حنان حسينالمرأة في التنمية والسلام

 

تواجه اليمن فيما يقارب عشر سنوات تحديات تنموية وخدمية كبيرة، أثرت بشكل كبير على مجالات المجتمع المحلي، الأمر الذي يتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة، وهناك تأكيدات بأنّ المجال الأكاديمي له دور في ابتكار معالجات علمية تُسهم في التأثير على التحديات كافة التي تواجه البلاد.

ومن أهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة استمرار الصراع، الذي يمثل أكبر تحدٍّ يواجه اليمن؛ إذ أدّى إلى تدمير البنية التحتية ونزوح العديد من المواطنين، كما يعدُّ الفقر وارتفاع معدلاته عائقًا أمام تحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى ندرة المياه، وانتشار الفساد في جميع مؤسسات الدولة، مما يعوق التنمية، ويقلل من كفاءة الخدمات العامة.

تشير كثير من التقارير العلميّة إلى أنّ المرأة الأكاديمية لها دور فعّال ومحوريّ في هذا السياق؛ إذ تعدُّ صانعة قرار ومؤثرة في المجتمع، وتتمتع بمعرفة ومهارات تمكنها من المساعدة بشكل فعّال في تحقيق التنمية المستدامة، عبر إجراء البحوث العلمية التطبيقية التي تستهدف القضايا التنموية الملحة في اليمن، مثل المياه والطاقة والزراعة والصحة وغيرها.

 

دور المرأة في تعزيز التنمية المستدامة

روزا الخامري (أستاذ مساعد في كلية الحقوق) تذكر أنّ هناك دورًا كبيرًا للمرأة في تعزيز التنمية المستدامة؛ إذ يتضمن الهدف الخامس للتنمية ضرورة تكافؤ الفرص للمرأة مع الرجل في تحقيق المساواة في مجالات صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة، وأنّ مشاركة المرأة هو مطلب تنموي لإتمام العملية التربوية وشمولها.

وتتابع: “النساء لم يستطعنَ المشاركة والوصول لمواطنة متساوية متكافئة في اليمن، وإن كُنَّ موجودات، لكن بنسب لا ترقى لتمثيل حقيقي حتى في الجانب الأكاديمي، لذلك فالنساء ليس لديهنّ فرص للتمكين، خاصة في ظل الصراعات”.

وترى روزا أنّ النساء بإمكانهنّ الإسهام بشكل كبير في مختلف قضايا التنمية المستدامة في اليمن، لكن الظروف المحيطة بهنّ تقيدهنّ من الحصول على ما يطمحنَ إليه. وعلى الرغم من وجود الكفاءات من الأكاديميات من ذوات الخبرة والاختصاص يأتي التمثيل للنساء الأكاديميات ضئيلًا، فلم تتولَّ أيُّ امرأة رئاسة جامعة سواء حكومية أو خاصة، ونجد أنّ هذا الإسهام في منح النساء للمناصب الأكاديمية ما زال دون المستوى، وما زالت أيضًا تعاني من قصور في التمثيل والتمكين في مواقع صنع القرار.

وتضيف: “المرأة لا تزال تعاني من التمييز والثقافة الذكورية والتصور النمطي، بالإضافة إلى الهيمنة الذكورية على النسيج الاجتماعي والثقافي، وعلى الرغم من الاحترام الذي تحظى به النساء الأكاديميات، لكن المناصب في الغالب لا تُعطى لهنّ كاستحقاق وفق معايير القانون ونظمه واللوائح الأكاديمية”.

وتشدد على ضرورة أن تكون هناك سياسات ترسم وتحدد الإطار العام الذي يحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية لإتاحة الفرصة للجميع، وتعزيز تكافؤ الفرص في منحهنّ مناصب قيادية في المجال الأكاديمي، وعلى الرغم من ذلك لا ننكر أنّ هناك عددًا من النساء في جامعة عدن ومعظم الجامعات اليمنية تقلدنَ مناصب عمداء ونواب عمداء ورؤساء أقسام”.

من جانبها تقول سارة الصعفاني (معيدة في كلية الإعلام): “البحوث العلمية تُسهم في إنتاج العلم والمعرفة، وتعدُّ بوابة لتحقيق درجة علمية تسمح بعبور الطريق الأكاديمي، الذي غايته تعزيز التنمية المستدامة بالاستثمار في تعليم الطالب في مرحلة التعليم العالي، ويكمن دور المرأة الأكاديمية في ترْك أثرٍ في كلّ التخصصات العلمية في الجانبين المهني والمعرفي”.

وتضيف: “كل نجاح لامرأة يمنية يجعل الطريق سالكًا للفتيات اللاتي يرغبنَ في الالتحاق بالتعليم والمسار الوظيفي الأكاديمي، كما أنّ المعلومات والنصائح التي تزود بها الطلبة تمثل خدمة مجتمعية وتنمية مستدامة للأفكار والمعارف، فضلًا عن النتائج والتوصيات التي توصلت إليها في دراساتها العلمية”.

 

إسهامات متنوعة

وترى سلا المخلافي (أستاذة علم الاجتماع) أنّ للنساء دورًا في مجال الأبحاث وتطوير العملية التعليمية والأكاديمية؛ إذ يكاد لا يخلو قسم من وجود المرأة في جميع التخصصات العلمية والأدبية سواء أكانت تطبيقية أم نظرية.

وتتابع: “هناك كثير منهنّ لهنّ بصمة كبيرة في الكليات والجامعات والعمل الأكاديمي النضالي، وهناك أسماء بارزة كُنَّ رائدات في هذا النشاط، وكان لها الصف الأول في وضع المرأة في مكان يليق بها، وهناك أيضًا كثير من الأكاديميات قُمنَ بنشاطات في المجال المجتمعي، منها العنف ضد النساء، ومجال الطفولة والمجالات الإنسانية، مما يثبت دورهنّ الكبير في التأثير على المجتمع”.

 

مشاركات داخلية وخارجية

بالنسبة للمشاركات الخارجية تشير الخامري إلى أنّ هناك كثيرًا من النساء الأكاديميات شاركنَ بفعالية في أكثر من محفل دولي أكاديمي بإسهامات بحثية عالية، ولهنّ بصماتهنّ في العديد من الجوانب العلمية والتطبيقية بحسب التخصصات سواء كان في الجانب المحلي أو في الجانب الخارجي (مؤتمرات محلية وداخلية أو مؤتمرات خارجية).

وتضيف: “جميع إسهامات النساء تعمل على حل المشاكل، ووضع الحلول لمختلف القضايا، لكن نقطة الاستفادة تكمن في كيفية استخدام نتائج الأبحاث العلمية والأدبية والطبية والصحية والإدارية والمؤسسية في المجال المؤسسي الذي يخدم عمليات التنمية”.

 

دور محوري ومساند

حول أهمية دور النساء في الجانب العلمي وربطه بدعم بقية التخصصات، تشير سلا المخلافي إلى أنّ دور المرأة يعدُّ مهمًّا، فهي مساندة للرجل الأكاديمي في التخصصات والمجالات كافة، حتى أنّ بعض التخصصات تمثل النساءُ الأغلبية فيهنّ.

وفي السياق نفسه توضح سارة الصعفاني أنّ الجانب العلمي يواجه تنافسًا معرفيًّا لا يفرق بين رجل وامرأة، وقد تكون فرص الرجل أعلى في الوظيفة للموروث المجتمعي، لكن ما يزال بإمكانها الوصول، الأمر يتطلب الاستعداد جيّدًا والحضور للمنافسة وإثبات الجدارة.

في إطار الحديث عن تولي النساء مناصب قيادية، توضح سلا المخلافي أنّ وجود النساء في هذا المجال يعدُّ بارزًا ومؤثرًا، وقد تبوأت المرأة الأكاديمية مناصب عدة؛ مثل عميدة كلية ورئيسة قسم ومعيدة وغيرها، فهي تعمل في مناصب إدارية عليا بالجامعات، لكن بنسب قليلة مقارنة بالرجل، رغم أنّهنّ مؤهلات إداريًّا، وأثبتنَ جدارتهنَّ والتزامهنّ وقدرتهنّ على قيادة الجامعات نحو طريق ناجح ومثمر.

 

التحديات والصعوبات

رغم كل الصعوبات التي تواجهها النساء في مختلف القطاعات، فإنهنّ يعملنَ ببراعة، وتحصر سلا المخلافي التحديات التي تواجه المرأة الأكاديمية في النظرة القاصرة من المجتمع كله.

من جانبها تؤكد سارة الصعفاني أنّ هناك مكانة للمرأة تتولى فيها مناصب فرعية، ورغم ذلك تكاد لا تصل إلى منصب تكون فيه صاحبة القرار الأول؛ إذ إنّ الدرجة العلمية ليست سببًا كافيًا للتمكين في اليمن في تبوّؤ منصب تسهم به في تطوير الأبحاث العلمية في التنمية المستدامة، وهذا يعدُّ التحدي الأكبر من وجهة نظرها.

وتتابع: “الدراسات العليا تعدُّ مرحلة احتراق نفسي لكل الباحثين؛ كونها تتطلب التفرغ والهدوء والأمان المادي والمعنوي، وهي مرحلة مرهقة جسديًّا ونفسيًّا، ولأنّ لا قيمة للبحث العلمي في اليمن؛ فإنّ على الباحث أيضًا أن يحفّز نفسه، وهذا التحدي يكون في وجه الأكاديمية؛ كونها مسؤولة عن عائلتها كذلك، لكنها تحقق ذاتها بين الأعمال باقتدار وجدارة”.

“إنّ أكبر المعوّقات التي قد تواجه النساء الأكاديميات في جانب التنمية المستدامة هي سيطرة الذكور على المناصب التي تستطيع عن طريقها التأثير وصنع القرار؛ إذ إنّ المجتمع لا يتقبل الدور القيادي للمرأة، ويحدُّ من تقلدها للمناصب المهمّة، ويمنح الرجال أكبر المناصب، وهذا يجعلها مكتفة ولا تستطيع القيام بالدور كما يجب، ويفرض التحيز الثقافي للعادات والتقاليد والأعراف ضد المرأة، لكنّها تحاول مرارًا بأبحاثها وإسهاماتها المجتمعية والعلمية والتربوية”. حسب قول روزا الخامري.

 

التوصيات

وعن أبرز الحلول ترى سارة الصعفاني أنّ المرأة اليمنية تحتاج إلى الفرصة والمال، والدعم الأسري لترى النور، وتؤكد على ضرورة التوعية بأهمية التعليم الأساسي للمرأة فهو الذي يعرفها بحقوقها، ويمكنها من المطالبة بها، وصناعة فرص نجاحها، ويمثل التعليم الأكاديمي اعترافًا لها بالكفاءة، ويسهم نشر أخبار نجاح المرأة اليمنية ووصولها لأعلى المناصب والدرجات العلمية في رفع مستوى الوعي المجتمعي، وتحفيز المرأة ذاتها على مواصلة الكفاح.

وتذكر سارة أنه بإمكان الأكاديميات الوصول عربيًّا ودوليًّا عن طريق النت إلى فرص كثيرة مفتوحة على ثقافات عديدة ومتنوعة وظيفية وتعليمية مرموقة، ويمكنهنّ من الإسهام في نشر المعرفة على نطاق أوسع.

من ضمن الحلول التي استعرضتها روزا الخامري؛ تعزيز تكامل الأدوار الاجتماعية بين أفراد الأسرة، وتنمية روح الريادة والقيادة لدى المرأة، وتنمية مهارات المرأة الإدارية في العمل الأكاديمي، إضافة إلى القيام بدعم قضايا المرأة في المجتمع، وتمكينها سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ودعم تعليم الفتاة في الأسرة أسوة بالذكور”.

وتضيف: “يجب توفير فرص لرعاية الأطفال لضمان حصول المرأة العاملة على رعاية لأولادها، ورفع مشاركة المرأة في مختلف المجالات، وتمكينها في مراكز صنع القرار، وتأمين بيئة عمل فيها تكافؤ الفرص، والإنصاف في الأجور، ونشر الوعي في السلطة التشريعية بأهمية تمكين المرأة في المناصب القيادية”.

تشدد روزا الخامري على أهمية نشر الوعي لتغيير الصورة النمطية للمرأة، وتحفيز النساء على دعم بعضهنّ، وتطوير العمل الأكاديمي، وتحسين آلياته المؤسسية، كما ترى أنّه من المهم توعية المرأة بحقوقها المهنية والجامعية، وتجديد التشريعات الخاصة بتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.