حنين الوحشالمرأة في التنمية والسلام

 

يُعدُّ قطاع التعليم العالي ركيزة أساسية للتنمية الشاملة والمستدامة في العالم، ودعامة رئيسية لبناء مستقبل أي بلد، وتكمن أهميته في العديد من الجوانب، أبرزها تنمية الموارد البشرية؛ إذ يُسهم التعليم العالي في تخريج كوادر بشرية مؤهلة وذات مهارات عالية تلبي احتياجات سوق العمل في مختلف المجالات وهو ما يحدُّ من البطالة ويعزز الإنتاجية.

كما تُعد مؤسسات التعليم العالي مراكز رئيسية للبحث العلمي والابتكار، ما يعني أنّها المخولة ضمنيًّا بإيجاد حلول للتحديات التي تواجه اليمن، إذا ما أتيحت لها الفرص، إلى جانب إسهامها في تنمية الاقتصاد الوطني عن طريق تخريج كوادر مؤهلة تسهم في تأسيس مشاريع جديدة، وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة.

ويلعب التعليم العالي دورًا مثاليًّا في تعزيز فرص تمكين المرأة بمنحها فرصًا متساوية للتعلم والتطوير، ويُعزز من مشاركتها في مختلف مجالات الحياة، ويُسهم في تمكينها اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، ويقربها من مراكز صنع القرار.

ويكتسب التعليم العالي أهميته في أي بلد بعدِّه المورد التنموي الأول بما يصدّره من كوادر بشرية، خصوصًا الكادر النسائي؛ إذ إنّ وصول المرأة إلى مستويات تعليمية عالية يمكنها من تجاوز كثير من العقبات التي فرضتها الظروف القسرية، ومع ذلك يعيش التعليم العالي وقائع مأساوية في اليمن، ألقت بثقلها على الفئات الأضعف كالنساء.

 

قلة العاملات في الوزارة

في زيارتك لوزارة التعليم العالي، أول ما يصادفك أثناء دخولك الوزارة هو أعداد العاملين من الرجال مع ضآلة أعداد النساء؛ إذ لا يتخطى أعداد العاملات من النساء ما يقارب 38 عاملة، بينهنّ متعاقدات.

تحدثنا إلى مدير عام إدارة المرأة في ديوان الوزارة الدكتورة زرعة سيف، لنحصل على إجابات مقتضبة، مفادها أن إدارة المرأة في الوزارة لا تزال قيد الإنشاء، ومهامها لا يتعدى ديوان الوزارة نفسه.

تقول الدكتورة زرعة: “ضعف الميزانية المعتمدة للمكتب يعوق تنفيذ كثير من الأنشطة” في إشارة منها إلى وظائف الإدارة المعنية بتعزيز حضور المرأة في الوزارة.

تُواجه خطط إشراك المرأة في التعليم العالي في اليمن تحديات كبيرة، على الرغم من مرور أكثر من سبع سنوات على بدء عمل وزارة التعليم العالي من عدن. وبحسب زرعة فإنّ عمل الوزارة من عدن بدأ في العام 2016م وهو ما يبرر، في نظرها، غياب كثير من القطاعات؛ إذ تقول: “نحن إدارة قيد الإنشاء؛ لأنّ الوزارة بدأت أعمالها منذ 2016م لهذا تبدأ تدريجيًا في «استحداث» القطاعات والإدارات”.

وتحملنا ردود مدير عام المرأة في وزارة التعليم العالي إلى ملاحظة مستوى التغيب وقصور الخطط وسياسات الوزارة المتعلقة بإشراك المرأة في التعليم العالي، كاستنتاج طبيعي تؤكده الظروف التي تعيشها الإدارة المعنية بالمرأة داخل الوزارة نفسها.

 

المنح وتهميش استحقاقات المرأة

تعلن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كل عام عن أسماء الطلاب اليمنيين الفائزين بالمنح الدراسية المقدمة من مختلف دول العالم بتخصصات ومجالات متنوعة، ولكن نلاحظ أنّ الفائزين أغلبهم من الذكور مقارنة بعدد الإناث، على الرغم من تأكيد الوزارة أنّ عملية الاختيار تقتصر على الطلاب المتقدمين للتخصصات العلمية تماشيًا مع سياسة الابتعاث التي أعلنتها الوزارة مسبقًا.

وبالنظر إلى مخرجات نتائج الثانوية العامة في السنوات الماضية، سنرى أنّ الغلبة في قوائم الأوائل للفتيات، في حين تُظهر الإحصائيات الرسمية انخفاضًا ملحوظًا في معدلات مشاركة الفتيات في التعليم الجامعي بالمقارنة مع الذكور، أيضًا في المنح الدراسية للخارج.

سألنا زرعة عن مستوى تمكين النساء في المنح الدراسية فأجابت: “الوزارة لا تأخذ معيار النوع الاجتماعي في الاعتبار، النساء كالرجال؛ إذ يتقدم الجميع للحصول على المنح عبر الطرق والإجراءات المتبعة لدى الوزارة، ويكون معيار القبول من عدمه هو التفوق العلمي”.

من جانبه يرى الدكتور منصور القدسي أنّ تعزيز حضور المرأة في القطاع الأكاديمي يبدأ من إعطائهن منحًا دراسية، وأن أغلب أوائل الثانوية والجامعة أيضًا في اليمن فتيات، ومع ذلك فإنّ نسبة ما يحصلنَ عليه من منح دراسية سواء في الداخل أو الخارج ضئيل جدًا مقارنة بالذكور.

ويعتقد القدسي أنّ المحسوبية تسيطر بشكل مريع على أداء وزارة التعليم العالي وهو، في نظره، ما يعزّز سيطرة النمط الذكوري على مخرجات التعليم العالي عبر ما يمتلكونه من شبكة علاقات تفتقر إليها النساء.

يقودنا هذا الحديث إلى ما تفتقر إليه الوزارة كغيرها من ضوابط ومحددات الحوكمة المؤسسية، والأخذ بمعايير النوع الاجتماعي في إستراتيجياتها وخططها، الأمر الذي يعطي الفئات الضعيفة نصيبًا من التمكين؛ كالنساء والمهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة.

 

بنية تحتيّة غير مؤهلة

خلف الصراع الدائر في اليمن وتداعياته آثارًا كارثية على جميع مناحي الحياة، بما في ذلك قطاع التعليم العالي، فقد أدّى الصراع المسلح إلى تدمير العديد من مباني الجامعات والكليات والمعاهد، ممّا أدّى إلى تعطل العملية التعليمية بشكل كبير، كما أدّى انهيار الوضع الاقتصادي إلى انقطاع رواتب المعلمين لمُدد طويلة، ممّا دفع بكثير منهم إلى الهجرة أو البحث عن فرص عمل أخرى.

على الرغم من هذه التحديات الجسيمة، ما زالت وزارة التعليم العالي تبذل جهودًا كبيرة لاستعادة عمل مؤسسات التعليم العالي في العديد من المحافظات اليمنية، كما تعمل على إعادة تأهيل المباني المتضررة من الصراع بالتعاون مع المنظمات الدولية.

يرى أكاديميون أنه من الصعوبة بمكان الجزم بأنّ البنية التحتية للتعليم العالي في اليمن تُلبي احتياجات النساء العاملات في القطاع والملتحقات به.

الدكتور عماد السقاف يقول: “إنّ البنية التحتية لا تلبي احتياجات الإناث والذكور في آن واحد” غير أنه يشير إلى وجود تحديات إضافية بالنسبة للإناث، من ذلك نقص المرافق المخصصة للنساء لمواجهة الممارسات المجتمعية التمييزية التي تحدُّ من نشاط المرأة وحريتها، وكذا عدم توفر فرص رعاية الأطفال للنساء العاملات أو الملتحقات بالتعليم الجامعي”.

ويؤكد السقاف أنّ النساء مغيبات تمامًا عن برامج دعم الطالبات، التي بمقدور وزارة التعليم العالي توفيرها بحسب اعتقاده، مشيرًا إلى شحة الفرص التدريبية للنساء العاملات وحرمان خريجات الثانوية والجامعات من المنح الدراسية أو برامج البعثات الخارجية بغرض التعلم والتدريب.

 

تحدي التوظيف

ترى الدكتورة نجوى العامري، أنّ نسبة الأكاديميات من النساء شحيح جدًّا مقارنة بالذكور، ويعود الأمر في نظرها إلى قصور دور التعليم العالي في تشجيع المرأة؛ سواء من خلال تغييب خريجات الجامعات عن المنح الخارجية لاستكمال تعليمهنّ العالي، أو من خلال عدم منحهنّ درجات وظيفية.

وروت لنا قصةَ كفاحها الشخصية من أجل نيل شهادة الدكتوراه بدعم أسرتها، لتؤكد أنّها لم تحصل على أي درجة وظيفية، وهو ما دعاها للتعاقد مع بعض الجامعات والمعاهد الخاصة.

وتعمل نجوى دكتورة محاضرة في بعض الجامعات الخاصة لقاء مبلغ يسير من المال لا يتجاوز الـ 3$ عن كل محاضرة، وتؤكد: “لديّ ثلاث محاضرات في الأسبوع في ثلاث جامعات، في كل محاضرة ساعتان باليوم، ليكون إجمالي ما أحصل عليه أسبوعيًا هو 9$ لا أكثر”.

 

إنّ تعافي قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن يتطلب جهودًا كبيرة من جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وبفضل الجهود المبذولة، وهناك أمل كبير في إعادة إحياء هذا القطاع المهم وإعادة اليمن إلى مكانتها المرموقة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي.