هبة محمدالمرأة في التنمية والسلام

تعدُّ المرأة اليمنية قوة محرّكة حقيقية في تنمية الاقتصاد، وتحقيق التقدم في اليمن، وذلك بإسهاماتها المتنوعة في مختلف المجالات، خاصة في مجال البحث، الذي يعدُّ ركيزة أساسية لتطوير الاقتصاد الوطني.

المرأة الأكاديمية والباحثة المتميزة قوة محركة في تطوير الاقتصاد؛ إذ تستخدم خبراتها ومعرفتها لإجراء دراساتٍ وبحوث علمية وعملية تسهم في تحليل القضايا الاقتصادية، وتقديم حلول إبداعية ومبتكرة، بتطبيقها للمنهج العلمي، واستخدامها للأدوات والتقنيات المتقدمة، وتعمل المرأة اليمنية على إحداث تغييرات إيجابية في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

 

أبحاث نسائية لتعزيز الاقتصاد اليمني

تشهد اليمن تحديات اقتصادية هائلة نتيجة للصراعات والاضطرابات السياسية التي تعصف بالبلاد، وفي ظل هذه الظروف الصعبة يلعب البحث العلمي والدراسات العملية التي تنفذها النساء الباحثات دورًا حيويًّا في تعزيز العملية الاقتصادية في اليمن.

وعن الدور الذي يلعبه البحث العملي في تعزيز التنمية الاقتصادية في اليمن تقول الدكتورة والباحثة أميرة علي الحارثي: “يلعب البحثُ العملي والعلمي دورًا مهمًا في تعزيز التقدم الاقتصادي في اليمن، ويساعد في تعزيز القطاعات المختلفة، عن طريق فحص البيانات والتجارب السابقة وتقييمها، فهو يقوم بتسهيل وتحديد وتحفيز الأنماط المعرفية البشرية القديمة لدفع واقع العصر الحديث إلى الأمام”.

وأضافت: “يساعد أيضًا في تصحيح الأخطاء في صياغة سياسات التنمية وتصور المستقبل، ومن المستحسن أيضًا الاستفادة من الموقع الجغرافي الإستراتيجي لليمن وإمكاناته الاقتصادية لتحقيق التنمية المستدامة”.

وعن الدراسات والبحوث العلمية المُعدّة من قبل النساء اليمنيات، التي أثرت إيجابًا على التنمية الاقتصادية في اليمن، تقول الدكتورة أميرة علي الحارثي: “هناك العديد من الدراسات والمساعي البحثية التي أجرتها النساء اليمنيات، والتي كان لها تأثير إيجابي في التقدم الاقتصادي في اليمن، فعلى سبيل المثال: تسلط دراسة (واقع التمكين الاقتصادي للمرأة اليمنية وسط الصراع خلال الفترة (2020 -2015م)) الضوء على معوقات الفقر والتمكين الاقتصادي للمرأة أثناء النزاع، وتقترح تفعيل آليات التمكين الاقتصادي وقوانينه، إلى جانب صياغة إستراتيجيات تعاونية”.

وتكمل: “تركز دراسة أخرى على التمكين الاقتصادي للمرأة اليمنية في المشاريع الصغيرة، وتحليل المشاريع التي نفذها اتحاد المرأة اليمنية من 2019 إلى 2020م، وتغطي هذه المشاريع قطاعات مختلفة؛ مثل التصنيع والحرف اليدوية”.

وتشير إلى أنّها ركزت اهتماماتها البحثية في تنمية المجال الاقتصادي في اليمن، وعلى الجانب الزراعي، فقد تركزت أولى مشاركاتها البحثية على دراسة الفطريات المسببة لتعفن الفواكه بعد الحصاد، وعلاقتها بإنتاج الإنزيمات والسموم الفطرية.

وتواصل: “هدف هذا البحث رفع الوعي المجتمعي خاصة للمزارعين، فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الفواكه بعد الحصاد، وطرق تمديد عمرها الافتراضي لتجنب الفساد السريع، كما يهدف البحث إلى رفع الوعي المجتمعي للمستهلكين بشأن اختيار الفواكه الصالحة للأكل، وتجنب تجاهل البقع الصغيرة من التعفن عليها؛ لأنّ الدراسة كشفت أنّ السموم الفطرية يمكن أن تنتشر في جميع أجزاء الثمرة، وتشكل خطرًا على المدى البعيد مع تراكمها في الكبد، وتسبب سرطانات محتملة”.

وفي بحث آخر ركزت الدكتورة على مشكلة تواجه الجانب الزراعي الاقتصادي في اليمن، وهي مرض اللفحة المتأخرة، الذي بدأ يصيب محصول البطاطس في السنوات الأخيرة، وسبَّب هذا المرض خسائر تجاوزت %60، وهو ما يهدد الأمن الغذائي في اليمن، وبسبب ضراوة المسبب المرضي المعروف بالفيتو فثورا انفستنس، ظهرت مقاومة لعدد كبير من المبيدات الفطرية المستخدمة مؤخّرًا، هذا الأمر أدّى إلى استخدام مفرط للمبيدات، وخلط عدة أنواع معًا، مما تسبب في أضرار كبيرة على البيئة والإنسان والنباتات، وتهديد التنمية المستدامة الزراعية”.

وتتابع: “هدفت هذه الدراسة إلى إيجاد حلول بديلة وآمنة باستخدام التقنية النانوية الفعّالة والصديقة للبيئة، وتمكّنّا من إجراء العديد من التجارب المعملية والتطبيقية التي أثبتت فعالية هذه المركبات بعد سلسلة طويلة من الأبحاث، تضمنت التعرف الظاهري والجزيئي للمسبب المرضي، وتسجيل أول عزلة جينية يمنية في بنك الجينات الأمريكي، ومن ثم تحضير المواد النانوية وتوصيفها في أكبر المعامل البحثية خارج اليمن”.

من جهتها أيضًا شاركتنا الحديث الدكتورة فتحية باحشوان (مدير مركز البحوث والدراسات الإنسانية والاجتماعية، جامعة حضرموت) بالقول: “توجد نساء مميزات قُمنَ بكتابة أبحاث مهمة حول التنمية الاقتصادية، وقد نُشرت بعض هذه الأبحاث مؤخرًا عبر الإنترنت، ومن بين هؤلاء الباحثات، الدكتورة فوزية العمار التي كتبت بحثًا بعنوان “اليمن: تداعيات الحرب على القوى العاملة من النساء”، تناول هذا البحث تأثير الصراع على الوضع الاقتصادي للنساء في اليمن وتحدياتهنّ في سوق العمل”.

وتضيف: “قامت هانا باتشيت (محررة سابقة في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية) أيضًا بكتابة بحث يتناول موضوع “التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة”. يستكشف هذا البحث أهمية تمكين المرأة اقتصاديًّا وسياسيًّا، وكيف يمكن لذلك الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

” بالنسبة لفالنتينا عبد الكريم محمد مهدي، فقد قامت بإعداد بحث يحمل عنوان “التمكين الاقتصادي للمرأة اليمنية؛ نموذج في محافظة عدن”، يركز هذا البحث على تحليل تجارب نساء اليمن في محافظة عدن، وكيفية تحقيق التمكين الاقتصادي لهنّ عن طريق مشاريع ومبادرات محلية”، حسب قول فتحية باحشوان.

وعن أهم بحوثات الدكتورة باحشوان في مجال التنمية الاقتصادية تقول: “لديّ دراسة بعنوان: (الأوضاع الاقتصادية للأسرة بمنظور النوع الاجتماعي في محافظة حضرموت) يتمحور الاهتمام في هذه الدراسة حول تحليل الصعوبات والتحديات التي تواجهها هذه الأسر من الناحية الاقتصادية، وذلك من وجهة نظر النوع الاجتماعي”.

وتواصل: “وقد قُمت بدراسة تأثير منظمات المجتمع المدني في تمكين المرأة اليمنية، وطُبِّقت هذه الدراسة على العاملين بالجمعيات الأهلية النسوية في محافظة حضرموت في عام 2014م، ونوقشت نتائج هذه الدراسة في مؤتمر الخدمة الاجتماعية في القاهرة”.

وتوضح أيضًا، أنّها قامت بدراسة بحثية عن احتياجات المرأة الاقتصادية والصحية والتعليمية ودورها في التنمية الاجتماعية في محافظة حضرموت، وذلك عن طريق دراسة ميدانية على عينة من النساء في الجمهورية اليمنية في عام 2017م.

وفي عام 2017م، أُجريت دراسة ميدانية تحت عنوان: (أوضاع الأسرة في حضرموت: المشكلات، الاحتياجات، التدخلات)، تركزت هذه الدراسة على تحليل الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر في حضرموت، وتوصيات للتدخلات اللازمة.

وأجرت أيضًا باحشوان دراسة في عام 2018م تتناول بطالة المرأة في حضرموت، وقد أُجريت هذه الدراسة في مدينة المكلا، ونُشرت في مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية بجامعة الكويت.

وفي سياق حديثها تقول: “في عام 2019م، درستُ مستوى قلق البطالة لدى طلاب السنة الأخيرة في جامعة حضرموت، وشاركتُ به في المؤتمر العلمي الرابع للعلوم الإنسانية بجامعة حضرموت في عام 2019م. وحاليًا، أعمل على بحث يتناول دور المشاريع الصغيرة في تمكين المرأة اقتصاديًّا، ونفذت دراسة ميدانية على قطاع المشاريع الصغيرة النسائية في مدينة المكلا”.

 

إجراء الدراسات والبحوث الاقتصادية

تعدُّ مشاركة الباحثات أمرًا بالغ الأهمية في تعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي في اليمن، وفي هذا الإطار ذكرت الحارثي أنّ مشاركة المرأة في البحوث التطبيقية يمثل دورًا حيويًّا في النهوض بمختلف القطاعات؛ مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، فالنتائج لديها القدرة على تعزيز الإنتاجية والابتكار.

وأشارت إلى أنه عن طريق البحوث التطبيقية، هناك فرصة لتحدي النظام الاقتصادي التقليدي الذي يهمش إسهامات المرأة، يمكن أن يساعد ذلك في تعزيز مشاركتهنّ في القوى العاملة، وتعزيز المساواة.

وترى أنّ الأبحاث التطبيقية تقدّم رؤى قيمة لصياغة إستراتيجيات اقتصادية مؤثرة، تساعد في التعرف على المتطلبات، وتوجيه الاستثمارات بشكل فعّال، أيضًا تتمتع الباحثات بالقدرة على الإسهام في البحوث المتعلقة بالشواغل الصحية والبيئية، بما في ذلك مكافحة الأمراض في النباتات والإدارة المستدامة لموارد المياه.

من جانبها، أكدت باحشوان أنّ للمرأة إسهامات عظيمة في مختلف المجالات العلمية، وعن طريق البحث الأكاديمي يمكن للمرأة في اليمن تسليط الضوء على التحديات، والعمل على تحقيق التغيير الاجتماعي الإيجابي، ويمكن إعطاء بعض الحلول لقضايا المرأة ومشكلاتها، أو تقديم بعض التوصيات لصناع القرار؛ إذ يمكن أن تعمل نتائج الأبحاث كأداة قوية في زيادة الوعي حول القضايا التنموية التي تؤثر على المجتمع وتفيده.

من جهته يقول نائب رئيس جامعة صنعاء للبحث العلمي والدراسات العليا، الدكتور إبراهيم لقمان: “بناءً على المسح الذي أُجري للبحوث في السنوات العشر الأخيرة، التي بلغ عددها ما يقارب 2000 بحث، اُكتُشف أن نسبة البحوث التي تتناول التنمية الاقتصادية والمجالات المتعلقة بها مباشرة (مثل الجوانب الإنتاجية والقانونية والصحية) تبلغ ما يقارب %11”.

 

النشاط العلمي والمجتمعي 

تقول الدكتورة هدى علي: “التمكين الاقتصادي للمرأة واحد من أهم مقومات الحياة الأساسية؛ إذ يلعب التمكين الاقتصادي دورًا مهمًّا وحيويًّا في تعزيز مقومات الحياة الأساسية للأسرة بأكملها، بما في ذلك الصحة والتعليم، لقد كنت ملتزمةً بشكل شخصي بتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، وقد قمت بتنفيذ أنشطة علمية ومجتمعية ذات صلة”.

وتكمل: “في سياق النشاط العلمي، أسهمتُ في تأليف كتاب تفصيلي بعنوان: (مساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية)، يستعرض هذا الكتاب الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في تعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق التوازن الاقتصادي”.

وتوضح أنّها في المجال المجتمعي، قامت برئاسة منظمة (رائدات العدالة للتنمية والحقوق)، وساعدت في تنفيذ أكثر من عشرة مشاريع ميدانية، تهدف جميعها إلى تعزيز سبل العيش للمرأة، وتشمل هذه المشاريع معرضًا دائمًا للأسر المنتجة ومشروع “مول الأسر المنتجة”، بالإضافة إلى مشاريع معامل ومعارض تعزز الاكتفاء الذاتي للمرأة، كما قامت أيضًا بتنسيق العديد من البازارات التسويقية، وتوزيع المشاريع التنموية الاقتصادية على المنازل، وتنسيق بيع هذه المشاريع في المناسبات السنوية مثل الكسوة العيدية والرمضانية”.

 

البحث العلمي للنساء والريادة الاقتصادية

“يمكن للبحث العلمي للنساء أن يسهم في تعزيز روح المبادرة والريادة الاقتصادية في اليمن، ومن المهم في البداية أن تصحح الفكرة الشائعة حول المرأة الأكاديمية بأنها تظل حبيسة المكتب ومحاطة بالكتب، فعلى الرغم من عمل المرأة في المجال الأكاديمي، فإنّها قادرة على الانخراط في الحياة العلمية، وتلتزم الحضور داخل المجتمع المدني والعمل الأهلي”. وفقًا للدكتورة باحشوان.

وتؤكد أنه بفضل الخبرة المكتسبة في المجال الأكاديمي، يمكن للنساء تقديم خدمات مجتمعية مبتكرة وفعّالة، وبذلك يكنَّ عاملات وفاعلات في تعزيز التنمية الاقتصادية وروح المبادرة، ويمكن توجيه الأبحاث نحو تحفيز النمو الاقتصادي والريادة الاقتصادية في اليمن.

وبدراسة التحديات والفرص وتحليلها في مجال ريادة الأعمال وتطوير الصناعة، يمكن للباحثات من النساء تطوير توصيات قائمة على الأدلة العلمية، هذه التوصيات يمكن أن تساعد صنّاع القرار في اتخاذ قرارات إستراتيجية تعزز التنمية الاقتصادية، وتحقق التغيير المجتمعي المستدام.

 

الخطط المستقبلية

البحث العلمي ذو أهمية قصوى في دفع التقدم الاقتصادي، ويحتاج إلى خطط مستقبلية لتعزيز العملية البحثية في الجانب الاقتصادي، فقد قدمت الباحثة الدكتورة الحارثي عددًا من الإستراتيجيات؛ منها تعزيز الدعم المالي بتخصيص موارد مالية كافية للبحث العلمي، بما في ذلك توسيع مرافق البحث وشبكات الاتصالات.

“يجب تعزيز التآزر بين المؤسسات الأكاديمية والكيانات التجارية والهيئات الحكومية لتبادل الخبرات وتنفيذ نتائج البحوث بفعالية، وتعزيز الأفكار المبتكرة والتطبيقات العملية، ويعد دعم المساعي البحثية التي تركز على الحلول الممكنة والتقدم التكنولوجي الجديد أمرًا بالغ الأهمية” حسب الحارثي.

وأشارت أنّه من الضروري أن تستند صياغة الإستراتيجيات الاقتصادية إلى الأدلة التجريبية المستمدة من الاستكشاف العلمي لضمان التقدم المستدام.

من جانبها وفي السياق نفسه، تؤكد الدكتورة باحشوان أنّ أهم الخطط المستقبلية التي يمكن أن تعزز من العملية البحثية في الجانب الاقتصادي تسليط الضوء على دور المرأة في مجال البحوث والإنجازات التي قامت بها، والتحديات التي واجهتها، وكيفية إيجاد الحلول لها، ويجب التركيز على إظهار الإسهامات الحقيقية للمرأة في مجال البحث الاقتصادي، وتعزيز الوعي بالدور الحاسم الذي تلعبه في تقدّم المجتمع، وتحقيق التنمية المستدامة”.

وتضيف: “من الضروري إظهار الدور الحقيقي للعلوم الاجتماعية والإنسانية وتطبيقاتها في الحياة المجتمعية ومدى أهميتها في توجيه السلوك الإنساني وبناء المجتمع كما هو معروف؛ لأنّ الهدف الرئيسي الذي تسعى العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى تحقيقه هو التقليل من تأثيرات المشكلات على استقرار الأسرة والمجتمع، وتعزيز تبني نتائج البحوث والدراسات في دعم إستراتيجيات المؤسسات المجتمعية في جميع المجالات، وزيادة فاعليتها في الإنتاج والعمل”.

على الرغم من التحديات، لا يزال دور المرأة اليمنية في تعزيز التقدم الاقتصادي كبيرًا، ولا بُدَّ من تشجيع مساعيهنّ، كما ينبغي تعزيز مشاركتهنّ في المجال الاقتصادي.