حنين الوحشالمرأة في التنمية والسلام

 

يُعدُّ قطاع التعليم من أكثر القطاعات تضرُّرًا من الصراع المسلح في اليمن، بدءًا من توقف رواتب الأكاديميين إلى خروج عدد كبير من المدارس والجامعات عن الخدمة، ووصولًا إلى تعرضه للدمار بشكل معنوي ومادي، الأمر الذي أثّر بشكل كبير على واقع العملية التعليمية الأكاديمية في العديد من المحافظات اليمنية.

وتعصف بالتعليم العالي في اليمن موجات شديدة من تداعيات النزاع، تهدد بانهيار منظومته التعليمية، مع انخفاض نسبة التحاق الطلبة بالجامعات، وانتشار الجامعات الخاصة والتعليم الموازي على انقاض الجامعات الحكومية، بشكل غير منظم ودون رقابة، ما تسبب في تراجع جودة التعليم ووصوله إلى مستوياته الدُّنيا.

 

بداية متأخرة

يُعدُّ حضور التعليم العالي في اليمن حديث عهد؛ إذ شهد العام 1970م بداياته الأولى مع افتتاح جامعة صنعاء، تلاه بأعوام خمسة 1975م افتتاح جامعة عدن.

واتّكأت النشأة الحديثة العهد على الدعم المقدم من الدول الشقيقة، أبرزها الكويت، شملت توفير رواتب الكوادر التعليمية، التي اُستُقدِمت من خارج البلد، وكذا إنشاء عدد من المنشآت التعليمية ورفدها بالتجهيزات.

ومع قيام الوحدة اليمنية، تعاظم الاهتمام الحكومي بالتعليم العالي، ليتوج في أعوام قصيرة إنشاء ثماني جامعات حكومية؛ إذ تقول تقديرات العام 2004م أنّ عدد طلبة الجامعات الثماني وصل إلى 164532 طالبًا وطالبة؛ تصل نسبة الإناث من %40-30.

 

انتكاسة مبكرة

في الأعوام الأولى من دخول اليمن عتبة الصراع المسلح، عاش قطاع التعليم عواصف متلاحقة أدّت إلى تقويضه من الداخل وانهيار أسسه حديثة النشأة؛ بدءًا ممّا لحق ببنيته التحتية من دمار، وتسرب آلاف الطلبة من التعليم، وصولًا إلى افتقاد المنشآت التعليمية إلى أبسط الإمكانيات وأكثرها تقليدية.

ويأتي قطاع التعليم العالي من بين القطاعات الأكثر تضرُّرًا، ومع دخول النزاع عامه العاشر ما زال هذا القطاع تحت تأثير تداعياته الوخيمة، التي فاقمها الانقسام السياسي الحاصل في البلد مع وجود وزارتين للتعليم العالي؛ إحداهما في الشمال وأخرى في الجنوب، تعملان برؤى وخطط مختلفة جذريًّا، وهو ما يدفع كثيرًا من الأصوات للمطالبة بتحييد العملية التعليمية.

وينخفض معدل التحاق الطلاب بالجامعات بشكل يصبح أكثر اتّضاحًا عامًا تلو آخر، كما يؤكد مراقبون، غير أنّنا لم نتمكن من تحديد نسبته؛ لعدم توفر إحصائيات رسمية لدى مؤسسات التعليم العالي والوزارة المعنية.

وتعاني مؤسسات التعليم العالي في اليمن من شحة الموارد المالية بعد تراجع التمويلات الحكومية، إذ تُموّل الجامعات اليمنية مباشرة من ميزانية الحكومة، بحسب ما أورده التقرير القُطري للجمهورية اليمنية الصادر في العام 2015م بشأن استقلالية المدارس في قطاع التعليم.

وتشهد الجامعات اليمنية عجزًا عن سداد رواتب الموظفين، والوفاء بالتزاماتها مع المتعاقدين منهم، كما تشير نتائج استطلاعاتنا في أكثر من جامعة يمنية، وهو ما يضعنا أمام الواقع القاسي الذي تعيشه الكوادر التعليمية، وما يفرزه هذا الواقع من تراجع في جودة التعليم، وتدهور المنظومة التعليمية في البلاد.

ويُفسِّر تردي العملية التعليمية انخفاضُ معدل التحاق الطلاب بالجامعات، وارتفاع نسبة تسرب الطلبة من الجامعات والكليات، خصوصًا في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وأكد أكاديميون أنّ تسربًا كبيرًا تعيشه الجامعات والكليات الإنسانية، لأسباب مختلفة من بينها الأوضاع السيئة للموظفين والأكاديميين في قطاع التعليم، وارتفاع نسبة البطالة في أوساط خريجي الجامعات؛ بسبب توقف برنامج التوظيف منذ العام 2014م، وتدني أجور الموظفين أنفسهم.

ويعدُّ انهيار منظومة التعليم الأساسي من أبرز العوامل المؤثرة في انخفاض نسب التحاق الطلبة بالتعليم الجامعي، إذا ما أشرنا إلى أنّ الطلبة المسجلين في الجامعات لهذا العام كانوا في الصفوف الابتدائية الأولى عند اندلاع النزاع المسلح في العام 2015م، العام نفسه الذي لحق بقطاع التعليم أسوأ كارثة عنف تعيشها البلاد.

ويُفضل نسبة كبيرة من الشباب الالتحاق بالكليات العسكرية التي تشهد إقبالًا كبيرًا، في ظل ما تعيشه الحياة العامة من عسكرة، ومع ما وفّره النزاع المسلح من مغريات دفع قطاعًا كبيرًا من الشباب للالتحاق بالجبهات، كخيار قسري، أيضًا إذا أخذنا في الأهمية الارتفاع الجنوني لنسبة البطالة وتعاظم حدة المجاعة التي تهدد أربعين مليون مواطن، غالبيتهم شباب.

ويعلو معدل إقبال الفتيات على التعليم الجامعي، في مقابل عزوف الشباب عن التعليم، غير أنّ معدل هذا الإقبال لا يزال في حدوده الدُّنيا إذا أخذنا في الأهمية نسبة الملتحقات بالجامعات مقارنة بأعداد الخريجات من الثانوية، بحسب ما يشير إليه الدكتور فيصل الفاطمي.

ويعزو الفاطمي ضعف حضور المرأة في القطاع الأكاديمي لأسباب عدة، أبرزها سيطرة النظام القبلي في اليمن، الذي يُعطي الذكور أولوية في التعلم، في حين تُدفع النساء قسرًا إلى الزواج، وهو ما يضعهنّ أمام تحدي مواصلة تعليمهنّ لنيل شهادات عليا.

ويؤكد أنّ شحة إمكانيات الأسر في مجتمع يرزح غالبيته تحت خط الفقر، يقف حائلًا أمام طموحات كثير من النساء، ويُقيّد رغبتهنّ في مواصلة التعليم بوقت مبكر.

 

واقع سيّئ للجنسين

في ورقة بحثية تسلط الضوء على واقع التعليم العالي، نشرها مركز صنعاء للدراسات، تقول الورقة: “إنّ المنظومة والكوادر التعليمية تعيش واقعًا قاسيًا؛ إذ ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بأخبار العثور على أستاذ بجامعة صنعاء متوفيًا في شقته جرّاء جوعٍ وعطش امتدّا به لأيام”.

وتؤكد الورقة البحثية تدهور وضع النظام التعليمي بصورة مطردة، وفشل العمادات (الإدارات) الجامعية في شتّى أنحاء البلاد بصرف المرتبات بشكل منتظم؛ الأمر الذي أدّى إلى تراجع جودة التعليم والجهود البحثية.

وأمام واقع انقطاع رواتب موظفي القطاع العام أو عدم انتظامها، إلى جانب تدني الأجور، فإنّ التساؤل عن مصير التعليم في اليمن ومخرجات التعليم العالي، يحظى بإجابات مقلقة.

you might also like