ياسمين عبدالحفيظالمرأة في التنمية والسلام

 

تواجه الجامعات اليمنية تحديات كبيرة في تطبيق السياسات التعليمية المتبعة لتطوير العملية التعليمية الأكاديمية في البلد، التي توفر فرص التعليم العالي لجميع الفئات، وتسهم في تطوير مهارات الخريجين والخريجات لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي، وذلك بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن.

وتختلف السياسات التعليمية المتبعة في التعليم العالي من مؤسسة تعليمية إلى أخرى؛ إذ تهدف إلى رفع مستوى جودة التعليم، عبر إجراء تقييم دوري للجامعات والكليات لضمان جودة التعليم، وتطوير المناهج والبرامج الدراسية لتتناسب مع متطلبات سوق العمل، وتوفير فرص التعليم العالي لجميع فئات المجتمع دون استثناء، وتشجيع التسجيل في الجامعات والكليات، خاصة في المناطق الريفية والمحرومة، وتدريب الكوادر الأكاديمية وتطويرهم لرفع كفاءتهم، وتشجيع البحث العلمي والابتكار في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي مع الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى.

 

معاناة مع تطبيق السياسات

تواجه الطالبات اليمنيات تحديات جمة في مسيرتهن التعليمية، فبعد سنوات من الجد والاجتهاد، يواجهن معركة جديدة لاستخراج وثائق تخرجهن. فاطمة أحمد خريجة جامعية عانت صعوبةً في استخراج وثائقها الجامعية للبدء في مسيرتها المهنية، تلك الصعوبة تعكس واقعاً مريراً تعيشه مئات الطالبات في مختلف الجامعات اليمنية.

تتحدث فاطمة عن معاناتها الطويلة في استخراج وثائقها التي استغرقت أكثر من عام، فتقول: “بعد تخرجي بشهور بدأت المعاملة ودفعت كل الرسوم المطلوبة مني، وقمت بكل الإجراءات وبقيت أنتظر متى سأذهب لاستلام وثائقي التي قلقت بشأنها كثيراً خاصة مع الدمار الذي طال العديد من المرافق الحكومية ومنها الجامعات”.

وتواصل فاطمة: “مرَّت شهور قليلة، وحين لم يتواصل بي أحد من الجامعة بشأن تسليمي الوثائق والشهادة حسب الاتفاق، زُرت مبنى الكلية وتفاجأت أن وثائقي قد اختفت. حين نظرت المسؤولة في أرشيف الكلية تبحث بين الملفات وأدراج المكاتب، أدركت أن هناك قصورًا كبيرًا يجتاح الجامعات اليمنية ويتمثل في تفعيل الرقابة على أداء الموظفين مع الحفاظ على حقوقهم كي يعملوا بتفانٍ وإخلاص”.

وتتساءل فاطمة: “إذا كانت الفتيات الملتحقات في الجامعات اليمنية يواجهن العديد من التحديات المتمثلة في منحهن التسهيلات التي تشجعهن على إتمام الدراسة الجامعية بدون عراقيل، فكيف يمكن أن يسمح لهن في أن يشاركن بشكل أوسع في عملية التعليم العالي وتمكينهن من المشاركة في هذا المجال؟”.

 

النساء أكثر تضررًا من الدمار

تعاني العملية التعليمية في اليمن، خاصة التعليم العالي، تدهورًا ملحوظًا في البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى بعض الجامعات ذات التخصصات العلمية والالتحاق بها، خاصة بالنسبة للفتيات في المناطق الريفية، وتزداد معاناتهن بسبب التوقعات المجتمعية الضيقة التي تحد من خياراتها، بعكس الرجل الذي قد يتغلب على العديد من التحديات؛ كونه رجلًا في مجتمع ذكوري.

 

نعمة محمد، موظفة في إحدى الجامعات الحكومية، تقول: “النساء هن أكثر تضررًا من الدمار الذي تعاني منه العملية التعليمية في اليمن، بما فيها التعليم العالي من قبل الصراع الذي فاقم المشكلات التي يعاني منها هذا القطاع، وإلى الآن”.

تذكر نعمة أهم المشكلات التي تعاني منها المرأة في التعليم العالي، قائلة:” التحدي الكبير الذي يواجه المرأة هو عند رغبتها بالتطور الوظيفي لتحضير درجتي الماجستير والدكتوراه؛ إذ لا تتوفر المنح بشكل كبير وميسر، وإن وجدت فهي تأخذ وقتًا ومعاملات ضمن سياسات معقدة، أو أنها تعطى حسب المحسوبيات والوساطات، وأحيانًا تمنح لمن لا يستحقها”.

وتضيف: “هناك حالة من الإحباط حين تتوقف مسيرتك في تطوير ذاتك؛ لأنك تجد أغلب الأبواب مغلقة أمامك؛ إذ إن فرصة التقديم على وظيفة في مؤسسة أكاديمية أو منحة لمواصلة التعليم الأكاديمي تجبرك على أن تنتظر دورك”.

 

وتتابع: “وإذا كنتَ قد نجحتَ في الحصول على منحة وغادرتَ البلاد، فقد تصلك مستحقاتك بعد سنة من سفرك وهذا بحد ذاته معاناة أخرى، وبذلك يجب عليك أن تغادر ومعك مبلغًا من المال؛ ولذا فإن الذي لا يستطيع توفير ما يحتاج من المال لا يجازف ويذهب لمصير لا يعرف نهايته. والمرأة قد تواجه تحدٍ آخر في حالِ كانت أمًا أو زوجة؛ إذ لا بد من أن توفق بين البيت ودراستها وعملها”.

 

 

تعزيز وصول النساء إلى التعليم العالي

 

تمتلك أي دولة سياسات تعليمية تمكن النساء من المشاركة الفعالة في مجال التعليم العالي وتعزز وجودها في جميع الجوانب، سواء من ناحية جودة التعليم أو التعيينات الوظيفية والمناصب القيادية والمنح الداخلية والخارجية وغيرها، بحيث تحقق العدالة الاجتماعية في هذا المجال.

 

بحسب الأكاديمي عبدالكريم غانم، وهو باحث في علم الاجتماع السياسي، فإن السياسات التعليمية تعد مجموعة من القرارات واللوائح والأنظمة والاتجاهات والخطط والموارد التي تضعها الدولة لتطوير قطاع التعليم والنهوض به، وتوظيفه لتحقيق التنمية وتلبية احتياجات سوق العمل.

 

من جانبها تقول منيرة أحمد -طالبة دكتوراه-: “أبرز السياسات التي تعزز وصول النساء إلى التعليم العالي في اليمن تتمثل في إعطاء المرأة الحرية بدون تدخل الأهل في اختيار التخصص الدراسي، وتشجيع المرأة ومنحها الثقة لمواصلة التعليم الجامعي، إضافة إلى التوسع في بناء الجامعات في الريف والمدينة”.

 

وترى أن من سياسات تمكين النساء في التعليم العالي توفيرَ الفرص المادية الذي يمكنها من التفرغ للتعليم وعدم الانشغال بالعمل لتوفير مصدر دخل، وتشجيعها من خلال توفير وظيفة لها بعد التخرج، إلى جانب توفير الأمان والاستقرار الذي يسمح لها بالخروج والذهاب إلى الجامعة بكل أريحية.

وأكدت أن للسياسات التعليمية دورًا كبيرًا وإيجابيًا في تحسين جودة التعليم العالي، وبالتالي تحسين جودة المخرجات النسائية التي ستصبح كوادر مؤهلة متمكنة في مختلف التخصصات والمجالات.

 

كما تشير إلى أن هذه السياسات تلعب دورًا مهمًا في تشجيع المرأة ومشاركتها في التعليم العالي، وتسهم في زيادة الثقة بنفسها في عملية اختيار التخصص التقني والعلمي بما يتناسب مع ميولها ورغباتها ويلبي طموحها.

 

من جهته يقول الأكاديمي عبدالكريم غانم: “تعزيز انخراط النساء والفتيات في التعليم العالي في اليمن يتطلب البحث في العوائق التي تحد من التحاقهن بهذا القطاع، وذلك عبر تنفيذ دراسات ميدانية للبحث في العقبات التي تقف في طريق التحاق النساء والفتيات اللاتي يسعين إلى مواصلة التعليم العالي، ومن المهم أن تتضمن السياسات القائمة توفير بيئات تعليمية للنساء والفتيات أكثر أمانًا، إلى جانب تحسين جودة التعليم العالي”.

ويضيف غانم لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام”: “من المهم أن تتضمن السياسات اضطلاع السلطات القائمة بواجباتها في تطبيع الحياة في الدولة والمجتمع، وإزالة ما خلفته الصراعات من أوضاع استثنائية، بما في ذلك تعزيز الإنفاق العام، والإنفاق على التعليم العالي بدرجة أساسية، وخلق فرص عمل لمخرجات التعليم العالي من النساء في الجامعات الحكومية ومراكز البحوث والدراسات، إلى جانب تشجيع الجامعات الخاصة على استيعاب مخرجات التعليم العالي من النساء، وفي هذا الجانب يمكن تحديد إطار زمني للوصول بمستوى توظيف النساء خلال فترة زمنية محددة إلى نسبة لا تقل عن 30% من العمالة، والعمل على زيادة نسبة النساء القياديات في التعليم العالي”.

ويتابع: “نظرًا لأهمية تطوير القيادات النسوية في التعليم العالي، وأهمية مشاركتهن في عملية اتخاذ القرار والحضور الدائم والفعال في اللجان والمواقع القيادية، يتطلب تضمين السياسات القائمة برامج متعلقة بتمكين المرأة بالتعاون مع الجامعات اليمنية، في القطاعين العام والخاص، والمنظمات الدولية، وإدراج تمكين المرأة ضمن سياسات وبرامج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بما يستجيب لقرار مجلس الامن الدولي (1325) الذي يقضي بزيادة مشاركة المرأة في عمليات السلام والمؤسسات السياسية،  وتعزيز هذا التوجه بتعميمات وزارية”.

وشدد على أن السياسات القائمة لا بد أن تنطلق من فكرة أن الوظائف ليس لها جنس، فالتقسيم التقليدي للعمل، بين أدوار خاصة بالرجل وأخرى خاصة بالمرأة لم يعد لها مكان في عالم اليوم. ولجعل هذه السياسات قابلة للتطبيق على أرض الواقع، من المهم أن يتم دعمها ماليًا وإعلاميًا، وإلغاء الصورة النمطية لوظائف المرأة في المجتمع اليمني، بدءًا من المنهج المدرسي، ومرورًا بالعمل على إزالة الفجوة بين الجنسين في مستوى الالتحاق بكليات الهندسة وتقنية المعلومات والعلوم التكنولوجية والرياضيات، وتمكين النساء والفتيات من الاستفادة من منح التخصصات العلمية والتقنية بما يحقق الفرص المتكافئة بين النساء الرجال في هذه التخصصات.