمية والسلام

 

“بيسان بكران” الطفلة ذات الثماني سنوات، حققت المركز الأول والميدالية الذهبية في بطولة كأس مصر للجمباز منتصف شهر أكتوبر 2022م، وتعدُّ ممثلة اليمن الوحيدة بهذه البطولة، التي ينظمها الاتحاد المصري للجمباز في جمهورية مصر العربية سنويًّا.

حفرت الطفلة بيسان من مديرية غيل باوزير بمحافظة حضرموت اسمها بحروف من ذهب في سجلات الإنجازات الرياضية اليمنية، بعد تحقيقها إنجازًا استثنائيًّا مشرفًا لليمن، ولم يلبث خبر إنجاز بيسان أنِ انتشر كالبرق في وسائل الإعلام المختلفة؛ من قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية وإذاعات، وصولًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

يعدُّ هذا الإنجاز مؤشرًا واضحًا على التوجه المتنامي لوسائل الإعلام اليمنية المختلفة لدعم مشاركة الفتيات اليمنيات وتعزيزهنّ في مختلف المجالات الرياضية، إيمانًا منها بقدراتهنّ وإمكانياتهنّ الكبيرة التي لا تقل عن قدرات الفتيان وإمكانياتهم.

في هذا الصدد، بارك الإعلامي عيدروس الخليفي في تغريده له عبر منصة “إكس” هذا الإنجاز الذي حققته الطفلة بيسان بحصولها على المركز الأول والميدالية الذهبية في جمهورية مصر، مشيرًا إلى أنّ هذه المشاركة هي الأولى الرسمية والوحيدة لليمن بهذه البطولة. معبرًا على أهمية هذا الإنجاز كونه يعدُّ رسالة للعالم تؤكد قدرة الفتيات اليمنيات على تحقيق النجاح والتألق في مختلف المجالات.

ومن خلال هذا التقرير سنسلط الضوء على دور وسائل الإعلام اليمنية المختلفة في تعزيز مشاركة الفتيات في الرياضة النسائية المتنوعة.

أهمية المشاركة  

قال الإعلامي الرياضي أحمد باقروان: “إنّ مشاركة الفتيات أمرٌ جيّدٌ، يساعد على تنمية الذكاء لهنّ، خاصه في الألعاب الذكية؛ مثل الشطرنج، والبلياردو، والتنس، خاصه في الجامعات والمراكز الرياضية المهمة”.

وحول دور وسائل الإعلام يشير إلى أنّ دور الإعلام اليوم أصبح ضعيفًا نوعًا ما، خاصة عند تسليط الضوء على أهمية تعزيز مشاركة المرأة اليمنية في مختلف الألعاب الرياضية، ويعود ذلك لعدة أسباب، لعل أبرزها العادات والتقاليد المجتمعية، وخصوصية المجتمع؛ كالمجتمع الحضرمي الذي يرى نفسه بأنّه محافظ، وغير متقبل لمشاركة المرأة في المجال الرياضي، إلّا في خصوصيات محددة، ومنها عدم ظهورها في وسائل الإعلام.

ويشير باقروان -إعلامي نادي التضامن في حضرموت- إلى أنّ اتحاد الإعلام الرياضي في ساحل حضرموت يلعب دورًا فعّالًا نحو مشاركة المرأة في الدورات الرياضية والصحفية، ومع ذلك فهذا الدور يواجه صعوبات كبيرة؛ بسبب العادات والتقاليد التي تُقيّد حركة المرأة، وتقلل من فرص مشاركتها في الأنشطة العامة، بما في ذلك التغطية الإعلامية والتصويرية للمباريات الرياضية، أو حتى كلاعبة، خاصة في المجتمع الحضرمي، أمّا في العديد من المحافظات الأخرى، فهناك نشاط للفتيات سواء لاعبات أو إعلاميات رياضيات.

ويرى الإعلامي علي الحبشي أنه يمكن لوسائل الإعلام المحلية أن تسهم في تعزيز مشاركة الفتيات في الرياضة، عبر رفع الوعي بأهمية الرياضة النسائية من الجانب الصحي، والتركيز على أهمية دمجهنّ في الأنشطة المجتمعية والرياضة المتنوعة، والعمل على تطويرهنّ ودعم البرامج التي تسهم بصقل مواهبهنّ في جميع الألعاب المختلفة، وخلق روح التنافس بينهنّ.

وأشار إلى أنّ دور وسائل الإعلام يتطلب العمل وفق معايير وتدابير معينة حتى لا يصطدم بالمجتمع المحلي المحافظ، الذي يؤمن بوجهة نظر معينة بخصوص هذا المجال.

وأضاف الحبشي: “تعد مشاركة الفتاة في الإعلام الرياضي خطوة مهمّة نحو تمكينها وتعزيز دورها في المجتمع، وتُتيح لها فرصة إبراز قدراتها وإمكانياتها في مجال الصحافة الرياضية، وتُسهم في كسر حاجز الخوف والحرج لديها، وتوفر لها فرصة لإبراز الطاقات والمواهب في مجال الصحافة والإعلام الرياضي. علاوة على ذلك، يرتكز الدور المحوري لوسائل الإعلام في تشجيع الفتاة على المواصلة لتحقيق الإنجازات والنجاحات، بتسليط الضوء على إنجازات الفتيات الرياضيات والإعلاميات الرياضيات، ممّا يشجعهنّ على بذل المزيد من الجهد لتحقيق المزيد من النجاحات، وانخراط الكثير من الفتيات بهذا المجال”.

وفي السياق ذاته، قال مُعدُّ البرنامج الرياضي بالقناة المهرية كمال الأبارة: “عندما تقوم وسائل الإعلام المختلفة بتسليط الضوء على الرياضة النسائية، وتتناوُل قصص نجاح لرياضيات ملهمات، وتُغطّي أخبار الرياضة النسائية المحلية، وتُواكب أحداث البطولات النسائية العالمية؛ مثل كأس العالم، وبطولة أمم أوروبا، فلا شك هنا أنّها تعزز من حضور المرأة الرياضية على مستوى المجتمع”.

وأردف قائلًا: “في التصوير الرياضي والكتابة الصحفية الرياضية، هناك نسبة ضئيلة للفتاة اليمنية الممارسة لهذه المهنة، وهذا إمّا بسبب عدم الرغبة الواضحة، وإمّا نتيجة العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع عليها، على الرغم من أنّ هذا الشيء عالميًا وعربيًا مهمٌّ ورئيسيٌّ، ولكن في اليمن وجود المرأة ضعيف في الصحافة والإعلام الرياضي”.

 

 أشجان بجاش؛ أنموذجًا

في إحصائية حصلت عليها صحيفة “المرأة في التنمية والسلام” من الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي، فقد بلغ عدد الصحفيات والإعلاميات المهتمات في الجانب الرياضي ما يقارب 60 فتاة تمتلك عضوية الجمعية، مما يعطي مؤشرًا بأنّ هناك إقبالًا جيّدًا من الفتيات الصحفيات للاهتمام بالمجال الرياضي، وتغطية النشاطات الرياضية النسائية بالعديد من المحافظات اليمنية.

وفي هذا الشأن أشارت الصحفية الرياضية أشجان بجّاش -إحدى عضوات الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي- إلى أنّه يمكن للإعلام أن يلعب دورًا في توعية الجمهور بأهمية ممارسة الرياضة للفتيات، وبيان فوائدها الصحية والنفسية والاجتماعية، بنشر تقارير ومقالات توعوية، والعمل على تحفيز الفتيات بممارسة الرياضة، عبر تسليط الضوء على قصص نجاح الفتيات الرياضيات المحليات والعالميات.

وبيّنت أنّ مشاركة المرأة في الرياضة النسائية تعدُّ من الأشياء المثيرة للاهتمام، ويمكن لوسائل الإعلام والصحفيات أن تلعب دورًا فعّالًا في تعزيز مشاركة الفتيات في هذا القطاع، باتّباع إستراتيجيات محكمة.

وأضافت: “أنّ الصحافة الرياضية النسائية تعدُّ منصة مهمة لتعزيز تمثيل الفتيات وصوتهنّ في مجال الرياضة، مما يسهم في تحفيز المزيد منهنّ على الانخراط في الرياضة، وتحقيق أحلامهنّ، وكشف العقبات التي تواجه مشاركة الفتيات في الرياضة، من خلال التحقيقات الصحفية والتقارير، وتشجيع تنويع التغطية الرياضية لتشمل جميع الفئات العمرية والمناطق، بتغطية إنجازاتهنّ”.

أما بالنسبة لأهمية مشاركة النساء في الصحافة الرياضية والتصوير في اليمن، تؤكد أنه ينبغي على المجتمع كسر القيود والعادات المنغلقة حول مشاركة المرأة في المجال الرياضي في مختلف مجالاته.

 

توجه الإعلام الرياضي

على الرغم من الإنجازات المميزة التي حققتها فتيات اليمن في مختلف المجالات الرياضية سواء كلاعبة أو إعلامية رياضية، فإنّ التوجه الإعلامي نحو الرياضة النسائية يظل ضعيفًا جدًّا.

ويرى الإعلامي باقروان أنّ هناك دورًا مأمولًا في اتحاد الإعلام الرياضي في ساحل حضرموت بمشاركة المرأة في الدورات الرياضية والصحفية، على الرغم من أنّ هذا الضعف ناتج عن العادات والتقاليد التي تُقيّد حركة المرأة، وتُقلل من فرص مشاركتها في الأنشطة العامة، بما في ذلك التغطية الإعلامية للمباريات الرياضية، ومع ذلك، فإنّ التوعية الإعلامية يمكن أن تؤثر على الحراك الرياضي خلال المُدد القادمة؛ إذ تمثل أداة قوية لكسر هذه الحواجز وإحداث التغيير.

ويشير الإعلامي الحبشي إلى أنّه على الرغم من الإنجازات المميزة التي حققها الرياضيون اليمنيون في مختلف المجالات، فإنّ وسائل الإعلام اليمنية المختلفة ما تزال مقصرة في نقل الأنشطة الرياضية، سواء على صعيد الرياضة النسائية أو الرياضة بشكل عام، ومع ذلك، يؤكد الحبشي وجود أمل كبير في تطوير الإعلام الرياضي اليمني في المدّة القادمة، وذلك بفضل التطورات التكنولوجية، وانتشار الإنترنت، وازدياد الوعي بأهمية الرياضة، خاصة النسائية.

“يشهد العالم العربي والعالم أجمع تطورًا ملحوظًا في القطاع الرياضي؛ إذ تزداد شعبية الرياضة، وتُصبح جزءًا مهمًّا من حياة الأفراد والمجتمعات، وتلعب المرأة دورًا بارزًا في هذا التطور، سواء كلاعبات أو إعلاميات أو مدربات أو حُكّام”، هذا ما أكده كمال الأبارة.

وأشار إلى أنّه في اليمن يواجه القطاع الرياضي النسائي تحديات كبيرة، لأسباب دينية واجتماعية. ويُلاحظ أنّ مشاركة المرأة اليمنية في الرياضة ما تزال محدودة، مقارنة بدول عربية أخرى، ومع ذلك، يعول على الإعلام الرياضي أن يسهم بالتوعية المجتمعية عبر إبراز أهمية تنشيط الحركة الرياضية النسائية أسوةً بالدول العربية الأخرى.

تعدُّ وسائل الإعلام أداة قوية لتعزيز مشاركة المرأة في الرياضة؛ إذ تسهم في تغيير الصورة النمطية السلبية عن رياضة المرأة في المجتمع اليمني، ويعدُّ الدعم الإعلامي ضروريًّا لتعزيز مشاركة المرأة بالأنشطة الرياضية، وتشجيع الأجيال القادمة على الانخراط في هذا المجال، ممّا يؤثر إيجابًا على الصحة العامة للمجتمع، ويسهم في رفع مكانة اليمن على المستوى الدولي، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك دون تعاون مستمر من جميع الجهات الرسمية والخاصة.