أحمد باجعيمالمرأة في التنمية والسلام

 

في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها اليمن، تواجه الفتيات العديد من التحديات التي تعيق وصولهن إلى الدراسات العليا. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة جهودًا جبارة من قبل المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في دعم المرأة وتمكينها في هذا المجال الحيوي من خلال توفير منح دراسية في الجامعات والمعاهد الداخلية والابتعاث الخارجي، وتأهيل السكن الجامعي للطالبات، مما أسهم في تزايد مستمر للطالبات في أغلب التخصصات الجامعية.

يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الدور الفاعل لهذه الجهات في تعزيز فرص التعليم العالي للنساء في اليمن، من خلال مبادرات وبرامج متنوعة تهدف إلى توفير بيئة تعليمية داعمة وتحقيق المساواة بين الجنسين، كما سنستعرض أيضًا أبرز المشاريع والمبادرات والتحديات والفرص التي تواجهها هذه الجهود، وذلك لإبراز الأثر الإيجابي للمنظمات الدولية والمؤسسات المحلية، وتقديم توصيات لتعزيز هذه الجهود على الأمد القريب.

 

دور المنظمات الدولية والمحلية

ذكر تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن تحت عنوان “70 خطوة نحو نظام تعليمي أكثر مرونة في اليمن”، 2024م، أن فرع المعهد الصحي بمديرية تريم بمحافظة حضرموت، أطلق مشروع تعزيز المرونة المؤسسية بتمويل من البرنامج الأممي، والمشروع عبارة عن مبادرة نوعية تهدف إلى تسهيل وصول الفتيات إلى فرص التعليم العالي، لا سيما في مجال الرعاية الصحية.

ويأتي هذا المشروع تماشياً مع الهدف الرابع من أهداف المرونة المؤسسية والاقتصادية التي يسعى إليها البرنامج، وهو يركز على التعليم كركيزة أساسية للتنمية المستدامة. وقد نجح المعهد في تأهيل وتدريب ما يزيد عن 60 شابة من مدينة تريم في مجال الرعاية الصحية؛ إذ تم تزويدهن بالمهارات اللازمة للعمل في مجال التمريض والتوليد.

 

وأشار المدير التنفيذي لمؤسسة “صلة” للتنمية، علي باشماخ، أن المؤسسة جعلت مجال التعليم أحد خططها الإستراتيجية، كما خصَّت تعليم الفتاة ضمن أولوياتها الرئيسية، بوصفه حقًّ طبيعيًا للفرد كفلته كل الشرائع السماوية والقوانين البشرية، ولا يمكن أن تتطور المجتمعات إلا بالعلم والتعليم، والمرأة تعد أساسًا لإعداد الفرد والأسرة، وبناء المجتمعات والأوطان.

وأكد باشماخ أن أهم تدخلات المؤسسة في مجال التعليم تحسين البنية التحتية والبيئة التعليمية الملائمة عبر توفير الدعم اللوجستي والمالي، وتعزيز الفرص التعليمية للنساء في مختلف المراحل بما يضمن استمرارية تعليمهن وتمكينهن أكاديميًا.

من جانبها أوضحت رئيسة مؤسسة “الأمل النسوية”، الدكتورة أبها باعويضان، أن التعليم الجامعي والأكاديمي مهم جدًا للمرأة، ويعد مرحلة اكتمال التمكين أو مرحلة الاستعداد للمشاركة المجتمعية بكفاءة عالية في كل المجالات والتخصصات، وينعكس ذلك طبعاً على جودة أدائها وقدرتها على التعامل مع التحديات المجتمعية التي تواجهها، وهذا يعد أفضل بكثير من لو لم تحصل على هذه المكانة العلمية العليا، وهذا الجانب يزرع فيها الثقة وقوة الانطلاق للإسهام في المجتمع.

 

الأنشطة والبرامج

 

قال باشماخ إن “صلة” لديها الكثير من الأنشطة لتمكين المرأة في التعليم العالي والأكاديمي، ومن أهم هذه الأنشطة، أو التدخلات، المنح والبرامج الدراسية؛ إذ توفر المؤسسة منحًا دراسية كاملة للطالبات المتفوقات في المرحلة الجامعية والدراسات العليا، وتنفذ برامج تدريبية وتطويرية للطالبات الجامعيات لتعزيز مهاراتهن الأكاديمية والبحثية. وأيضًا تم فتح فرع لجامعة حضرموت (مساق البكالوريوس) في مديرية دوعن غربي حضرموت، لتشجيع فتيات المناطق الريفية ودعمهن لمواصلة تعليمهن الجامعي، إضافة إلى توفير حافلات نقل مريحة للفتيات لتمكينهن من مواصلة المرحلة الأساسية، التي هي البنية الأساسية لاستكمال التعليم الأكاديمي.

 

وتابع: “افتتحت مؤسسة “صلة” صفوف محو الأمية في القراءة والكتابة لتمكين المرأة الأُمِّية من اكتساب هذه المهارات الأساسية، وتدخلت في تحسين وتطوير البيئة التعليمية في المراكز التعليمية الخاصة بتعليم المرأة؛ لتوفير بيئة مناسبة ومشجعة على مواصلة التعليم، وتنظيم دورات تدريبية للطالبات الجامعيات في مجالات القيادة والريادة والتواصل. كما عملت المؤسسة على تطوير قدرات الأكاديميات والباحثات في الجامعات والمراكز البحثية عبر توفير برامج إرشادية وتوجيهية للطالبات لاختيار التخصصات العلمية والبحثية المناسبة”.

 

وأردف قائلاً: “لقد أبرمت المؤسسة العديد من الشراكات والمناصرة مع الجامعات والكليات لتعزيز مشاركة المرأة في التعليم العالي، والبقاء على تواصل دائم مع الجهات المعنية لزيادة فرص قبول الطالبات في التخصصات العلمية، وإجراء اتصالات بشكل مباشر مع بعض المكاتب المعنية لتوظيفهن بعد دراستهن، وكذلك تنظيم فعاليات وملتقيات لتسليط الضوء على إنجازات المرأة في المجال الأكاديمي”.

فيما أوضحت باعويضان أن مؤسسة الأمل النسوية لديها العديد من البرامج التي تنشط فيها لدعم تعليم الفتيات في الجامعات؛ إذ تم استهدافهن وفق معايير واختيارات مكنتهن من الحصول على الدعم والبرامج اللازم لهن. كما أن المؤسسة تدعم الطالبات المتطوعات والمتميزات، من خلال تسجيلهن في برامج الدراسات العليا والتكفل بدفع رسومهن الدراسية. وبينت أن للأنشطة تأثيرًا فعالًا جداً لأنه يصقل قدرات المشاركات، ويساعدهن على إكمال تعليمهن الأكاديمي بكفاءة.

 

إحصائيات وأرقام

تطرق المدير التنفيذي لمؤسسة “صلة”، باشماخ، إلى وجود العديد من المبادرات والأنشطة التي تستهدف النساء والطالبات في السنوات الأخيرة، تضمنت منحًا مالية وتدريبية وثقافية، وورش عمل وفعاليات متنوعة. وتهدف هذه الجهود إلى تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في المجتمع بشكل أكبر. ومن هذا المنطلق فإن كل البرامج التي نفذتها المؤسسة في تمكين المرأة هي برامج أكاديمية، وكان لها الدور والأثر البارز في إحداث تأثير إيجابي في تلك المجتمعات المستهدفة، وبحسب معايير الأمم المتحدة.

وقال: “تدخلاتنا في مجال تعليم الفتيات أسفرت عن حصول (9) مديريات ريفية بحضرموت على فرصة لتعليم فتياتها، واستفادت (133) قرية من مخرجات البرنامج، وحصل (67) مرفقًا تربويًا وصحيًا على خدمات خريجات البرنامج، ونحو (60.840) مريضًا حصلوا على خدمة واحدة على الأقل من الخريجات العاملات في المرافق الصحية المغطاة، وكذلك تقليل العجز في الكادر التربوي والصحي في تلك المناطق بنسبة تصل إلى أكثر من (80٪). كما أن المؤسسة لم تقتصر على تشجيع المرأة على مواصلة تعليمها داخليا بل أدرجتها ضمن برامج المنح الدراسية للابتعاث للخارج”.

أما عن عدد الحاصلات على منح تعليمية بالتعليم العالي، فأشار باشماخ إلى أن (314) فتاة قد حصلن على منح دراسية في تخصصات (قبالة مجتمعية، تمريض عام) ودبلوم تربوي في (الرياضيات، اللغة العربية) والبكالوريوس التربوي في (الرياضيات، واللغة العربية، العلوم، الاجتماعيات، القرآن وعلومه). وفي مديرية وادي العين وحورة بحضرموت، تخرجت (99) طالبة من الدبلوم التربوي (رياضيات، علوم، معلم صف)، وكذا التمريض التقني. إضافة إلى ذلك هناك العديد من الخريجات في العديد من التخصصات بمديريات (حريضة، عمد، رخية، غيل بن يمين، الضليعة، يبعث، السوم، سيئون) بمحافظة حضرموت، وفي مديرية عتق بشبوة؛ إذ بلغ عدد الفتيات المستفيدات من المنح الدراسية في الكثير من التخصصات بإجمالي (703) خريجات. وبدورها أكدت باعويضان أن مؤسسة الأمل النسوية ترعى أكثر من (130) طالبة في التعليم الجامعي وما يزيد عن (10) طالبات في التعليم الأكاديمي (دكتوراه وماجستير).

 

ختاماً، يتيح الدعم المقدم من المنظمات الدولية والمؤسسات التنموية للنساء اليمنيات فرصًا أكبر للالتحاق بالتعليم العالي، مما يسهم في تمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا. وعلى الرغم من التحديات المستمرة، تبقى هذه الجهود شعاع أمل، تعزز المساواة بين الجنسين وتؤسس لمستقبل أكثر إشراقاً للمرأة اليمنية.